الانتخابات الإسرائيلية... استعدادات ورهانات وأجندات

 

شبكة النبأ: مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية يزداد السباق الى كرسي الرئاسة احتداما، مما أدى إلى طرح سيناريوهات كثيرة متباينة على المشهد السياسي الإسرائيلي مؤخرا، إذ تشهد هذه السنة الانتخابية صراعات ونزاعات حامية الوطيس لاقتناص كرسي السلطة الإسرائيلي، وقد استخدم المتنافسون مختلف الأسلحة في هذا الصراع من مالٍ وإعلام وتمايزات اجتماعية وسياسية، لكون انتخابات هذا العام حاسمة ومهمّة جداً في إطار الصراع بين أكبر الاحزاب في اسرائيل، وحول من سيهيمن على مراكز صنع القرار الإسرائيلي وفي الكنيست الجديد، ولعل الشراكة غير المعهودة بين حزب الليكود بزعامة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو وحزب اسرائيل بيتنا القومي المتشدد بزعامة وزير الخارجية افيغدور ليبرمان، اثارت موجة كبيرة من الانتقادات وحالة من الاستياء داخليا، حيث يرى بعض المراقبين بأن هذه الاتحاد يهدف للحصول على المزيد من السيطرة، وهو عملية سياسية ببتلاع الأحزاب الكبرى الأحزاب الصغرى، وتوجيه حكم البلاد بطريقة الحزب الواحد، بينما قال مراقبون آخرون أن الغرض من هذا التحالف هو توحيد موقف اسرائيل داخليا من اجل توحيد موقفها خارجيا، اي  التعامل مع تحديات أمنية مثل البرنامج النووي الايراني ومشاكل داخلية أخرى، مما يعاني أن هذا التحالف سيحضى بحصة الاسد في الحكومة المقبلة لو استمرت الامور على هذا النحو.

في حين يبرز الخلاف الرئيسي بين المرشحين في عدة قضايا وتعد القضية الإيرانية من اهمها في معركة الانتخابات الرئاسية في اسرائيل، التي تشهد صراعا حادا خاصةً في الاونة الاخيرة، حيث يسعى المتنافسون الى طمأنة الناخبين بانها ستكون اهم قضايا الرئيس الجديد، وعليه فأن استمرار الجدل السياسي الحساس في تلك البلاد، يضع مؤشرات الفوز والخسارة وبؤر الصراع السياسي مرهونة بالنتائج للانتخابات الإسرائيلية القادمة.

التهديد الايراني

فقد اطلق رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، زعيم حزب الليكود اليميني والاوفر حظا للفوز في الانتخابات التشريعية المقررة في 22 كانون الثاني/يناير، حملته الانتخابية، مؤكدا ان اولويته هي "وقف" البرنامج النووي الايراني، وقال نتانياهو امام حشد من انصاره "من هو المرشح الذي يعتبره الناخبون الاقدر على الوقوف في وجه التهديد الايراني؟ في وجه التهديد المرتبط بالصواريخ؟ في وجه تهديد الارهاب؟"، واضاف "ما زال لدينا الكثير للقيام به. قبل كل شيء، علينا وقف البرنامج النووي الايراني، والوقت يمر. هذه هي مهمتي الاولى كرئيس للوزراء"، ويأتي تأكيد نتانياهو على ثوابته هذه بعدما هدد مرارا بتوجيه ضربة عسكرية الى المنشآت النووية الايرانية لوقف الانشطة النووية الجارية فيها والتي تؤكد اسرائيل انها في الظاهر انشطة مدنية وفي الباطن انشطة عسكرية تهدف لانتاج سلاح ذري ترى فيه الدولة العبرية تهديدا وجوديا لها، ويوافق قسم من الغرب اسرائيل في تخوفها من طبيعة الانشطة الايرانية في حين تنفي طهران كل هذه الاتهامات مؤكدة ان انشطتها مدنية حصرا ولا تخفي اي شق عسكري سري.

من جهة ثانية استعرض رئيس الوزراء الاسرائيلي في خطاب تدشين الحملة الانتخابية وبشكل مفصل الانجازات العديدة والكبيرة لحكومته على الصعيد الاقتصادي في حين لم يأت على ذكر الملف الفلسطيني الا لماما.

