الهند... ظاهرة الاغتصاب الجماعي

 

شبكة النبأ: تحولت قضايا وجرائم الاغتصاب الجماعي في الهند الى قضية رأي عام خصوصا بعد ان تكررت بشكل غريب في الفترة الأخيرة ، حيث أدت هذه الممارسات الى تأجيج الشارع الهندي ضد الصمت الحكومي على مثل هكذا جرائم خصوصا وان الهند هي من الدول التي تسجل أعلى أرقام الاغتصاب عالمياً ، وبحسب بعض المراقبين فأن الجرائم الأخيرة قد أسهمت وبشكل مباشر بإبراز حجم المعاناة والمشاكل التي تتعرض لها النساء في هذا البلد ويعتقد بعض علماء النفس أن اغلب من يمارس مثل هكذا جرائم بدوافع عدوانية لكون العديد منهم لديهم إحساس بالكره أو الخوف من النساء وهو ما يقودهم إلى الرغبة في إثبات قوتهم وسيطرتهم، يضاف الى ذلك باقي المشاكل الأخرى ومن أهمها الفساد والفقر والتخلف المتفشي في مثل هكذا بلدان، وفي هذا الشأن فقد أدت جريمة اغتصاب إحدى النساء في الهند، إلى إثارة ضجة كبيرة، إذ تحرك عشرات الآلاف ليتظاهروا ويعبروا عن غضبهم تجاه هذه الجريمة. وتوجهت أنظار العالم إلى انعدام الأمان الذي تعيشه نساء الهند يومياً، إذ أشار ديوان سجل الجرائم في الهند إلى وقوع أكثر من 24 ألف حالة اغتصاب مسجلة خلال عام 2011، أي ما يعادل وقوع جريمة اغتصاب كل 22 دقيقة في الهند، ولكن هذا العدد ينحصر في الحالات المسجلة فقط، إذ تشير حسابات أخرى أن العشر فقط من حالات الاغتصاب يتم الإبلاغ عنها.

وتتنوع آراء الشعب الهندي حول أسباب معدل الجريمة المرتفع في مجتمعهم، إلا أن هنالك عدد من الحقائق المعروفة، إذ تنعدم وسائل الأمن المجتمعي في الهند، فلا توجد أنظمة للرقابة المجتمعية، ولا أنظمة الكاميرات التي يمكنها تسجيل ما يحدث في شوارع الهند، بالإضافة إلى نظام للشرطة يعمه الفساد. ويشير تقرير صادر عن المكتب المسؤول عن المخدرات والجريمة التابع للأمم المتحدة إلى أن عدد أفراد الشرطة مقارنة بعدد سكان آسيا الجنوبية هو الأقل عالمياً، ولدى بلاد هذه المنطقة أقل نسبة من المدعين العامين مقارنة بالكثافة السكانية. كما يمكن أن يكون هنالك عوامل أخرى تتمثل بمواجهة الهند لأزمة ديموغرافية، إذ يشير التعداد السكاني لعام 2011 إلى وجود تسع نساء لكل عشر رجال في الهند، وتعتبر هذه من أسوأ الاحصائيات تبعاً للجنس، ويعود أحد أسبابها الرئيسية إلى حرص عشرات الآلاف من الهنود على القيام بعمليات الإجهاض فيما لو كان المولود أنثى. بحسب CNN.

ولكن الهند ليست وحدها من يتصف بكل ما ذكرناه، وقد يمكننا اختصار الوضع برمته بأن الثقافة ذاتها هي التي تسمح بوقوع نسبة عالية للجريمة، إذ أن حالة واحدة تمت إدانة المجرم خلالها، من بين 600 جريمة اغتصاب سجلت في دلهي العام الماضي. وهنا تكمن أهمية الاحتجاجات الواقعة الآن في الهند، فالشعب مستاء بشكل عام، وتظاهرات الطبقة الوسطى في الهند فعلت مجتمعاً مدنياً قوياً يطالب بحكومة أفضل، وبالشكل الذي قامت خلاله المظاهرات العام الماضي للقضاء على الفساد، والآن تطالب الجموع بحقوق أساسية لنساء الهند، وبشكل كونت خلاله "ربيعاً هندياً" يطالب بإصلاح وتغيير حقيقيين. ويمكن لهذا الربيع أن يحقق نجاحاً أكبر من نظيره العربي، إذا ما تعرف المسؤولون إلى الحاجة نحو التغيير الجذري وتحقيق المصلحة الفضلى لمجتمعهم.

