الامثال الشعبية والسياسة العراقية وازماتها

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كل حدث في العراق يصاحبه الصخب والضجيج... تتذكرون البطاقة التموينية، وبعدها صفقة الطائرات الروسية، ثم عمليات دجلة، والموازنة العامة، وقبلها قانون العفو العام، وغيرها الكثير من احداث حولتها وسائل الاعلام الى ازمات عبر نقل التصريحات والتصريحات المضادة لها.

المشهد العراقي الذي تتوالى فصوله هو بروباغندا بامتياز... والبروباغندا هي (الدعاية - الترويج – التبشير) وهي تعني نشر المعلومات وتوجيه مجموعة مركزة من الرسائل بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من الأشخاص. وهي مضادة للموضوعية في تقديم المعلومات، البروباجاندا في معنى مبسط، هي عرض المعلومات بهدف التأثير على المتلقى المستهدف. كثيرا ما تعتمد البروباجندا على إعطاء معلومات ناقصة، وبذلك يتم تقديم معلومات كاذبة عن طريق الامتناع عن تقديم معلومات كاملة، وهي تقوم بالتأثير على الأشخاص عاطفيا عوضا عن الرد بعقلانية. والهدف من هذا هو تغيير السرد المعرفي للأشخاص المستهدفين لأجندات سياسية. فهي سياسيا تعني الترويج واقتصاديا تعني الدعاية ودينيا تعني التبشير.

والبروباغندا على انواع هي:

القولبة والتنميط، تسمية الأشياء بغير مسمياتها، إطلاق الشعارات، التكرار، الاعتماد على الأرقام والإحصائيات ونتائج الاستفتاء، الاستفادة من الشخصيات اللامعة، عدم التعرض للأفكار السائدة، التظاهر بمنح فرص الحوار والتعبير عن الرأي لجميع الاتجاهات، التأكيد بدلاً من المناقشة والبرهنة، عدم التعرض للقضايا الحساسة، إثارة الغرائز وادعاء إشباعها، ادعاء الموضوعية.

جميع هذه الانواع يمارسها ساسة العراق بنجاح يحسدهم عليه(الغوبلزيون) نسبة الى غوبلز وزير الدعاية الالمانية في عهد هتلر.

حارت الاقلام كثيرا وهي تكتب في الشان العراقي، تحاول ان تجد تفسيرا لكل ما يجري، الا ان تلك الاقلام على كثرتها لم تستطع ان تصور ما حدث ويحدث بدقة مثلما صورت ذلك الامثال الشعبية.

والأمثال الشعبية توصف عادة بأنها (أقوال سائرة مسلمة سيقت للعضة والاعتبار مع الايجاز والأحكام والدقة والتركيز)، ويعرفها بعضهم بأنها (عبارات متداولة بين الناس تتصف بالتكامل ويغلب عليها الطابع التعليمي وتبدو في شكل فني أكثر اتقاناً من الأسلوب الحديث العادي).

وهي غالباً ما تحكى وتسرد بأشخاصها وأحداثها وزمانها، وتقرن بقصة عرفت أو شاعت في زمن ما وتناقلتها الألسن من جيل إلى جيل آخر من دون أن تتغير مضامينها الاجتماعية، وكأنها (بنود دستور غير مكتوب يعبر عن تجارب العامة ويصور مواقفهم من مشكلات الحياة).

يقول ابن عبد ربه صاحب كتاب (العقد الفريد) أن الأمثال أبقى من الشعر وأشرف من الخطابة ولم يسر شيء سيرها حتى قيل أسير من مثل، مشيرا إلى أن الأمثال جاءت في القرآن الكريم داعمة للقصص والأحداث عند الحديث عن الأمم السالفة يقول تعالى {ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون} وفي موضع آخر {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}.

ولا يختلف الأوربيون في تعريفهم للمثل عن معناه في الثقافة العربية، فالمثل عند أرسطو: هو العبارة التي تتصف بالشيوع والإيجاز، ووحدة المعنى وصحته، وعند آرثر تايلور هو أسلوب تعليمي ذائع بالطريقة التقليدية، يعمل أو يصدر حكماً على وضع من الأوضاع.

وفي الفرنسية تشير المعاجم إلى أن المثل، هو جملة خيالية ذائعة الاستعمال، تدل على صدق التجربة أو النصيحة أو الحكمة، يرجع إليها المتكلم. وقديماً عرّفوا المثل بأنه حكمة شعبية قصيرة تُتداول على الألسنة، أو هو جملة غالباً ما تكون قصيرة، تعبر عن حدث ذي مدلول خاص، ولكن يبقى على المستمع تخمينه.

استخدم العراقيون الأمثال بصورة عامة لتداول الأخبار ونقل المعلومات وتدوين الأحداث الإقتصادية والإجتماعية والسياسية فضلاً عن إن بعضها يحمل صفة الموعظة والتحذير والحكمة يقول المؤرخ والكاتب سالم الآلوسي ان (الأمثال في العراق نوعان: الأول منها المثل الفصيح ويعد امتداداً للأمثلة العربية القديمة والمثل الشعبي وهو مشابه بالمضمون للفصيح لكنه يكون باللهجة العامية البغدادية) ويضيف الآلوسي (لا يوجد هناك شخصاً معيناً يؤلف الأمثال لأنها تؤخذ من أفواه الشعب بصورة عامة وبخصوص حادثة معينة أي أنه يرتجل بصورة فجائية مبيناً أنها تتناقل من جيل الى آخر وذلك لسهولة حفظها وجمال معانيها" وأكد الآلوسي أن "أصل الأمثال كانت تختص بالحالة الإجتماعية والإقتصادية للمجتمع ولكن بسبب الحربين العالمية الأولى والثانية اكتسبت الأمثال الطابع السياسي).

