الاحتيال المصرفي... محنة اقتصادية تهدد العالم

 

شبكة النبأ: تعد ظاهرة الاحتيال المصرفي من الظواهر المتنامية التي يتضايق منها اغلب بلدان العالم وخاصةً البلدان ذات الاقتصاديات الكبيرة مثل بريطانيا وأمريكا، لاسيما وأنها تنتشر بكثرة بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي في قطاع الخدمات المالية والمصرفية وشبكة المعلومات الدولية إنترنت التي ساهمت في ترويج وتسهيل هذه الجرائم مما أثر على الإقتصاد الدولي بشكل عام، فقد ألحقت حالات الاحتيال المصرفي عبر الإنترننت خسائر مادية قياسية، لذا فانها باتت من أخطر الجرائم في عصر الاقتصاد الحالي، حيث بدأت تنمو تدريجياُ بنمو و تطور عصابات الجريمة المنظمة، فقد كشفت التحقيقات الميدانية عن الكثير من عمليات الخداع وتبييض الاموال والرشى والفساد المالي، التي ادت الى حدوث ازمات اقتصادية عديدة في المصارف والبورصات المالية العالمية، والتي يتم الحصول عليها بطرق غير مشروعة او غير قانونية، وبالتالي تستخدم في أنشطة مشروعة مما يخفي مصدرها الأصلي، فعلى الرغم من حملات التوعية المتعلقة بمختلف الوسائل الإعلامية حول هذا النوع من الاحتيال، إلا أن العديد من الضحايا ما زالوا يقعون في شرك عصابات الاحتيال طمعا في الحصول على الملايين من الدولارات. ومع العديد من المعوقات التي تعترض مكافحة عمليات الاحتيال إلا أن أجهزة الأمن بدأت بمكافحة هذه الظاهرة بالتعاون على المستوى الدولي في تبادل المعلومات، إذ أنه لابد من تفعيل نظام مكافحة جرائم المعلوماتية أمام تلك الظاهرة العالمية.

احتيال يو.بي.اس

فقد أقر بنك يو.بي.اس السويسري بالاحتيال وسيسدد غرامة 1.5 مليار دولار لتسوية اتهامات بالتلاعب في سعر فائدة عالمي، والغرامة التي فرضت باتفاق مع جهات تنظيمية في الولايات المتحدة وبريطانيا وسويسرا تتجاوز ثلاثة أمثال الغرامة التي فرضت علي بنك باركليز البريطاني وبلغت 450 مليون دولار في يونيو حزيران لتلاعبه في سعر الفائدة بين بنوك لندن (ليبور) والذي يستخدم لتسعير عقود مالية في أنحاء العالم.

وهذا ثاني أكبر مبلغ غرامة يسدده بنك بعد أن وافق اتش.اس. بي. سي البريطاني على سداد أكبر غرامة على الاطلاق وبلغت 1.92 مليار دولار لتسوية تحقيق في الولايات المتحدة بشأن غسل أموال لعصابات مخدرات، وقال الرئيس التنفيذي لبنك يو.بي.اس سيرجيو ارموتي في بيان يكشف حجم الخطأ الذي ارتكب على مدار ستة أعوام من 2005 إلى 2010 "نأسف بشدة لهذا السلوك غير اللائق وغير الأخلاقي. ينبغي ألا يكون أي ربح اكثر أهمية من سمعة هذه الشركة. نحن ملتزمون بأداء عملنا بنزاهة."

وقال البنك إنه سيسدد 1.2 مليار دولار لوزارة العدل الأمريكية ولجنة تداول عقود السلع في الولايات المتحدة و160 مليون جنيه استرليني لهيئة الخدمات المالية في بريطانيا و59 مليون فرنك سويسري عن أرباحه المتوقعة للجهة التنظيمية في سويسرا، وقالت هيئة الخدمات المالية البريطانية إن 45 شخصا على الأقل شاركوا في الاحتيال الذي جرت مناقشته في منتديات الدردشة الداخلية ورسائل البريد الالكتروني لكن موظفي الرقابة الداخلية بالبنك لم يكتشفوه بالرغم من وجود خمسة مراجعين، وأضافت أن البنك دفع "مبالغ غير قانونية " قدرها 15 ألف استرليني كل ثلاثة أشهر لسماسرة لمدة 18 شهرا على الأقل نظير مساعدة البنك السويسري على التلاعب في أسعار الفائدة العالمية، ويستخدم ليبور لتسعير قروض بتريليونات الدولارات في أنحاء العالم العالم من قروض المنازل إلى بطاقات الائتمان وأدوات مشتقة معقدة.

