إن أغرب ما تشهده ثورات الحرية التي تعمّ العالم العربي والتي تبرهن
للعالم أن العرب شعب حيّ يعشق الحرية، ومستعد للكفاح والموت من أجلها،
هو عودة المحافظين الجدد، من تحت ركام جرائمهم التي ارتكبوها ضد
الإنسانية، لرفع رؤوسهم الملطخة بعار الحروب، والتعذيب، للإدعاء بأنهم
''كانوا على حق''!
فقد كتب ''مفكر'' الاحتلال والاستبداد ''إليوت أبراهامز'' أكثر من
مرة مدعياً ''أن التحول إلى الديمقراطية قد بدأ في العراق'' الذي تركوه
مدمراً يحمل الملايين من شعبه جراح الفتنة، والانقسام، والمجازر،
والدمار. وكتبت ''كوند ليزا رايس'' لتستشهد بما قالته وليس بما قامت به
من دعم للاحتلال الإسرائيلي، والحرب على العراق ولبنان، والتعذيب في
أبو غريب، وتوزيعها القبل على الطغاة والفاسدين من الحكام العرب الذين
دعموا حرب الطغاة الإسرائيليين على لبنان، وغزة، بينما كانت الطائرات
الأمريكية تورد لإسرائيل ملايين القنابل العنقودية التي ما زالت تنشر
الموت في أرض الجنوب، كما شاركت ''رايس'' بصنع القرارات الأمريكية
لاستمرار الاضطهاد الإسرائيلي لملايين الفلسطينيين، وهي التي أسهمت في
تدمير الديمقراطية الفلسطينية، واليوم لا يهتز لأختها في المواطنة، ''هيلاري
كلينتون'' رمش هي وبناة سجون غوانتانامو وأبو غريب، وممثلي الحرب على
العراق وأفغانستان، وداعمي أنظمة الاستبداد والفساد، بأن يدّعوا أنهم
كانوا مع ''نشر الديمقراطية في البلدان العربية''! متناسين أن الثورة
الديمقراطية المنتشرة في الأرض العربية هي في العمق رد صارخ على
الاستباحة الأمريكية لحرية العرب في فلسطين، والعراق، والدعم اللامحدود
الذي يلقاه منهم ولا يزال أبشع احتلال عنصري في تاريخ البشرية على حساب
كرامة وحرية شعب فلسطين الذي تتم عمليات تطهيره عرقياً من أرضه أمام
نظرهم وبدعم الولايات المتحدة منذ أكثر من ستين عاماً وحتى اليوم.
يشهد السعار التهويدي في الضفة واحدةً من أعلى مراحله المتسارعة.
المحتلون يبحثون في أدراجهم المليئة بالمخططات عما تحتويه من قراراتٍ
سابقةٍ لم تنفذ بعد لإعادة إعلانها والإشارة ببدء تنفيذها. هناك حملة
تهويدية تتوالى إيقاعاتها بتوالي تسارع دقات طبول انتخابات ''الكنيست''
المقتربة الشهر القادم، مسيروها يتخذون منها وسيلةً لإشباع شهوة
الانتقام لدى جمهور مستوطنيهم من القرار الرمزي للأمم المتحدة بقبول
فلسطين دولة غير عضوٍ فيها. وبالإضافة إلى إنجاز ما يمكن تهويده مما لم
يهود بعد، يطرحونها كواحدةٍ من جوائز الترضية لهذا الجمهور المزداد
غلواً وتطرفاً بغية إلهائه عما اعتوره من قلق لقاء فشل عدوانهم الأخير
على غزة بعد أن فله صمودها وردته مفاجآت صواريخ مقاومتها.
