مالي... دولة تتآكل وارهاب متنام

 

شبكة النبأ: لاتزال حركات التمرد التي سيطرت على بعض المدن المهمة في مالي بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح برئيسها امادو توماني توري تواصل تحركاتها العسكرية والتي أسهمت بتدهور الأوضاع الأمنية وهو ما يثير قلق وتخوف للعديد من الدول وخصوصا دول الجوار التي باتت تستشعر بخطر تلك الجماعات وهو ما دفعها الى المطالبة بإيجاد حلول سريعة في سبيل تطويق الأزمة التي تحتاج الى تدخل عسكري مشترك من قبل الدول الإفريقية بحسب بعض المراقبين الذين اكدوا على ان الجماعات المتطرفة ستسعى الى بناء علاقات جديدة مع بعضها البعض وستعمل أيضا الى توسيع هجماتها وتغير خططها بهدف إرهاب الخصوم او تصفية بعض القادة والزعماء، وفي هذا الشأن تلقى عدد من رجال الدين المسلمين في مالي ومنهم الداعية المعروف شريف عثمان مدني حيدرة، تهديدات بالقتل من الاسلاميين المسلحين الذين يسيطرون على شمال البلد. واعلن عثمان ديالو المقرب من حيدرة ان "شريف عثمان حيدرة تلقى خلال الايام الاخيرة عدة تهديدات بالموت عبر الهاتف، مباشرة او عبر مقربين منه، ان اسلاميي الشمال هم الذين اتصلوا به هاتفيا". وقال ديالو ان احدهم قال له "سنقتلك لانك لا تريد اسلامنا (...) سنقتلك لانك لا تريد الشريعة في مالي".

ويراس الداعية المالي المعروف شريف عثمان مدني حيدرة جمعية اسلامية تضم عشرات الاف المسلمين في مالي وغيرها من بلدان غرب افريقيا. وتحمل جمعيته اسم انصار الدين، على غرار الحركة المسلحة التي تسيطر على شمال مالي مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، لكنها تختلف معها تماما. بحسب فرانس برس.

وصرح حيدرة "لا علاقة لنا بانصار الدين في الشمال، اننا ندين قطع الايدي الذي يمارسونه، اننا ندين اسلامهم". كذلك اكد كل من رئيس اتحاد الشباب المسلم في مالي محمد ماكي با، وهو امام في باماكو ومحمد ديالو وهو ايضا داعية وتيرنو هادي تيام انهم تلقوا تهديدات بالموت عبر الهاتف. وقال مسؤول في وزارة الامن المالية انه "على علم" بتلك التهديدات مؤكدا ان الوزارة اتخذت "التدابير الامنية الضرورية لضمان حماية الاشخاص المهددين".

تعزيزات جديدة

على صعيد متصل وصل مئات المقاتلين الاسلاميين الاجانب نهاية الى شمال مالي الذي تحتله حركات اسلامية مسلحة منذ نحو سبعة اشهر، للقتال الى جانب زملائهم في حال حصول تدخل عسكري دولي لمساعدة سلطات باماكو في استعادة المنطقة. وياتي وصول هؤلاء المقاتلين وبعضهم من السودان والصحراء الغربية، وافاد مصدر امني مالي "وصل مئات المقاتلين الاسلاميين معظمهم من جنسية سودانية واصول صحراوية الى منطقة تمبكتو (شمال غرب) وغاو (شمال شرق)" مضيفا "جاؤوا كتعزيزات لمواجهة هجوم قد تشنه القوات المالية مع حلفائها".

واكد احد سكان تمبكتو ان "اكثر من 150 اسلاميا سودانيا وصلوا " الى المدينة مضيفا "انهم مسلحون وقالوا انهم اتوا لمساعدة اخوانهم المسلمين على مواجهة الكفار". واكد مصدر اخر قريب من منظمة غير حكومية وصول سودانيين واسلاميين "من جنسيات اخرى" الى تمبكتو ومنطقتها التي تسيطر عليها حركة انصار الدين الاسلامية وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي.

