الجسيم الجديد والكون

د. مؤيد الحسيني العابد

لقد مرّ الإنسان بالعديد من التغييرات على ذهنه وعقله عموماً ووصل الى المستوى الذي يجعله يقارع مكنونات عديدة بهذا العقل. لكنّه يصاب أحياناً بغرور قاتل! والذي يجعلني أقول هذا هو البحث أو الأبحاث التي آلت الى إكتشاف الجسيم هيغز أو بوزون هيغز Higgsboson والذي أثار موضوعه شجون الكثير من الناس.

 لقد إتّصل بي أحد الأخوة الباحثين في مجال الفيزياء ليناقش هذا العمل الخلاّق والمثابر والذي سيغيّر الكثير من المفاهيم عند الكثير من الناس!(كما قال لي متبجّحاً!) وقد آثرت أن أثير الموضوع بطريق آخر ربّما لا يرضي بعض السادة والسيدات!

 لقد راقبت ميزة من المميزات التي باتت موروثاً عند العديد من الناس! هي، إنْ أثَرْنا موضوعاً يتعلّق بمستوى بحث من هذا النوع (خاصة وأنّ الباحثين(العلماء) من النوع الذي حصل أغلبهم على جائزة نوبل المعروفة في مجالات الفيزياء والفلك وغيرها)، قيل لنا ما لكم والكلام بلا عمل! كيف لواحد مثلنا يقارع مثل هؤلاء العلماء، خاصّة وقد عرف عنّا نحن العرب أو الشرقيّون بأنّنا قوم نتكلّم كثيراً بلا أيّ تقدّم في عمل ولا حركة بإتّجاه العلم والعلميّة! وكيف لنا أن نتكلّم وسط هذا الحشد من العلماء والخبراء وأهل الدراية بما هم إكتشفوه! فهل يحقّ لنا نحن أهل التخلّف!! أن نتكلّم وسط هذا العالم المتقدّم؟!

 لقد عانى ويعاني الكثير من المسلمين من مشكلة عويصة وصعبة هي كيفية الخروج من الإتّهام بالتخلّف الذي لحق بهذه الأمّة، إن كانت بالفعل قد وصلت الى ماوصلت اليه من تقدّم ذكره التاريخ!

 حيث أشير إلى صفحات عديدة من هذا التقدّم الذي يسجّل لأمّة العرب والمسلمين!

 من هذه الصفحات، تحديد بداية ونهاية لهذا الكون، بل هناك العديد من طرق التفسير الرائعة حول إستمرار الكون في التوسّع والنضوج وتحديد اسلوب الانكماش أو الانقضاء والانكفاء ليعود هذا الكون الى شكله الذي تمثله النظريتان(العلمية الطبيعية والاسلامية!) باللاشكل أي نقطة عديمة الأبعاد.

 لا تستغرب من هذا القول! سيأتيك الجواب تباعاً.

 لا استطيع القول بالنظرية الدينية (بالعام المطلق!) للاختلاف الكبير بين النظرية الاسلامية والتصورات الاخرى في الاديان السماوية (المسيحية واليهودية وغيرها) وغير السماوية (كالهندوسية والبوذية وغيرها).

 لقد وقع الكثير في اشكال حسّاس هو، هل القرآن الكريم كتاب علم كي نتحدّث عن علمية طبيعية في القرآن الكريم؟! وهل يحقّ للعلم الطبيعي القول بأنّ النظريات العلمية أو بعضها يلتقي مع بعض الآيات أو الكلمات المُنزَلة من السماء؟!

 لقد ذكر الكثير من العلماء والفقهاء وغيرهم عن لا إلتقاء ما بين العلم والدين، بل لا يمكن الحديث عن هذا ابداً! وقد ذكر الكثير الى أنّ العلم والدين خصمان في اسلوبيهما وفي طرائقهما، واحيانا في نتائجهما. وقد خدم هذا التصور العديد من الآراء والنظريات العلمية كنظرية دارون للتطور ونظرية ماركس في الاقتصاد ونظرية انشتاين في الفيزياء والرياضيات، وربما نظريات أخرى.

