كثيرة هي الطرق التي من خلالها تمت مواجهة المظاهرات الشعبية
والأنتفاضات والثورات، تنوعت تلك الطرق حتى أخذت أبعاداً قاسية في
مجتمعنا العربي وصلت حد القتل أو الدهس حتى الموت، وليس ببعيداً علينا
ما أحدثته الفياضانات الثورية الكبيرة التي طالت بعض الأقطار العربية،
وطالتنا أيضاً بدرجة أقل عنفاً عندما كان بعض ابناء شعبنا يتظاهرون في
ساحة التحرير، حينها شاهدنا لأول مرة سيارات مكافحة الشغب التي كانت
تتختل في أزقة شارع السعدون قبل يومين من الجمعة، كذلك اطلعنا على شرطة
مكافحة الشغب التي لم نكن نالفها قبل ذلك.
كانت أهم أدوات المواجهة في دول الربيع الذي يبدوا أنه سوف لن ينتهي،
قنابل دخان، الغازات، الهراوات، الرصاص البلاستيكي، الرصاص الحي،
القنابل الصوتية وأشياء أخرى كالإعتقال ليكال للمتظاهر أو الثائر أشد
أنواع التعذيب، فحتى بعض الدول التي أختارت مصيرها وقادتها بأحتكامها
الى صناديق الأنتخابات لم تهدأ ثائرتها حتى اليوم مما يؤشر على حقيقة
خطيرة بأننا شعب غير قادر على أن نحترم أراء الآخرين، فبمجرد أن تفوز
فئة معينة حتى يخرج الأخرون بآلاف الحجج ليعطلوا مسيرة الفئة الفائزة
ويبدأ نعت الفئة المحتجة بآلاف النعوت الجاهزة، فلول بلطجية، اذناب،
أذيال، شبيحة، عصابات.. يتراوح الصدق فيها بين بلد وأخر.
وفي العراق اليوم، خرجت مظاهرات الوسط، الأنبار، الموصل، صلاح الدين..
تنوعت شدتها حسب طبيعة المحافظة ومطالبها.. وكل محافظة في العراق من
حقها أن تتظاهر، ومن وجهة نظرنا أنها حالة صحية أن يتعلم أبناء شعبنا
أن لايسكتوا على حق مسلوب أو مطالب ضائعة، اليوم أو غداً،.. نحن اليوم
على الطريق الصحيح لقد تعلمنا وسنتعلم بمرور الوقت أن التظاهر من أهم
ميزات الشعوب المتحضرة، بل هي نوع من أنواع التكاتف السلمي الذي يسهم
في إعادة التلاحم الجماهيري بين ابناء المحافظة الواحدة وبالتالي ابناء
الشعب الواحد.. ولكن على كل تلك المظاهرات أن لا تضع وزراً على كاهل
وطننا وأن لا تسهم، من خلال استغلالها ـ، لتفتيت اللحمة الوطنية التي
نراهن عليها لبناء المستقبل.. ذلك الذي طال انتظاره.. والوعود الكبيرة
قبل سنين عندما افتتحت جلسات أول برلمان ديمقراطي للعراق.
كيف سنواجه المظاهرات التي تعتبر، كساحة الهايد بارك، فالكل يدلو
بدلوه وقد تصل المطالب فيها الى طلب تعيين في احد دوائر الدولة، أو
اطلاق سجين أو حتى إسقاط حكومة، كل شيء جائز في المظاهرات، وكما
شاهدنا، أن نشتم ونسخر من السياسيون أو من الوضع بصورة عامة فالجميع
يطلق العنان لمشاعره العفوية غير آبه بشيء مادام محاط بالآلاف من ابناء
جلدته، حشر مع الناس عيد، وفيها يصبح كل شيء جائز إلا التهجم على
الأموال العامة وتدميرها.. وهذا ما يحدث اليوم لا يوجد هجوم مباشر على
الأملاك العامة وهذا أمر يصب في مصلحة ابناء المحافظة انفسهم ويحسب لهم
أما التهجم على الشخصيات السياسية ونعتها بأشد النعوت فعلى ذلك أن لا
يفت في عضد الحكومة من إتخاذ التدابير المناسبة لمداعبة مشاعر
المتظاهرين بالتروي وحسن البصيرة، لأنها تعلم علم اليقين بأن حتى هذه
اللحظة لم يتم تحقيق ما تربو اليه من مستقبل.
حكومتنا تعترف وعلى لسان رئيس الوزراء شخصياً بأنها غير قادرة على
أن تحقق ما تخطط له وأحد أسباب ذلك بأن رئيس الوزراء غير قادر على
محاسبة وزير ! وهذا أمر مهم، حين تحجج رئيس الوزراء بأن للوزير كتلته،
إذن مع وجود الخلل في تأمين الحياة الحرة الكريمة من قبل مؤسسات
الحكومة وعدم القدرة على محاسبة الوزير فأن ذلك سيفاقم مشاكلنا التي
ستطيح بكل شيء يوماً، نشك في انه سيكون بعيداً.
وعليه فالمشاكل التي تفاقمت منذ عقد من سنين وذلك الكم الهائل من
الكبت السياسي والنفسي على مدى عقود من الزمن أصبح اليوم يذكي اجيج
التظاهر في شوارع المدن، وليس في الأنبار والموصل وغيرها من محافظات
الوسط، بل قد يتعدى ذلك ليصل الى المحافظات الجنوبية والتي نرى أنها
أكثر المتضررين من السياسيات الحكومية التي لم تتناغم يوماً مع مطالبهم
الحياتية اليومية على الرغم من كم الثروات الهائل الذي يقبع تحت سهولها
واقدام ابناءها.