وفي غاو، افاد شاهد اخر انه شاهد عشر سيارات بيك-اب مكتظة بمسلحين يتوجهون الى الشرطة الاسلامية. واكد حبيب ولد يوسف احد قادة حركة التوحيد والجهاد، المتحدر من النيجر، وصول اؤلائك الاسلاميين الاجانب. وقال "يريدون الحرب؟ سنخوض الحرب. لذلك ياتي اخواننا من كل مكان. ياتون من مخيمات تندوف بالجزائر ومن السنغال ومن ساحل العاج، ومن كل مكان".

آخر الأضرحة

في السياق ذاته عمد اسلاميون مسلحون يحتلون تمبكتو (شمال شرق مالي) الى هدم آخر الاضرحة في هذه المدينة التاريخية، كما اعلن زعيم اسلامي في المدينة، في معلومات اكدها ايضا شهود عيان. وقال ابو دردار المسؤول في حركة انصار الدين الاسلامية المسلحة التي تحتل تمبكتو مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي "لن يبقى اي ضريح في تمبكتو، الله لا يريد ذلك. نقوم بهدم كل الاضرحة المخبأة في الاحياء".

من جهته برر محمد الفول الذي يقدم نفسه على انه عضو في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي اعمال الهدم بالقول ان كل ما لا يمت بصلة بالاسلام "سيء لان على الانسان ان يجل الله فقط". واكد سكان في المدينة هدم الاسلاميين للاضرحة في تمبكتو التي يطلق عليها اسم "مدينة ال333 وليا"، في اشارة الى الاولياء الصالحين الذين يرقدون في اراضيها. وقال احدهم "حاليا يهدم الاسلاميون كل الاضرحة في الاحياء بالمعاول".

وقال شاهد آخر "رأيت الإسلاميين يترجلون من سيارة قرب المسجد الكبير في تمبكتو. وراء منزل هدموا ضريحا هاتفين الله اكبر". وفي تموز/يوليو وتشرين الاول/اكتوبر اثار الاسلاميون في انصار الدين وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي سخطا بهدمهم الاضرحة داخل حرم المسجد الكبير في المدينة المصنف على لائحة التراث العالمي المهدد.

وكان الاسلاميون هدموا اضرحة اخرى في تشرين الاول/اكتوبر عشية اجتماع دولي في باماكو حول ارسال قوة مسلحة الى مالي لطردهم من شمال البلاد التي يحتلونها منذ ستة اشهر مع حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا. وهذه المرة وقعت اعمال الهدم بعد تبني مجلس الامن الدولي لقرار يجيز على مراحل وبشروط نشر قوة دولية لاستعادة شمال مالي اعتبارا من ايلول/سبتمبر 2013 على اقرب تقدير.

و قام الاسلاميون في حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا الذين يحتلون غاو (شمال شرق) ببتر ايدي شخصين اتهما بالسرقة. من جانب اخر، حيا وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي اتفاق وقف الاعمال الحربية الذي وقعته في الجزائر "الحركة الوطنية لتحرير ازواد" و"جماعة أنصار الدين"، واعتبره "لبنة اضافية" في مسار التسوية السياسية للأزمة في شمال مالي.

وقال مدلسي في تصريح لوكالة الانباء الجزائرية بعد استقباله الامين العام للاتحاد من اجل المتوسط فتح الله سجلماسي ان "الجزائر تعتبر التوقيع على هذا الاتفاق بمثابة ثمرة اجتهاد جماعي وخطوة مشجعة جدا على درب التسوية السياسية لهذه الأزمة". واعلنت الحركة الوطنية لتحرير ازواد وجماعة انصار الدين في الجزائر التزامهما وقف الاعمال الحربية والتفاوض مع السلطات المالية، ونددتا بقرار مجلس الامن الدولي الذي يجيز تدخلا عسكريا دوليا لتحرير شمال مالي من الجماعات الاسلامية المسلحة التي تسيطر عليه منذ اذار/مارس 2012. بحسب فرانس برس.

