سوريا... الغرب يصلي والخليج يجدف!

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: قالها لافروف بصراحة "الغرب يصلي كي تواصل موسكو عرقلة اي تدخل في سوريا"، هادما بشكل نهائي ما بناه البعض من آمال في التدخل الغربي العسكري المباشر ضد حكومة الاسد، مطلقا في الوقت ذاته بعض الاثباتات حول طبيعة الصراع في الجاري داخل سوريا، ونقاط القوة التي لا يزال يتمتع بها الجيش السوري بالرغم من المعارك الشرسة التي خاضها حتى الان.

وهو في الوقت ذاته يؤكد على ان نظرية انهيار النظام التي يرددها الغرب والمعارضة السورية لا تشكل في حقيقتها سوى اضغاث احلام في الواقع، والتصريحات الدائرة حول تلك النظرية تأتي في سياق الحرب النفسية والاعلامية الموجهة ضد سوريا منذ بداية الازمة.

كما هو الحال في كون تصريحات لافروف الاخير تصب في حقيقة ان الاسد لم ولن يغادر دمشق على الشاكلة التي تريدها قطر او السعودية، خصوصا بعد فشل مشروعهما الدموي الذي عصف بالكثير من المدن والقصبات السورية.

فالغرب يدرك عدم قدرته في تقديم تنازلات او خسائر مكلفة في حال تقرر خوض حربا عسكرية مباشرة على الاسد كما كان الحال مع القذافي، نظرا للبون الشاسع بين قدرة وتفوق الجيش السوري وكتائب الزعيم الليبي السابق، فضلا عن طبيعة الظروف الداخلية والخارجية المحيطة بسوريا.

اذ تؤكد تصريحات لافروف التي جاءت بعد لقائه مع بعض قادة الاتحاد الاوربي، على ان الغرب اختار لنفسه مسارا لديمومة الصراع مع الاسد يختلف جذريا عن الطريقة التي تقوم بها بعض الدول الخليجية التي تكبدت خسائر باهظة مقابل مكاسب لا تذكر حتى الان.

عرقلة اي تدخل

وصرح لافروف "لا احد يريد تدخلا. يبدو احيانا انهم يصلون كي تواصل الصين وروسيا عرقلة اي تدخل لانه ما ان يجاز فسيتحتم عليهم التحرك، لكن لا احد مستعد للتحرك". واضاف "اننا فقط مقتنعون بانه لم يعد ينبغي على مجلس الامن الدولي اتخاذ اي قرار مبهم ولا سيما بعد تصرف شركائنا غير المنطقي كليا بخصوص القرار حول ليبيا".

وروسيا هي احدى اخر الدول الداعمة للنظام السوري الذي تبيعه السلاح. لكن موسكو تؤكد انها تدافع عن القانون الدولي وتخشى الفوضى والارهاب في هذا البلد. وسبق ان عرقلت روسيا الى جانب الصين جميع مشاريع القرارات في مجلس الامن الدولي الرامية الى ادانة الرئيس السوري بشار الاسد والى فرض عقوبات او حتى اللجوء الى القوة.

وكانت موسكو اقرت في اذار/مارس 2011 اصدار قرار حول فرض منطقة حظر جوي في ليبيا بالامتناع عن التصويت، وكذلك فعلت الصين. لكنها اتهمت الغربيين لاحقا بتجاوز شروط القرار عبر توسيع العملية العسكرية الجوية التي ادت الى اسقاط نظام معمر القذافي.

على صعيد آخر اكد لافروف ان الغربيين يعربون في السر عن مخاوفهم من وقوع الاسلحة الكيميائية التابعة للنظام في ايدي عدد من فصائل المعارضة. وقال ان "شركاءنا الاميركيين يقرون في محادثاتنا ان التهديد الرئيسي هو استيلاء المقاتلين عليها"، على ما نقلت ريا نوفوستي. واضاف "انهم يشملون اطيافا مختلفة، بما فيها منظمة اعتبرتها الولايات المتحدة ارهابية".

وتابع "بحسب معلوماتنا ومعلومات الاستخبارات الاميركية والاوروبية فان الحكومة (السورية) تبذل حاليا كل ما في وسعها لضمان امن هذه الاسلحة". واوضح لافروف "حتى الساعة تشير معلوماتنا المتطابقة مع معلومات الغربيين ان الاسلحة (الكيميائية) تحت السيطرة. جمعتها السلطات السورية في مركز او اثنين، فيما كانت موزعة من قبل في مختلف انحاء البلاد". بحسب رويترز.

