شراكة في السلطة واختلاف في الرؤية

ناجي الغزي

مفهوم الشراكة

مفهوم الشراكة يقوم على أساس العلاقة بين القوى السياسية التي تولد من رحم صناديق الاقتراع لتشكل السلطة السياسية في البلد على أساس تقسيم السلطة إلى حصص سياسية، ولكن في أغلب الأحيان لايوجد توزيع متساوي للسلطة لان كل طرف يأخذ ما يتناسب من استحقاقه الانتخابي. وبالتالي سيكون هناك طرف يأخذ أكثر والآخر أقل, وهذا التقسيم لايعفي الاطراف المشاركة من التنصل عن المسؤولية مهما كانت نسب مشاركتها. وقيمة الشراكة السياسية تعتمد على قواسم التفاعل الايجابي بينها وعلى عمق الرؤية الاستراتيجية التي تنظم مسارات العمل السياسي الوطني في الميادين السياسية والاقتصادية والخدمية.

وهذه الشراكة يجب ان ترتكز على محددات أخلاقية الى جانب الشراكة السياسية لكون الاولى هي ضمانه حقيقية في حسن النوايا للحراك الوطني الديمقراطي. ولعل ما حدث ويحدث من لبس في طبيعة العلاقة بين الشركاء السياسيين في العراق هو غياب مقتضيات الشراكة المنشودة في محدداتها الأخلاقية ورؤاها الستراتيجية, فضلا على أن البعض لايحسن النوايا في تلك الشراكة بسبب ضعف بصيرته السياسية وضيق افقه المعرفي بعلم السياسية. مما خلقت حالة من الانتهاكات المقصودة وغير المقصودة لعقد الشراكة, حيث ينظر بعض الاطراف المشاركة بالسلطة بأنها غير معنية بتنفيذ بنود الشراكة, لذلك نجدها تستخدم وسائل ضغط داخلية وخارجية لزعزعة الثقة بالسلطة الحاكمة.

وهذه العلاقة أخذت في تأزم دائم منذ تشكيل الحكومات المتعاقبة بعد سقوط نظام البعث حيث بدأت بعض القوى السياسية متوترة في خطابها السياسي الذي يفقد الحكمة والحنكة في التعامل مع الاحداث والتطورات, مما تنأى بنفسها عن مسؤولية تفاقم الازمات وانقطاع الحوار السياسي الوطني والقاء التهم على الشريك الاكثر حصة, وهذه السلوكيات تفقد الشراكة تأثيرها الايجابي في القرار السياسي وفي تقويم عمل الحكومة.

ومن ضرورات الشراكة الحقيقية ان تخضع لمفهوم العلاقة التكاملية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية دون سطوة لأي سلطة على الاخرى. كما يحق للقوى السياسية المشتركة عبر كتلها البرلمانية واعلامها أن تضع السلطة التنفيذية تحت الرقابة والمسائلة في إدارة مؤسسات الدولة ضمن الاطر الدستورية والقانونية. ومن المعيب ان يضع بعض السياسيين مطالبهم على منابر وسائل الاعلام المتعددة, حيث اصبح البعض واجهات للإعلام أكثر من نجوم الرياضة والفن. لانهم هؤلاء عاجزين عن نقل أراءهم وتطلعاتهم تحت قبة البرلمان لأسباب ربما بعضها مبررة بسبب سطوة زعماء الكتل السياسية على أعضاء البرلمان.

وقد يعمد البعض من الساسة على خلط الاوراق والقفز على صلاحيات السلطات دون وعي معرفي وسياسي بالأنظمة والقوانين التي تنظم علاقة السلطتين, فهناك من يلعب دور المعارض ودور السلطة في آن واحد, فهناك بعض الشخصيات من يطلق شعارات ووعود كاذبة لاتصمد أمام المنطق القانوني والدستوري يراد بها تضليل الجماهير, وهذا تجاوز وتطاول على بنود الدستور ونصوصه القانونية والاسوء من ذلك لاتوجد كوابح قانونية وقضائية لردع تلك التجاوزات, وحتى المحكمة الاتحادية ومحاكم الاستئناف غير ملزمة في قراراتها لكبار الساسة, مما يقلل هذا السلوك من أهمية السلطة القضائية ويعدم هيبة الدولة.

اختلاف الرؤية

من المعلوم في الاعراف السياسية أن لكل حزب او تيار سياسي رؤية سياسية لواقع المجتمع ورؤية ستراتيجية لتقدم المجتمع يستطيع تنفيذها عن استلام السلطة ويضع قسم منها إذا لم تكن جميعها في برنامجه الانتخابي. ومن خلال تجربتنا السياسية الجديدة التي يمتد عمرها لــ 10 سنوات لم نجد رؤية ستراتيجية تجتمع عليها القوى السياسية المشاركة في السلطة. وهذا خلل كبير وسبب رئيسي في تأزم المشهد السياسي مما خلق حالة من التخبط في إدارة الدولة وإدارة الازمات التي تعصف في البلاد.

الشركاء في الحكومة للأسف لايملكون رؤية ستراتيجية للدولة العراقية لا في المجال السياسي ولا في المجال الخدمي ولا في مجال العلاقات الدولية. فالتقاطعات السياسية تتزايد باستمرار من قبل الجميع والتناحرات تأخذ مدياتها بصورة كبيرة, وانعدام الثقة بين الاطراف السياسية سمه مميزة في العمل الاداري والسياسي. فقد أصبح واضح وملموس جدا انعدام الخدمات التي تقدمها الحكومة للشعب وذلك بسبب غياب الرؤية الاستراتيجية وانعدام بيئة العمل بين الشركاء.

ولغياب الرؤية بين الشركاء تنعدم الحلول الجذرية للمشاكل التي تمر بها التجربة السياسية, وتنعدم المشاريع الاصلاحية التي تحاول تصحيح المسارات السياسية والخدمية. فالبنى التحية لاتزال هزيلة ورديئة للغاية على الرغم من الاموال التي هدرت خلال السنوات التسعة الماضية, لاتوجد رؤية ستراتيجية او خطة ستراتيجية للبنى التحتية التي تساهم مساهمة مباشرة في تنمية الجانب الاقتصادي والصحي. فالحكومة عاجزة عن توفير طاقة كهربائية لتحرك الحياة وتخلص المجتمع من الاختناق الاجتماعي, والحكومة عاجزة عن تأسيس شبكة ماء وتصريف المياه. والعراق اليوم مستهلك لكل شيء حتى للماء لاتوجد خطة حقيقية في مجال الصناعة والزراعة, وحتى السياحة الدينية التي تعادل الحج في بيت الله لم تستثمر بصورة صحيحة نافعة للشعب بسبب غياب الرؤية الناجعة من قبل الساسة والاحزاب العراقية والحكومة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/كانون الثاني/2013 - 22/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م