 لقد نسي الكثير من هؤلاء أنّ مهد الفلسفة التي تسبق أيّ خطوة من الخطوات العلميّة المتقدّمة، كان في الشرق، وبدقّة نقول: لا يعرف، هذا المهد ما إذا كان في اليونان أم في بلاد الشرق الذي نحن جزء منه! وليس غريباً علينا أن ندلي بدلونا في هذا المضمار فليس بالعيب أن لا تتوفّر لنا أسس البحث لانّنا لا نمتلك أدوات البحث لسنوات طويلة منذ أكثر من مئة عام! بل ما زلنا نبحث عن ربيع عربيّ! وربيع نختلف على تسميته! ومازال الإستبداد يغطي الكثير من بقع هذه الأرض المسمّاة بالأرض العربيّة. ونزيد من الشعر بيتاً، أنّ المال الضروريّ للبحث والتقدم العلمي توفّر في أيدي لا تجيد القراءة والكتابة وإن أجادت فإنّها مازالت تبحث عن ضرورة الإنتماء الى فئة، للقضاء على الفئة الأخرى! من طائفة ومن حزب ومن قومية ومن دين! والموضوع طويل سنحاول أن نأتي عليه في وقت ما إن شاء الله تعالى.

 لندخل الآن عمّاذا نريد قوله: ونبدأ من المادة. لنتطرّق الى الضرورة من عمليّة وجود أو عدم وجود هذه المادة.

 يسأل الإنسان دائماً عن ماهيّة المادة؟

 لقد لوحظ أنّ للمادة معان عديدة وفق التصوّر الذي وصله الإنسان ووفق التطور التأريخيّ لمفهوم المادة عبر العصور. من مفهوم فلسفيّ إلى مفهوم علميّ متطوّر. لقد ذكر أرباب علم الفيزياء الكلاسيكيّة تعريفاً غريباً للمادة، ولا أدري كيف المزج بين هذا المفهوم ومفهوم المادة المتعلقة بذات الكون! من الناحية الفلسفية! حيث ذكر في الفيزياء أنّ المادة (في الفيزياء الكلاسيكيّة بالطبع!) هي كلّ شيء له كتلة وحجم ويشغل حيّزا من الفراغ. ولهذه المادة أو الشيء كلّ الخصائص التي تتصف بها من الحجميّة والكتلويّة والكثافة والحيزيّة وغير ذلك. أي أنّ هذا الشيء أو المادة يكون في حقيقة الأمر ملموساً. ونقول أنّ من الأشياء التي عيب فيها على الفيزياء الكلاسيكيّة هو هذا التصوّر للشيء الذي أطلق عليه مفهوم المادة! حيث قيل في هذا الحقل من العلم أنّ المادة هي كلّ شيء له كتلة وحجم ويشغل حيّزاً من الفراغ (كما أشرنا) مع الخصائص الأنفة، لتشكّل ما يعرف بالكون. وفي الفيزياء الحديثة التي تلت تجارب ماكسويل وأنشتاين تحوّل الكثير من المفاهيم الى مفاهيم جديدة، منها مفهوم المادة. حيث إرتبط مفهومها وخواصّها وما يترتّب عنها بإصطلاح جديد له علاقة وثيقة بالمادة ويكاد لا يتمّ الفصل بينهما أثناء التعامل مع مفهوم المادة ذاتها ذلك هو الطاقة.

 ومفهوم الطاقة إصطلاح يدلّ على القدرة الماديّة لنظام ماديّ لإداء شغل ما. وهذه الطاقة موجودة في عدّة أشكال مثل الحرارة(فإرتبطت بما إصطلح عليه بالطاقة الحراريّة)، الطاقة الحركية أو الميكانيكية، الضوء، الطاقة الكامنة، الكهربائية، أو أشكال أخرى. ووفقا لقانون حفظ هذه الطاقة، تبقى الكميّة أو المجموع الكليّ لهذه الطاقة محفوظاً ولا يجري عليه أيّ فناء! على الرغم من أنّها قد تتحوّل إلى شكل آخر من أشكالها. وكلمة الفناء فيها الكثير من المعنى! نحاول بلا ملل أن نشير اليه لاحقاً! لكن نشير الى أنّ الوحدات التي تستخدم في الطاقة وفق النظام العالميّ للوحدات (الجول والذي هو عبارة عن وحدة النيوتن في المتر أو وحدات القوة في وحدات إزاحة) هي نفسها التي تستخدم في الشغل. وهذا ما يسبّب الكثير من الإلتباس لدى طلابنا! فمفهوم الشغل وإرتباطه بالطاقة يحتاج الى تصوّر فلسفي قليل لا يتوفّر شرحه عند الكثير من مدرّسي وأساتذة الفيزياء أنفسهم! وقد وضع العلماء العديد من العلاقات التي تربط بين مفهوم المادة وكيفيّة تحوّلها أو تشكّلها. وقد كان العالم ألبرت أنشتاين قد وضع العلاقة المعروفة والتي تكتب على صورتين بمفهومين هما:

