الاقتصاد المصري... واقع متصدع وشعارات فقيرة

 

شبكة النبأ: لاتزال الحكومة عاجزة عن إيجاد الحلول المناسبة لإنقاذ الاقتصاد المصري الذي يواجه اليوم  أسوء أزمة خانقة في تاريخ البلاد، والتي تفاقمت بشكل خطير عقبت ثورة 25يناير كانون الثاني التي أسهمت بإسقاط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، وبحسب بعض الخبراء فأن الاقتصاد المصري يتجه وبشكل متسارع نحو انتكاسة خطيرة بسبب سوء الإدارة في المؤسسة المصرية وقلة الخبرة التي يتمتع بها بعض القادة ومنهم الرئيس الجديد محمد مرسي المنتمي الى جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما تأثر بشكل سلبي على اقتصاد مصر واسهم بازدياد معاناة شعبها الفقير الذي يعتمد وبشكل مباشر على دعم الدولة، وتوشك الحياة أن تزداد صعوبة على المصريين العاديين الذين سيتحملون عبئ التضخم الناتج عن انخفاض قيمة عملتهم وقد تدفع جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس محمد مرسي ثمنا سياسيا لذلك مع اقتراب الانتخابات البرلمانية. وبعد انخفاض في قيمة الجنيه أمام الدولار بنسبة 3.2 في المئة يقول بعض المستوردين والتجار إنهم يتأهبون لانخفاض أكبر وإن عدم اليقين سينعكس في زيادات حادة في الأسعار.

وفي دولة تستورد الكثير من الطعام مثل السكر والشاي وزيت الطعام سيشعر الناس بقوة بوطأة ارتفاع الأسعار. ويعيش نحو 40 في المئة من المصريين تحت خط الفقر بدخل يبلغ دولارين في المتوسط للشخص في اليوم ويعتمدون على سلع تدعمها الحكومة منها الخبز. ورغم أن أسعار السلع الاساسية التي تدعمها الدولة ستبقى كما هي توشك تكلفة السلع المستوردة الأخرى على الارتفاع مما يؤدي لإذكاء الغضب والحنق اللذين يعتملان تحت السطح ويزيد إمكانية حدوث اضطراب.

وقال شريف أبو زيد الذي يعمل مديرا تنفيذيا لشركة تستورد الشاي من الهند إن الشركة ستضطر لرفع السعر وإن الأمر ليس باختيارها وليس طمعا في المزيد من الربح وإنما تجنبا لإغلاق أبوابها. وأضاف "الناس يائسون. إنهم يعيشون على الكفاف ويستطيعون إطعام أسرهم بشق الانفس. هؤلاء هم الزبائن الذين نتعامل معهم. الآن حتى كوب الشاي الذي يشربونه سيصبح سعره أغلى." وواصلت العملة المصرية انخفاضها لتهبط إلى مستوى 6.39 جنيه للدولار بعد أن كان 6.185.

وبعد إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك في انتفاضة شعبية قبل نحو عامين استعمل البنك المركزي احتياطي العملات الأجنبية لمنع انخفاض قيمة الجنيه. وحتى الفترة السابقة كان الجنيه قد خسر ستة في المئة فقط من قيمته خلال 23 شهرا من الاضطراب السياسي الذي تلا الانتفاضة. وبعد أن أشار البنك المركزي إلى أنه لم تعد لديه احتياطيات كافية للمحافظة على قيمة الدولار استحدث نظاما جديدا لبيع الدولار للمحافظة على ما تبقى لديه من العملة الأجنبية.

وانخفض احتياطي العملة الأجنبية من 36 مليار دولار عشية الانتفاضة التي اندلعت يوم 25 يناير كانون الثاني عام 2011 إلى نحو 15 مليار دولار في نوفمبر تشرين الثاني الماضي وهو ما يكفي بشق الانفس لتمويل واردات ثلاثة اشهر للبلاد التي يسكنها 83 مليون نسمة.

ومن شأن انخفاض قيمة الجنيه وما يصاحبه من تضخم أن يعقد مهمة مرسي في حين يحاول انعاش اقتصاد عصف به عامان من الاضطراب. وبرزت بالفعل المواجهات السياسة التصادمية في الديمقراطية المصرية الجديدة كعامل مؤثر كبير. وبعد احتجاجات في الشوارع على التعجيل بإصدار دستور يرى كثيرون أنه قمعي أجل مرسي زيادات في الضرائب من المعتقد أنها جزء من خطة تقشفية مطلوبة للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي قيمته 4.8 مليار دولار.

