
شبكة النبأ: لاتزال اليمن التي أطاحت
برئيسها السابق علي عبدالله صالح بعد مطالب جماهيرية واسعة تواجهه
العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي أثرت بشكل سلبي
على حياة المواطن اليمني الذي أصبح يعاني الكثير، ويرى بعض المراقبين
ان الحكومة اليمنية الجديدة تسعى وبدعم خارجي الى وفرض هيبة الدولة من
خلال اصدار بعض القرارات المهمة والمصيرية لكنهم تخوفي في الوقت ذاته
من دخول البلاد في دوامة الحرب الأهلية لوجود ولاءات قبلية وسيطرة بعض
المتقنفذين على مركز القرار وخصوصا في المؤسسة العسكرية التي يسعى
الرئيس اليمني إلى إعادة تنظيمها من جديد هذا بالإضافة الى باقي
المؤسسات والدوائر الحكومية الأخرى ، وفي هذا الشأن فقد أعلن الرئيس
اليمني عبد ربه منصور هادي المدعوم دوليا اعادة هيكلة شاملة للجيش الغى
بموجبها قوات الحرس الجمهوري النافذة التي يقودها نجل الرئيس السابق
علي عبد الله صالح كما عزل ابن اخيه من قوات الأمن المركزي. وفي ما بدا
ابرز قرار له منذ توليه سلطات الرئيس السابق قبل اكثر من سنة، الغى
هادي عمليا ايضا الفرقة الاولى مدرع التي يقودها غريم معسكر صالح،
اللواء علي محسن الاحمر الذي يتمتع بنفوذ كبير في اليمن وكان انضم الى
حركة الاحتجاجات في 2011.
وبحسب القرارات التي نشرتها وكالة الانباء اليمنية الرسمية، قسم
هادي القوات المسلحة الى قوات برية وجوية وبحرية وحرس حدود وقوات
احتياط استراتيجي، وجعلها تابعة هرميا لوزارة الدفاع، ومن ثم الى
الرئيس الجمهورية وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة. وثبت هادي في
المقابل قوات "الحماية الرئاسية" التي سبق ان شكلها في وقت سابق هذه
السنة والحق بها عددا من وحدات الحرس الجمهوري. كما الحق وحدات
الصواريخ بالقائد العام اي بالرئيس، بعد ان كانت تحت سيطرة الحرس
الجمهوري. وتم استحداث وحدة للعمليات الخاصة.
ويفترض ان يتم اصدار قرارات اخرى تحدد بوضوح مصير قوات الحرس
الجمهوري والفرقة الأولى مدرع. وبموازاة اعادة هيكلة الجيش، قضى مرسوم
رئاسي بإقالة العميد يحيى محمد صالح، ابن اخ الرئيس السابق، وهو الرجل
القوي في قوات الامن المركزي، وعين بدلا منه العميد احمد علي المقدسي.
ورحب العميد يحيى محمد صالح بقرارات الرئيس، وكذلك رحب بها اللواء علي
محسن الاحمر.
وسارع مجلس التعاون الخليجي الذي يرعى عملية الانتقال السياسي في
اليمن الى الترحيب في قرارات الرئيس عبر اتصال هاتفي اجراه الامين
العام للمجلس مع هادي بحسبما افادت وكالة الانباء اليمنية. وبحسب
الوكالة، هنأ الزياني الرئيس اليمني على "القرارات الرئاسية التي تتصل
بتنفيذ الخطوات العملية لترجمة المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية
المزمنة وقراري مجلس الامن 2014 و2051 والمتمثلة بإعادة هيكلة القوات
المسلحة والامن بصورة عملية وضرورية من اجل الولوج للمؤتمر الوطني
الشامل".