وتابع الوزير الروسي "نقول لهم (للغربيين): ايها الاصدقاء انكم تدعمون المعارضة بما في ذلك القتال المسلح، ويمكن ان يحدث ما تخشون، لذلك عليكم ان تقرروا ما هي اولوياتكم".

واعلن خبراء عن امتلاك سوريا مخزونا من الاسلحة الكيميائية يعود الى السبعينيات وهو الاهم في الشرق الاوسط حيث يبلغ مئات الاطنان. وكثف المجتمع الدولي في مطلع الشهر التحذيرات الى دمشق من استخدام هذه الاسلحة بعد تاكيد مسؤولين اميركيين رفضوا الكشف عن اسمائهم وجود استعدادات جارية. واقر النظام السوري للمرة الاولى في اواخر تموز/يوليو حيازته اسلحة كيميائية وهدد باستخدامها في حال تدخل عسكري غربي لكن ليس ضد شعبه.

كما اشار لافروف إن الحرب الأهلية السورية وصلت إلى طريق مسدود وإن الجهود الدولية الرامية إلى إقناع الرئيس السوري بشار الأسد بالرحيل ستبوء بالفشل. وجاء ذلك بعد دعوات من القوى الغربية وبعض الدول العربية للأسد بالتنحي قبل أن يجلب الصراع المستمر منذ 21 شهرا في سوريا مزيدا من الدمار والذي يقول نشطاء إنه أودى بحياة أكثر من 44 ألف شخص.

وقال لافروف قال إن الرئيس السوري لن يذعن للضغوط التي يمارسها معارضوه أو الزعماء المتعاطفون معه في موسكو وبكين. وقال للصحفيين على متن طائرة حكومية في طريق عودته لموسكو عقب قمة روسيا والاتحاد الأوروبي في بروكسل "اسمع.. لن ينتصر أحد في هذه الحرب. الأسد لن يذهب إلى أي مكان أيا كان القائل سواء الصين أو روسيا."

وتتراجع روسيا عن تصريحات نقلت عن مبعوث الكرملين إلى الشرق الاوسط قوله في وقت سابق من الشهر الجاري إن المعارضة قد تتغلب على حكومة الأسد وان روسيا تستعد لإجلاء محتمل لرعاياها في اقوى دليل حتى الآن على ان روسيا تحضر نفسها لسوريا بعد الأسد.

الحزن والقلق

الى ذلك يستعد مسيحيو سوريا الذين تعيش بلادهم في نزاع مستمر منذ 21 شهرا، لاستقبال عيد الميلاد هذا العام من دون اي مظاهر احتفالية، بل وسط قلق وخوف من غرق البلاد في الفوضى وصعود الجماعات الاسلامية المتطرفة.

يقول جورج، وهو محاسب في دمشق يبلغ من العمر 38 عاما، ان "لا مزاج لنا للاحتفال بالعيد هذا العام، فكل من حولي مكتئب والوضع صعب جدا". يضيف "كيف لي ان احتفل فيما من حولي مهجر من منزله او فقد غاليا؟" في نزاع ادى الى مقتل اكثر من 44 الف شخص، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان.

من جهتها، تستعيد مريم تقارير للاعلام الرسمي يقدم فيها المقاتلين المعارضين لنظام الرئيس بشار الاسد بوصفهم "مجموعات ارهابية مسلحة"، لتقول "بتنا نخشى على انفسنا وعلى وضعنا المسقبلي بسبب قدوم هؤلاء التكفيريين" الذين ترى انهم قد يرغموها على "ارتداء الحجاب وعدم الخروج للعمل".

اما نادين، فتقدمت بطلب للحصول على تأشيرة دخول الى الولايات المتحدة لملاقاة والدتها وعدد من اقاربها، بعدما ترددت في القيام بذلك لمدة طويلة. وتقول هذه المهندسة الاربعينية المقيمة في دمشق "بعدما اقتربت الاشتباكات من المدينة احسست بالخطر اكثر من ذي قبل". ومع عدم شعورها بوجود حل قريب، اصبحت الهجرة هي الملاذ بعدما بات السلاح "اللغة الوحيدة المتداولة الان".

لكن ميشال يصر على انه لن يغادر وطنه ايا تكن الصعوبات، وسيبقى "متمسكا بجذوره" في سوريا، رغم ان المكتب السياحي حيث كان يعمل، اغلق ابوابه جراء الاوضاع الراهنة.

وكما كثيرين غيره من المسيحيين السوريين، يستعيد ميشال النموذج العراقي، حيث اضطر العديد من المسيحيين الى مغادرة هذا البلد المجاور مع صعود الحركات الاسلامية المتطرفة وتزايد اعمال العنف بعد الاجتياح الاميركي في العام 2003.