لقد قدمت الولايات المتحدة مؤخراً دليلاً إضافياً على انحيازها
السافر للاحتلال الصهيوني، وكرهها لكل ما هو فلسطيني، وأن كل ما تملكه
من قوة عسكرية واقتصادية وسياسية ودبلوماسية مسخر لخدمة الاحتلال
الصهيوني والدفاع عنه، وذلك حين رفضت وهي العضو الخامس عشر من أعضاء
مجلس الأمن الانضمام إلى بقية الأعضاء للتنديد وإدانة السرقة
الاستيطانية الجديدة في الضفة المحتلة والتي أعلنت عنها حكومة الاحتلال
الصهيوني. أليست هذه السياسة الأميركية وهذا التعامل الأميركي يجب أن
يمثلا القاعدة العريضة والمرآة العاكسة لحقيقة السياسة الأميركية في
المنطقة، وفضح زيف ما تعلنه من تمسك بشعارات ''حقوق الإنسان،
والديمقراطية، والحرية، وحماية المدنيين''، وأن ما تقوده الآن من
سياسات في المنطقة ودولها تتقنع بتلك الشعارات هو من أجل خدمة كيان
الاحتلال الصهيوني وليس في مصلحة المنطقة ودولها وشعوبها؟
ويمكن تقدير سعار الاستيطان الذي توحش لدى كيان الاحتلال الصهيوني
في أراضي فلسطين المحتلة وفي مقدمتها الضفة والقدس المحتلتان كرد فعل
طبيعي على أزمة الوجود التي يعيشها وذلك في أعقاب الصفعة الدبلوماسية
التي تلقاها بالاعتراف بفلسطين كدولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة.
وما تسارع وتيرة الاستيطان ومخططات الترانسفير التي وصلت مدى غير مسبوق
في تاريخ الاستعمار الحديث إلا سباق مع الزمن لفرض حقائق على الأرض
ومحاولات لطمس التاريخ لقطع الطريق على أي فرصة مستقبلية لما يوصف بحل
الدولتين في إطار الواقع الدولي الجديد الذي شكله الاعتراف الأممي، أي
أن ما يجري وباختصار غير مخل هو صراع وجود يلتبس بسلوك استعماري يذيب
ويجير الحدود.
تلك تطورات بديهية يمكن ملاحظتها بالعين المجردة والتفكير غير
المعمق، لكن ما لم يعد مفهوماً هو استمرار غياب الظهير العربي عن دوره
الذي تفرضه حقائق التاريخ والجغرافيا والجيوسياسة في الصراع، بل إن هذا
الغياب الطويل والصمت المطبق يثيران حالة من الذهول والتساؤل عن سبب
ذلك، وما إذا كان انشغال العرب بما يسمى ''الربيع العربي''، ورغبتهم في
الاستعانة بالآلة العسكرية والإعلامية ومصانع السلاح الغربية وبخاصة
الأميركية في القيام بالدور المساند لإسقاط من عليه الدور في السقوط من
الأنظمة سبباً مباشراً حتى لا تتأثر حالة التناغم الكبير بين السياسات
الغربية والعربية فيما يخص الملفات الساخنة في المنطقة، حيث لم نعد
نسمع عبارات الإدانة والاستنكار ولو على استحياء. بل والتلكؤ عن تقديم
المظلة المالية اللازمة لشد أزر السلطة الفلسطينية وإعانتها على ما
تواجهه من أزمات مالية خانقة تكاد تعصف بوجودها، وذلك رغم الوعود
العربية المتكررة التي أقرتها جامعة الدول العربية ولم تر نور الشمس
خارج أروقة بيت العرب.
فقد بلغ التمادي الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني شأواً خطيراً، إذ تؤكد
فيه الوقائع على الأرض الفلسطينية أن سرطان الاستيطان مدمر لحل
الدولتين وآخذ في التغول لِيَلتهم كامل أراضي الضفة الغربية والقدس
المحتلة، ولا يزال الشعب الفلسطيني ينتظر وقفة عربية جادة تنتشله من
طائلة الخناق الاقتصادي والمعيشي الذي يطبقه ضده كيان الاحتلال
الصهيوني. ما يطرح تحديات تضع السياسة الفلسطينية بصورة خاصة والسياسات
العربية بصورة عامة على المحك، فإذا كانت السلطة مطالبة بخطوات عملية
وعدم الركون عند محطة الانتشاء بالاعتراف الأممي بدولة فلسطين مراقباً
غير عضو في الأمم المتحدة، والعمل على توظيف الوضع الجديد بما يخدم
الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ورفض الاستسلام لما يدعيه الاحتلال
الصهيوني من عقوبات بسبب التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة والنجاح
في الحصول على الوضع الجديد، فإن العرب أنظمة وشعوباً مطالبون بما
يتوجب عليهم القيام به تجاه أشقائهم الفلسطينيين الذين يعانون الحرمان
والجوع والحصار، والتهجير والقتل والاغتيال، وسرقة الأرض وسرقة الأموال
من قبل عدو غاشم لا يرحم ولا يميز بين حق وباطل، ولا يؤمن بالحقوق،
ويرفض الاعتراف بالآخر، ولا يميزه عن غيره سوى الحقد والكراهية
والإرهاب والشر المستطير.
