سوريا... أزمة سياسية ترفض حلول المعادلة الدولية

 

شبكة النبأ: تموج سوريا بالخلافات والانقسامات والصراعات الداخلية والخارجية حاليا، بسبب أسوأ أزمة سياسية لها منذ 21 شهرا تقريبا، نتيجة لغياب الحلول الوسطية ولغة الحوار بين طرفي النزاع، مما سيمنح الازمة السورية فترة اطول من اللازم، وقد تشكل تداعياتها الخطيرة عقبة كبيرة على اكثر من صعيد والأمن بالأخص، على الرغم من  الجهود الدولية الحثيثة المبذولة لتسوية الأزمة السورية، حيث تسعى كل من الإدارة الأمريكية والروسية الى إيجاد أساليب واستراتيجيات جديدة لمعالجة الأزمة السورية الحالية، لكنها لم تصل الى اتفاق حاسم لحد الآن، ولعل ابرز الاسباب الخلافات بين روسيا والولايات المتحدة بشأن الدور المستقبلي الذي يلعبه الرئيس السوري بشار الاسد، فعلى الرغم من كل الضغوط والانتقادات الدولية ما زالت روسيا متمسكة بمواقفها اتجاه سوريا وخصوصا الرئيس الاسد، في المقابل جددت قطر التي تدعم الجماعات المسلحة في سوريا دعوتها لارسال قوة مسلحة لانهاء الصراع في سوريا اذا فشلت جهود الابراهيمي، وهذا يوضح الأجندة التي تستهدف سوريا من لدن الدول العدائية، كـ تركيا ودول الخليج وبعض الدول الإقليمية، فضلا عن اللاعب الأساسي الدول الغربية، لجعلها بؤرة الصراع في الشرق الأوسط.

روسيا ترفض استبعاد الاسد

فقد صعدت روسيا موقفها بمواجهة القوى الرافضة لمشاركة الرئيس بشار الاسد في اي عملية سياسية محتملة في سوريا، واعتبرت ان هذا الشرط المسبق الذي "يستحيل تنفيذه" اصلا حسب رأيها، لن يؤدي سوى الى وقوع المزيد من الضحايا، محملة الذين يؤيدون هذا الخيار مسؤولية ذلك، ونقلت وكالات الانباء الروسية عن لافروف قوله في ختام لقاء له مع نظيره الاوكراني ليونيد كوجارا في موسكو "ان شركاءنا مقتنعون بانه لا بد اولا من استبعاد بشار الاسد عن العملية السياسية. انه شرط مسبق غير وارد في بيان جنيف (الذي اقرته الدول الكبرى في حزيران/يونيو) كما انه يستحيل تنفيذه لانه ليس بيد احد" تنفيذه، وتابع لافروف "في حال الاصرار على استبعاد الرئيس السوري كشرط مسبق فان الثمن عندها، وكما سبق وقلت، سيكون ايضا المزيد والمزيد من الضحايا، وعلى الذين يؤيدون هذا الموقف تحمل مسؤولية ذلك"، معتبرا ان الشروط المسبقة تجعل من "المستحيل البدء في حوار".

وكانت موسكو شددت على اهمية البيان الذي اعتمد في جنيف في الثلاثين من حزيران/يونيو من قبل مجموعة الاتصال حول سوريا التي تضم بشكل خاص الدول الكبرى، ويتضمن بيان جنيف الدعوة الى مرحلة انتقالية سياسية بمشاركة جميع اطراف النزاع وتشكيل حكومة انتقالية "كاملة الصلاحيات" الا انه لا يتطرق بشكل واضح الى مصير الاسد، واعلن الموفد الدولي والعربي الاخضر الابراهيمي في ختام اجتماع في جنيف مع ممثلين عن روسيا والولايات المتحدة انه تم الاتفاق بين الاطراف الثلاثة على "ان كامل الصلاحيات التنفيذية (للحكومة الانتقالية) يعني كل صلاحيات الدولة"، وتعتبر واشنطن ان بيان جنيف يفتح الباب لمرحلة "ما بعد الاسد"، في حين ان موسكو وبكين تعتبران انه يعود للسوريين وحدهم تقرير مستقبلهم ومستقبل الاسد، ولم يخف الاعلام السوري غضبه على الابراهيمي اثر تصريحاته الاخيرة. بحسب فرانس برس.