ودعا وزير الخارجية الجزائرية الى "ضرورة إتخاذ خطوات إضافية" لحل الأزمة في مالي، مذكرا في ذات السياق بالقرارات التي اتخذتها مؤخرا الامم المتحدة لصالح تغليب الحل السياسي لازمة مالي. وتوافقت حركتا تحرير ازواد وانصار الدين على "تنسيق مواقفهما وتحركهما في اطار اي مبادرة تهدف الى السعي لحل سلمي ودائم مع السلطات الانتقالية المالية". واكدت الحركتان في بيان مشترك نيتهما "توفير الامن في المناطق التي تخضع لسيطرتهما عبر تشكيل قوات امنية تتألف من عناصر الحركتين".

موافقة ضمنية

الى جانب ذلك قالت مصادر جزائرية وفرنسية إن الجزائر أبدت موافقة ضمنية على تدخل عسكري بقيادة أفريقية في شمال مالي لطرد المتشددين الإسلاميين بالرغم من تحفظاتها من أن ذلك قد يؤدي لامتداد العنف إلى أراضيها والدول المجاورة. وللجزائر كبرى الدول الافريقية حدود مشتركة مع مالي تصل الى ألفي كيلومتر وتعتبر نفسها القوة الإقليمية الرئيسية وتشعر بالقلق من أي تدخل خارجي. وتخشى الجزائر أن يدفع أي تحرك عسكري في مالي مقاتلي القاعدة للعودة إلى جنوب الجزائر ويؤدي إلى أزمة لاجئين وأزمة سياسية خصوصا بين طوارق مالي النازحين الذي قد يتجهون شمالا للانضمام إلى القبائل في الجزائر.

وتتطلع فرنسا لتحرك سريع. ويحتجز متشددون ستة من مواطنيها رهائن وتخشى باريس وقوع هجوم على أراضيها. وقال دبلوماسي فرنسي كبير "الجزائر توافق الآن على مبدأ التدخل العسكري ولم يكن الأمر كذلك من قبل." وقال مصدر في وزارة الدفاع إن هناك "موافقة ضمنية وتعتبر باريس حتى الآن جماعة أنصار الدين من الجماعات المرتبطة بالقاعدة وترفض التفاوض معها.

من جهة اخرى غادرت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون الجزائر بعد محادثات "معمقة جدا" مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة حول الوضع في شمال مالي على ان تتواصل المشاورات مع الشركاء المعنيين بحل هذه الازمة. وحضر لقاء كلينتون وبوتفليقة وزير الخارجية مراد مدلسي والوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني عبد المالك قنايزية ووزير الطاقة والمناجم يوسف يوسفي والوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والافريقية عبد القادر مساهل المسؤول الاول عن ملف مالي. بحسب فرانس برس.

وقالت كلينتون في ختام لقائها مع بوتفليقة "كانت لنا محادثات معمقة جدا حول الوضع في المنطقة وخاصة في مالي". وتابعت "اعجبت كثيرا بتحليل الرئيس انطلاقا من خبرته الطويلة حول العوامل المعقدة في الامن الداخلي لمالي، وكذلك حول خطر الارهاب وتهريب المخدرات".

واضافت قبل ان تنضم الى مأدبة غداء اقامها بوتفليقة على شرفها "اتفقنا على متابعة المحادثات على مستوى الخبراء وبمشاركة الفاعلين في المنطقة ومنظمة الاتحاد الافريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا والامم المتحدة لمحاولة ايجاد حل لهذه المشاكل".

الاقتصاد ينهار

من جهة أخرى تتسبب الأزمة غير المسبوقة التي تعصف بمالي التي تحتل شمالها حركات اسلامية مسلحة، في انعكاسات اقتصادية واجتماعية فادحة وخصوصا في العاصمة باماكو التي هجرها تقريبا كل الاجانب وحيث يتزايد عدد العاطلين عن العمل وترتفع الاسعار. واعلن صندوق النقد الدولي عقب زيارة قام بها احد وفوده الى باماكو ان "الاقتصاد المالي الذي كان اصلا متاثرا بسوء محاصيل موسم 2011-2012، يمر بمرحلة صعبة وانعكس عليه سلبا انقلاب اذار/مارس 2012 وتداعياته".

