دولة العدالة وأهل العلم

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: تؤكد تجارب الامم والشعوب عبر التاريخ، أن بناء دولة العدالة لا يمكن أن يتحقق من دون  دور فاعل لأصحاب العلم والثقافة الأصلاء والفاعلين حقا وليس زيفا وكذبا ورياءا، في ساحة العلم الحقيقي ويبثونه الى من يحتاجه فعلا من عامة الناس، وكلما ابتعدت الامة او الشعب عن رجال العلم الحقيقيّين الصالحين، كلما ازدادت الهوة بين الوعي والثقافة وبين الكثرة الكاثرة من الناس، وهكذا ينبغي على النخب كافة، وقادة المنظمات الشعبية المختلفة أن تفهم بأن بناء دولة العدالة لن يتحقق إلا حين يفهم الناس من هم اهل العلم الحقيقيّين المخلصين لأنفسهم اولا ولسواهم وقبل هذا كله لربهم الأعلى وضميرهم الذاتي، حيث يترتب عليهم الدور الاكبر والاهم في توعية الناس عموما لاسيما من ذوي المستويات المتدنية من المعرفة.

ما هو دور اهل العلم؟

إن المهمة الاصعب والاكثر أهمية بالنسبة لعامة الناس، هي بناء الدولة التي تعدل بين الجميع وفقا للكفاءة والموهبة والقدرات، بغض النظر عن طبيعة الانتماء الديني او العرقي او سواه، لذلك تقع هذه المهمة على اهل العلم من رجال دين ومصلحين، ومثقفين وكتاب وكل الذين يعملون في مجالات المعرفة المتعددة، ولابد ان يفهم العلماء ما هو دورهم الأهم في هذا المجال.

يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في احدى كلماته وخطبه القيّمة بالمسلمين: (على أهل العلم أن يبيّنوا للناس من هو العالم الصالح ومن السوء).

لذلك يتعلق هذا الدور الهام والكبير بقضية دعم الوعي الشعبي، وتطويره وتعميقه الى مستويات عالية من الفهم، فالمجتمع الجاهل او قليل المعرفة والعلم، حتما سيجهل ما هي حقوقه وحتما سيتعرض للامتهان وسلب الحقوق والحريات، لاسيما في ظل حكومات تدّعي الاسلام شكلا، ولا تعمل بجوهر تعاليمه الانسانية العظيمة، لذا فإن قضية التوعية الفكرية تتصدر الاهتمامات لكي تسهل عملية بناء دولة العدالة التي تحمي الجميع بصورة متساوية.

يقول سماحة المرجع الشيرازي، في كلمته نفسها حول هذا الموضوع: (إنّ قضية التوعية الفكرية وهداية المجتمع قضية مهمّة جدّاً، حيث أن السيّدة الزهراء صلوات الله عليها ضحّت بنفسها الطاهرة في هذا السبيل).

وهناك دور مماثل ومسؤولية متقابلة تقع على الناس انفسهم، بمعنى يجب عليهم التفريق بين اصحاب العلم الصالحين الحقيقيين، واصحاب العلم الكاذبين والمدّعين والمزيفين، لهذا اكد سماحة المرجع الشيرازي، هذه المسؤولية على عامة الناس حينما دعاهم الى ضرورة التفريق بين الطرفين، وأخذ العلم من اهله الحقيقيّين، قائلا بهذا الخصوص: (على الناس جميعاً أن يعلموا ممن يأخذوا العلم والدين، كي لا يكون نصيبهم الخسران).

والمشكلة الاكثر خطورة، تتمثل بعدم معرفة الشباب لدورهم في تحصيل العلم، واهميته في رفع الوعي العام، وسهولة بناء دولة العدالة فيما لو تم اخذ العلم من اصحابه الفعليين، لذا يلقي سماحة المرجع الشيرازي باللائمة على الشباب أنفسهم، قائلا في هذا الصدد: (من المؤسف له أن الشباب لا يميّزون بين العالم الحسن وعالم السوء, ويحسبون ذنب واحد يصدر من علماء السوء على جميع العلماء. وهذا ليس هو الواقع وغير صح). ويضيف سماحته مؤكدا في هذا المجال قائلا: (من مسؤولية العلماء أن يفهموا الشباب، وأن يعينهوهم على معرفة العلماء، وتمييز الصالح والسليم من المتظاهر بالعلم وبالقداسة) .