ويجد مرسي نفسه أمام اختيار قاس: قرض صندوق النقد الدولي يعتبر ضروريا لانتشال الاقتصاد من أزمته المالية وتجنب تراجع غير محكوم في قيمة الجنيه. ولكن من أجل الحصول على القرض سيكون من شبه المؤكد أن يضطر مرسي للمضي قدما في الإجراءات غير الشعبية. وسيكون لأي من الخيارين ثمن سياسي كبير.

وفي حين يستعد حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين لانتخابات برلمانية ستبدأ إجراءاتها خلال أقل من شهرين حاول الحزب النأي بنفسه عن بعض قرارات مرسي. وكانت للحزب أكبر كتلة في مجلس الشعب الذي حل في يونيو حزيران بعد صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية مواد في قانون انتخابه. وبينما تتراجع شعبية جماعة الإخوان بالفعل يهدد الوضع الاقتصادي بتقويض أدائها بدرجة أكبر في الانتخابات المقبلة.

واستشعارا منهم للخطر انتقد بعض أعضاء حزب الحرية والعدالة زيادات ضريبية قررها مرسي. وقال شادي حامد من مركز بروكنجز الدوحة "سيكون على حزب الحرية والعدالة النأي بنفسه عن بعض السياسات الأكثر اثارة للتصادم. ولا أدري إن كان ذلك سيكفي للتعامل مع مخاوف الناخبين." وأضاف "سيكون مثيرا للاهتمام أن نرى إلى أي حد سيضع الناخبون الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة ومرسي في سلة واحدة."

ولوقت طويل دعمت الدولة العديد من السلع بينها السكر والشاي والأرز وزيت الطعام وهذا الدعم سند مهم لحياة كثير من الأسر. وتدعم الحكومة أيضا رغيف الخبز الذي يباع بخمسة قروش (أقل من سنت أمريكي). وقال سمير رضوان وهو اقتصادي شغل منصب وزير المالية من فبراير شباط إلى يوليو تموز 2011 إن الفقراء ما زالوا الاكثر تأثرا بزيادات الأسعار مشيرا إلى أن الزيادات ستظهر في المتاجر بسرعة. وقال إن هناك أثرا مضاعفا هائلا لأي خفض في قيمة العملة. وأضاف أن التجار ينتهزون الفرصة لزيادة الأسعار بأسلوب مبالغ فيه. واشار الى أن مصر تستورد 40 في المئة من احتياجاتها من الطعام وأن تراجع الجنيه يعني ارتفاع تكاليف الاستيراد وبالتالي زيادة مباشرة في التضخم مما سيضر بالفقراء. بحسب رويترز.

وقال محمود زادة الذي يمتلك سلسلة متاجر سوبر ماركت في القاهرة إنه يتوقع زيادة أسعار السلع المستوردة بنسبة 30 في المئة على الأقل. وتمثل السلع المستوردة 80 في المئة مما يبيعه في متاجره. وقال زادة إن متعهدي السلع المستوردة سيميلون لزيادة أسعارهم بصورة حادة لأسباب تشمل عدم اليقين بشأن مدى انخفاض قيمة الجنيه. وفي حين سيجد المستوردون المصريون صعوبة اكبر في الحصول على ائتمان من الموردين في الخارج فسيفرضون على زبائنهم أسعارا أعلى تعكس فروق المخاطرة. وقال زادة "سنواجه زيادة صعبة جدا جدا جدا.. أكبر من الزيادة في سعر الدولار."

استئناف المفاوضات

في السياق ذاته أعلنت مصر انها ستستأنف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول قرض بقيمة 4,8 مليار دولار تم تعليقه قبل اسابيع، وقال هشام قنديل رئيس الوزراء المصري في مؤتمر صحافي ان الحكومة المصرية وجهت دعوة الى الصندوق لزيارة القاهرة " لاستئناف الحوار لنمضي في موضوع القرض لاننا نحتاج الى شهادة الثقة التي يعطيها صندوق النقد الدولي". وقال قنديل ان قيمة القرض "قليلة" لكنها تكمن في مدى الثقة في الاقتصاد المصري الذي يمر بوضعية "صعبة" لكن "لا يمكن ان نتحدث عن الافلاس".

وتم تعليق طلب القرض الذي قدمته مصر في اب/اغسطس الماضي، في منتصف كانون الاول/ديسمبر بعد ان طلبت القاهرة مهلة بسبب "الاوضاع السياسية في البلاد". وقال رئيس الوزراء المصري ان حكومته طرحت "مبادرة وطنية للتوافق والانطلاق الاقتصادي" تقضي باجراء حوارات مع خبراء اقتصاديين وممثلين عن الاحزاب "سنناقش خلالها مجددا خطة الحكومة للاصلاح الاقتصادي حتى يكون هناك توافق عليها". واعرب عن امله في الا يسفر هذا الحوار عن "تغييرات كبيرة في هذه الخطة".