إن المشاريع الاستيطانية الصامتة أو المعلنة تأتي بعد مشاورات
سياسية وعسكرية إسرائيلية وبعد اتفاق مع شركات ومقاولين حكوميين ليدل
عن أن الجانب الإسرائيلي يقوم بتسمين المستوطنات بصورة مكثفة في هذه
المرحلة دون اكتراث لما يسمى جولات المبعوثين والمساعدين لوزيرة
الخارجية الأميركية والرباعية الدولية التي فشلت في وقف الاستيطان.
فالاستيطان لا يتوقف على القدس وحدها فهناك مخططات لتفتيت الضفة
الغربية من خلال عملية البناء التوسعية المتواصلة في المستوطنات الكبرى
التي تخطط إسرائيل ضمها إليها في أي تسوية مع الجانب الفلسطيني لترسيخ
التفتيت الجغرافي للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً.
ما يطرح تساؤلاً مهماً: أين القرارات التي اتخذتها لجنة المتابعة
العربية خلال اجتماعها مؤخراً في الدوحة بتنفيذ قرار سابق لجامعة الدول
العربية بتوفير شبكة أمان للسلطة الفلسطينية بقيمة مائة مليون دولار
لمواجهة السرقة الصهيونية؟ ولماذا تأخرت عملية الصرف؟ أم تم إعطاء
الأولوية لهذه المبالغ فيما يخص الأزمة السورية لتصرف على المعارضة
السورية المسلحة؟
إن القضية الفلسطينية ستظل على الدوام محكاً حقيقيًّا للسياسات
العربية بوجه خاص، ولسياسات ما يسمى بالمجتمع الدولي بوجه عام، فهي
المرآة العاكسة لما يعتور تلك السياسات من تناقضات ومواقف منافقة.
والتحدي الاستيطاني الإسرائيلي الجديد يفتح الباب على جملة من
التساؤلات المتراكمة حول آلية التعامل الدولي مع هذا التعنت الإسرائيلي
الذي أدى بصورة أو بأخرى إلى نزع المصداقية بالكامل عن المجتمع الدولي
الذي بالإضافة إلى كونه عاجزاً عن فعل أي شيء أمام السلوك الإسرائيلي
يجد نفسه أيضاً محرجاً إلى حد كبير بسبب سياسة ازدواجية المعايير
والنظر بعين واحدة التي باتت أغلب دول العالم تتبرم منها وترفضها خلف
الكواليس، حتى تلك الدول الواقعة تحت النفوذ الأميركي أو تلك التي تدور
في فلكه.
قد تدعو هذه الحال بعض الواهمين إلى إعادة طرح سؤالٍ لطالما سمعناه
منهم، وكم أكلت عملية التهويد الجارية مدحلتها في انتظار الجواب عليه
وشربت، وهو: وما هو موقف الأطراف التي شاركت لأكثر من عقدين من الزمن
في همروجة المرحومة المدعوة بـ ''المسيرة السلمية''، والتي سبق وأن
نعتها جميعها مع استمرارها التأكيد على إلتزامها بها؟!
دولياً تكفينا الإشارة إلى الاتحاد الأوروبي، أي لن نخطىء بلا معنى
فنذكر الولايات المتحدة. ذلك منا لكون الأوروبيين هم الأكثر نفاقاً
والمحاولين عادةً الإيهام باختلافٍ ما في مواقفهم عن الأخيرة، هؤلاء
المختلفون اكتفوا بالإعلان عن ''صدمتهم ومعارضتهم الشديدة لتوسيع
مستوطنات في الضفة بما فيها القدس وخصوصاً المنطقة A1 !