وأي تغير طفيف لسعر الفائدة الذي يوضع استنادا لاستطلاع يومي لآراء مصرفيين قد يحقق أرباحا بملايين الدولارات لبعض البنوك. لكن كل دولار يكسبه بنك ما يعني خسارة مساوية لبنك أو صندق تحوط أو مستثمر على الجانب الآخر من الصفقة ما يهدد باقامة سلسلة من الدعاوى القضائية، وقال البنك إن الغرامات ستؤدي لتفاقم خسارته الصافية في الربع الأخير من العام لما يصل إلى 2.5 مليار فرنك لكنه أضاف أنه لن يحتاج لجمع رأسمال جديد، وقالت هيئة الخدمات المالية البريطانية إن مجموعة كبيرة من العاملين بالبنك كانوا يعتبرون التلاعب "ممارسة طبيعية"، وبالإضافة إلى السماسرة الذين يحاولون رفع أو خفض سعر ليبور لكسب أموال لأنفسهم فإن بعض المديرين الكبار بالبنك السويسري وجهوا المتعاملين لإبقاء عروض سعر ليبور منخفضة خلال الأزمة المالية العالمية لجعل البنك يبدو أقوى، وتتضح فداحة الاحتيال في سلسلة من رسائل البريد الالكتروني نشرتها الهيئة والتي أظهرت كيف تآمر المتعاملون والسماسرة للتلاعب بسعر الفائدة وتنادوا فيما بينهم بأوصاف تدل على الاستحسان مثل "الرجل الخارق" و"كن بطلا اليوم". بحسب رويترز.

وفي إحدى رسائل البريد الالكتروني كتب متعامل يقول "احتاجك أن تبقيه عند أدنى مستوى ممكن ... إذا فعلت ذلك .. فسأدفع لك .. 50 ألف دولار أو مئة ألف ... ما تريد ... أنا رجل أحترم كلمتي"، وهذه أول مرة يتهم فيها سماسرة بتقاضي أموال للمساعدة على الاحتيال. وأوقفت ايكاب أكبر شركة للسمسرة بين المتعاملين في العالم ومنافستها آر.بي مارتن موظفين عن العمل فيما يتعلق بالتحقيق، وقالت هيئة الخدمات المالية إن محاولات التلاعب في أسعار ليبور ونظيره الأوروبي يوريبور كانت واسعة الانتشار لدرجة أن الاشتباه يتطرق إلى كل مرة قدم فيها يو.بي.إس عرضا لسعر الفائدة على مدى ست سنوات بين 2005 و2010.          

ضغوط مصرفية

فيما تواجه الحكومة البريطانية ضغوطا لتطبيق خطتها لاصلاح قطاع المصارف بعدما دعاها تقرير برلماني الى الذهاب حتى اقرار فصل تام بين مصارف التجزئة والاستثماري اذا دعت الحاجة، واللجنة البرلمانية حول "القواعد المصرفية" التي انشئت بعد اندلاع فضيحة التلاعب بسعر الفائدة بين المصارف، دعت الى اقامة "حاجز كهربائي" بين هذه الانشطة المختلفة، ومشروع الاصلاح الحالي القائم على ما توصلت اليه لجنة فايكرز، ينص على الفصل بين بنك التجزئة وبنك الاستثمار بحلول العام 2019.

وهذا الفصل الذي يمر عبر انشاء مجلس ادارة منفصل ورسملة خاصة، يهدف الى تجنب خطة انقاذ يدفع تكاليفها المكلف كما كانت عليه الحال ابان الازمة المالية في 2008، وقال اندرو تيري الرئيس المحافظ لهذه اللجنة "لكن الاقتراحات مثل هذه ليست بالفعل على مستوى ما هو ضروري"، واعتبر تيري ان "المصارف ستشكك في فصل (الانشطة) مع الوقت. ولكي يكون هذا الفصل فعالا، يتعين عدم تشجيع المصارف على الالتفاف على القواعد. الا ان كل التاريخ يعلمنا ان هذا ما كانت تقوم به الا حين يتم ردعها عن ذلك"، وتدعو اللجنة بالتالي الحكومة الى الذهاب ابعد من ذلك بان تدرج في القانون امكانية فصل الانشطة ببساطة وصراحة اذا تبين ان الفصل غير كاف، وقال البرلمانيون انه اذا لم يكن القانون صارما، فان خطر تآكل الاصلاح وحتى فشله "سيكون اكبر"، وياتي نشر هذا التقرير بعد يومين من اعلان فرض غرامة قياسية بقيمة 1,5 مليار دولار بحق مصرف اتحاد المصارف السويسرية "يو بي اس" في قضية سعر الفائدة بين المصارف "ليبور"، اي ثلاثة اضعاف الغرامة التي فرضت على بنك باركليز البريطاني الذي حصلت الفضيحة بواسطته في نهاية حزيران/يونيو.

ووجهت السلطات البريطانية رسائل قاسية في ما يتعلق بيو بي اس، اثبتت التلاعب الواسع بهذا السعر المركزي للفائدة بين المصارف الذي يتحكم بكتلة عملاقة من المنتجات المالية مثل القروض للاسر او للشركات، واندلاع قضية ليبور مجددا والتي ستتبعها عقوبات اخرى لان نحو عشرين مؤسسة مصرفية اخرى تخضع حاليا للرقابة، لا يؤدي الا الى تعزيز راي اللجنة، فالمحققون في هذه القضية "كشفوا ثقافة الجشع بعيدا عن مصالح المستهلكين" و"الفضائح الاخيرة" هي "اكثر الادلة وضوحا لانه يجدر القيام بالكثير ايضا لاعادة فرض القواعد في القطاع المصرفي"، كما شدد البرلمانيون. بحسب فرانس برس.

