ها قد غيض الماء

زاهر الزبيدي

ها قد غيض الماء وأقلعت السماء عن المطر وتكشفت حقائق كثيرة امام الجميع تمثلت في أننا لا زلنا غير قادرين أن نضع رؤيتنا الصحيحة للواقع الخدمي للعاصمة في فترات مهمة وحساسة من حياة العراقيين.. ومع كل الإمكانات المادية التي تنفق لأمانة العاصمة وكل الدوائر الخدمية المسؤولة عن الحفاظ على املاك العراقيين من الضياع في موجات المياه التي غمرت المدينة خلال موجة الأمطار الأخيرة.. فحتى الساعة التاسعة من مساء الأثنين 24/12، لم نرى أي علامات دالة على وجود الجدية في معالجة ما يتم توقعه من نتائج مؤلمة للأمطار بل وقاتله في بعض الأحيان

في الثامنة مساءاً بدأت سماء العاصمة تشتعل بالأنوار الزرقاء بفعل التماسات الكهربائية التي طالت المحولات الكهربائية وانقطاعات في التيار الكهربائي وما لحق ذلك من حالات وفيات بسبب الصعقات الكهربائية.. وهذا دليل وقبله كانت حالات تسببت فيها الأمطار في إعطاب الكثير من المحولات حيث أن أكثر من 150 محولة قد أعطبت بفعل الأمطار وغطت الكثير من الأحياء بالظلام الدامس.

وعلينا التساؤل من أكثر عدداً في بغداد.. السيارات الحوضية أم سيارات المسؤولين وحماياتهم ؟ ولا داعي لأن نذكر الإجابة هنا لأن الجميع يعرفها.. ولكن كيف تعالج الدوائر الخدمية مثل تلك الحالات ؟ التصور المفترض لتلك المعالجة أن كل دائرة بلدية تعرف أماكن تجمع المياه في مناطقها أو من المفترض أن كل مسؤول بلدي لديه خارطة مفصلة عن المناطق السكنية المنخفضة التي تتعرض الى الفيضان في حالات الأمطار الغزيرة.. وتلك المناطق مؤشرة بخطوط حمراء على قدر مساحتها ولدينا أيضاً دائرة للأنواء الجوية التي تظهر نشراتها دائماً ويومياً ومن المفترض أيضاً انها قد زودت أمانة العاصمة والدوائر البلدية بواقع الأنواء الجوية للبلد خلال 24 ساعة أي أن هناك إنذار مسبق في الموضوع ولم تمطر السماء دون إنذار..

وعليه فالدوائر البلدية ومن بدء المطر تحرك سياراتها الحوضية وآلياتها الى تلك المواقع، التي نفترض أنها عنصراً مساعداً وليست أصيلاً في تلك المعالجات، لتغطي تلك السيارات والآليات المناطق الحمراء منذ أول زخة مطر ولتباشر أعمالها بصورة مستمر وأن لا تنتظر أن يتوقف المطر وتغرق بيوت الفقراء وينوب بعضهم مخاطر تصل حد الموت!

فلو فعلنا ذلك الشيء المفترض لما غرقت الأنفاق ودخل الجميع في دوامة الوصول مع تلك الأمواج من المياه وطفح المجاري فأشد ما يؤلم أن هناك أحياء كبيرة قد غطتها المياه وكان من المفترض أن تكون هناك معالجات واقعية بعد انتهاء تلك الأزمة..

علينا أن نفترض أن جميع فرق عمل الخدمات تدخل حالة طوارئ، وأن تصرف لهم مخصصات ومكافآت مجزية لأن المكافئات تلك لا يمكن أن تقارن قيمتها بنتائج أزمة بسيطة مثل ما حصل يذهب بها ابرياء لا ذنب لهم إلا أن بيتوهم منخفضة.. ثم أننا لو أحصينا عدد المرات التي تحصل فيها مثل تلك الحالة نرى انها لا تتجاوز عدد الأصابع فالعراق بلد لا تحصل فيه فيضانات أو زلازل، والحمد لله، مثل دول العالم التي يتحدث عنها البعض دفاعاً عن الخطط الخدمية ويقارن بغداد في لندن مثلاً.. في لندن أيها الأخوة السماء تمطر اياماً واسابيع ولاتمطر ساعات مثلما حدث مع مدينتنا، ولو حدث وان أمطرت عندنا اياماً فأعتقد أن كل معالم المدينة ستضيع!!

ثم هناك أمر أخر وهو أن مع كل أزمة من تلك الأزمات يبدأ المسؤولين بترامي التهم على بعضهم البعض وهذا أمر مهم يدل على عدم التنسيق فيما بينهم ومؤسساتهم وكأن كل واحد منهم في دولة، كما حدث لدينا في أن مجلس المحافظة يلقي اللوم على أمانة العاصمة لعدم إستعدادها وأعذار الأمانة كثيرة وجاهزة لتطرق عند كل أزمة.. منها أنها وبعد عشر سنوات تقول أن بعض المناطق ليس لها منظومات صرف صحي! فأين كنتم منها بعد كل هذه السنين بل وأين مليارات الموازنة أيها السادة ؟

.. التخطيط المبرمج والتجارب الميدانية أهم وسائل نجاح الخطط الخدمية مهما كانت صعوبتها والتهيء وقائياً والإستفادة من التجارب شأن آخر مهم.. علينا أن ندخل بحسابتنا تلك التجربة وعلى أمل أن لا تتكرر في وطن مثل العراق ومدينة مثل بغداد فيكفينا الأزمات السياسية التي تنذر بشرّ دائماً.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29/كانون الأول/2012 - 15/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م