روسيا وأمريكا... سجال المصالح والاستراتيجيات

 

شبكة النبأ: يبدو ان الصراع السياسي بين روسيا وامريكا يعود مرة أخرى، لكنه بشكل جديد اقل حدة من ذي قبل، اي باعتماد القوة الناعمة داخليا وخارجيا، فقد زادت حدة التوترات بين البلدين مؤخرا، بسبب عدة قضايا اهمها قانون التبني الروسي الذي أثار انزعاج جماعات دولية مدافعة عن حقوق الإنسان، أما القضية الثانية فهي اعلان امريكا نيتها بناء نظام الدرع الصاروخي بهدف الحماية، الامر الذي يثير مخاف روسيا وتعتبره تهديدا صارخا لأمنها واستقرارها خصوصا مع تنامي حدة الخلاف في المنطقة واتساع لغة التهديد بين بعض البلدان، فضلا عن القضية السورية الحليف الاوحد لروسيا في منطقة الشرق الاوسط، وتلقي الخلافات آنفة الذكر بين الدولتين بظلاله على جهود الرامية لتحسين العلاقات بينهما خاصة في الاونة الاخيرة، لذا يرى بعض المحللين ان الخصام جيوسياسي القديم الجديد بين الدب الروسي والولايات المتحدة يطلق إنذار دولي لا تحمد عقباه في حال استمرت هوة الخلافات بالاتساع دون ايجاد توافقات ترضي الجانبين.

أزمة جديدة

فقد قال الكرملين ان الرئيس الامريكي باراك اوباما سيزور روسيا على الارجح في النصف الاول من عام 2013 رغم "أزمة بسيطة" في العلاقات بسبب اجراءات امريكية لمعاقبة مواطنين روس متهمين بانتهاك حقوق الانسان، ولم يقدم يوري يوشاكوف مستشار السياسة الخارجية للرئيس فلاديمير بوتين تفاصيل أخرى، ولمح أوباما وبوتين منذ فوزهما بفترة رئاسية أخرى هذا العام الى رغبتهما في تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، ووجه بوتين الدعوة لاوباما لزيارة روسيا بعد فوز الرئيس الامريكي بفترة رئاسية ثانية لكن العلاقات بين خصمي الحرب الباردة السابقين ظلت غير مريحة، وغضب بوتين الذي فاز بالرئاسة الروسية للمرة الثالثة من قانون أقره الكونجرس الامريكي يسمى قانون ماجنيتسكي في نفس الوقت الذي صدق فيه على دخول روسيا منظمة التجارة العالمية، ويقضي قانون ماجنيتسكي بأن ترفض الولايات المتحدة اصدار تأشيرات دخول لمسؤولين روس وتجمد أصولهم نظرا لاتهامهم بالتورط في موت المحامي سيرجي ماجنيتسكي محامي قضايا الكسب غير المشروع الذي توفي وهو في الحبس عام 2009، ووقع أوباما قانون ماجنيتسكي. بحسب رويترز.

وقال يوشاكوف في افادة صحفية معتادة "نحن نبدد الوقت المتاح أمام التطور الطبيعي للعلاقات" وأضاف "الان علينا ان نكرس بعض الوقت للخروج من هذه الازمة الصغيرة" التي قال إنه لم يكن هناك داع لها، وزار اوباما روسيا عام 2009 وأقام علاقات جيدة مع الرئيس الروسي حينها ديمتري ميدفيديف وبدأ ما اطلق عليه عملية "لاعادة ضبط" العلاقات أدت الى توقيع معاهدة جديدة لخفض الاسلحة النووية، لكن علاقة أوباما كانت أصعب مع بوتين. وتتولى روسيا الرئاسة الدورية لمجموعة العشرين العام القادم وتستضيف قمة لها في سان بطرسبرج.

قانون التبني

فيما تبنى مجلس النواب الروسي (الدوما) في قراءة ثالثة واخيرة قانونا يحظر على الاميركيين تبني اطفال روس وينص على وضع "لائحة سوداء" للاجانب غير المرغوب فيهم في روسيا، وهذا القانون الذي وافقت عليه غالبية من 420 صوتا في البرلمان مقابل اعتراض سبعة وامتناع صوت واحد، يعتبر ردا على نشر لائحة "مانييتسكي" في الولايات المتحدة التي تفرض عقوبات على مسؤولين روس في مجال انتهاكات حقوق الانسان، والقانون الذي ما زال يحتاج الى موافقة مجلس الاتحاد الروسي ونشره من قبل الرئيس فلاديمير بوتين، يحمل اسم ديما ياكوفليف، وهو طفل روسي توفي في الولايات المتحدة في 2008 بعدما نسيته والدته الاميركية بالتبني في سيارة وسط موجة حر مرتفعة، وقد اثارت وسائل الاعلام بكثرة في روسيا في السنوات الاخيرة حالات اخرى لاطفال يتعرضون لسوء معاملة من قبل اهاليهم بالتبني في الولايات المتحدة، واقتراح القانون اثار ردود فعل مستنكرة عدة في روسيا بما في ذلك من جانب وزير التربية ديمتري ليفانوف ووزير الخارجية سيرغي لافروف.