وتحت عنوان "الوسيط المزيف" كتبت صحيفة الوطن القريبة من النظام السوري "بات من الواضح أن الأخضر (الابراهيمي) بات خارج الحل السوري وأنه طرف وليس وسيطا وهو في جميع الأحوال غير قادر على إيجاد حل للأزمة السورية"، ونقلت الصحيفة عن مصادر موثوق بها ان "الإبراهيمي أكد أمام الرئيس بشار الأسد في اللقاء الأخير أن تركيا وقطر لن تتوقفا عن دعم المجموعات الإرهابية، وأنه غير قادر على لجمهما حتى من خلال مجلس الأمن، ما يعني عمليا أن مهمة الإبراهيمي لا جدوى منها"، كما نقلت عن مصادر دبلوماسية انه خلال اجتماع جنيف الذي جمع الموفد الاممي وممثلين للولايات المتحدة وروسيا "ظهر الإبراهيمي ممثلا للموقف الخليجي التركي الأميركي وليس وسيطا حياديا".

واعتبرت صحيفة الثورة الحكومية في افتتاحيتها تحت عنوان "الابراهيمي في المصيدة" ان المبعوث المشترك يستطيع ان يقدم ما يشاء من اعتذارات وتوضيحات "لكن لن يكون بمقدوره أن يستعيد ما أضاعه في أرذل العمر حين ارتضى أن يكون جزءا رخيصا من أدوات الاستهداف المتفشية في الوضع العربي هذه الأيام"، وكان الابراهيمي اعتبر الاربعاء تعليقا على الخطاب الاخير للرئيس السوري ان طرح الاسد "اكثر فئوية وانحيازا لجهة واحدة"، داعيا الرئيس السوري الى "ان يؤدي دورا قياديا في التجاوب مع تطلعات شعبه بدلا من مقاومتها".

اتفاق اميركي روسي

في سياق متصل دعت موسكو الى البدء بعملية انتقالية سياسية في سوريا وذلك غداة اعلان الاخضر الابراهيمي المبعوث الدولي الى هذا البلد انه اتفق مع الروس والاميركيين على ان هذه العملية تعني تولي حكومة انتقالية "كل صلاحيات الدولة"، ما يطرح علامة استفهام حول الصلاحيات التي ستبقى للرئيس السوري بشار الاسد في هذه الحالة، بالموازاة وقعت 52 دولة عريضة تطالب مجلس الامن باحالة ملف الجرائم التي ارتكبت وترتكب في سوريا الى المحكمة الجنائية الدولية، كما اعلنت سويسرا، وذلك على وقع تواصل المعارك وعمليات القصف والاشتباكات في مناطق عدة ولا سيما في محيط العاصمة، وفي بيان اصدرته غداة اجتماع استغرق خمس ساعات بين الابراهيمي ومساعد وزيرة الخارجية الاميركية وليام بيرنز ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في مقر الامم المتحدة في جنيف، اكدت الخارجية الروسية ان حل النزاع السوري يبدأ بوقف العنف فورا وبدء عملية انتقالية سياسية.

وقال البيان "برأينا ان الاولوية هي لوقف فوري لكل اعمال العنف واراقة الدماء وارسال المساعدات الانسانية الى السوريين بمن فيهم النازحون واللاجئون"، مضيفا انه "في الوقت عينه يجب اطلاق عملية انتقالية سياسية في سوريا يكون هدفها تضمين القانون المساواة في الحقوق المكفولة لكل المجموعات الاتنية والطائفية في هذا البلد"، وتابع البيان "كما في السابق، نحن نشدد بكل حزم على ان المسائل المتعلقة بمستقبل سوريا يجب ان يعالجها السوريون انفسهم، بلا تدخل خارجي وبلا وصفات حلول جاهزة".

وكان الابراهيمي قال اثر اجتماعه مع المسؤولين الاميركي والروسي "شددنا مجددا على انه من وجهة نظرنا لا حل عسكريا للنزاع"، واذ اوضح انه يتحدث باسم الثلاثة، اضاف "شددنا كذلك على ضرورة التوصل الى حل سياسي قائم على بيان جنيف" في 30 حزيران/يونيو الماضي، و"الضرورة العاجلة لوقف اراقة الدماء والدمار واعمال العنف"، ونص اتفاق مجموعة العمل حول سوريا (الدول الخمس الكبرى وتركيا ودول من الجامعة العربية) في جنيف في حزيران/يونيو الماضي على تشكيل حكومة انتقالية ب"صلاحيات كاملة"، من دون التطرق مباشرة الى مصير الرئيس بشار الاسد، وقالت وزارة الخارجية "ننطلق من واقع ان هذه الوثيقة التوافقية تبقى صالحة والطريق الوحيد لتجاوز الازمة". بحسب فرانس برس.