 E=mc2

 أو

 E=∆mc2∆

 حيث تمثّل المعنى الذي ينصّ على أنّ أيّ تغيير في كتلة ما مضروباً في مربّع سرعة الضوء يساوي التغيّر في الطاقة. وقد إكتشف العديد من العلماء نسبة تشكّل المادة، حيث كانت 27% من كتلة الكون، لتتضمّن المادة الطبيعيّة التي تشكّل نسبة 4% والتي تشمل المادة غير المضيئة والمادة المضيئة التي تشكّل 0.4% من كتلة الكون بينما تشكّل المادة غير المضيئة نسبة 3.6% من كتلة الكون المذكور. أما الـ23% الأخرى فهي المادة المظلمة، والـ73% الباقية هي الطاقة المظلمة. وتكون المادة بأشكال متعدّدة منها ما يكون طبيعيّاً ومنها ما يكون إصطناعيّاً أي ينتج في المختبر بالإضافة الى حالات نادرة أخرى (كالنجوم النيوترونيّة).

 لقد قلت في إحدى مقالاتي ما يلي وللاهمية سأشير لذلك ليكون الموضوع مترابطاً.

 سؤال ربّما يخطر في بال القريب والبعيد، بذهن العالم وغيره، ما الذي حدث أو كان قد حدث قبل عمليّة الإنفجار العظيم؟

 من الأسئلة المحيّرة أيضاً هو هل أنّ هذا الفضاء آيل إلى الأبديّة أي اللانهاية؟ من أين جاء أو جيء بالبشر أو الكيفية التي تشكّل بها كوكب الأرض والكواكب الأخرى؟ ويبقى اللغز الكبير هو نفس السؤال أو قل نفس الجواب هو العود إلى قول أنّ الأصل النهائي لكلّ الأشياء توعز إلى الانفجار الكبير. ولكن ما سبب ذلك؟ هو أيضاً سؤال آخر نحتار كما إحتار غيرنا في الإجابة عليه!

 نعم لقد توصّل بعض العرفاء الى نتائج رائعة في الولوج في مكنونات العالم الفوقي والتحتي لحلّ الكثير من الاشكالات لكن بقي الموضوع حبيس أذهانهم لا يمكن لهم ان يقنعوا الآخر العاشق لكلّ ما هو معبّر عنه رياضياً أو تجريبيّاً. لقد حلّت العديد من المشاكل ذهنيا بالفعل، لكن بقي الطريق أو الوسيلة المناسبة كي تصل هذه الحلول الى الاخر والا فهي في ذهن الاخر عبارة عن هرطقات كما يسمونها هم!

 هل حدث الحدث بدون سبب أو بدون علّة؟ هل حدث الذي حدث إعتباطاً لا دخل لشيء أو غيره بما حدث وبما يحدث؟ ما الذي تسبّب في هذا الذي حدث؟ وهل يمكن أن يحدث ثانية؟ ما هي نسبة حدوث الحدث ثانية؟ وهكذا هناك أسئلة كثيرة يمكن بل من حقّ المرء أن يطرحها بهذا الشكل أو بغيره. لكنّ المزعج حين يطرح مثل هذا السؤال حول خلق الكون ثمّ الإسترسال في عملية الخلق (والعياذ بالله تعالى). من الأمور التي ينبغي الإشارة لها هو أنّ البعض ممّن إبتلى نفسه بإخفاء الحقيقة هي المراوغة في القول والإدّعاء بأن لا بداية لهذا الكون، وأنه موجود منذ الأزل. وينبغي أن نقول للأسف، هناك أسباب علمية كثيرة وراء هذه الفكرة الواضحة وغير السليمة.