الخطر الحكومة على الحريات

إن الحكومة الفاشلة والجاهلة والتي تتمسك بالقمع والتفرد والاستبداد، سبيلا الى حماية نفسها ومناصبها، ستكون كارهة ورافضة للعلم، بل تعمل على تجهيل الناس اكثر، حتى لا يعرفوا حقوقهم وحرياتهم ويطالبون بها، لهذا هناك قطيعة مزمنة بين السلطة المتعجرفة وبين العلم والوعي والثقافة، وبهذا يلجأ المستبدون الى السجون ومطاردة الاحرار من المفكرين، واصحاب العلم من اجل ضرب المعرفة، لهذا كان الامام علي بن ابي طالب عليه السلام لا يحبذ السجون ويشجع على المعرفة والوعي، بل لعله القائد السياسي الوحيد الذي اكتفى بسجن واحد صغير بجدران واطئة وبلا سقف، كدليل على تحبيذه للمعرفة وعدم ملاحقة المفكرين.

يقول سماحة المرجع الشيرازي، في هذا المجال بكلمته المذكورة نفسها: (إنّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، في أيام حكومته، وبإقرار حتى المؤرّخين الكفرة، بنى سجناً واحداً فقط, وذلك للذين كانوا يستحقّون السجن فعلاً. وكان حائط هذا السجن قصيراً وبلا سقف، كي يتنبّه السجين لتصرّفاته، ويعيد النظر في أفعاله!) . ويشير سماحته الى الاعمال التي تقوم بها الحكومات، التي تتخذ من الاسلام دينا رسميا لها، حيث تلجأ الى بناء السجون كحلٍّ لحماية نفسها، وهو الامر الذي يحيل دون وصول المعرفة والوعي الى الناس، وتصبح قضية بناء دولة العدالة مستحيلة في ظل حكومات من هذا النوع، الذي يسود فيه علماء الزيف على علماء الحقيقة والحق.

يقول سماحة المرجع الشيرازي، في هذا الخصوص: (من المؤسف له، تعالوا وانظروا الآن إلى الدول الإسلامية. فهذه الدول تعمل جهاراً بخلاف القرآن، ويبنون السجون ويودعون فيها الألوف من الناس. فقد نقلوا أنه في بعض الدول الإسلامية يودع السجون يومياً 1600 شخص. أي في السنة يودع السجن أكثر من نصف مليون شخص!). ثم يتساءل سماحته قائلا: (فهل هذا هو إسلام النبيّ صلى الله عليه وآله الذي وعد الناس به، وبأنه يسعدهم في دنياهم وآخرتهم؟  وبأيّ وجه من الوجوه وعلى ماذا يعتنق اليهودي أو النصراني هكذا إسلام؟ ثم هل يظلم اليهود بعضهم بعضاً كالظلم الذي نراه بين المسلمين في البلاد الإسلامية؟).

ثم يتوجه سماحته مخاطبا الشباب وقائلا لهم: (أيّها الشباب راجعوا التاريخ واقرأوه بتدبّر، ولا تكتفوا بالسماع والاستماع، لتعرفوا جيّداً الحقّ من الباطل، ولتعرفوا من هو مثل أبي ذر الغفاري رضوان الله عليه، ومن هو مثل أبيّ أيوب الأنصاري). وأخيرا يؤكد سماحته ناصحا الجميع: ( اعرفوا أمثال هذا الأمور وهذه القضايا من العلماء الصالحين فقط، وخذوها من عندهم، لا من غيرهم) .

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/كانون الثاني/2013 - 5/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م