وهذه طائفة من الامثال الشعبية العراقية التي يمكن اسقاطها على الكثير مما يحدث في العراق.

(اني امير وانت امير منو يگود الحمير؟).. ويضرب هذا المثل لمن يتكبر على عمل ما او لمن ينافس على ما ليس اهلا له.

(احدب ويتجقلب) ويضرب للذي يمارس اعمال لا تناسبه.. معنى يتجقلب: يتقلب.

(احطك عالشجر تروح عالبيتنجان) ويقال للذي يرفض الجيد ويأبى الا الرديء، او لمن تريد اكرامه ويأبى الا الخسه.

 (انهزم من جوه المطر وگع جوه المزريب) وتضرب للذي يتحاشى شيء ما ثم يقع بأسوأ منه.

(احنا اهل الگريه وكلمن يعرف اخيه) ويضرب عندما يتفاخر البعض بالباطل ويعتقد ان هذا يكون مقبول فيذكروه بواقعه.

(براسه صوت يريد يغنيه) ويضرب للذي يصمم على عمل ما بالرغم من النصائح.

 (اربط الزمال يم الزمال يتعلم الشهيك والنهيك) ويضرب لتعلم العادات بسبب العلاقة ومعنى الشهيك = الشهيق, والنهيك = النهيق.

 (تشاور البزون والفار على هدم الديار) ويعني ان اتفاق الاضداد يكون عندما تكون هناك مصلحه مشتركه بالرغم من العداء بينهم.

 بالوجه مرايه وبالكفا سلايه.. ويضرب هذا المثل للمرائي والمنافق الذي يمدحك ويشيد بك ويريك حبه واخلاصه وعندما تغيب عنه يذمك ويتحدث عنك بالسوء امام الاخرين.

 حاميها حراميها.. ويضرب هذا المثل للشخص الذي يؤتمن على مال ويخون الامانة اي عندما يكلف شخص بحراسة بضاعة او بستان او مال ما ويكتشف صاحب المال ان الحارس الحامي هو الحرامي.

 خيط وخرابيط.. وهي تعني الخيوط عندما تتداخل مع بعضها ويصعب فكاكها اي ان الامور اصبحت غير قابله للحل بسبب تعدد الاراء والاتجاهات ومثل هذا المثل يقال (شليله وضايع راسها) وتعطي نفس المعنى عدا ان التشابك بدون راس اما الخيوط فلها اكثر من راس ولذلك قيل(خيط وخرابيط).

(إلما يسوكه مرضعه ضرب العصي ما ينفعه) ويستخدم للذي مات ضميره حيث ان ضرب العصا لا يعيده ومن الأمثال التي كان يستخدمها البغداديون للكشف عن صورة السرقة التي كان يقوم بها اعوان الحاكم من الوالي حتى آخر فرد من الجندرمة خلال أحداث عام 1891 هو (حاميها حراميها) و(فرهود مال المكرود).

(فسفس، وفسيفس، وفسفوس)... فسيفس: يطلق أهل بغداد هذا الاسم على (علي شيش)، واشتقوا من هذا الاسم (فسفس) و (فسفوس). وكنوا عن التافهين بأحد هذه الاسماء الثلاثة.

(فال الله ولا فالك)... فال وفالك: فأل وفألك، والفأل هو التنبؤ بما سيقع.

أصوله: (طير الله لا طيرك) و (طير الله ولا طيرك) والاخير كان شائعاً بين عامة بغداد في المئة الخامسة للهجرة، قال الطالقاني: مثل لمن جاء بخير مكروه. إذا تنبأ شخص بوقوع ما لا يسر، قالوا له هذا القول.

ومعنى ذلك، خاب فألك بما تنبأت من شرور وثبور، وفأل الله خير من فألك، لانه تعالى أرحم بالناس من الناس.

يضرب: لاستبعاد حدوث ما يكره وما لا يسر.

فرّج علينا اليسوى والما يسوى

يضرب: لاستنكار من يهان على ملأ من الناس.

غراب يكَول لغراب وجهك اسود

ويروي (عبد يكول لعبد وجهك اسود)... قصته: يحكى ان غربيين تخاصما وكانا متقابلين، فأخذا يتعايران فيما بينهما، وكان كل واحد منهما يعير الآخر بسواد وجهه، وكل منهما لا يعرف أن وجهه أسود، بل يعتقد أن السواد بوجه الغراب المقابل له حيث لم ير وجهه.

وكان غراب ثالث يستمع الى هذه التعاير، فقال لهما هذا القول، واوقف تعايرها، وذهب قوله مثلاً.

يضرب: لذوي خلة سيئة يتعايران فيما بينهما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/كانون الأول/2012 - 12/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م