وفي هذا الشأن قال نتانياهو ان "يدنا ستبقى دوما ممدودة الى جيراننا من اجل سلام حقيقي ومتبادل، مع الاستمرار في نفس الوقت في التشديد على المصالح الحيوية لدولة اسرائيل رغم كل الضغوط"، ووعد نتانياهو ايضا ب"تعزيز" الاستيطان اليهودي، وقال "بعون الله سنواصل العيش والبناء في القدس التي ستبقى دوما غير قابلة للتقسيم وتحت السيادة الاسرائيلية"، وكانت الحكومة الاسرائيلية اقرت في الاونة الاخيرة مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المبكرة خططا عدة واصدرت موافقات اجازت بموجبها بناء الاف الوحدات السكنية الاستيطانية في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلتين، وذلك في اجراء انتقامي منها لحصول السلطة الفلسطينية على صفة دولة مراقب غير عضو في الامم المتحدة، ولكن الاسرة الدولية، بمن فيها الولايات المتحدة، رأت في هذه الاجراءات الانتقامية خطوات "استفزازية" لا سيما وان الفلسطينيين حذروا من ان هذا التوسع الاستيطاني يقوض حل الدولتين في حين يعتبر المجتمع الدولي باسره البناء الاستيطاني في الاراضي المحتلة، بما فيها القدس الشرقية التي ضمتها اسرائيل في قرار احادي غير معترف به، بناء غير قانوني. بحسب فرانس برس.

وشارك في حفل اطلاق الحملة الانتخابية لنتانياهو حليفه السياسي وزير الخارجية السابق افيغدور ليبرمان زعيم حزب اسرائيل بيتنا القومي المتطرف والذي استقال من الحكومة مؤخرا بعدما وجه اليه القضاء تهمة "اساءة الامانة"، ولا يزال ليبرمان يحتل المرتبة الثانية على اللائحة المشتركة لمرشحي حزبي الليكود واسرائيل بيتنا، رغم ان الشرطة استمعت اليه، بحسب ما افادت وسائل اعلام اسرائيلية، وبحسب آخر استطلاعات الرأي فان تكتل الليكود-اسرائيل بيتنا سيفوز ب35 مقعدا من اصل 120 في الكنيست في تراجع اربعة مقاعد مقارنة مع استطلاع اجري الاسبوع الماضي. لكن نتانياهو لن يواجه صعوبات في تشكيل حكومة لانه يحظى بدعم ائتلاف يضم 67 نائبا على الاقل في البرلمان المقبل مكون من احزاب قومية ومتشددة بدون احتساب الشركاء المحتملين من الوسط، وبحسب استطلاع نشرته صحيفة هآرتز اليسارية فان نتانياهو لا يزال الزعيم السياسي الذي يحظى باكبر قدر من الثقة لدى الاسرائيليين.

انتزاع الاصوات

في سياق متصل قال استطلاع للرأي نشرت صحيفة هآرتس نتائجه ان حزب البيت اليهودي القومي المتطرف يواصل انتزاع الاصوات من حزب الليكود اليميني بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو قبل الانتخابات المقبلة، وقال الاستطلاع ان حزب البيت اليهودي بزعامة نفتالي بينيت سيحصل على 13 مقعدا بزيادة مقعدين مقارنة مع اخر استطلاع اجرته هارتس في 10 من كانون الاول/ديسمبر الماضي، وبحسب الصحيفة فان هذه الزيادة تاتي على حساب اللائحة المشتركة لحزب الليكود مع حزب اسرائيل بيتنا اليميني القومي المتطرف بزعامة وزير الخارجية السابق افيغدور ليبرمان الذي سيحصل على 35 مقعدا اي اقل باربعة مقاعد عن الاستطلاع السابق، ويأتي هذا الارتفاع في شعبية حزب البيت اليهودي (المفدال) بعد تصريحات بينيت بانه رفض اثناء خدمته العسكرية كجندي تلبية الاوامر لاخلاء مستوطنات يهودية.