اصغر أفراد العصابة

الى جانب ذلك وفي قرية بولاية اوتار براديش الهندية تجلس امرأة منحنية على الأرض يبدو عليها الضعف وهي ترتجف من البرد. وتقول المراة انها لم تأكل هي وأطفالها الخمسة منذ عدة ايام. ولا تعرف المرأة مانموهان سينغ رئيس وزراء الهند ولم تغادر قريتها الا لتذهب لسوق بلدة قريبة وتكسب قوتها من زراعة البطاطا (البطاطس) في اراضي الغير. ورحل ابنها الاكبر وهو في الحادية عشر من عمره. ولم يعد قط واعتقدت انه مات. ولم تعرف اخباره الا حين جاءت الشرطة من نيودلهي إلى كوخها المبني من الطوب وابلغتها بالقبض عليه في حادث اغتصاب جماعي لطالبة وقتلها في جريمة أذهلت وحشيتها الهند.

وذكرت والدة الحدث اصغر افراد عصابة المغتصبين المتهمين بارتكاب الجريمة والمؤلفة من ست اشخاصان ابنها رحل قبل خمسة او ستة اعوام مبهورا بأضواء المدينة وابدت دهشتها للاتهامات الموجهة إليه. وتقول الام فيما وقف سكان القرية يحملقون "يحزنني ما اكتسبه من سمعة سيئة. لا استطيع ان اجلس حتى مع اثنين من سكان القرية بسبب ما جلبه ابني من عار للاسرة."

وتعرضت طالبة العلاج الطبيعي البالغة من العمر 23 عاما للضرب والاغتصاب على متن حافلة وهي تسير في شوارع العاصمة في 16 ديسمبر كانون الاول وتركت تنزف عل طريق سريع لتفارق الحياة بعد أسبوعين متأثرة بإصاباتها. ووجهت تهمة الاغتصاب والقتل لخمسة أشخاص. والعضو السادس هو ابن المرأة الفقيرة ويعامل كحدث ولم توجه له اتهامات وسيحاكم على حدة. وقالت الشرطة انها تجري اختبارات على العظام لتحديد عمره لاشتباهها بان سنه تجاوز 18 عاما..

وسعى الحدث للهروب من حياة الفقر في الريف وهو واحد من نحو مليوني هندي يهاجرون للمدن كل عام جريا وراء الازدهار الاقتصادي الذي شهدته الهند في العقدين الأخيرين ولكنه لم يصل بعد الى فقراء البلاد. وتقول الام ان ابنها سافر إلى دلهي مع مجموعة من فتية القرية وعمل في أول عام في مطعم على الطريق وكان يحول لاسرته 600 روبية (11 دولارا) كل شهر. وبعدما توقف عن تحويل النقود لم تسمع منه أمه مرة اخرى وفي البداية اعتقدت انه ربما دفع للعمل قسرا ولاحقا افترضت وفاته.

وتعمل الام التي تعيش على حد الكفاف مع زوج يعاني من مرض عقلي في الحقول من بناتها لإطعام الأسرة . ونحو نصف سكان قريتها عمال لا يمكلون ارضا ويهاجر نحو ربع رجالها للمدن بحثا عن عمل حسبما قال المزارع فيجاي بال وتفاصيل حياة الفتي بعد مغادرة القرية غامضة. وقال ضابط شرطة كبير ان رفاقه المتهمين في الجريمه لا يعرفون حتى اسمه الحقيقي وانه كان يعمل في موقف حافلات حيث يقوم بتنظيف الحافلات ومساعدة السائقين.

وخلال تلك الفترة التقي رام سينغ المتهم الرئيسي في القضية. وعاش سينغ وثلاثة اخرين من المتهمين في جيب فقير في حي بدلهي أغلبية سكانه من الطبقة المتوسطة تقف شوارعه العريضة التي تحف بها الاشجار في تناقض مع الازقة المظلمة المزودة بصنابير عمومية التي يعيش بها فيجاي سينغ. وسينغ سائق حافلة يصفه جيرانه بانه يسرف في تناول الخمر وعصبي المزاج. بحسب رويترز.

اما المتهم الاخر فيني شارما فهو من هواة الملاكمة وكمال الاجسام وكان دخلة نحو 55 دولارا في الشهر من عمله في نادي رياضي. وتقول والدته وجيرانه في الحي الفقير الذي يقطنه انه كان يريد ان يلتحق بدورات دراسية عن طريق المراسلة. وتضيف والدته شامبا ديفي "كان يقول لي 'سأحقق نجاحا كبيرا'." ومثل الحدث وضحية حادثة الاغتصاب ترجع جذور عائلة شارما لاوتار براديش التي يقطنها نحو 200 مليون نسمة ويتفشى فيها الفقر.