وعلى رغم وجود متغير أوروبي مهم له علاقة بارتفاع منسوب الامتعاض
الشعبي في مختلف دول الاتحاد من الممارسات العدوانية الإسرائيلية، وفق
مؤشرات عدة، إلا أن أنظمة هذه الدول التي تقدم نفسها كوسيط أمين ومخلص
في الشرق الأوسط، تمارس، في الحقيقة، نوعاً من النفاق المغلف
بـ''سوليفان'' الحرص على الحقوق الفلسطينية والعربية المنتهكة من
الكيان الإسرائيلي. إذ، ففي مقابل إدانة ممارسات الاحتلال العدوانية،
وبخاصة الاستيطانية منها، في التصريحات والبيانات كـ ضريبة كلامية: لا
تقدم ولا تؤخر، تواصل معظم هذه الأنظمة السياسية، وفي مقدمها بريطانيا
التي مهَدت التربة لقيام كيان الاحتلال، وفرنسا التي تعتبر أن أي
اعتداء على إسرائيل هو اعتداء عليها، وألمانيا التي تزعم أنها أمام
مسؤولية تاريخية تجاه اليهود بسبب الهولوكوست، وإيطاليا التي تدعو لدعم
إسرائيل واليهود بكل الأشكال. تواصل تطوير علاقاتها التحالفية مع هذا
الكيان المارق في مختلف المجالات.
ويوضح التدقيق في بعض مناحي هذا ''التحالف الآثم''، وفق تسمية
الصحفي الأيرلندي ''ديفيد كرونين'' المتخصص في السياسة الأوروبية، بأن
دول الاتحاد التي كانت تسوّغ، على الدوام، اعتداءات إسرائيل على العرب
والفلسطينيين وتعتبرها ''موقفاً دفاعياً''، ما زالت تستورد نحو 40 في
المائة من كمية الناتج المحلي الإسرائيلي، كما تتمسك بالتعاون مع
الكيان في مختلف المجالات، ولاسيما في حقل البحوث العلمية الذي يعتبر
من أكبر حقول التعاون والتنسيق بين الجانبين، وذلك على رغم الخسائر
التي تتكبدها لمصلحة إسرائيل التي أصبحت في عام 2007 من أولى الدول
المجاورة للاتحاد الأوروبي التي تندمج في ''برنامج الابتكار والتنافس''
المخصص له 6.3 مليارات دولار بين 2007 و2013، الذي يسمح للدولة العبرية
بالمشاركة في المشاريع المشتركة مع الشركات الأوروبية، إضافة إلى
الانضمام إلى ''برنامج أوروبا للمشروعات'' الذي يساعد الشركات في
الحصول على التمويل العام.
وعطفاً عما سبق، فقد جاء في تقرير لـ ''هانز فان دين بروك'' المفتش
السابق للعلاقات الخارجية في المفوضية الأوروبية ببروكسيل، تحت عنوان
''مقايضة السلام... كيف تساعد أوروبا في الحفاظ على المستوطنات
الإسرائيلية غير الشرعية''. وتأتي المعلومات والبيانات التي تضمنها
التقرير والتي تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي يعمل بسياسة المكيالين في
النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، فهو يتعهد في بياناته بعملية السلام
ويعمل وراء الكواليس في تشجيع المستوطنين الصهاينة بالحفاظ على
مستوطناتهم وازدهارها ويفتح أبواب اقتصاده أمام البضائع والمنتجات التي
يصدرها المستوطنون إلى الخارج، هذه السياسة المزدوجة والخطيرة، تفضح
نفاق سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه النزاع الفلسطيني وتستخف
بالفلسطينيين بخاصة والعرب بعامة، وما من شك أنه ينبغي على صناع القرار
في العالم العربي والإسلامي الرد عليها بحزم وتحذيرها بأن مواصلة العمل
بسياسة الرضوخ للمستوطنين الصهاينة لا يخدم مصالحها في المنطقة أبداً.
وتفيد معلومات أن الحكومة الإسرائيلية تقدر قيمة صادرات المستوطنات
الإسرائيلية غير الشرعية إلى الاتحاد الأوروبي بحوالي 230 مليون يورو
سنوياً وهي عبارة عن خضروات ومستحضرات تجميل ونسيج وألعاب، وتشكل نسبة
2 بالمائة من إجمالي صادرات إسرائيل إلى أوروبا. في المقابل فإن قيمة
واردات الاتحاد الأوروبي من المناطق الفلسطينية لا تتجاوز 15 مليون
يورو سنوياً.