وتتمتع سوريا بتركيبة اجتماعية متنوعة دينية كما العراق. وبحسب الباحث الفرنسي الخبير في الشؤون السورية فابريس بالانش، يتوزع السوريون البالغ عددهم 23 مليون نسمة، بين غالبية مسلمة سنية (قرابة 80 بالمئة)، واقلية علوية (10 بالمئة)، اضافة الى خمسة بالمئة من المسيحيين، ثلاثة بالمئة من الدروز، والبقية من الاسماعيليين. بحسب فرانس برس.

وبقي المسيحيون السوريون البالغ عددهم نحو 1,8 مليون نسمة، في منأى عن النزاع بين الرئيس الاسد ومعارضيه في شكل عام. الا ان كثيرين منهم يتخوفون من ان تفرز "الثورة" حكما اسلاميا متطرفا مناهضا للحريات الدينية التي نعموا بها على مدى عقود طويلة، من دون ان يحول ذلك دون انضمام اعداد منهم الى المعارضة و"الحراك الثوري".

واكد بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الارثوذكس يوحنا العاشر يازجي ان "ما يجري علينا يجري على الاخرين"، مشددا في مؤتمره الصحافي الاول في دمشق اثر انتخابه في هذا المنصب على ان المسيحيين "موجودون في هذه البلاد وباقون ونحن نؤمن ان وجه المسيح لن يغيب عن هذه المنطقة التي انطلقت منها المسيحية".

وفي اليوم نفسه، حذر بعض المقاتلين المعارضين من اقتحام بلدتين مسيحيتين في ريف محافظة حماة وسط البلاد، ما لم تنسحب منهما القوات النظامية. وكانت الامم المتحدة حذرت قبل ايام من ان النزاع في سوريا بات "طائفيا في شكل واضح" ما يهدد الاقليات الدينية في البلاد.

في حي القصاع ذي الغالبية المسيحية وسط العاصمة السورية، درجت العادة خلال هذه الفترة من السنة ان تمتلأ الشوارع بالناس القادمين للتسوق وسط زينة العيد. وبحسب تاجر ألبسة فضل عدم كشف اسمه "هذه السنة لا مزاج لاحد للشراء او الاحتفال".

من جهته، يلقي بسام باللائمة في صعوبة الاحتفال بالعيد على الازمة الاقتصادية والتضخم اللذين تسبب بهما النزاع، ويقول "لقد رغبت ان يشعر الاطفال بالعيد، الا انني لم اتمكن من شراء ملابس جديدة لهم او العاب".

ويشير الى انه "عيد الميلاد الثاني الذي يمر علينا في ظل هذه الازمة. العام الماضي احتفلنا على نطاق ضيق، لكن هذه السنة اصبح (الوضع) اكثر تعقيدا. بالكاد اغطي مصروف العائلة".

وادى التضخم الى اقتطاع ثلث القدرة الشرائية للسوريين، بحسب ما افادت وسائل اعلام سورية في ايلول/سبتمبر الماضي. كذلك، قال مسؤول اقتصادي رفيع ان العقوبات الدولية على سوريا ادت الى ارتفاع الاسعار الاستهلاكية بنحو 65 في المئة.

تضاف الاوضاع الامنية الى الصعوبات الاقتصادية. في حلب كبرى مدن الشمال التي تشهد معارك يومية منذ اكثر من خمسة اشهر. يقول رئيس الكنيسة الانجيلية العربية في المدينة القس ابراهيم نصير ان "عدم الشعور بحالة امان جعل الكثير من المسيحيين يرفعون الصلوات في بيتوهم ولا يذهبون إلى الكنائس خوفا".

يضيف "المسيحيون السورين جزء لا يتجزا من المجتمع السوري، وعدم ارتيادهم الكنيسة ليلة العيد ليس خوفا من استهداف الكنائس، بل بسبب الوضع الأمني المتدهور في المدينة بشكل عام".

بالنسبة لآخرين، لا يمكن الاحتفال بالعيد بعد فقدان اشخاص مقربين. تقول رند صباغ "لن احتفل ابدا هذه السنة" التي فقدت فيها صديقها الناشط والسينمائي باسل شحادة، الذي قتل في ايار/مايو الماضي في حمص (وسط).

وتضيف "العام الماضي كان الوضع مختلفا. هذه السنة لم يبق منزل الا وفقد شخصا، اكان (المنزل) مواليا ام معارضا ام يعتبر ان ما يجري لا يعنيه". تتابع "لم نكن نتخيل ان الموت سيدخل الى بيوتنا".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/كانون الأول/2012 - 11/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م