 المشكلة الكبيرة التي تواجه العلماء هي ما الذي كان وما الذي حدث قبل عمليّة الإنفجار العظيم؟ حيث الكثير من الناس ومن متخصصي الإقتصاد يثيرون المشكلة الأخرى التي تتطرّق إلى ماهيّة الضرورة التي تجعل من هذا الصرف والتسخير المالي لمثل هكذا بحوث؟! ومن حقّ الناس إثارة مثل هكذا مواضيع خاصّة في فترة الأزمات الماليّة التي تعصف بالعديد من الدول التي أخذت على عاتقها هذا التوجّه العلميّ لحلّ العديد من المشاكل في هذا الإتّجاه.

 إنّ عمليّة الإنفجار العظيم الذي تتطرق له هذه النظريّة المرتبطة بإيجاد التفسير المقبول لنشأة الكون، لم تكن عمليّة فجائيّة(على الأقل من الناحية العلميّة!) إنّما سبقتها عدّة تحضيرات لقيام هذا الإنفجار من ضغط ودرجة حرارة وكثافة وكمون طاقيّ يمكن أن يهيئ الأمر لهكذا إنفجار. وكذلك ما الذي يمكننا أن نتحدّث عنه من ناحية مفهوم الزمن والمكان! وقد أثرت الكثير من الأسئلة حول العديد من هذه الأمور، والتي يجب عليّ الإجابة عليها ما إستطعت إذن يمكن القول من خلال ما أشير أنّ المادة (كما عرّفوها) في التركيب المعروف: مركّبات ـ عناصر ـ جزيئات ـ ذرات ـ جسيمات تشمل البروتونات والنيوترونات التي تشكّل نواة الذرّة، وجسيمات الإلكترونات التي تدور في مدارات الذرة. ومكوّنات الجسيمات النوويّة التي تشمل الكواركات واللبتونات والبوزونات والتي يطلق عليها بالجسيمات الأوليّة.

 من هذا نلاحظ أنّ كل شيء، يتكون من ذرات (الذرات هي اللبنات الأساسية في الكون): كل شيء في الطبيعة، وجميع الأشياء من حولنا تتكون من ذرات. هناك نحو 100 نوع مختلف من الذرات. ولكنّها يمكن أن تكون مجتمعة لتشكيل جميع المواد التي نعرفها في هذا المحيط أو في هذا الكون. حالياً يعرف الباحثون حوالي 20 مليون نوع من مختلف المواد.

 لقد إختلفوا في تعريف المادة ولكنّهم إتّفقوا على ماهيّتها في العديد من الدراسات. حيث قيل أنّ المادة تعني شيئاً ما أو أشياء عدّة. المادة كلّ شيء موجود، نحسّه(والمعروف في ذلك أن نحسّه مباشرة أو غير مباشر من خلال التأثيرات التي تتركها أو تترك آثاراً تدلّ عليها) و (أو) نلمسه أو نتعامل معه.

 لدينا على كوكب الأرض الكثير من المواد التي لا يمكن تخيّلها أو فهمها تقريباً. بينما الكثير من المواد التي تحيط بنا مثل الحجر، الأرض، الماء والهواء هي أمثلة على المواد التي تحدث بشكل طبيعيّ. ولكن لدينا أيضاً مواد تخلق بإستمرار أي نشوء مواد جديدة بشكل مستمر. هذه المواد مثل البلاستيك والزجاج والفولاذ المقاوم للصدأ وغير ذلك.

 هناك ما يزيد قليلا عن مئات من أنواع مختلفة من الذرات. من هذه الذرات يمكن تشكيل المواد المتوفّرة في الطبيعة وفي أيّ وقت من الأوقات. وهذه المواد يمكن تقسيمها إلى مجموعتين هي العناصر والمركّبات الكيميائيّة.

 نبتدئ من مفهوم الزمن، للوصول الى الجواب المتعلق به. والآن لنعرّج قليلاً على مفهوم حسّاس يتعلّق بالمادة ووجودها وهو الزمن.

 قبل، بعد، أثناء......