تجدر الإشارة أن الاتحاد الأوروبي وقع في السابق على اتفاقية
التعاون الجمركي الدولي مع إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية، لكن
المنتجات من المستوطنات كان مستبعدة من الاتفاقية بحيث أنه لا توجد
أرضية قانونية لاستيراد الأوروبيين منتجات من مستوطنات إسرائيلية غير
مشروعة وهو ما أشارت إليه محكمة العدل الأوروبية في عام 2010، إلا إذا
هناك قرار سياسي أقر هذا التعاون ويدعمه ويخفيه من خلال البيانات التي
يدين فيها سياسة الاستيطان الإسرائيلية ويدعو إلى تنفيذ حل الدولتين
وهو ليس أكثر من ذر الرماد في العيون لتحويل الأنظار عن السياسة الخفية
التي يعمل بها الاتحاد الأوروبي. كما أن المستوطنين الصهاينة يجدون
كامل الدعم من حكومة نتانياهو عند تصدير منتجاتهم إلى أوروبا وذلك في
التصريح أنها منتجات من إسرائيل لهدف تجنب فرض ضرائب جمركية عليها.
ويقول التقرير أن موظفي الجمارك الأوروبيين يتعين عليهم التدقيق بمنشأ
المنتجات القادمة من إسرائيل للتأكد من أنها ليست قادمة من المستوطنات
لفرض ضرائب جمركية عليها ولكنهم نادرا ما يفعلون ذلك، هل هذا بأمر من
السياسة.
كما يوضح التقرير أن الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي للمستوطنات
الإسرائيلية غير الشرعية يساعدها في التوسع وازدهار تجارتها مع الخارج
وفي بعض الحالات يقدم لها مساعدات مباشرة وهو ما تشير إليه قضية دعمه
بمبلغ 30.1 مليون يورو لشركة Ahava لإنتاج مستحضرات التجميل وتقع في
مستوطنة ''ميتزبي شاليم'' على ضفاف البحر الميت، كمساهمة في برنامج
للتنمية.
ويركز التقرير على أن هذه السياسة الأوروبية تلحق الضرر البالغ
بالفلسطينيين، بخاصة وأن الأوروبيين يعرفون أن إسرائيل تسرق المياه من
المناطق الفلسطينية لتستخدمها في ري الأراضي الزراعية التي تصدرها إلى
أوروبا.
واستناداً إلى تقرير وضعته الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي تراجعت
قوة الاقتصاد الفلسطيني نتيجة عراقيل الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين
الصهاينة واستمرار حظر استيراد الفلسطينيين مواد تزعم إسرائيل أنها قد
تُستخدم في الصناعات الحربية، وهذا جزء من الأكاذيب التي يستخدمها
الإسرائيليون لمنع تحقيق التنمية في المناطق الفلسطينية.
ويطالب التقرير بتصحيح السياسة الأوروبية وحظر استيراد كافة منتجات
المستوطنات الإسرائيلية وممارسة ضغط على الشركات الأوروبية التي تتعاون
مع نظرائها هناك.
إن الفيتو الأمريكي، مثل عشرات الفيتوات الأمريكية الأخرى المعادية
لحرية العرب، أسهمت في استمرار القمع الإسرائيلي للشعب الفلسطيني،
واستيطان أرضه، وتهجير الملايين منه ليعيشوا في مخيمات اللجوء منذ أكثر
من ستة عقود مظلمة بالصمت الغربي على جرائم إسرائيل وتوسعها المتواصل
على حساب العرب، ولن يكون هذا الفيتو الأخير، ما دامت الإرادة السياسية
الأمريكية تخضع للعقيدة الصهيونية لصالح دعم الاستبداد، والاضطهاد،
والاستيطان، والعنصرية في الشرق الأوسط.
بالنسبة لمئات الملايين من الأجيال العربية فإنها لم تسمع وترى من
الولايات المتحدة سوى هذا الفيتو اللعين موجهاً ضد حريتها، وملايين
الشباب اليوم قد رأوا هم أيضاً هذا الفيتو مسلطاً على أبسط حقوق شعب
فلسطين، ولن يروه غير إشهار للعداء الأمريكي السافر لحرية العرب
والمكافحين من أجلها، كما لن يروا في العداء الأمريكي الصريح ضد القوى
العربية المقاومة للاحتلال، والاستيطان، والاستبداد سوى حقيقته البشعة
مهما تعالت أبواق الدعاية الغربية ضدها، ومهما صدرت من قرارات “دولية”
هي من صنع الولايات المتحدة وعدائها لحرية العرب.