وكتب المحلل السياسي في هارتس يوسي فيرتر بان "نتانياهو والليكود بيتنا ذهبا بعيدا في مهاجمة بينيت وحولاه الى طفل مدلل لليمين (...) كقائد لليمين البديل"، واجرى الاستطلاع مركز ديالوغ على عينة تمثيلية من 491 شخص في 23 و24 من كانون الاول/ديسمبر مع هامش خطأ بنسبة 4,3%، وما زالت كتلة اليمين تحافظ على تصدرها حيث ستحصل على 67 مقعدا من اصل 120 في البرلمان (الكنيست). بحسب فرانس برس.

 وستحصل كل من احزاب شاس (اليهود الارثودوكس السفارديم) على 13 مقعدا وحزب يهودية التوارة (اليهود الارثودوكس الغربيين) على ستة مقاعد، ورأى فرتير ان "الارقام تظهر ان نتانياهو سيكون بالتأكيد رئيس الوزراء المقبل ولكن سيطرة حزبه على الائتلاف القادم ستكون اقل اهمية من ما يتوقع لانه وحد لائحته مع ليبرمان"، وستحصل كتلة الوسط واليسار على 53 مقعدا، وسيحصل حزب العمل بزعامة شيلي يحيموفيتش على 17 مقعدا مقابل 10 مقاعد لحزب "الحركة" الذي اسسته وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني، اما حزب "يش عاتيد" (ثمة مستقبل) الذي اسسه الصحافي السابق يائير لابيد مسيحصل على 9 مقاعد بينما لن يحصل حزب كاديما وهو اكبر حزب حاليا في البرلمان مع 28 مقعدا الا على مقعدين في الانتخابات المقبلة.

عزلة غير مسبوقة

الى ذلك قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت إن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتياهو تدفع إسرائيل إلى عزلة غير مسبوقة بسبب سياستها الخاصة بالمستوطنات اليهودية، وخص أولمرت بالذكر إعلان إسرائيل مؤخرا أنها تعتزم بناء وحدات استيطانية جديدة في المنطقة إي1 قرب القدس وهي خطة أثارت احتجاجا دوليا، وقال أولمرت إن مثل هذه الخطط استخدمت لأعوام. غير أن مجيء هذا الإعلان بعد أيام من وقوف الولايات المتحدة بجانب إسرائيل أمام مساعي الفلسطينيين للحصول على اعتراف فعلي من الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولتهم - والتي كللت بالنجاح - كان صفعة على وجه الحليف الرئيسي لإسرائيل، وقال أولمرت "نتنياهو يعزل إسرائيل عن العالم كله بطريقة غير مسبوقة وسندفع ثمنا غاليا في جميع نواحي حياتنا وعلى الشعب الإسرائيلي أن يعرف ذلك". بحسب رويترز.

ولقيت الخطط الاستيطانية إدانة عالمية حيث انتقدت الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هذه المشروع الذي يرون أنه يعقد أي محاولة لتحقيق السلام مع الفلسطينيين، وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دعت نتنياهو الأسبوع الماضي إلى تجنب اتخاذ "خطوات أحادية الجانب"، وقال أولمرت في تصريحات أذاعتها قناة تلفزيونية إسرائيلية إنه لن يرشح نفسه في الانتخابات المقرر إجراؤها في يناير كانون الثاني بإسرائيل نظرا لغياب الوحدة في صفوف تكتل يسار الوسط إلى جانب مشكلات قانونية يواجهها منذ فترة طويلة، وبرأت المحكمة ساحة أولمرت الزعيم السابق لحزب كديما الوسطي في يوليو تموز من معظم اتهامات الفساد التي وجهت إليه وأجبرته على الاستقالة من منصبه في عام 2008.

نتانياهو الافضل حظا

كما يبدو رئيس الوزراء الاسرائيلي اليميني بنيامين نتانياهو الاوفر حظا في استطلاعات الراي قبل شهر على الانتخابات التشريعية واثقا من فوزه بولاية ثانية، اذ لا تواجه سلطته سوى تحد واحد داخل معسكره، نظرا الى انقسام المعارضة.