 لقد أثارت الأبحاث العلميّة الحديثة الكثير من الشجون عند علماء الفيزياء والرياضيات بشكل واضح وملموس، منذ بدايات القرن العشرين الى الان بل وصل الامر الى التقريب الواضح بين العلم والنظريات العلمية من جهة والدين من جهة أخرى، بل سمّها النظرية الدينية التي تعتمد بشكل مباشر على تفسير كلّ الظواهر التي تحصل لتحيلها الى الخالق الواحد والى مدبّر الكون بالإضافة الى التركيز على محدودية قدرة الاستيعاب عند الانسان في فهم كلّ مكنونات الكون بالرغم من إعطاء الامكانيات لهذا الانسان الى السعي الى فهم ما يدور حوله من قريب ومن بعيد. والتركيز على مساعدته في بلوغ ما يريد من خلال إرسال الوسائل الخالصة والدقيقة والمسدّدة لمساعدته في إدراك الفهم الكامل، هذه الوسائل متعددة منها الانبياء والرسل وغير ذلك من الوسائل (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان‏*‏ فبأي آلاء ربكما تكذبان‏*‏ يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران‏.‏(‏الرحمن‏:33‏ ــ‏35)‏

 لقد تطوّر العلم بدرجة كبيرة منذ القرن العشرين الى قرننا الحالي حتى بات الباحث لا يلحق بفكرته ما يحصل بشكل متسارع لهذه الاحداث والوقائع العلمية الملحوظة!

 من هذه الأبحاث التي باتت الشغل الشاغل للعلماء هي كيفيّة مجيء الكون الى حيز الوجود! مع التأكيد على أنّ الكون كان لا نهائيّاً خلق من العدم وسيستمر اليه اي الى الابدية! حيث الزمن المفتوح! وقد وضعت له مسميات منها الكون الساكن او الكون بلا بداية ولانهاية.

 والكون عبارة عن مجاميع من المواد الثابتة والساكنة أو غير المتغيّرة وهذا ما شكّل في حقيقته قاعدة فلسفيّة ثابتة هي القاعدة الماديّة في فهم هذا الكون. وبالتالي ترفض هذه القاعدة وجود خالق لهذا الكون. على أية حال، ونتيجة للأبحاث المتعددة في المجالات العلمية والفلسفية ومن خلال التقنية المتقدمة والمتطورة باتت هذه النظريّة (نظريّة الكون الساكن) قريبة الى الاجتثاث، إن لم نقل قد إجتثّت بالفعل. حيث أثبت العلماء في حقول الفيزياء الكميّة وفيزياء الفلك بالاضافة الى إستخدام الاساليب المتطورة في محاكات الحاسوب وتطور الذهنيّة الانسانية في مجالات أخرى أثبت كلّ ذلك أنّ لهذا الكون بداية وأنّه بالفعل قد حصل له حدث ما أولد هذا الكون وقد أطلق عليه العلماء نظرية أسموها بنظرية الانفجار العظيم أو الكبير the big bang وقد حصل هذا الانفجار في فترة زمنية ثمّ تلت هذا الإنفجار فترة بين:

10–43 و10–36 ثانية

 حيث يشير خط الزمن لوصف الانفجار العظيم الى تأريخ الكون وفقا للنظرية العلمية المذكورة في نشوء الكون وخروجه الى حيز الوجود بإستخدام بارامتر الزمن الكونيّ للإحداثيات الكونيّة في اللحظة التي يعتقد أنّ الكون قد بدأ بالتوسّع بسرعة من كثافة عالية للغاية ومن هذا الإنفجار المسمّى بالإنفجار العظيم.

 وبذلك يمكن أن يقال أنّ الكون يمرّ بعمليات من الحركات المتعددة والتوسّع وهذه الإكتشافات هي في حقيقة الامر المسامير الاخيرة في نعش نظريّة الكون الساكن! وكلّ الحقائق التي أشار لها العلم الحديث باتت في حكم البديهيّة (على الاقل في الزمن الحالي زمن التقدم العلميّ الهائل!).

