لبنان وسوريا... أزمات مشتركة وصراعات متنقلة

 

شبكة النبأ: باتت علامات انتقال آثار الصراع في سوريا الى لبنان اكثر وضوحا، في ظل هشاشة التوازن السياسي في هذا بلد العربي، فقد شهدت لبنان حالة من التوتر وعدم الاستقرار الامني في الشهور الأخيرة بسبب اعمال العنف اثر الاشتباكات الطائفية بسبب الصراع في سوريا، ويرى بعض المحللين بأن هذه الاشتباكات نتيجة الانقسام السياسي والطائفي، فالطائفية شكل من أشكال العنصرية ونقيض للعدالة والمساواة ومصدر الحروب والأزمات في لبنان، مما اثار مخاوف كبيرة داخل الشعب اللبناني من انزلاق لبنان في وحل الفوضى وعودة العنف الداخلي مجددا، خصوصا بعد التطورات الاخيرة اثر عمليات الخطف والاقتتال الطائفي، ويرى محللون اخرون ان التوترات الطائفية في لبنان مؤخرا جاء بفعل اطراف خارجية تسعى لتحقيق أجندة إقليمية من خلال نقل وتداول أزمات تلك البلدان، لتمرير الأزمة السورية الى لبنان، حيث باتت لبنان مكانا مستهدفا لدى بعض الدول شبه العدائية من الدول الإقليمية، لجذبه الى دول محور الصراع في الشرق الأوسط، في حين اوضح خبراء متخصصون بان السياسة هي الخطر الرئيسي على اقتصاد لبنان وليس صراع سوريا، وعليه ففي الوقت الحالي تحتاج لبنان حلول ومعالجات اكثر فعالية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي كي تنعم بالاستقرار وتمنع الإخطار المحدقة بها على الأصعدة كافة.

أهالي المخطوفين

فقد هدد اهالي لبنانيين مخطوفين في شمال سوريا بتنفيذ سلسلة تحركات لتعطيل المصالح التركية في لبنان للضغط على انقرة من اجل المساعدة في اطلاق سراح اقاربهم، وذلك خلال اعتصام نفذوه امام مكتب الخطوط الجوية التركية، وقد اعلن الاهالي انهم سيعلقون "موقتا" تحركاتهم في انتظار ما ستسفر عنه الجهود الرسمية اللبنانية للافراج عن ذويهم الذين خطفوا في ايار/مايو الماضي في منطقة اعزاز في ريف حلب بشمال سوريا، وبحسب بيان وزعته الوكالة الوطنية للاعلام الرسمية، اعلن الاهالي "تعليق تحركاتهم المقبلة موقتا بناء على طلب اللجنة الوزارية المكلفة متابعة هذا الملف والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، وذلك افساحا في المجال امام الجهود المبذولة لمتابعة هذا الملف"، وامل الاهالي في ان "يتم اقفال هذا الملف في اقرب فرصة ممكنة من قبل السلطات التركية، كي تعود العلاقة معها علاقة صداقة واخوة كما كانت"، وكانت الوكالة نقلت عن اللواء ابراهيم قوله ان الجهود مستمرة لاطلاق المخطوفين "ولن نألو جهدا لحل هذه الازمة، ولا تزال هناك اقنية مفتوحة قد توصل الى نهاية سعيدة ليعودوا سالمين الى عائلاتهم".

وتبنت مجموعة ادعت انها تنتمي الى الجماعات المتمردة ويتزعمها شخص يعرف باسم ابو ابراهيم، خطف 11 شيعيا لبنانيا بعد اجتيازهم الحدود التركية في طريق العودة من زيارة اماكن مقدسة في ايران، واطلقت المجموعة لاحقا سراح اثنين من المخطوفين عادوا عن طريق تركيا. وشكلت الحكومة اللبنانية لجنة لحل القضية، وسبق لاهالي المخطوفين ان نفذوا سلسلة تحركات شملت قطع طريق مطار بيروت الدولي، وخلال الاعتصام امام مكتب الخطوط الجوية التركية في وسط بيروت، قال عضو لجنة الاهالي ادهم زغيب "بعد الوعد الذي اطلقه اهالي المخطوفين اللبنانيين في اعزاز باطلاق سلسلة تحركات لتعطيل المصالح التركية في لبنان، كان هذا التحرك بداية امام شركة الخطوط الجوية التركية"، بحسب بيان وزعته الوكالة الوطنية للاعلام، واعلن ان الاعتصام "ستليه تحركات لاحقة سيكون في طليعتها اطلاق حملة شاملة لمقاطعة البضائع والمصالح التركية في لبنان". بحسب فرانس برس.

