(كن في الفتنة كأبن اللبون لا ضرعاً فيحلب ولا ظهراً فيركب).
ابن اللبون هو صغير الجمل حيث لا يطمع أحد بحليبه فيحلبه، وليس له
ظهر قوي فلا يطمع أحد بأن يركبه.
كانت تلك مقولة لمن واجه فتن كبرى، ومصائب عظمى، ومصاعب جمى، ومن
رأى من بإسم الدين اعتدى وقتل واستولى.
هي مقولة لمن كان شاهداً على فتن يهرمُ فيها الكبير ويشيبُ فيها
الصَّغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه، ومن لطول المحنة وعظيم المصاب
رأى أنّ الصّبر على هاتا أحجى فصبر وفي العين قذى وفي الحلق شجا.
كانت تلك مقولة لأبو الصبر من صبره كالجبال في شموخها صابراً عزيز
نفسٍ واعياً لما صبر.
وها هو نفسه يقول: (ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد،
فإذا قطع الرأس بار الجسم)، ثم رفع صوته فقال: (إنه لا إيمان لمن لا
صبر له).
الصبر يعطي مجالاً للعقل أن يفكر بعمق وتدبر ويرى الفتنة واضحة جلية.
هو عز صبر الأحرار لا ذل خنوع العبيد من كانت نهضته حين حان وقتها
نهضة صلاح وإصلاح وعدالة وحرية وكرامة الأنسان، فمان كان له كل ما أراد
بل بعضه وقتلوه قبل أن يكمل كله.
كانت تلك مقولة للأمام علي بن أبي طالب.
فتنة سوريا بدأت ومن الصعب أن تنتهي، ولو انتهت فلن تعود المياه
لمجاريها أبداً، بل ستعود لمجاري تم تشييدها من قبل أجهزة مخابرات
وسياسات دول أن تكون كما أرادوا ويريدوا وسيريدون أن تكون.
لن يعود الوضع فيما بين الشعب السوري نفسه الى سابق عهده بتعايش
سلمي ومسالم ولن يعود النظر في علاقته بمحيطه الإقليمي بما يريد الشعب
بل بما أُريد له أن يكون ومن لا يعجبه فليضرب رأسه بالحائط.
لو انتهت الفتنة السورية فستنتهي على خسائر بشرية جمة وكوارث مادية
كبيرة، وسيكون هنالك تغير كبير بطريقة التفكير والتعامل في كل الأمور.
لو انتهت الفتنة في سوريا فلن ينتصر في القتال أي أحد فالكل سيخسر،
إلا أن يأخذ أحد بيد الشعب السوري المتفرج ليصرخ صرخة التغيير السلمي
وسط هوس القتل والتدمير من قبل الطرفين (النظام الحاكم والمعارضة
المسلحة).
فتنة سوريا أُريد لها أن تكون بهذا الشكل كي تبقى مشغولة بنفسها
ويشغلون العالم بها بهذا الشكل...!
تمخض عن هذه الفتنة السورية تبيان امور كثيرة لا تخفى عن اللبيب
الواعي ولكنها غابت عن الهمج الرعاع الناعقين مع كل ناعق.
لقد فضحت الفتنة السورية من يقف مع من...؟!
ومن هو حاقد وكاره ومن هو غبي ومن هو ذكي...!
فتنة سوريا بينت كم في الأمة من أحقاد وكراهية وطائفية ومؤامرات
وعنف وقسوة وذل وهوان وجهل ووعي وفكر وكرامة وإرادة والكثير من
المتناقضات والمعاكسات.
فتنة سوريا بيّنت بل فضحت أنظمة حاكمة وقنوات إعلامية وسياسيين
وبينت من مع نصرة إسرائيل وقيام دولتها وكم من مطايا عرب ومسلمين
يحملون طابوق بناء دولة اسرائيل على ظهورهم باسم الله ونصرة الطائفة
ومن منهم من نقل طابوق بيوت سوريا ليبني به مستوطنات إسرائيلية.
وكم من عتاد وسلاح تم توجيهه عن عمد وقصد لمحاربة النظام السوري
(فقط) ولا يسمح بتاتاً وأبداً لتلك الدول الممولة للسلاح بأن يرسل
معشار معشاره لغزة المحاصرة والتي تقصف كل يوم دون هوادة من إسرائيل.
النظام السوري نظام وفاسد لكي لا يتهم البعض أني معه ولكن من يدعي
معارضته أيضاً ظالم وفاسد بل أشد ظلماً وقسوة.
ومن يتهم النظام السوري القائم بأنه طائفي وظالم وفاسد فمن يعارضه
أشد طائفية وظلماً وفساداً ومن يؤيده من دول داعمة للمعارضة وخصوصاً
دول الخليج منها اللاتي لا زالت أنظمتها أشد ظلماً وطائفية وفساداً من
النظام السوري بكثير، بل جد كثير.
من المعارضة السورية المسلحة من يقتل على الهوية ويصفي بكل برودة دم
من يخالفه في الطائفة فحسب ولم يعر أدنى اهتمام أن إسرائيل وأمريكا
تدعمه بكل قوة من دون أن يتساءل لماذا تدعمه وتؤيده بالسلاح
خصوصاً...؟!
في سوريا تم جمع مقاتلين من متطرفي طائفة بذاتها من مختلف أصقاع
الأرض كي يقاتلوا في البقعة المحددة لهم فحسب ولا يسمح لهم بتاتاً
تجاوز تلك البقعة السورية، ولو تجاوزوها لتم اعتقالهم أو قتلهم.
أليست سوريا للسوريين فمن هم هؤلاء المقاتلين وما شأنهم في سوريا
وما الذي يعرفونه عنها...؟!
ولو انتصرت –فرضاً- المعارضة المسلحة فهل سيكون لهم نصيب من حكم
سوريا وهم من دول عربية وأوربية واسيوية وأفريقية...؟!
من هؤلاء إرهابيين مدانين بقتل وتفجير وتهجير في دول تمت إدانتهم
دولياً فيها ويتبعون لمنظمات مصنفة على أنها إرهابية ومحظورة، ولكن
بالرغم من كل ذلك فهم الان يُدعمون ويُدافع عنهم دولياً في قتالهم في
سوريا فقط...!
كان هؤلاء المقاتلين مصنفين إرهابيين ومجرمين قبل أيام من الفتنة
السورية ولكنهم أصبحوا (ثوار، أحرار، أبطال) في اليوم التالي لإندلاع
الفتنة السورية...؟!
في سوريا فتنة كبيرة راعيت أن أصفها بدقة كي يفهم القارئ الكريم مع
من يقف وكيف يحدد مصيره، وهناك من يقول أنا لا أكترث لكل ذاك وما شأني
فهو رأي محترم أيضاً. |