اجابات على تساؤلات تشغل بال الكثيرين

أثرت فيما مضى تساؤلات ليس بالأمر السهل الإجابة على أغلبها. لكنّها تساؤلات تشغل بال الكثيرين. حول المادة والوجود والنهاية الكونيّة وغير ذلك. لكنّني سأشير إلى بعض الإجابات من خلال العديد من الطرح والإثارة بالتتابع! علماً أنّني لن أستغرق في الأمور الفلسفيّة كثيراً لتوجّسي من ملل القارئ الكريم ومن خوفي من الإبتعاد عن مقصد الموضوع. حيث قلت:

من الأسئلة المحيّرة أيضاً هو هل أنّ هذا الفضاء آيل إلى الأبديّة أي اللانهاية؟ من أين جاء أو جيء بالبشر أو الكيفية التي تشكّل بها كوكب الأرض والكواكب الأخرى؟ ويبقى اللغز الكبير هو نفس السؤال أو قل نفس الجواب هو العود إلى قول أنّ الأصل النهائي لكلّ الأشياء توعز إلى الانفجار الكبير. ولكن ما سبب ذلك؟ هو أيضاً سؤال آخر نحتار كما إحتار غيرنا في الإجابة عليه!

وأقول في هذه الحلقة:

من خلال التجربة التي قام بها العلماء في سيرن للبحث عن الجسيم الجديد الذي أطلقوا عليه إسم العالم الذي وضع بعض مميزاته، بوزون هيغز، أنّ هناك بعض النقاط المهمّة التي ينبغي أن نشير إليها لنجمع شتات الفكر والقول!

أولاً: لم يُشِر العلماء إلى التشكيك بوجود خالق للكون(وإن إختلفوا في تسميته وصفاته). ولكن للأسف زحف أهل الدعاية العلميّة إلى تسميّة عجيبة، لم يشر لها أهل العلم أنفسهم عندما سمى هؤلاء(أي أهل الدعاية والصحفيون) هذا الجسيم بالجسيم الإله!

ثانياً: كلّ الإكتشافات لم تدلّ على وجود التعددية في الخالقيّة أي أنّ الوحدانيّة التي نؤمن بها قائمة ورصينة! وللطرافة نشير إلى أنّ العديد من العلماء تطرّقوا إلى التعدديّة في وجود الكثير من المخلوقات لكنّهم لم يتطرّقوا إلى التعدديّة في الخالقيّة أو الخالق. ولو أخذنا مثالاً على ذلك: ما أشار إليه العالم الإنكليزيّ ديراك في بدايات القرن العشرين عند بحثه في الإلكترونات تلك الجسيمات السالبة التي تدور حول النواة حيث أشار إلى وجود حلّين لمعادلات أسماها معادلات الدرجة الثانية التي تكتب بالشكل التالي:

Ax^2 + Bx + C = 0

حيث يكون ل (أكس) قيمتان سالبة وموجبة حيث أنّ: 5 ضرب 5 يكون 25 وكذلك 5 ضرب (5ـ) أيضاً يكون 25 كما هو معروف، لذلك إستنتج هذا العالم وجود مجموعتين من المعادلات إحداهما للإلكترون والثانية لشقيقه التوأم، البوزترون. وحينها يكون حلّ هذه المعادلات صحيحاً محققاً للعديد من نفس صفات الجسيمين. أي أنّ هذه المعادلات تدلّ على وجود الجسيمين من حلّ نفس المعادلات! وبالفعل وجد البوزترون بعد ذلك في أوائل الثلاثينيّات من القرن الماضي. لذلك فلا غرابة من القول أنّه ربّما للجسيم الجديد شقيق في مكان آخر من الكون أو من كون آخر، وهذا إستناد على قول العلماء بالمادة وضديدها! لذلك يجب أن ننتظر إكتشافاً جديداً يثبت ذلك لننتقل إلى حالة جديدة من تفاعل الجسيم مع ضديده ليفني عالمهما بتحوّلهما إلى طاقة!

الغرابة هنا حول جسيم بوزون هيغز، من قولهم بأنّ الجسيم الجديد هو الذي يهب الكتلة! والسؤال المطروح، من أين له هذه القدرة؟!!

ثالثاً: الصفات التي يمتلكها هذا الجسيم وغيره لم تكن صفات مطلقة. أي ليست كما أشار العالم أنشتاين إلى المطلقيّة في إحداثيّ الزمن كما ورد في نظريّته النسبيّة. أي أنّ الإحتماليّة ترافق العمل في كيّ تفاصيله حتّى الوصول إلى النسبة % 99,999التي أشاروا لها في نتائجهم النهائيّة.

رابعاً: يتميّز هذا الجسيم بمواصفات عديدة قد يمتلكها جسيم آخر ينتسب الى عائلة من الجسيمات أطلق عليها بالبوزونات.