الى جانب ذلك نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن وزير التخطيط المصري أشرف العربي قوله إن عجز الميزانية في السنة المالية حتى نهاية يونيو حزيران 2013 قد يرتفع بواقع النصف عن التوقعات الأصلية المعلنة في يوليو تموز. ونسبت الوكالة للعربي قوله "من المتوقع أن يرتفع العجز فى الموازنة العامة للدولة (إلى) 200 مليار جنيه (31.5 مليار دولار) خلال العام المالى الجارى إذا لم تقابله سياسيات اقتصادية حازمة." كانت ميزانية 2012-2013 التي أعلنت في يوليو توقعت عجزا قدره 135 مليار جنيه مقارنة مع عجز فعلي قدره 166.7 مليار جنيه للعام المالي الماضي. وقال اقتصاديون حينها إن ذلك التوقع متفائل.

من جانب اخر قال الرئيس المصري محمد مرسي ان تراجع الجنيه المصري امام الدولار لا يشكل مصدر قلق له، مؤكدا ان الامور ستتوازن "خلال ايام"، فيما واصل الدولار الاميركي ارتفاعه امام الجنيه لليوم الثاني على التوالي. واكدت وكالة انباء الشرق الاوسط المصرية ان مرسي ادلى بتلك التصريحات في لقاء مع مجموعة من الاعلاميين العرب. بحسب فرنس برس.

ونقلت الوكالة عن مرسي قوله ان انخفاض الجنيه "لا يقلقنا ولا يخيفنا وخلال أيام سوف تتوازن الأمور". ونقلت الوكالة عن رئيس اتحاد البنوك في مصر رئيس البنك الاهلي طارق عامر ان النظام الجديد الذى انتهجه البنك المركزى والذي يقضي ببيع الدولار للمصارف التجارية من خلال طرح عطاءات دورية "يعتبر الخطوة الأولى والهامة لتحرير سعر الجنيه المصرى وتحديد سعره بصورة واقعية".

ويأمل مرسي أن يؤدي إقرار الدستور الجديد إلى استقرار الوضع السياسي في مصر مما سيمنحه فرصة لتنفيذ إصلاحات اقتصادية وجذب الاستثمار. وتم إقرار الدستور الذي كتبته جمعية هيمن عليها الإسلاميون في استفتاء شعبي في ديسمبر كانون الأول. لكن الدستور مازال محل جدل ومن المرجح أن تستغل المعارضة إجراءات التقشف اللازمة بموجب اتفاق صندوق النقد الدولي لانتقاد جماعة الإخوان المسلمين قبل انتخابات مجلس النواب التي من المتوقع إجراؤها في أوائل 2013.

تطوير قطاع الأعمال

على صعيد متصل قال وزير الاستثمار المصري إن قانونا متكاملا لتطوير قطاع الأعمال العام سيقدم إلى مجلس الوزراء مضيفا أن إعادة هيكلة القطاع لن تشمل الخصخصة. وقال الوزير أسامة صالح خلال مؤتمر في القاهرة إن من المقرر زيادة رؤوس أموال بعض الشركات الخاسرة وإضافة خطوط إنتاج جديدة لكنه رفض الإفصاح عن حجم الزيادات التي وصفها بالكبيرة. من ناحية أخرى أوضح صالح أن عجز الموازنة تجاوز 80 مليار جنيه في الأشهر الخمسة الأولى من السنة المالية 2012-2013 مشيرا إلى حدوث انخفاض كبير في معدلات النمو خلال الفترة الماضية بسبب عدم الاستقرار السياسي.

كان رئيس الوزراء المصري هشام قنديل قال في نوفمبر تشرين الثاني إن الحكومة تطمح إلى تعزيز النمو الاقتصادي ليرتفع إلى 3.5 بالمئة في السنة المالية الحالية و4.5 بالمئة في السنة المالية 2013-2014. وتباطأ النمو الاقتصادي إلى 2.2 بالمئة في السنة المالية الماضية 2011-2012 إذ تضرر الاقتصاد من الاضطرابات التي شهدتها البلاد بعد الإطاحة بحكم الرئيس السابق حسني مبارك في فبراير شباط 2011. وزاد عجز الموازنة إلى 11 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية المنتهية في يونيو حزيران ومن المتوقع أن يتخطى عشرة بالمئة هذا العام. وتوقع صالح طرح بعض مشروعات البنية الأساسية وبعض الموانئ أمام المستثمرين خلال الفترة المقبلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 10/كانون الثاني/2013 - 27/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م