فالمواجهة اليوم هي ليست مواجهة السنين العشر الماضية فقط، بل هي
مواجهة العقود الماضية ومنذ سبعينات القرن الماضي، وأعتقد أن تلك هي
المظاهرة الأولى من نوعها في محافظة الأنبار منذ عشرات السنين، إذن كيف
يمكن مواجهتها بشرط أن لا تسقط قطرة دم واحدة؟ كيف يتم مواجهتنا بدون
ادنى الخسائر البشرية والمادية؟ كيف يتم مواجهتها بشرط أن يخرج الطرفان
منتصران لوطنهم؟ كيف يمكن مواجهتها ولتصبح، بعد حين، علامة مميزة في
حياتنا وبالتالي فاتحة لعهد جديد في اسلوب التعامل مع الأصرار الشعبي
على تحقيق مطالب ما، قد تكون بعضها، غير شرعية؟
تلك هي الأسئلة التي يجب أن نوجهها لأنفسنا ويوجهها لنفسه كل سياسي
يتبؤ اليوم منصباً تنفيذياً أو تشريعياً في البلد، كل منهم اليوم امام
مسؤلية تأريخية في تجنيب الشعب العراقي الخسائر بأنواعها، وكل منهم
عليه أن يستحضر كل مباديء الفطرة السليمة التي تعلمه وغرزت في نفسه منذ
ولادته على أن لا تتعدى نظرته وإجراءاته وتصريحاته مصلحة الوطن وبكل ما
تعني هذه الكلمة، الجميع مدعوون لتناسي المصالح الفؤية الضيقة والمنافع
المادية والمكاسب السياسية والكف عن إستخدام مطالب الفقراء للعبور
لمصالهم، مهما كان نوعها، وهم مدعوون اليوم ايضاً أن يكونوا الصورة
المثلى للتلاحم، فالمالكي وعلاوي والنجيفي والمطلك وغيرهم لم يأتوا من
فراغ وليس فيهم من يتهم في عراقيته وليس فيهم من تسلق على أكتاف غيره
ليرتقي مكانة ما في المجتمع السياسي، جميعهم رفعتهم مكانتهم في قلوب
ابناء شعبهم، وأهميتهم اليوم تكمن في أن أي خلاف بين النجيفي والمالكي
سينعكس على الشارع وأي خلاف بين المالكي وعلاوي سيكون له ذات التأثير..
إذا أولاً على الرؤوس الكبيرة تلك أن تستمد من الدافعية الجماهيرية
لها أول اساليبها في تفكيك الأزمة وإحالة تلك الأزمة الكبرى الى مشاكل
صغير يتبنى الجميع الدخول في تحليلها والوصول الى الأهداف التي تساعد
على تأشير نتائج ايجابية أولية تدفعنا لتقدير خط سير الحل من خلال، كما
أن على الجميع التحلي بالصبر الشديد أمام تلك المطالب التي يعرف الجميع
بأن أغلبها مشروعة وليس من الحق بأن تتبنى أي جهة خارجية الدعوة لتنفيذ
تلك المطالب فالقيادات الموجود مؤهلة بشكل كامل للتنفيذ ونرى أنها
تمتلك الحلول الكافية بل بأمكانها أن تقدم الحلول السريعة بغض النظر عن
عدم تمكنها من تحقيق بعض المطالب التي تتضمن دراسات تشريعية كإلغاء بعض
القوانين.
المواجهه لتلك التظاهرات يجب أن تتم بالعمل على تنفيذ كافة المشاريع
الاستثمارية والمضي قدماً لبناء الوطن على اسس صحيحة ومد جسور التواصل
مع الشعب بكل طوائفه.. وعلى الطوائف تجنب الأنزلاق بالكلام لأنه يعتبر
بداية خطيرة على طريق المواجهات الدامية وهو بداية كل مصيبة يمكن
توقعها ومظاهرات السبت المليونية الموعودة يجب أن تخلو من أي شعار
طائفي أو أقوال تؤجج الوضع بل عليها أن تكون مظاهرات هادئة، مؤيدة كانت
أو معارضة، ويتجنب منظموها الدخول في المهاترات الطائفية وعدم التجاوز
على أي طائفة أو دين أو قومية، فكيل الشتائم ليس بالأسلوب الحضاري وهو
مايضخ في جماح الطائفية القوة وهو وقودها.
الحكومة مطالبة اليوم أن تباشر بتحقيق ما هو أعلى من سقف تلك
المطالب وهي بذلك تنتصر لنفسها ولشعبها وللعراق، وتقطع الطريق أمام
إستغلال أصوات الشعب لتحقيق مآرب دنيئة، وذلك كله يتم من خلال التحرك
السريع لدعم الحكومات المحلية في تلك المحافظات ودفعها لتحقيق الأفضل
لأبناءها.
لا مناص اليوم من تقبل اخطائنا وأن نشرع بمواجهتها بحزم وعدم
الاعتماد على الشحن الطائفي، الجميع مدعوون اليوم الى فتح صفحات الحوار
وأن يكون من بينهم من يتنازل، بحكمة وكرامة، عن بعض الحقوق التي بها
سيتم إكتساب مهارات قوية في كيفية الوقوف أمام حشود الجماهير ومواجهة
المطالب بحنكة وهدوء متناسين طائفيتنا وفؤيتنا وقوميتنا لكوننا أمة
واحدة هي الأمة العراقية وعليها أن تبقى كذلك ونسقط رهان كل من يحاول
هدمها بمعاول الطائفية والتقسيم.. لا حرمنا الله من هذا التنوع
الجميل.. وحفظ الله الجميع.
zzubaidi@gmail.com |