من جانب اخر امرت القاضية التي تتولى قضية الرجال الخمسة المتهمين باغتصاب وقتل شابة في الثالثة والعشرين من العمر في نيودلهي بان يمثلوا للمرة الاولى امام المحكمة في جلسة مغلقة. وقالت القاضية نامريتا اغاروال ان "المحكمة اصبحت مكتظة جدا، واصبح من المتعذر عليها ان تمضي في عملها في هذا الوضع" فيما كان محامون يحتجون بصخب مع تواجد كثيف لوسائل الاعلام. واضافت "يطلب من الاشخاص الذين ليس لهم علاقة بالقضية البقاء خارجا".

واحتجت مجموعة محامين من محكمة ساكيت جنوب العاصمة الفدرالية على وجود محامين اخرين تقدموا للدفاع عن المتهمين ما ادى الى تأخير بدء المرافعات في المحكمة المكتظة. وقاعة المحكمة التي لا تتسع لاكثر من ثلاثين مقعدا شهدت تدافع حوالى 150 شخصا لدخولها بينهم عشرات المحامين الذين لا علاقة لهم بالقضية وصحافيون اجانب.

والمشتبه بهم الخمسة الذين تتراوح اعمارهم بين 19 و 35 عاما ويواجهون عقوبة الاعدام بتهمة خطف واغتصاب وقتل الطالبة، كان ينتظر ان يمثلوا معا امام المحكمة للمرة الاولى. وشوهدت عدة حافلات تابعة لشرطة نيودلهي تواكبها سيارات شرطة تدخل الى مقر المحكمة الواقعة في جنوب نيودلهي. والمتهمون يمثلون عادة امام القضاء بعد عدة اشهر من وقوع الاحداث، لكن في هذه الحالة الخاصة تم تسريع الإجراء القضائي.

دعوى قضائية

في السياق ذاته أعلنت الشرطة الهندية رفع دعوى قضائية ضد قناة تلفزيونية اخبارية بثت مقابلة مع صديق شابة توفيت في اعقاب تعرضها لاغتصاب جماعي اثار احتجاجات عارمة حول البلاد. ورفعت الشرطة شكوى جنائية ضد قناة زي نيوز الناطقة بالهندية بسبب المقابلة التي ستؤدي بحسب الشرطة الى الكشف عن هوية الضحية ما يشكل انتهاكا لحقه في الخصوصية. وقال المتحدث باسم الشرطة راجان باغات "رفعنا قضية على زي نيوز بموجب المادة 228 أيه من قانون العقوبات الهندي الذي يتناول الكشف عن هوية ضحايا اعتداءات على غرار الاغتصاب".

وروى الشاب في المقابلة الحادثة المروعة التي وقعت في 16 كانون الاول/ديسمبر عندما استقل مع صديقته حافلة خاصة للعودة الى المنزل بعد مشاهدتهما فيلما في سينما في جنوب دلهي. وبعد صعودهما الحافلة تعرض هو للضرب فيما تعرضت صديقته البالغة 23 عاما لاغتصاب جماعي نفذه السائق وخمسة رجال اخرين اعتدوا عليها بقضيب حديدي ما ادى الى جروح داخلية خطيرة تسببت بوفاتها . بحسب فرنس برس.

كما انتقد الشاب الشرطة التي تأخرت في الوصول وفي نقلهما الى مستشفى بسبب جدل حول اي مركز شرطة سيتحمل مسؤولية الجريمة. ويحظر القانون الهندي ذكر اسماء ضحايا الاغتصاب من دون اذن من الضحية او افراد عائلتها. ودعت لجنة حماية الصحافيين السلطات الهندية الى الامتناع عن رفع دعوى على القناة التلفزيونية. وقال منسق انشطة المنظمة في آسيا بو ديتز في بيان "هذا مثال على سوء تحديد الاولويات". وتابع "ان السلطات تبتعد عن حماية حقوق الضحية عندما تنتقم من وسيلة اعلام تضيء على تفاصيل الجريمة المروعة التي انهت حياتها".