والاجتماع الروسي-الاميركي مع الابراهيمي هو الثالث بين الاطراف الثلاثة، بعد اجتماع اول بين وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ونظيرها الروسي سيرغي لافروف والابراهيمي في دبلن في السادس من كانون الاول/ديسبمر الماضي. وفي التاسع من الشهر نفسه، استضافت جنيف لقاء ثانيا بين بيرنز وبوغدانوف والابراهيمي، وعشية الاجتماع الثالث اتهمت سوريا الابراهيمي "بالانحياز" وشككت في بقائه وسيطا دوليا، وفي بيان منفصل، اشارت الخارجية الروسية الى ان بوغدانوف التقى في جنيف وفدا سوريا بقيادة المعارض ميشال كيلو. وقالت الوزارة انهما "يتقاسمان الرأي بان المهمة الاولى هي وقف اعمال العنف فورا وبدء حوار وطني" بموجب بيان جنيف، وتعهد بوغدانوف بمواصلة "الاتصالات بوتيرة حثيثة" مع الحكومة السورية والمعارضة.

قطر تقترح مجددا ارسال قوات مسلحة

على الصعيد نفسه قالت قناة الجزيرة التي مقرها الدوحة ان قطر جددت دعوتها لارسال قوة عربية لانهاء الصراع في سوريا اذا فشلت الجهود الدبلوماسية الحالية التي يقودها مبعوث السلام الدولي الاخضر الابراهيمي، وقال وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني في تصريحات نقلتها قناة تلفزيون الجزيرة "يجب ان يفكر العرب في هذا (إرسال قوات) بشكل جدي اذا لم تنجح كل الوسائل والعرب قادرين على ايقاف حمام الدم في سوريا". بحسب رويترز.

وفي خطاب القاه امام الجمعية العامة للامم المتحدة قال الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني امير قطر ان الدول العربية يجب ان تتدخل في سوريا في ظل فشل مجلس الامن الدولي في وقف الحرب الاهلية،  وقال الشيخ حمد "هم ليسوا متفقين خلينا نكون واقعيين. هناك في تباين في الاراء بين الولايات المتحدة وروسيا. نحن ندعم توجه الاخضر الابراهيمي لايجاد اتفاق ولكن الى متى؟ نحن لا نستطيع ان ننتظر الى ما لا نهاية في هذا الموضوع."

قوة لحفظ السلام الطريق الوحيد لإنهاء أزمة سوريا

الى ذلك قال الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي إن الطريق الوحيد المتاح لإنهاء أزمة سوريا هو فرض وقف لإطلاق النار بواسطة قوة لحفظ السلام تتشكل تطبيقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وقال في كلمة في اجتماع استثنائي لمجلس وزارء الخارجية العرب بمقر الجامعة العربية بالقاهرة "بات واضحا أن ما طالبت به الدول العربية منذ مدة بأن يتدخل مجلس الأمن بشكل حاسم... بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لفرض وقف إطلاق النار بقرار ملزم هو الطريق الوحيد المتاح الآن لإنهاء القتال الدائر"، وأضاف أن إنهاء القتال يتيح "البدء في عملية انتقال سياسي في سوريا"، وقال العربي إنه تشاور حول إصدار قرار يتفق مع الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة مع الأمين العام للمنظمة الدولية بان جي مون والإبراهيمي، وأضاف أنه يطالب بقوة حفظ سلام "كبيرة وفعالة تضمن وقف القتال الدائر وتوفر الحماية للمدنيين الأبرياء". بحسب رويترز.

ويعقد مجلس وزراء الخارجية العرب اجتماعا استثنائيا بدعوة من لبنان لبحث عدد من القضايا تتصدرها مشكلة اللاجئين السوريين. ويرأس الاجتماع وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور رئيس الدورة الحالية لمجلس وزراء الخارجية العرب، ولنحو عام حاولت جامعة الدول العربية حل الأزمة السورية من خلال دعوة لوقف إطلاق النار والإفراج عن المعتقلين وتغيير النظام السياسي جذريا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 16/كانون الثاني/2013 - 4/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م