وبكشفها عن هذا التقرير القاسي، تكون اللجنة عكست طريق وزير المالية جورج اوزبورن الذي دعاها في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الى عدم "فك حبكة التفاهم الذي تم التوصل اليه في السنتين الاخيرتين"، واعلن وزير المالية انه سيدرس بالتفصيل هذا التقرير، وعلى لسان جمعية اصحاب المصارف البريطانية، رحبت المصارف من جهتها بالتقرير، لكنها دعت الى حسم الموقف من النظام الجديد لان "غموضا" كبيرا جدا في التنظيم قد يسيء الى مكانة مركز المال في لندن، وتريد اللجنة من جهة اخرى ان تدرس حظرا محتملا على الوساطة (عندما تشتري المصارف اسهما من السوق باموالها الخاصة وليس باموال زبائها) كما يحصل في اطار "قاعدة فولكر" في الولايات المتحدة، وقد كشفت الحكومة الفرنسية عن اصلاحها المصرفي الخاص الذي ينص على وجوب قيام المصارف بتوطين انشطة المضاربات لديها في فرع خاص لهذا الغرض، لكنها وجدت نفسها مجبرة على ابعاد الانتقادات التي تعتبر هذا النص غير كاف بالنظر الى وعود الرئيس فرنسوا هولاند.

قضية أوليمبس

على الصعيد نفسه اعتقلت السلطات الأمريكية مصرفيا سابقا في لوس انجليس واتهمته بالمساعدة في "تصفية" استثمارات بمئات الملايين من الدولارات في عملية احتيال محاسبية بشركة أوليمبس في واحدة من أكبر فضائح الشركات في تاريخ اليابان، والمصرفي تشان مينج فون الذي كان مسؤولا كبيرا في بنك في سنغافورة هو أحدث مسؤول تنفيذي سابق والأول من خارج اليابان الذي يتورط في الفضيحة المحاسبية التي شملت 1.7 مليار دولار في الشركة التي تنتج الكاميرات والمعدات الطبية. بحسب فران برس.

واعترفت الشركة بأنها استخدمت أساليب محاسبية غير ملائمة لإخفاء خسائر استثمارية ضخمة بموجب خطة بدأت في تسعينات القرن الماضي، وأفادت وثائق المحكمة في الولايات المتحدة أن تشان تقاضى عشرة ملايين دولار من أوليمبس أو كيانات تسيطر عليها الشركة مقابل دوره في عملية التغطية المحاسبية. ورفعت الدعوى ضد تشان أمام محكمة اتحادية في نيويورك، وقال جورج فينيزيلوس مساعد مدير مكتب التحقيقات الاتحادي "المتهم كان له دور مباشر في التصفية السرية لاستثمارات بمئات الملايين من الدولارات في أوليمبس. وبعد ذلك بدأ حملة استمرت ست سنوات لإخفاء هذا الاحتيال بالكذب والشهادة لمراجعي الحسابات بأن الاستثمارات مازالت موجودة بعد سنوات من تصفيتها".

شقيق مادوف

الى ذلك حكم القضاء الاميركي بالسجن عشر سنوات على بيتر مادوف، شقيق برنارد مادوف صاحب اكبر عملية احتيال مالي في التاريخ، بعد اقراره بتزوير حسابات شركة الاستثمارات المالية التي كان يملكها شقيقه وكان هو موظفا فيها، وترافع بيتر مادوف (67 عاما) عن نفسه معترفا بذنبه بتهمة التزوير في البورصة عندما كان محاسبا في شركة برنارد مادوف للاستثمارات المالية، واضافة الى عقوبة السجن عشر سنوات، انزلت به المحكمة ايضا عقوبات شديدة تحرمه تقريبا من كل ما يملك، وقال المدعي العام الفدرالي في مانهاتن بريت بهارارا في بيان ان "بيتر مادوف كان امين الحسابات وكان يفترض به ان يمنع حصول تزوير ولكن عوضا عن ذلك فقد سمح بحصوله وسهل المؤامرة المهولة التي حاكها شقيقه، وذلك من خلال تزوير تقارير المطابقة والكذب على المراقبين والعملاء". بحسب فران برس.

واضاف ان "السنوات العشر التي سيمضيها في السجن وحرمانه من امواله هو النتيجة العادلة" لما قام به، وفي 2009 حكم على مادوف (72 عاما) بالسجن 150 عاما بعد ادانته بجريمة احتيال تاريخية قدرت قيمتها بما بين 20 الى 65 مليار دولار، اذا اخذت الفوائد في الاعتبار ام لا، وكانت حيلة مادوف تتمثل في وعد زبائنه بفوائد طائلة لم يكن يوفرها بل كان يستخدم اموال زبائن جدد لتسديد فوائد الزبائن الاوائل. وانهار كل شيء عندما تفاقمت الازمة المالية العالمية ووجد نفسه عاجزا عن تلبية عدد متزايد من المستثمرين الذين ذعروا من الازمة وطلبوا استعادة اموالهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/كانون الثاني/2013 - 25/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م