مرتكزات التطور في التعليم العالي

 

شبكة النبأ: تمثل مؤسسة التعليم العالي بما تنطوي عليه من جامعات مهمة، الركن الاساس لتقدم البلد، لذا كلما كان الاهتمام بالتعليم والجامعات والكادر الاكاديمي التعليمي جديا من لدن الدولة، كلما كانت هذه الدولة اقرب الى التقدم والتطور من سواها، وهكذا تمثل المنظومة العلمية الجامعية في أي بلد، ذاتا مستقلة، قوية، تتسم بالقدرة على التصحيح، و العطاء الدائم، في مجالات التخطيط، وبث الوعي العلمي والعملي في آن، لذا نلاحظ تفوق دور الجامعات في الدول المتحضّرة على سواها، وتدخلها في مفاصل حياة المجتمع كافة، كالاقتصاد والاجتماع والطب وما شابه.

وهذه المنظومة ينبغي أن تكون في الغالب خالية من الشوائب الادارية والتعليمية، إلا ما ندر، لهذا تكون قادرة على لعب دور محوري في تطوير الدولة والمجتمع، ويؤكد أحد الكتاب في هذا الصدد أن (الجامعات - تمثل- ركنا أساسيا من أركان بناء الدولة العصرية المنفتحة القائمة على الفكر المتطور، والتعليم الجامعي له أبعاد كبيرة وخطيرة في آن واحد لان عملية التعليم ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية، بالإضافة إلى كونه عملية مستمرة ليست مرتبطة بزمان ومكان وجيل معين، ومن هنا يأتي إدراك الواقع التعليمي فهو ليس مقصورا على جهة محددة إنما هو واجب يخص كل من يهتم بمستقبل شعبه ومصيره)، ولكن سنتفق على أن فاقد الشيء لا يعطيه، وهي مقولة سمعناها وقرأناها وقمنا بتجريبها مرارا في حياتنا الفردية والجمعية، وفي جميع الاحوال تصح هذه المقولة ولا يدركها الزلل، لأن من لا يملك الشيء لا يستطيع أن يمنحه للآخرين، والمنظومة الجامعية، إذا كان الزلل جزءً من سياقاتها، وأطاحت بها العلل الادارية، لا يمكن أن تقوم بدورها المحوري المذكور آنفا، إذ لدينا في العراق منظومة جامعية عريقة في المدى المنظور والأعمق، منها ما تأسس قريبا، ومنها ما مضى على تأسيسها وبنائها قرون، هذا يعني أن ثمة سياقا عمليا جامعيا ترسّخ وثبّتَ ركائزه عبر الزمن.

ولكن من الملاحظ أن الراهن التعليمي يؤكد عكس ذلك، حيث يلاحظ المراقب ظهور سلسلة من الظواهر والاخطاء التي لا تليق بالدور الجامعي الرائد، فقد تتعلق الاخطاء بأفراد، كأن يكون الخطأ تصرّفا محدودا من لدن استاذ جامعي او عدد من الاساتذة، وهو أمر لا تخلو منه كبريات الجامعات في العالم، ولكنني أتحدث هنا عن سياقات جماعية تنخر في الجسد الجامعي، ولا يصح وجودها وتدخلها في آليات العمل الجامعي بشتى انواعه ومجرياته، مثال ذلك، الإشكالية المستديمة التي تخص العلاقة بين الاستاذ والطلبة، وهو امر يكاد يشكل ظاهرة، وقد تقف اسباب عدة في هذا المجال، منها فقدان الثقة بين الطرفين، والشعور الطائفي الذي قد يحضر في بعض النفوس الضعيفة، ثم قضية الكيل بمكيالين، وتفضيل الطلبة على بعضهم لأسباب مناطقية او إنتمائية، وهو أمر لا يصح انتشاره، ولا يجوز التعامل وفقا له مع الطلبة او الاساتذة، بالاضافة  الى ذلك، بروز ظاهرة التكتلات في العمل الجامعي، وتحجيم الكفاءات، ومحاربتهم بشتى الاساليب، لأن الكفاءة غالبا ما تشكل خطرا على ضعيفي المواهب والمَلَكات، فضلا عن مضايقة الكفاءات وفضحهم لمروجي الفساد المالي والاداري في الحيّز الجامعي.

وحتما اننا لا نختلف على أهمية أن يكون الاستاذ الجامعي منزّها من كل العاهات النفسية الاخلاقية التي قد نجدها في الناس الذين هم أقل درجة من الوعي والدور المجتمعي، لأن الاستاذ الجامعي مثال ونموذج للآخر، في القول والفكر والعمل، أما أن يشترك النموذج الجامعي في خلق وترسيخ الظواهر المرفوضة، فهذا دليل قاطع على أنه لا ينتمي بروحه وأعمالة لمنظومة الجهد الجامعي البنّاء، بل هو دخيل على هذه المنظومة، ويسيء لها ولنفسه في الوقت نفسه، لذا مطلوب أن تتدخل الوزارة المعنية ورئاسات الجامعات والعمادات في عملية تصحيح شاملة ودائمة، وعدالة قائمة، وترسيخ للدور الرائد للجامعات في بناء الدولة والمجتمع، إذ يتطلب مثل هذا الدور الكبير، تصحيح الذات أولا وتشذيبها من عيوبها، حتى تمتلك القدرة على العطاء لأنها تمتلكهُ فعلا، من خلال بنائها الذاتي السليم، هذا من جانب، أما الجانب الآخر والذي لا يقل أهمية أيضا، يتمثل بحتمية أن يعرف الاستاذ الجامعي ويؤمن بأنه معلّم ومربّي إنساني بالدرجة الاولى، وهذا ما سيؤدي الى انتفاء التأثير الانتمائي (المكاني/ العرقي/ الديني) في قراراته الصغيرة والكبيرة معا.  

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 16/كانون الثاني/2013 - 4/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م