وتعرض مواطنان تركيان للخطف في لبنان في آب/اغسطس الماضي، احدهما على يد عشيرة آل المقداد الشيعية التي قالت ان الخطوة كانت ردا على قيام من قالت انها مجموعة من الجماعات المتمردة، بخطف احد ابنائها في سوريا. وافرج في وقت لاحق عن التركيين وعدد من السوريين الذين كانت العشيرة تحتجزهم كذلك، وقال اللواء ابراهيم ان اطلاق سراح التركيين تم من دون "اي صفقة للتبادل، ولم نشترط شيئا لاننا لم نقدم خدمة لتركيا يومها بل قمنا بواجبنا تجاه بلدنا".

تدفق النازحين

فيما دعا وزير لبناني الى "وضع حد" لتدفق النازحين السوريين الى لبنان بعدما فاق عددهم 150 الف شخص، وذلك خلال مؤتمر صحافي، وقال وزير الطاقة جبران باسيل "عرض علينا في مجلس الوزراء خطة، كيف نأتي بالاموال للنازحين وكل الوزراء اجمعوا على ان هذه الخطة غير صالحة"، خلال المؤتمر الذي عقده في منزله في مدينة البترون (شمال)، وتابع "اما نحن فطرحنا وضع حد (لدخول النازحين). بعض المناطق السورية امنة اكثر من لبنان فلماذا يأتون الى لبنان؟ (...) نحن غير قادرين على استيعاب هذا العدد".

وسأل لماذا اختارت تركيا، الاكبر مساحة من لبنان، تحديد سقف لعدد اللاجئين، وعما اذا كان في امكان الولايات المتحدة ان "تستقبل 50 مليون مكسيكي"، وينتمي باسيل الى تكتل التغيير والاصلاح الذي يشكل وزراؤه ثلث الحكومة، ويترأسه الزعيم المسيحي ميشال عون المتحالف مع حزب الله الشيعي، ابرز حلفاء الرئيس السوري بشار الاسد في لبنان، وتقدر الامم المتحدة عدد النازحين السوريين في لبنان بنحو 156 الفا. لكن باسيل رجح ان يكون الرقم اعلى لان العدد المذكور "لا يشمل غير المسجلين". واكد ان ما يقترحه لن يشمل "الحالات الطارئة" القادمة الى لبنان، وتحدث عن ضرورة "التخفيف من الاعداد الموجودة" من دون "(الحديث) عن طرد ولا عن ترحيل ولا عن اي شيء اخر"، منتقدا اتهام البعض له "بالعنصرية والطائفية"، وسأل باسيل "اذا امنا الاموال لعام واحد ماذا نفعل في العام المقبل؟". ودعا الى الاخذ في الاعتبار الواقع الديموغرافي في البلد الصغير ذي التركيبة الطائفية والسياسية الهشة، والمنقسم بين مؤيد لنظام الاسد ومعارض له. بحسب فرانس برس.

وحذر من تكرار التجارب السابقة، لا سيما الفلسطينية منها "ولو كانت اسبابها وظروفها مختلفة (...) النتائج هي ما يجب ان ننظر اليه"، واذ اعتبر ان احدا لم يفترض في العام 1948 ان الفلسطينيين الذين قدموا الى لبنان بعد قيام دولة اسرائيل سيبقون فيه، اعتبر ان "التوطين (بات) حالة قائمة". ويقيم في لبنان نحو 436 الف لاجىء فلسطيني موزعين على 12 مخيما.

الأمم المتحدة

من جانب آخر قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية ان أنباء مشاركة مقاتلين لبنانيين في الاشتباكات بين فريقي الصراع المتزايد في سوريا ينتهك سياسة لبنان بشأن عدم التدخل في الحرب الأهلية السورية ويخلق مشكلات للبلاد.

