فرنسا في مالي... سياسة متخبطة في مواجهة الارهاب

 

شبكة النبأ: العمليات العسكرية الأخيرة التي قام بها الجيش الفرنسي ضد الجماعات المسلحة التي تسيطر على مناطق واسعة من شمال مالي والتي أتت بناء على طلب من حكومة مالي لمساعدة الجيش على وقف زحف المسلحين، وعلى الرغم من التأييد الدولي الذي حصلت علية الحكومة الفرنسية فان بعض المراقبين يرون ان هذا القرار ربما يكون متسرعاً لكون فرنسا قد اختارت ان تتولى زمام الأمور وقيادة الحرب ضد الجماعات المسلحة وتنظيم القاعدة في أفريقيا لتشارك بذلك الولايات المتحدة الأمريكية وتكون خصم مهم وجديدا لهذا التنظيم الذي سيعمل على تهديد مصالح هذه الدولة بحسب ما صرح قادة التنظيم، وهو ما سيحرج الحكومة الفرنسية الجديدة أمام شعبها خصوصا وان فرنسا ليست كالولايات المتحدة الأمريكية في هذا الجانب لكون الأخيرة قد اكتسبت العديد من الخبرات الميدانية والاستخبارية في حربها مع الإرهاب ولعل اهمم ما يثبت هذه النظرية هو فشل عملية جنوب الصومال والخسائر الجديدة في مالي, وفي هذا الشأن فقد واصلت الطائرات الفرنسية قصف مواقع الإسلاميين في مالي فيما افيد عن مقتل مسؤول كبير في جماعة "انصار الدين" مع توجه قوات افريقية الى البلاد.

واعلن وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان ان الضربات الجوية الفرنسية على مواقع المجموعات المسلحة الاسلامية في مالي مستمرة. واضاف "ان تدخلنا جار وسيستمر من اجل دفعهم (الاسلاميين) على الانسحاب وافساح المجال امام القوات المالية والافريقية للتقدم واستعادة السيادة على اراضي البلاد". وتعهدت كل من بوركينا فاسو والنيجر والسنغال بارسال 500 جندي لكل منها في اطار قوة التدخل الافريقية.

و اعلن مصدر امني ان احد كبار المسؤولين في جماعة انصار الدين قتل في المعارك التي جرت من اجل استعادة بلدة كونا بوسط البلاد من ايدي المتمردين. وقال المصدر ان "المقاتلين الاسلاميين تعرضوا لنكسة حقيقية مع مقتل عبد الكريم المعروف باسم كوجاك"، مضيفا ان هذا المسؤول الكبير في جماعة انصار الدين قتل في المعارك التي جرت بين الجيش المالي والاسلاميين في كونا بوسط مالي.

واوقعت هذه المعارك 11 قتيلا وستين جريحا في صفوف الجيش المالي، بحسب رئيس مالي ديونكوندا تراوري. وقتل ضابط فرنسي قائد مروحية ايضا. وجماعة انصار الدين هي احدى المجموعات الاسلامية المسلحة التي تحتل شمال مالي منذ حزيران/يونيو مع الجهاديين في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا. وتدعو كل هذه الجماعات الى تطبيق الشريعة التي ترتكب باسمها العديد من التجاوزات.

وتضم جماعة انصار الدين خصوصا افرادا من الطوارق الماليين مثل زعيمها اياد اغ غالي وعبد الكريم وهو احد افراد قبيلة ايفورا (شمال شرق مالي) البالغ من العمر نحو اربعين عاما. وكان عبد الكريم انضم الى انصار الدين بعدما كان الرجل الثاني في الجماعة التي يتزعمها العضو في حركة تمرد الطوارق ابراهيم اغ باهانغا الذي يقاتل السلطات في باماكو والذي قتل في اب/اغسطس 2011 في ظروف غامضة في حادث في شمال شرق مالي.

و وصلت قوات فرنسية من ساحل العاج وتشاد الى باماكو في اطار التعزيزات التي امرت باريس بارسالها الى مالي في اطار عمليتها العسكرية لمؤازرة القوات الحكومية ضد الاسلاميين الذين يسيطرون على شمال هذا البلد. وقال مسؤول في الجيش المالي "لقد استقبلنا جنودا فرنسيين اتوا من ساحل العاج وتشاد"، مشيرا الى انه ينتظر وصول جنود فرنسيين آخرين من دون ان يحدد موعد وصولهم. ورفض المسؤول تحديد حجم التعزيزات الفرنسية التي وصلت، كما رفض توضيح طبيعة المهام التي ستتولاها او الاماكن التي ستنتشر فيها. وبث التلفزيون المالي الرسمي مشاهد لوصول هؤلاء الجنود وقد كان في انتظارهم في مطار باماكو العسكري عدد من القيادات العسكرية المالية.