حتى توجيه تهمة "اساءة الامانة" الى وزير الخارجية افيغدور ليبرمان ورئيس الحزب المتشدد اسرائيل بيتنا المتحالف مع نتانياهو لم يغير المعطيات، واشارت استطلاعات الرأي الاخيرة الى حصول كتلة الليكود-اسرائيل بيتنا على 35 الى 39 مقعدا من 120. ويمكن توقع حصوله مع الاحزاب القومية الدينية على حوالى 60 مقعدا في الكنيست الجديد، بالنسبة الى نتانياهو لا تكمن الاشكالية الحقيقية في نتيجة الاستحقاق التي تبدو لصالحه وستؤدي الى توليه ولاية ثالثة في رئاسة الوزراء لكن في عدد المقاعد التي سيفوز بها حزبه الليكود.

واشار المحلل السياسي في هآرتس يوسي فيرتر الى ان نتانياهو "يحلم بان يملك حزبه، اسوة بالليكود في عهد رئيس الوزراء الاسبق ارييل شارون عام 2003، على اكثرية ساحقة من مقاعد الكنيست تتيح له تشكيل حكومة لا تعتمد على اي شريك ائتلافي والتخلص من الابتزاز السياسي"، من هذا المنطلق لا يبدو التهديد الاخطر ناجما عن المعارضة الوسطية واليسارية بل من سياسي شاب يميني متشدد هو نفتالي بينيت الذي تولى قيادة البيت اليهودي وهو حزب متشدد مناصر للاستيطان، ويشهد بينيت تقدما كبيرا حيث بدأ ياخذ مقاعد كانت محسوبة على لائحة نتانياهو-ليبرمان ويتوقع فوزه ب12 مقعدا (مقابل 3 اليوم) ليصبح القوة الثالثة في البرلمان بعد حزب العمال، وبينيت كان مديرا سابقا لمكتب رئيس الوزراء وهو من المؤمنين ب"اسرائيل الكبرى" وهو منبثق على غرار نتانياهو من كتيبة كوماندوس النخبة "سايريت ماتكال"، والمستثمر السابق في قطاع التكنولوجيا البالغ 40 عاما يتقن، مثل نتانياهو، اللغة الانكليزية بفضل والديه اللذين هاجرا من الولايات المتحدة وتقنيات التواصل.

ويخاطب بينيت بشكل رئيسي الناخب الصهيوني-المتدين في حزب البيت اليهودي لكنه يستهدف كذلك الشباب والعلمانيين، ويطمح الى الحصول على ثلاث وزارات على الاقل في الحكومة المقبلة. وهو يريد الحصول على حقيبة الاسكان المحورية بالنسبة الى المستوطنات، ويشير المحللون الى ان التشدد الذي ابداه نتانياهو مؤخرا في مسألة الاستيطان يعزى بشكل اساسي الى شعبية خصمه اليميني الشاب المتزايدة. بحسب فرانس برس.

ردا على الاتهامات بالمزايدة الانتخابية يؤكد رئيس الوزراء ان مشاريع البناء في القدس الشرقية المحتلة والضفة الغربية هي "مسألة مبدأ". وقال "نعيش في دولة يهودية والقدس هي عاصمة اسرائيل. سنبني في القدس لانه حقنا"، في المقابل تشهد المعارضة الوسطية واليسارية المنقسمة تراجعا. فلن تحصل مع الاحزاب العربية على اكثر من 51 مقعدا، ويستقر حزبا العمال التابع لشيلي يشيموفيتش، وهاتنواه الذي اسسته مؤخرا وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني على 20 و9 مقاعد. اما حزب يش عتيد الوسطي الذي انشأه الصحافي السابق يائير لبيد فلم يحرز اي تقدم ويتوقع حصوله على اقل من 10 مقاعد فيما باتت القوة الكبرى في البرلمان الحالي كاديما (يمين الوسط، 28 نائبا) مهددة بالزوال تماما، واشار المحلل السياسي في صحيفة معاريف مزال معلم الى ان "الشيء الجديد الحقيقي في هذ الانتخابات هو انتصار الانانية على المنطق السياسي السليم في كتلة الوسط واليمين" في اشارة الى محاولات التحالف الفاشلة بين يشيموفيتش وليفني. وتابع "انها اول حملة لا تطرح فيها هذه الكتلة مرشحا فعليا لمنصب رئيس الوزراء".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/كانون الثاني/2013 - 25/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م