شبكة النبأ: تسعى الدول المتحضرة الى
تثبيت وتطوير أسس الاصلاح، وتنمية منهج العدل والمساواة، كما تؤكد على
ذلك تعاليم الاسلام الواردة في معظم النصوص القرآنية التي تعلّم
الانسان ادارة شؤونه وحياته عموما، لذا يبقى الاصلاح كمنهج سبيلا هاما
وأساسيا لاسناد الدولة المدنية، ودعم المسارات التي تصب في تدعيم
الاواصر والعلاقات المجتمعية المختلفة، ولعل الجانب المهم في هذا
الاطار مدى اقتراب المجتمع في تعاملاته، وعلاقاته المتبادلة من المنهج
الالهي الذي يهدف الى سلامة حياة الانسان وكرامته في وقت واحد.
لقد اكد الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني
الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيم، الموسوم بـ (الاصلاح) على جملة
من المقومات والاسس الاصلاحية التي لامناص من الالتزام بها، من اجل
تطوير حياة الفرد والمجتمع معا، أما الابتعاد عن المضامين الاصلاحية
التي اوردها الدين الاسلامي، لابد أن تترتب عليه نتائج خطيرة، يقول
الامام الشيرازي في هذا المجال: (إن مسألة الابتعاد عن المنهج الرباني
الذي ارتضاه الله تعالى لعباده له تبعاته وآثاره في الحياة الدنيا أولاً،
ثم الحياة الآخرة ثانياً، وتأخذ هذه التبعات والآثار أشكالاً وألواناً
متعددة توجب سقوط الإنسان إلا إذا رجع إلى خالقه عزوجل، فاللازم إيقاظ
الضمير لدى الناس ليستجيبوا لنداء الفطرة).
القيادة وآفاق الاصلاح المتعددة
لاشك أن الاصلاح لا ينحصر في أفق محدد أو مسار واحد، بل ثمة نماذج
اصلاحية كثيرة دعا لها الاسلام، وهي لا ريب تصب في صالح بناء الدولة
المدنية، لذا يؤكد الامام الشيرازي بكتابه المذكور نفسه على: ان (الإصلاح
الذي دعت إليه كافة الرسالات السماوية وعرض القرآن الحكيم نماذج منه،
له مجالات عديدة ومتنوعة، بل يشمل كافة مجالات الحياة، كإصلاح المفاسد
الاجتماعية والأخلاقية، ونبذ العنف والدعوة إلى السلام، وإصلاح الفرد
نفسه وعائلته والآخرين، وعدم الإضرار بالبيئة، إلى غير ذلك).
وثمة شرط هام يتعلق باتقان العمل الاصلاحي، وجعله ذا فائدة حقيقية
للفرد والمجتمع، هذا الشرط يتعلق بالقيادة السياسية والنخب الاخرى،
ومدى قدرتها على جعل خطوات الاصلاح فاعلة، وتصب في بناء دولة المؤسسات
التي تحمي حقوق المجتمع والحريات كلفة.
يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع بكتابه نفسه: (هناك مسألة
مهمة يتوقف عليها قضية إصلاح شؤون الناس وإفسادهم، ألا وهي مسألة
القيادة ومن بيده زمام الأمور، لأن الناس كما في الحديث والمثل السائر:
على دين ملوكهم).
ويضيف سماحته قائلا في هذا المجال: (كلما كان هؤلاء القادة ممن يؤمن
بالله والرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل البيت عليهم السلام
وكانوا يخافون يوم الحساب، فإن نظام الحياة بأسره سيسير على طريق الخير
والرشد والصلاح، فلا مكان فيه للفساد ولا مجال للإفساد حتى أن الخبثاء
والأشرار يمكنهم الرجوع إلى حصن الدين وإصلاح سيرتهم وسريرتهم وبذلك
تنمو الحسنات وتمحق السيئات ويكثر فعل الخير وينحسر فعل الشر في
المجتمع، وبذلك يسعد الجميع بحياة هانئة سعيدة يكون فيها الميزان
والأساس تقوى الله وطاعته، أما إذا كان زمام الأمور بيد أناس لا يؤمنون
بالله ولا يخافون يوم الحساب، أناس انغمسوا في الشهوات واتبعوا الشيطان،
فإن نظام الحياة لا محالة سائر على البغي والعدوان والفحشاء والمنكر،
فيدب الفساد والإفساد في كافة أنحاء المجتمع، وتعم الفوضى وتنتشر
الأفكار الهدامة والنظريات الباطلة، وتكثر المفاسد الأخلاقية
والاجتماعية، وبذلك تعشعش السيئات وتمحق الحسنات ويزداد فعل الشر ويقل
فعل الخير، وبذلك تنكد حياة الجميع ويعيشون في حالة من الضنك الروحي).
أهمية اصلاح الفرد
لاشك ان عملية الاصلاح لا تقتصر على شريحة دون غيرها، لان بناء
الدولة المدنية يعتمد على تطوير البنية المجتمعية عموما، ونشر ثقافة
السلوك والعمل المدني الراسخ، ولابد أن تبدأ عملية الاصلاح بالفرد
صعودا الى المجتمع كاملا، كون الفرد اللبنة الاساسية للمجتمع، وكلما
كان الفرد متمدنا ومتمسكا بالنظام، وينتمي الى السلوك المدنس، كلما
يساعد ذلك في بناء مجتمع يحترم النظام، ويسهم في بناء دولة دستورية
مدنية تقوم على الفصل بين السلطات اضافة الى المقومات الاخرى الداعمة
لهذا المسار المتحضر.
يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص في كتابه المذكور نفسه: (من أهم
ما يلزم في إصلاح المجتمع، هو إصلاح الفرد، لأن المجتمع يتشكل من فرد
وفرد وفرد، وكل من الفرد الفرد والمجتمع يؤثر في الآخر سلباً وإيجاباً.
ومثل المجتمع مثل الفرد، في الصلاح والفساد، والصحة والسقم، والتقدم
والتأخر. ثم إن الفرد قد يقدّم مصلحة المجتمع على مصالحه الشخصية، وقد
يجعل مصالحه الشخصية كمصالح المجتمع وبنفس المستوى، وقد يجعل مصالحه
الشخصية فوق مصالح المجتمع).
ولكن هناك خلل واضح لدى المجتمع الاسلامي الموزع على عدد كبير من
الدول، حيث لا يزال التخلف والتشرذم، والفشل السياسي في ادارة شؤون
المسلمين هو السائد حتى الآن، إذ تسوده انظمة سياسية فاشلة، تنحو الى
النهب والسلب والتجاوز على المال العام بشتى الاساليب والطرق، الامر
الذي يؤكد الحاجة الى الاصلاح الحقيقي، من اجل بناء الدولة المدنية
المرتقبة.
يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: (المسلمون اليوم ملياران لكن
يفقدون ـ على الأغلب ـ الرشد الفكري اللازم في مختلف مجالات الحياة،
وحتى في مسائلهم الشرعية، فكثير منهم لا وعي له بالحلال والحرام،
والطاهر والنجس، والصحيح والباطل، ولذا لا يميزون بينها ويأخذون بكلها،
فاختلط عندهم الحابل بالنابل). |