الى جانب ذلك قال والد فتاة هندية أثار اغتصابها وتعذيبها بوحشية غضبا دوليا إنه يريد الافصاح عن اسمها حتى يمكن أن تكون مصدر الهام لضحايا الاعتداءات الجنسية الاخريات. وقال والد الفتاة لصحيفة صنداي بيبول البريطانية "نريد أن يعرف العالم اسمها الحقيقي. "ابنتي لم تقترف اثما لقد ماتت وهي تحمي نفسها. أنا فخور بها. الكشف عن اسمها سيشجع النساء الاخريات اللائي ينجون من هذه الهجمات. سيستمدن القوة من ابنتي." ويحظر القانون الهندي عادة ذكر اسم ضحايا الجرائم الجنسية لحماية خصوصيتهن وابعاد وسائل الاعلام عنهن في دولة يمكن أن تكون وصمة العار التي تلحق بمثل هؤلاء الضحايا مدمرة. بحسب رويترز.

وأبلغ الأب إنه ليس لديه اعتراض على استخدام وسائل الاعلام اسم ابنته إلا أنه لم يذكر المزيد من التفاصيل. وهناك دعوات متزايدة في الهند لإذاعة اسم الفتاة وتساءل السياسي شاشي تهارور عن جدوى عدم ذكر اسمها واقترح سن قانون جديد لمناهضة الارهاب يطلق عليه اسمها وهو اقتراح أيده والد الفتاة. وذكرت الصحيفة البريطانية اسم الوالد وابنته قائلة إن الوالد سمح لها بذلك لكنها أضافت انها لن تنشر صورة للفتاة بناء على طلب عائلتها.

المزيد من الشرطيات

على صعيد متصل قالت السلطات الهندية إن عددا أكبر من السيدات سيجري تعيينهن قريبا في سلك الشرطة في العاصمة دلهي، استجابة لموجة الغضب التي اجتاحت الشعب الهندي، في أعقاب حادث الاغتصاب. وصرح المسؤولون أن الوزير سوشيل كومار شيندي سيجري محادثات مع مسؤولين في الولايات ورؤساء الشرطة حول طرق إيقاف الجرائم التي ترتكب ضد النساء. بحسب فرنس برس.

وأعلن شيندي أنه سيجري تعيين أفراد شرطة من السيدات في كل أقسام شرطة دلهي التي يبلغ عددها 166 قسما على مدار اليوم. وقال شيندي: "لقد وقعت على وثيقة تعيين ضابطتي شرطة إلى جانب سبع موظفات مسؤولات عن الأمن في كل قسم شرطة في دلهي." وفي الوقت الحالي، لا تضم العديد من أقسام الشرطة في المدينة ضمن عناصرها أي سيدات، حيث يقول مسؤولو الشرطة إنه يكون من الصعب في بعض الأحيان على رجال الشرطة أن يساعدوا الضحية إذا ما كانت سيدة.

وأعلن المسؤولون بمدينة دلهي عن اتخاذ سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى جعل المدينة أكثر أمنا. وتتضمن تلك الخطوات زيادة عدد دوريات الشرطة الليلية، والتحري عن خلفيات سائقي الحافلات ومساعديهم، إضافة إلى منع الحافلات من تظليل نوافذها أو وضع الستائر داخلها. كما عمدت الحكومة إلى تشكيل لجنة برئاسة أحد قضاة المحكمة العليا المتقاعدين لاقتراح بعض التغييرات على قانون الاغتصاب. وأطلق أيضا خطا هاتفيا لتقديم المساعدة للسيدات ممن هن بحاجة إلى المساعدة، حيث يتصل ذلك الخط بأقسام الشرطة في مختلف أرجاء المدينة.

الى جانب ذلك أُوقف أربعة رجال من الشرطة الهندية عن العمل ونقل خامس، وذلك بسبب طريقة تعاملهم مع قضية اغتصاب وقتل جديدة بالقرب من العاصمة الهندية دلهي. وقال والد الضحية البالغة من العمر 21 عاما إن ابنته تعرضت لاغتصاب جماعي، وعثر على جثتها. وألقي القبض على رجلين، وتمكن متهم ثالث من الهرب في أحدث قضية اغتصاب في الهند.

وكانت الضحية في هذه القضية الأخيرة تعمل موظفة في مصنع بضاحية نويدا، وهي إحد ضواحي العاصمة. وقالت وسائل الإعلام الهندية إن الضحية اختفت أثناء عودتها من العمل إلى البيت، وتقدم والدها بشكوى لأن الشرطة فشلت في البداية في التعامل السريع مع البلاغ باختفائها، وقالت إنها ربما خرجت مع شخص ما. وقد أثارت هذه القضية الحديثة احتجاجات في مدينة نويدا التي شهدت الحادث.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 16/كانون الثاني/2013 - 4/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م