خامساً: الجسيم المذكور قد أشير إليه في بعض مميّزاته، على أنّه يظنّ(هكذا!)، على أنّه المسؤول عن إكتساب المادة لكتلتها(إنتبه إلى الظنّية التي أشار لها العالم الذي وضع أسساً معيّنة للجسيم الذي كان إفتراضيّاً منذ عام 1964 إلى وقت إكتشافه، وهذا يعني أنّ شغل العلماء كان وفق ما رسم لهم هذا العالم من ظنيّة وصفات لهذا الجسيم من خلال أدوات بحث مرسوم لها! من خلال تقنيّة مصادم الهايدرونات الكبير في سيرن الذي أجريت فيه التجربة للكشف عن هذا الجسيم والذي أشاروا فيه بالقول في 4 تموز/ يوليو 2012 أنّ المختبر المذكور متأكّد بنسبة %99,999 من وجود بوزون هيغز فعليّاً!).

سادساً: أنّ بيتر هيغز قد تنبّأ بوجود هذا الجسيم على إستناد وجود مفهوم القوى الأربع التي نتجت أصلاً من بعد الإنفجار الكبير حيث كانت قوة الجاذبيّة هي أولى القوى التي نتجت عن هذا الإنفجار. وبذلك تكون قوة جاذبيّة هذا الجسيم عظيمة جدا(بإعتبار أنّ كتلته تبلغ 200 مرّة بقدر كتلة البروتون، إلى الدرجة التي تنتج مجالاً جاذباً لتستطيع الجسيمات الأوليّة (كالإلكترونات والبروتونات والنيوترونات وغيرها) من كسب كتلة لها تكون صفة من صفاتها الأساسيّة). أي تمّ التركيز في كلّ ذلك على شيء مهمّ هو:

إنّ مجالاً قد أوجده الجسيم، أنتج كتلة ما، قد تكون بنسبة %99,999 هي أساس الكون. لكنّني أثير تساؤلاً هو: كما أنّ الإستناد قد تمّ على أنّ مجال القوة النوويّة الكبيرة بين الكواركات قد أنتجت النكليونات التي هي البروتونات والنيوترونات والتي تشكّل كتلة نواة الذرّة، فكيف نفهم هذا المجال إذا ما عرفنا أنّ المجال

Field

قد تمّ شرحه في كلّ القواميس العلميّة الفيزيائية والكيميائيّة الأحيائيّة والجغرافيّة وغيرها على أنّه مساحة أو منطقة أو مكان أو شيء. أي أنّ هذا الشيء قد أوجد الشيء الذي يكون أساس الكون! أوليس هذا غريباً؟!

 وقد أشار هيغز إلى تصوره حول هذا المجال ويقول أنّ المجال هو المسؤول عن إعطاء الكتلة للمادة والمجال هو في حقيقته ينشأ من وجود الجسيم المذكور! ويقول هيغز إنّ المجال الجسيميّ غليظ ينتج مقاومة بتأثير وجود الجسيم نفسه.

ونصيغ الموضوع بالشكل التالي: إنّ الكتلة التي يعتقدها العالم تنشأ من فعل المقاومة المشار لها والتي تظهر لنا كتلة الجسيم. ويقول أنّ الضرورة تجعل الجسيم ينتج المجال، كما الإنسان الذي لا يمكن له أن يتخلص من مجال الجاذبية. وفي حالة عدم وجود هذا المجال فإنّ الجسيمات الأساسيّة ستكون مثل الإسفنجة الجافّة عديمة الكتلة. حيث تقوم هذه الإسفنجة حين توفر الماء لها بإمتصاص الماء ليكبر حجمها عدّة مرّات عن حجمها الأصليّ. أي أنّ المجال الذي يتشكّل هنا يكبر بتأثيرات معيّنة ليكون كبيراً وبوجود المقاومة المذكورة تتشكّل الكتلة. فلو لاقى الإلكترون مثلاً مقاومة صغيرة هذا يعني أنّ كتلته ستكون صغيرة أمّا إذا كانت هناك مقاومة كبيرة فإنّ كتلة الجسيم ستكون أكبر(المقاومة هنا يمكن أن نمثّلها باللزوجة التي تعتبر مقياساً لوصف قابليّة مائع ما على الجريان أو السيلان وكلّما زاد مقدار المقاومة كلّما زادت لزوجة المائع وقلّت قابليّته على الجريان وكلّما قلّ مقدار اللزوجة إزدادت ميوعة هذا المائع، وهنا أصبح واضحاً كيف يكون تأثير هذه المقاومة، ففي كون اللزوجة عالية يدلّ ذلك على الإرتباط الكبير بين جزيئات المائع ليكون المائع ذا قدرة أقلّ على الحركة).