لكن الرئيس بوتين الذي وصف تبني "لائحة مانييتسكي" في واشنطن بانه "عمل غير ودي"، اعتبر الخميس ان نية الدوما في حظر تبني اطفال روس من قبل الاميركيين امر "مناسب"، ونشر الرئيس الاميركي باراك اوباما "قانون مانييتسكي" الذي يحظر على مسؤولين روس متورطين في وفاة رجل القانون الروسي سيرغي مانييتسكي في العام 2009 في موسكو، الدخول الى الولايات المتحدة وينص على مصادرة ارصدتهم، وكان مانييتسكي قيد الاحتجاز الاحترازي وتعرض للعنف وحرم من العناية الصحية.

حقوق الانسان

من جهته وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الوفاة المثيرة للجدل لمحام يكافح الفساد في روسيا بأنها مأساة لكنه هدد بأن موسكو سترد اذا استغل الكونجرس الامريكي هذه القضية لفرض عقوبات على الروس بشأن مزاعم عن انتهاك حقوق الانسان، وقال بوتين للصحفيين في ختام قمة مجموعة العشرين في المكسيك انه لا يعتقد ان وفاة المحامي سيرجي ماجنيتسكي عام 2009 تستحق كل هذا الاهتمام المثار في واشنطن، وتقترع لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الامريكي الاسبوع القادم على اقتراح تبناه الحزبان الديمقراطي والجمهوري بمنع اصدار تأشيرات دخول وتجميد أرصدة روس لهم صلة بموت ماجنيتسكي بعد ان قضى عاما في السجون الروسية، وعمل المحامي الروسي في صندوق هرميتيج كابيتال للاسهم في موسكو وتسببت قضيته في ابعاد المستثمرين وتلويث صورة روسيا في الخارج.

ويستهدف مشروع قانون مجلس الشيوخ أيضا كل منتهكي حقوق الانسان "في أي مكان بالعالم" وهي فقرة يرى البعض ان الهدف منها هو اقناع روسيا بانها ليست وحدها المستهدفة لكن يصعب أيضا تطبيقها، ووافقت لجنة تابعة لمجلس النواب الامريكي على مشروع القانون، وقال بوتين ان روسيا سترد اذا تحرك الكونجرس الامريكي بمجلسيه، وقال "فيما يتعلق بهذا القانون ذي الصلة بمأساة ماجنيتسكي.. اذا مرر فليكن"، وأضاف "لا نعتقد ان الامر يستحق كل هذا الاهتمام من الكونجرس لكن اذا فرضت قيود على دخول بعض المواطنين الروس الى الولايات المتحدة حينها سنفرض قيودا على دخول بعض الامريكيين الى روسيا... لا أعرف من يحتاج الى هذا ولماذا لكن اذا حدث فليحدث. الاختيار ليس اختيارنا. بحسب رويترز.

وسجن ماجنيتسكي في روسيا عام 2008 لادانته بالتهرب الضريبي والكسب غير المشروع. ويقول زملاؤه ان هذه التهم لفقها له محققو الشرطة بعد ان اتهمهم بسرقة 230 مليون دولار من المال العام من خلال التلاعب في الايرادات الضريبية، وكان مجلس حقوق الانسان التابع للكرملين قال العام الماضي ان ماجنيتسكي ضرب على الارجح حتى الموت، وصرح مايكل مكفول السفير الامريكي لدى روسيا بأن بوتين والرئيس الامريكي باراك أوباما ناقشا مشروع القانون المقترح في الكونجرس، وتقول الادارة الامريكية انها تتفهم موقف مقترحي مشروع القانون إزاء انتهاكات حقوق الانسان لكنها لا ترى ضرورة له.

الدفاع الصاروخي

من جانب آخر جدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معارضة موسكو القوية لنظام الدفاع الصاروخي الامريكي قائلا ان إعادة انتخاب الرئيس باراك اوباما لن تنهي النزاع ومصرا على تطوير مشترك للدرع الصاروخية، وأبلغ بوتين الصحفيين في ختام قمة مجموعة العشرين في المكسيك "أعتقد ان مسألة الدفاع الصاروخي لن تحل سواء انتخب اوباما أو لم ينتخب"، واضاف قائلا "اعتقد ان الشيء الذي يمكن ان يحدث تغييرا جذريا هو فقط في حالة موافقة الولايات المتحدة على إقتراحنا الذي يقول ان روسيا واوروبا والولايات المتحدة شركاء متكافئون في هذه العملية". بحسب رويترز.

وتقول موسكو ان الصواريخ الاعتراضية التي تنشرها الولايات المتحدة وحلف شمال الاطلسي في اطار النظام الدفاعي سيكون بمقدورها تدمير الرؤوس الحربية الروسية في الجو بحلول عام 2018 وهو ما يخل بميزان القوة في عهد ما بعد الحرب الباردة، وتجادل واشنطن بأن نظام الدفاع الصاروخي -الذي سيجري نشره في اربع مراحل تنتهي بحلول 2020- يهدف الي التصدي لتهديد محتمل من ايران ولا يشكل أي خطر على روسيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/كانون الأول/2012 - 12/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م