وفي المحصلة فإن (إسرائيل) تواصل تنفيذ خططها الاستيطانية المرسومة
التي لم يختلف عليها أحد من المسؤولين، بل كلما تبدلت القيادة
الإسرائيلية، بين ما يسمونه اليمين واليسار والخليط العجيب بينهما،
ازدادت حمّى الاستيطان وتسابق الجميع على إنجاز ما لم ينجز بعد، وسط
تواطؤ قوى كبرى ومساندة أخرى، ليأتي الأسوأ بدخول العرب في ما يسمى
''الربيع العربي'' وانقسام الصف الفلسطيني المستمر والمستعصي على الحل
حتى اللحظة. ويبدو واضحاً أن المسألة وصلت إلى طريق مسدود كلياً، وأن
الوضع بات يستلزم صحوة فلسطينية وعربية جديدة واستنهاضاً لقوى
المجتمعات العربية عموماً، والفلسطينية على وجه التحديد وخصوصاً بعد
تلاشي فرص التسوية وتراجع خياراتها، وغيابها كلياً عند الجانب
الإسرائيلي بعد التصاعد الملحوظ في تأثيرات الجماعات الصهيونية
المتطرفة على صناع القرار في إسرائيل، ودورها المتنامي في توجيه
السياسة الصهيونية، وتبنيها الإرهاب واستهداف الفلسطينيين وإحكام
الحصار حول المناطق الفلسطينية خياراً رئيسياً.
ولذلك فإن الأشقاء الفلسطينيين هم الأحوج إلى أشقائهم العرب (أنظمة
وشعوباً) الذين من الواجب عليهم أن يسخروا أموالهم ودبلوماسيتهم
وأسلحتهم وتظاهراتهم واحتجاجاتهم لنصرة أشقائهم الفلسطينيين الذين
يعدون آخر شعب يتعرض لاحتلال غاشم وجائر، وتتنكر كل القوى الداعمة لهذا
الاحتلال لحقوق الشعب الفلسطيني، بل وأثبتت الوقائع والأحداث كره هذه
القوى كل ما هو فلسطيني، بدل أن يوظف العرب أموالهم ودبلوماسيتهم
وتظاهراتهم واحتجاجاتهم لتوجيهها ضد بعضهم بعضاً ولإسقاط بعضهم بعضاً،
مقدمين رؤوس دولهم للقوى الداعمة والمؤيدة للاحتلال الصهيوني لتصفية
القضية الفلسطينية ومحوها من قواميسهم وكافة القواميس العربية، لتعيث
هذه القوى فساداً في دولهم تفتيتاً وتمزيقاً وتناحراً وصراعاً طائفياً،
وكل ذلك في سبيل بقاء كيان الاحتلال الصهيوني الذي يمارس عملية إبادة
ممنهجة بحق الشعب الفلسطيني أرضاً وبشراً.
فالصحوة المطلوبة على الصعيد العربي وسط هذا التراجع في المواقف
والأداء وانحياز المرجعية الأمريكية، لا يمكن أن تتحقق ما لم تكن
فلسطينية المنشأ، قومية التوجه، شاملة المفعول ومبدئية التحرك، وهذا ما
يدعو إلى الشروع في تكوين الظروف الملائمة ـ وهي متوفرة ـ للنهوض
الوطني الفلسطيني عبر انتفاضة ثالثة، تعيد ترتيب الأوراق وتجديد
الأولويات، لتكون وحدة الموقف الفلسطيني هي الهدف أولاً، ووحدة الرؤية
هي الاستراتيجية بعيدة المدى، فالظروف التي مرّ بها الفلسطينيون والتي
استولدت الانتفاضة الأولى والثانية لم تكن أكثر خطورة من الظروف
الراهنة، فإجراءات تهويد القدس تتواصل، وطرد سكانها يستمر، والاستيطان
والمستوطنات لا يتوقفان، وعنان قطعان المستوطنين مطلق في مختلف بقاع
الأرض الفلسطينية، تمهيداً لإعلان ما يسمى "يهودية إسرائيل'' على حساب
الأرض الفلسطينية.