ودبلوماسيا، تعقد المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا التي ستشكل قوة تدخل في مالي قمة في ابيدجان كما اعلن ناطق باسمها في لاغوس. وقال ساني اوغو الناطق باسم المجموعة التي تضم 15 دولية "انها قمة استثنائية، وستخصص فقط لمالي". بدورهم، سيلتقي رؤساء الاركان في المنطقة في الايام المقبلة من دون ان يدلي المتحدث بتوضيحات في هذا الصدد. بحسب فرنس برس.

واصدر مجلس الامن الدولي في كانون الاول/ديسمبر قرارا اجاز تشكيل قوة افريقية من 3300 عنصر لمساعدة مالي في استعادة السيطرة على شطرها الشمالي الذي تسيطر عليه جماعات اسلامية مسلحة منذ اذار/مارس 2012، غداة انقلاب اطاح بالرئيس المالي السابق امادو توماني توري.

تشديد الإجراءات

في السياق ذاته اعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند انه امر بتشديد إجراءات مكافحة الإرهاب في فرنسا "في اسرع وقت" وذلك بعد تدخل الجيش الفرنسي في مالي ضد الجماعات الاسلامية المسلحة التي تحتل شمال هذا البلد. وقال الرئيس في كلمة القاها في قصر الاليزيه بعد اجتماع مجلس الدفاع "يجب اتخاذ الاحتياطات اللازمة هنا" في مواجهة الخطر الارهابي و"مباشرة مراقبة منشآتنا العامة والبنية التحتية لوسائل النقل".

واثر ذلك اعلن رئيس الوزراء جان-مارك ايرولت ان خطة الدفاع ضد الارهاب التي تسمى في فرنسا "فيجي بيرات"، قد تم تعزيزها "على الفور" بالنسبة لوسائل النقل العام وتجمعات الاشخاص والمباني التي تستقبل العموم. وخطة "فيجي بيرات" هي في درجة اليقظة "الحمراء" منذ اعتداءات لندن في 2005. وعند هذا المستوى تنص الخطة خصوصا على عمليات مراقبة عشوائية لمداخل محطات القطار ودوريات في القطارات فائقة السرعة وحظر فضاءات واسعة من المجال الجوي.

وعلاوة على العسكريين تشمل الخطة تعبئة الشرطة واجهزة امن شركة السكك الحديدية. وهذه الخطة التي بدأ تنفيذها قبل 35 عاما، تشمل اربعة مستويات لكل منها لون يرمز الى درجة الخطورة هي الاصفر فالبرتقالي فالاحمر فالقرمزي. وكلما كان اللون داكنا ارتفعت درجة التاهب.

وكان تم اعلان درجة التاهب القصوى (القرمزي) لفترة قصيرة في آذار/مارس الماضي في جنوب غرب فرنسا اثناء عمليات القتل التي ارتكبها محمد مراح بحق مواطنين فرنسيين من اصل مغاربي ويهودي في تولوز.

الى جانب ذلك قال متحدث باسم جماعة أنصار الدين الإسلامية المتمردة إن تدخل الجيش الفرنسي ضد المقاتلين الإسلاميين في شمال مالي سيعرض المواطنين الفرنسيين للخطر بمن فيهم الرهائن. وقال سنده ولد بوعمامة المتحدث باسم الجماعة "ستكون هناك عواقب ليس على الرهائن الفرنسيين فقط بل جميع المواطنين الفرنسيين أينما وجدوا في العالم الإسلامي." وأضاف قائلا "سنستمر في المقاومة والدفاع عن أنفسنا. ونحن على استعداد للقتال حتى الموت."

وتتخذ جماعة أنصار الدين من مدينة تمبكتو التاريخية معقلا لها وهي حليف مقرب إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي -فرع القاعدة في شمال إفريقيا- الذي يقاتل أيضا القوات المالية المدعومة بسلاح الجو الفرنسي. ويحتجز تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحلفاؤه ثمانية مواطنين فرنسيين في منطقة الساحل التي يقطنها عدد قليل من السكان عقب سلسلة من عمليات الخطف. بحسب فرنس برس.

وقال بوعمامة "الرهائن يواجهون الموت.. ويبدو أن (الرئيس الفرنسي) فرنسوا أولوند يتمنى موت الرهائن. لقد اختار الحرب ولهذا فان الرهائن سيقتلون بدلا من التفاوض بشأنهم." وفي تسجيل مصور بث على الانترنت في وقت سابق حث متحدث باسم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي فرنسا على إعادة النظر في تدخلها. وقال عبد الله الشنقيطي "الأمر لا يزال بأيديكم فعليكم أن تكفوا عنا شركم وأن تحكموا على أيدي سفهائكم وإلا فإنكم تحفرون قبور أبنائكم بأيديكم وتلقون بهم إلى الجحيم." ونصحت وزارة الخارجية الفرنسية المواطنين الفرنسيين المقيمين في مالي وعددهم 6000 بمغادرة البلاد.

عملية فاشلة

على صعيد متصل انتهت عملية كوماندوس فرنسية لتحرير رهينة فرنسي في جنوب الصومال بالفشل اذ اسفرت عن مقتل الرهينة "على ايدي خاطفيه" بحسب باريس وذلك اثر معارك اوقعت العديد من القتلى بينهم جندي فرنسي. وقال وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لو دريان للصحافيين في باريس "كل الامور تدعو للاعتقاد بان (الرهينة) دوني الكس قتل على ايدي خاطفيه" في هذه العملية التي جرت خلالها معارك "شديدة الضراوة".

