اصدرت الامم المتحدة تقريرها نصف السنوي عن حقوق الانسان بالعراق
بتاريخ 20/12/2012 ويتضمن فقرات عديدة وستناول فقرة واحدة منها (فيما
يتعلق بالاكتظاظ بأماكن التوقيف) التي سبق وان نشرت مقالات عديدة بذات
الشأن.
اشار التقرير الاممي انه (نادرا ما تنفذ المحاكم أحكام الكفالة حيث
تفضل بدلا من ذلك احتجاز الأشخاص بانتظار المحاكمة وبالتالي تزيد بشكل
كبير من مشكلة الاكتظاظ في مرافق الاحتجاز وتضع ضغوطا أكبر على السجون
والمدعين العامين والمحاكم)، واكد (تم إبلاغ البعثة عن حالات فساد بما
في ذلك مزاعم تفيد بأن قرارات المحاكم لا تنفذ في بعض الأحيان أو أنه
يتم احتجاز أشخاص ظلما حتى يتم دفع مبالغ من المال لموظفي السجون أو
الشرطة أو غيرهم)، وقال "لا تزال الأوضاع السيئة في العديد من السجون
العراقية تشكل مصدر قلق حيث ينتظر الآلاف من الأشخاص محاكماتهم في ظروف
تعرض صحتهم النفسية والبدنية إلى الخطر على الرغم من أنه لم تتم
إدانتهم من قبل محكمة قانونية وأنهم لا يزالون يتمتعون بافتراض البراءة
".
أثار التقرير الاممي بشأن استمرار مظاهر التعذيب والاكتظاظ داخل
مراكز التوقيف بالعراق ردود فعل قوية صداها ليست بالعراق أجمعت على
إدانة المس بالكرامة الإنسانية للموقوفين ان التقرير الذي أثار كل هذه
الضجة تختفي الحقيقة الغائبة حول من يتحمل مسؤولية هذا الوضع المأساوي
الذي وقف عليه قبل صدور التقرير، الحقيقة الغائبة في قضية التقرير أن
مسؤولية الاكتظاظ يتحملها قضاة التحقيق بالعراق، لأن الاف الموقوفين
يقبعون بالتوقيف على ذمة التحقيق.
يحدث هذا رغم أن الدستور يقر أن قرينة البراءة هي الأصل، كما أن
النصوص القانونية حددت للقضاة سلسلة إجراءات تفي بالغرض وتشكل وسائل
بديلة عن التوقيف، مثل منع السفر وتكفيله بكفالة ضامنة وغيرها..
فالتعسف في استعمال سلطة التوقيف يساهم في الاكتظاظ، والأخير تتولد عنه
ممارسات لا مهنية كما ان اناطة التحقيق الى بعض الوحدات العسكرية هو
اجراء غير قانوني ونتج عنة ممارسات مقززه واساءه الى العراق كدولة وهذه
ممارسات لدولة الاحكام العرفية، وان تدخل العسكر بالحياة المدنية ووقوف
القضاء الى جانب الاجراءات التعسفية التي تمارسها القطعات العسكرية
بحجة استباب الامن فهو امر يهدد الحياة المدنية برمتها، وهناك الدور
الاخلاقي والقانوني للقاضي بعدم اناطة التحقيق لأي جهة غير قانونية
(كالجيش او اجهزة لم يصدر لها تشريع) وان الرؤية الأممية بان القضاء
العراقي مسيس نابع من السلوك اليومي لقضاة التحقيق وان العالم يراقب
هذه الممارسات ويرصدها ولربما بالمستقبل يحالون الى محاكم دولية
لانتهاكاتهم لحقوق الانسان.
إن التوقيف يفترض أن يكون آخر الاجراءات التي يلجا اليها القاضي،
لكن توقيف المشتبه فيه احتياطيا يبقى رهينة السلطة التقديرية للقاضي،
فإن ذلك يشكل اتهاما في حد ذاته، وإن قضت العدالة ببراءته، وهنا يجب أن
يتحمل الادعاء العام مسؤوليتها في تسبيق قرينة البراءة على توزيع
الاتهام، فنائب الادعاء العام يفترض أن تتوفر لديه الشجاعة الكافية
لاستخدام الوسائل البديلة بالتوقيف.
إن العدالة لا تتحقق بالتعسف في استعمال سلطة القضاء، بل بالتطبيق
السليم للقانون والتفاعل مع تحولات المجتمع، لأن الجريمة كيان متحرك
ومتحول، وبواسطة هذه الوسائل البديلة عن التوقيف، يمكن الحد منها، دون
حاجة إلى التعسف والاكتظاظ، ودون حاجة الدولة إلى شهادة حسن السيرة من
أحد تقريرا رسميا كان أم دوليا.
* عمان
riadhbahar@yahoo.com |