والحقيقة الكاشفة هي أن السلطة الفلسطينية تمضي بأيدٍ مرتعشة في
مواجهة سعار السرقة الاستيطانية، ومع تلويح مسؤوليها المتكرر بالتوجه
للأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية. إلا أن تلك التلويحات تفقد
قيمتها مع مرور الوقت وتتحول إلى طلقات في الهواء وتعزز موقف كيان
الاحتلال الصهيوني. فأموال الضرائب الفلسطينية تعرضت لسطو صهيوني فاضح،
فيما ترتفع وتيرة الاحتجاجات داخل المؤسسات الحكومية الفلسطينية جراء
نقص الرواتب. في المقابل وللمفارقة فبدل أن يذهب المال العربي كأضعف
الإيمان في مساندة القضية الفلسطينية يتم توجيهه بأريحية وكرم لافتين
لدعم المجموعات الإرهابية المسلحة في سورية والمساهمة بسخاء في إسقاط
سورية وتفتيتها لصالح الأميركي والصهيوني، وإذا ما استمرت هذه المعادلة
المعكوسة فإنه لن يجدي الفلسطينيين نفعاً لا النصر الدبلوماسي
بالاعتراف الأممي ولا الانتصار الأخير للمقاومة في غزة، ولا حيلة
للفلسطينيين إلا أن يبحثوا عن آليات كفيلة تنتشلهم مما يجري لهم
وحولهم.
وفي وقت سابق، كان رئيس الحكومة الصهيونية ''نتنياهو'' ساخراً من
القانون الدولي وكل قرارات الأمم المتحدة حيث قال: ''أود أن أوضح أننا
نبني في القدس ولن نضع أي قيود على البناء فيها، فهذه هي عاصمتنا...
وسنبني في القدس مثلما يتم البناء في أي عاصمة أخرى، في كل من لندن
وباريس وواشنطن وموسكو. وقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي ''بنيامين
نتنياهو'' عند حائط البراق في القدس المحتلة أن: ''القدس لليهود منذ
3000 عام وستبقى لهم'' على حد قوله. وقال ''نتنياهو'': ''قبل أيام قال
''محمود عباس'' في الأمم المتحدة إن القدس والحرم القدسي مناطق
فلسطينية محتلة، وقالوا قبل أيام، إنهم سيطردون اليهود من هنا، وأنا
أقول لهم إني أتحدث إليكم من هنا من هذا المكان... هذا المكان منذ 3000
عام لنا والآن هو بأيدينا وسيبقى بأيدينا'' على حد قوله.
ويطرح سؤال اليوم بعد هذه التصريحات الاسرائيلية هل بقي لمفاوضات
السلام مكان وماذا تبقى لفلسطين وشهدائها في جعبة ما يسمى الربيع
العربي الذي أزهر دماء في أجساد الدول المحيطة بإسرائيل مقدماً هدية
موسمه إلى الصهيونية فقط؟!
الانتفاضة الثالثة هي الحل لهذا الواقع المرير، وهي ضرورة لوحدة
الصف الفلسطيني، بعد أن فشل المسؤولون الفلسطينيون في إيجاد حلول
لخلافاتهم، وفي الاتفاق على القواسم المشتركة، مع أن حقوق الفلسطينيين
في أرضهم حق لا يمكن لأحد التنازل عنه مهما بلغت مغريات السلطة لمّاعة
وبراقة تخطف الأبصار. وإذا كانت الانتفاضة الأولى والتي سميت انتفاضة
الحجارة جاءت رداً على الحال الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية
واستمرار العدوان على الشعب واستهداف المخيمات، والانتفاضة الثانية،
التي سميت انتفاضة الأقصى، تفجرت دفاعاً عن المسجد الرمز إثر زيارة
''إرييل شارون'' والنتائج التي أسفرت عنها، فإن الانتفاضة الثالثة تأتي
في إطار توفير الظرف الصحي الفلسطيني المناسب للدفاع عن النفس وعن
القدس ومن خلالها القضية الفلسطينية برمتها...
هي مسؤولية من فجروا الانتفاضة، قبل أن تكون مسؤولية الذين عجزوا عن
استثمار انتصارات أطفال الحجارة وشبانها، فإذا كان المدافعين عن القضية
ضعافاً، كما قال الشهيد ''غسان كنفاني''، فلا يعني ذلك تغير القضية، بل
تغيير المدافعين عنها. |