في المقابل اكدت حركة الشباب الاسلامية ان رجل الاستخبارات الفرنسي الذي تحتجزه منذ اكثر من ثلاث سنوات "لا يزال في امان بعيدا من مكان المعركة" لكنه سيحاكم "خلال اليومين المقبلين". وتوحي كل الامور بان العملية التي قامت بها فرق الادارة العامة للامن الخارجي (الاستخبارات الفرنسية) في بلدة بولومارير، جنوب الصومال، لتحرير الرهينة الفرنسي باءت بالفشل. واوضح وزير الدفاع الفرنسي ان جنديا فرنسيا قتل في المعارك و"فقد اثر" جندي آخر. في حين ان بيانا سابقا لجهاز المخابرات اشار الى مقتل جنديين. وقالت وزارة الدفاع في بيان ان 17 "ارهابيا" قتلوا في المعارك.

واضاف البيان ان "فرقة الكوماندوس واجهت مقاومة عنيفة"، وان "معارك عنيفة جرت خلال الهجوم". وذكر البيان بان دوني، وهو ايضا عميل في الاستخبارات الفرنسية، خطف في مقديشو خلال قيامه ب"مهمة رسمية لمساعدة" الحكومة الانتقالية في الصومال. واكدت الوزارة انه "بازاء عناد الارهابيين الذين رفضوا طوال ثلاث سنوات ونصف سنة الدخول في اي مفاوضات والذين احتجزوا دوني اليكس في ظروف غير انسانية تم التخطيط لعملية عسكرية وتنفيذها".

من جانبها اكدت حركة الشباب الاسلامية انها اسرت جنديا فرنسيا سقط جريحا خلال العملية ولم يتمكن رفاقه من سحبه. واكدت الحركة الموالية لتنظيم القاعدة في بيان ان "الجندي الفرنسي الجريح هو الان في عهدة المجاهدين". وقال احد سكال بولومارير انه شاهد جثة لرجل ابيض. وروى الرجل ويدعى ادريس يوسف "لا نعرف تحديدا ما الذي حدث لان الهجوم وقع ليلا لكننا شاهدنا الصباح جثثا عدة بينها جثة لرجل ابيض. كما قتل ثلاثة مدنيين في تبادل اطلاق النار".

واوضحت حركة الشباب ان الهجوم شنته خمس مروحيات مقاتلة وكان الهدف من العملية تحرير رجل المخابرات المحتجز في الصومال منذ 14 تموز/يوليو 2009. وكان هذا العميل الذي عرفته السلطات الفرنسية باسم دوني الكس، وهو اسم يمكن ان يكون مستعارا، خطف في مقديشو مع عميل اخر الا ان الاخير تمكن من استعادة حريته في آب/اغسطس 2009.

وجاء هذا الهجوم في الوقت الذي اعلنت فيه فرنسا تقديم دعم عسكري لحكومة مالي ضد حركة جهادية اخرى تابعة للقاعدة تحتل شمال هذا البلد منذ تسعة اشهر.

وجرت هذه العملية في ظروف صعبة اذ ان بلدة بولومارير، جنوب العاصمة مقديشو، تقع في منطقة مزدحمة بالسكان بحسب شهود في المكان. واكد مسؤولو حركة الشباب انهم تمكنوا سريعا من استدعاء مقاتليهم من معسكر تدريب مجاور. وبعد ساعات من العملية قال محمد شعيب ان "طائرات عسكرية تحلق فوق المدينة التي يسير مقاتلو الشباب دوريات فيها. يمكننا رؤية سياراتهم المسلحة تجوب المدينة". وهدد الاسلاميون فرنسا باعمال انتقامية واكدوا في بيان ان "المواطنين الفرنسيين هم في النهاية الذين سيذوقون لا محالة العواقب المريرة لموقف حكومتهم المتهور حيال الرهائن".

وقد فقد الشباب كل معاقلهم الرئيسية في جنوب ووسط الصومال اثر هجوم شنته قبل عام ونصف عام قوة الاتحاد الافريقي بمساندة من قوة كينية واخرى اثيوبية مع نواة الجيش الوطني الصومالي. الا ان حركة الشباب الاسلامية ما زالت تسيطر على بعض المناطق الريفية في جنوب ووسط البلاد. بحسب فرنس برس.

ودوني الكس واحد من تسعة فرنسيين محتجزين رهائن في الخارج، كلهم في افريقيا، بينهم ستة تحتجزهم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي والساحل. وفي الرابع من تشرين الاول/اكتوبر الماضي، ظهر دوني الكس شاحبا وغائر العينين في شريط فيديو وجه فيه "رسالة استغاثة" الى الرئيس فرنسوا هولاند وحضه على العمل على اطلاق سراحه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 16/كانون الثاني/2013 - 4/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م