وجاءت تصريحات جيفري فيلتمان في تقييم متشائم للوضع في سوريا قال فيه انه "اذا لم يتم فعل شيء لتغيير الآلية الراهنة وللاتجاه نحو حل سياسي فان تدمير سوريا سيكون النتيجة المرجحة"،

وقال فيلتمان في اجتماع لمجلس الأمن حول الشرق الأوسط "الوضع في لبنان لا يزال متأثرا بشدة بالصراع الدائر في سوريا. القصف عبر الحدود مستمر وكذلك تهريب السلاح"، وأضاف "تشير تقارير عديدة الى ضلوع لبنانيين في الصراع السوري..على الجانبين سواء نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد أو المعارضة. هذا ينتهك سياسة عدم التدخل التي تنتهجها الحكومة اللبنانية ويجعل لبنان بشكل متزايد في خطر"، ولبنان منقسم بحدة بشأن الصراع، وقالت الأمم المتحدة مرارا ان من المحتمل أن يزعزع الصراع الذي تفجر في سوريا قبل 21 شهرا استقرار لبنان الذي مازال يتعافى من حربه الأهلية التي استمرت 15 عاما حتى انتهت في عام 1990، وانتقد رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري -نجل رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري- علنا سياسة الحكومة اللبنانية تجاه الصراع السوري. بحسب رويترز.

من جهة أخرى قال الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون للصحفيين "يتعين على الجانبين (في سوريا) ان يعوا انه ليس هناك حل عسكري للصراع"، وأضاف بان "هذه الأزمة يتعين ان تحل عبر حوار سياسي"، ورحب بان بالجهود التي بذلتها المعارضة السورية في الآونة الأخيرة للتغلب على انقساماتها قائلا انها تطور "حاسم"، وقال "انا قلق للغاية بشأن تغليب الطابع العسكري على الصراع واحتمال ارتكاب فظائع طائفية"، ودعا دول العالم لدعم المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية لسوريا الأخضر الابراهيمي الذي حاول وأخفق حتى الآن في جعل روسيا والولايات المتحدة تتغلبان على خلافاتهما بشأن سوريا والتي منعت مجلس الأمن الدولي من اتخاذ أي إجراء جاد بشأن الصراع.

السياسة الخطر الرئيسي على الاقتصاد

الى ذلك قال مسؤول رفيع بصندوق النقد الدولي إن الصندوق يعتقد أن الصراع في سوريا ليس له تأثير يذكر حتى الآن على الاقتصاد اللبناني وإن ما يقلقه أكثر هو ضعف عملية وضع السياسات في الحكومة اللبنانية، وقال مسعود أحمد مدير شؤون الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق خلال مقابلة بالدوحة "حتى الان تجاوز الاقتصاد اللبناني الصدمات الخارجية بشكل جيد نسبيا. لو نظرت للودائع والاحتياطيات فهي مازالت قوية"، وأضاف "توقعاتنا للبنان هي أنه أكثر تأثرا بحقيقة أن هناك بعض التباطؤ في الاستثمارات الداخلية نتيجة الشلل السياسي هناك وبدرجة أقل بما يحدث في سوريا بشكل مباشر"، ونمت ودائع المقيمين بالبنوك التجارية أربعة بالمئة منذ نهاية العام الماضي حتى يوليو تموز بينما انخفضت احتياطيات البنك المركزي من العملة الصعبة بنفس النسبة وفقا لبيانات البنك. بحسب رويترز.

لكن رجال أعمال واقتصاديين بالقطاع الخاص يشكون من أن الحكومة اللبنانية بطيئة في اصلاح المالية العامة للدولة وتحسين البنية التحتية وأخذ خطوات أخرى لتحفيز النمو الاقتصادي وتمتع لبنان تقليديا بعلاقات تجارية ومالية وثيقة بسوريا. وقال أحمد إن من الصعب تحديد مدى تأثير الصراع على الاقتصاد السوري لأن الصندوق لم يتمكن من الاطلاع المباشر على بيانات بشأن سوريا منذ أكثر من عام، وقال "ليس لدينا إلا معلومات ثانوية لكنها كلها تشير لنفس الاتجاه وهو أن الاقتصاد تقلص ككل وتأثر بالعقوبات على الصادرات النفطية"، وقال المسؤول إن الصندوق قد يتوصل لاتفاق بشأن قرض إلى مصر بنهاية العام الحالي. وطلبت القاهرة قرضا بقيمة 4.8 مليار دولار، وقال "نتوقع أن يزور فريقنا الفني القاهرة في الأسابيع المقبلة لمواصلة المفاوضات. توقيت الزيارة سيكون فور استعداد المصريين لاستقبال فريق، "نتوقع أن نستكمل الاتفاق بنهاية العام الجاري لو سار كل شيء على ما يرام. نعمل على هذا الأساس لكن الوقت الذي سيستغرقه ذلك يتوقف على سير المفاوضات."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/كانون الثاني/2013 - 29/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م