واضاف الصندوق ان "احتلال شمال البلاد عطل بشكل كبير الانتاج الزراعي والتجارة وتسبب في تدهور الوضع الامني وتقليص عدد زيارات الاعمال الى مالي بشكل كبير". وفي حين يتوقع الصندوق تراجعا واضحا في اجمالي الناتج الداخلي المالي بنسبة 1,5% هذه السنة، قرر الرئيس الاميركي باراك اوباما ان يسحب من مالي وضع الشريك التجاري المميز للولايات المتحدة بسبب تراجع الديمقراطية في ذلك البلد.

ولم ينج احد من الازمة الاقتصادية التي تعصف بباماكو حتى ان نسبة البطالة بلغت 17,3% حسب المعهد الوطني للاحصائيات. واكثر المتضررين من كل ذلك قطاع الخدمات الذي تراجع كثيرا خلال 2012 (ناقص 8,8% حسب المصدر نفسه) وازدادت عمليات فصل العمال لاسباب اقتصادية في الربع الاخير من سنة 2012 وخصوصا في قطاع الفنادق حيث لم يعد رجال الاعمال والسياح يقصدون باماكو في حين يغادرها الاجانب القلائل الذين كانوا يقيمون فيها.

واوضح ساليف باغايوكو المدير الاقليمي لمفتشية العمل ان "اصحاب العمل استنفدوا كل الانظمة الرامية للحفاظ على الوظائف في زمن الازمات مثل منح عطل مسبقة ووقف العمل جزئيا او موقتا". وفي جمعية دعم المساعدات العائلية تقبل النساء الباحثات عن عمل كخادمات واللواتي تتوافدن من الصباح الى المساء، خفض رواتبهن رغم ارتفاع مستوى المعيشة الذي يطال خصوصا العائلات الاكثر عوزا.

وارتفع سعر الوقود والغاز والمواد الاولية حتى بلغ الضعف احيانا. وكانت بعضهن يعملن لحساب متعاونين اجانب رحلوا وكن اصلا يتقاضين رواتب منخفضة تعادل 80 الف فرنك افريقي (122 يورو) وقالت الارملة آسيا كمارا (42 سنة) انها اليوم "تكتفي حتى ب35 الف فرنك افريقي" بعدما فقدت وظيفتها في شباط/فبراير الماضي. كذلك تاثرت الصناعة فاغلقت 20% من المصانع في العاصمة بينما يلجا 60% منها الى البطالة التنقية كما قال باغايوكو.

واوضح عليون بدارا دياوارا مساعد مكلف الادارة في مصنع باتكس للنسيج "اننا نعمل بخسارة منذ اذار/مارس" واضاف "لدينا طلبيات بفضل بلدان المنطقة لكننا لم نحصل على القطن وهي مادتنا الاولية، منذ اكثر من شهرين والشركة التي تنتجه اصبحت منهكة". ويشكل القطن احد اهم قطاعات النشاط في مالي وهي بلاد زراعية في الاساس وتستغل فيها ايضا بعض مناجم الذهب بينما كانت السياحة قبل الازمة من اكبر القطاعات التي تدر موارد بالعملة الصعبة.

وقال غاوسو كانتاكو الحرفي الذي يصنع المجوهرات منذ 1993 في سوق نغولونينا في باماكو "نحن اكبر الضحايا" واوضح متجهما "احيانا تمر ثلاثة او اربعة ايام دون ان يأتينا ولو زبون واحد". واضاف ان "تعليمات عدم الخروج التي اعطيت للاجانب القلائل قضت على الحرفيين المحليين حتى ان بعضهم من شدة الاحباط باتوا يلازمون منازلهم بينما رحل اخرون للعمل في مناجم الذهب". بحسب فرانس برس.

وقال ان حوالى 120 من زملائه، اي اكثر من النصف، غادروا السوق خلال الاشهر الاخيرة.

وفي قطاع النقل لم تتمكن شركة النقل الجوي المالية "اير مالي" من الاستمرار في العمل فعلقت نشاطاتها الاثنين لتسعة اشهر وقال سليمان سيلا المسؤل الاداري والمالي في الشركة التي فقد موظفوها ال66 عملهم عشية عيد الميلاد "كنا نتوقع ميزانية متوازنة في 2013 لكن الانقلاب غير كل شيء".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 30/كانون الأول/2012 - 16/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م