لقد حدّدت كتلة الجسيم بين 115 إلى 153 غيغا إلكترون فولت/مربّع سرعة الضوء إستناداً على حساب كتلة البوزون دبليو(حيث قامت عدّة تجارب حول ذلك، فكانت لكلّ منها قيم لكتلة هذا الجسيم وقد كانت القيم مختلفة منها 115 ومنها 123 وهكذا إلى القيمة الأكبر 153 غيغا إلكترون فولت / مربّع سرعة الضوء).

سابعا: لقد تطرّق العلماء إلى تكوين ظرف كظرف سبق الإنفجار الكبير الذي حصل لتكوين الكون داخل المعجّل أو المصادم المسمّى بمصادم الهايدرونات الكبير. حيث تتصادم البروتونات الدائرة في حلقة المصادم بسرعة تقترب من سرعة الضوء حيث تبلغ طاقة البروتونات المعجلة عدّة ترليونات (قرابة 3,5 ترليون) من وحدات الإلكترون فولت. فيجرى التصادم مع تلك القادمة بالإتّجاه المعاكس وبنفس الطاقة وعلى خط تصادم مستقيم، فتكون الطاقة الناتجة ضعف طاقة كلّ منهما حينها تكون الطاقة شبيهة بالطاقة التي يظنّ أنّها كانت موجودة قبل الإنفجار الكبير في الإطار الصغير (ولا ننسى أنّ هذا التصوّر الذي بنيت عليه النظريّة التطبيقيّة قد إستند أساساً على نظريّة أنشتاين في ربط علاقة المادة بالطاقة ووجود الثابت سرعة الضوء!). وبذلك سندرك كيفيّة تصوّر نشأة المادة ونشأة الكون.

يبقى السؤال الذي تحيّر به العلماء، هو أنّ العمليّة والتصورات المذكورة تشرح جزء الكون المتعلّق بالطاقة المنيرة والمادة المنيرة واللتان تمثّلان حوالي %20 من الكون(وقد قيل أنّ نسبة الكون قيد البحث لا تتجاوز %4 من المجموع الكليّ للكون، هذا إذا لم نأخذ بنظر الإعتبار تمدّد الكون المستمرّ بوتيرة متغيّرة وبالتالي ستكون النسبة قيد البحث متحرّكة غير ثابتة! ووفق الأربعة بالمئة يصبح %96 من الكون مجهولاً وغامضاً!)(#) فما هو التفسير المتعلّق بالبقيّة من الكون؟! يقول العلماء إنّ الأبحاث مستمرّة حول هذا الجانب. فهل يمكن أن نتكلّم الآن بالمعطيات المتوفّرة حالياً عن نشأة الكون وخلق الكون وما إلى ذلك؟! حيث يقول مدير الأبحاث في معجّل سيرن أنّ تحديد المميّزات الإيجابيّة للجسيم الجديد يستغرق وقتاً طويلاً وأيّاً كان شكل الجسيم الجديد فإنّ معرفتنا للتركيب الأساس للمادة يأخذ أو على وشك أن يأخذ خطوة للأمام! والتعبير بالإنكليزيّة كما هو في المصدر:

But whatever form the Higgs particle takes, our knowledge of the fundamental structure of matter is about to take a major step forward.

أنظر المصدر نفسه(#).

سؤال آخر: لقد تمّ التصادم بين البروتونات بالسرع المذكورة وفق التصوّرات المعطاة، فهل البروتونات جسيمات وحيدة في الكون؟ وهل هي أصل الكون أم معها جسيمات أخرى؟ الجواب أنّها جسيمات ثقيلة نشأت منها الجسيمات الأخف كالإلكترونات وغيرها.

.................................

(#)

http://press.web.cern.ch/press-releases/2012/07/cern-experiments-observe-particle-consistent-long-sought-higgs-boson

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/كانون الأول/2012 - 11/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م