وهادي الذي كان في السابق نائبا لعلي عبد الله صالح، تولى الرئاسة
في اطار المبادرة الخليجية واليتها للمرحلة الانتقالية التي يفترض ان
تنتهي في شباط/فبراير 2014. ويتعين على هادي خصوصا بموجب هذه المبادرة
التي وضعت حدا لحكم علي عبدالله صالح الذي استمر 33 عاما، اعادة هيكلة
القوات المسلحة التي يسيطر اقرباء صالح على مراكز حساسة فيها، اضافة
الى قيادة مؤتمر حوار وطني لتعديل الدستور وحل مشاكل البلاد الاساسية
لاسيما القضية الجنوبية والتمرد الشيعي في الشمال.
وقال المحلل العسكري اليمني محسن خصروف ان "هذه القرارات هي على
طريق استعادة السيطرة على القوات المسلحة وتوحيدها وهذا اساس برنامج
الحكم". وبحسب خصروف، ما زال يتعين على هادي ان يحدد بوضوح مصير احمد
علي عبدالله صالح وعلي محسن الاحمر وما اذا سيكون لهما اي دور. واعتبر
المحلل الذي كان ضابطا في الجيش اليمني، انه "ليس هناك خيار الا القبول
بهذه القرارات وتنفيذها" لان رفضها "يعني الحرب الاهلية والحرب مرفوضة
إقليميا ودوليا". وتؤدي القرارات الرئاسية خصوصا بحسب خصروف الى "اخضاع
تشكيلات الجيش لوزارة الدفاع ومن شان ذلك القضاء على مراكز القوى وتعدد
الولاءات" التي يعاني منها اليمن، البلد القبلي المعقد. وكان الرئيس
اليمني حضر لهذه القرارات بسلسلة تصريحات وتدابير، ابرزها اقتطاع عدد
كبير من وحدات الحرس الجمهوري والفرقة الاولى مدرع في اب/اغسطس.
كما القى هادي في وقت سابق كلمة نارية منع وسائل الاعلام من
تغطيتها، اكد فيها وجود فساد كبير في الجيش مشيرا الى ان تحقيقات اظهرت
ان المسجلين في الحرس الجمهوري يبلغ عددهم 138 الف عنصر، بينهم 52 الف
اسم وهمي، ويتم تقاضي روابتهم من قبل نافذين. وقال هادي في كلمته بحسب
مصادر سياسية ان الرئيس السابق صالح لا يزال يسيطر على الف دبابة حديثة
وعشرة الوية تابعة للحرس الجمهوري تضم مدفعية وصواريخ وان والرئيس
السابق رفض تسليم هذه الألوية الى وزارة الدفاع.
من جهته، اكد الخبير في شؤون الامن والدفاع مصطفى العاني ان هادي
اعتمد على دعم المجتمع الدولي لاصدار هذه القرارات. الا ان العاني قال
انه "من المبكر ان نقول ان كل ذلك سينجح. اليمن بلد معقد جدا وسيتطلب
الامر وقتا طويلا لفرض سلطة الرئيس الجديد". ولم يستبعد العاني تماما
قيام حركة اعتراض على هذه القرارات من قبل المعنيين كما لم يستبعد
اللجوء الى رفع الحصانة التي حصل عليها صالح واقرباؤه بموجب اتفاق
انتقال السلطة. وقال الخبير في هذا السياق ان "القوة العسكرية في اليمن
ليست حكرا على الدولة، كل قبيلة لديها وحدة عسكرية".
وخلال الانتفاضة الشعبية في 2011، انقسمت القوات المسلحة وانضم جزء
من العسكريين الى المعارضين، ومن بينهم اللواء علي محسن الأحمر. وفي
الربيع الماضي، استقال العميد طارق محمد عبد الله صالح، ابن شقيق
الرئيس السابق، الذي كان يقود وحدة الحماية الرئاسية، بعد شهر من قرار
الرئيس منصور هادي إقالته. وكان ثاني ضابط رفيع المستوى يقبل الاستقالة
بعد اللواء محمد صالح الاحمر، الاخ غير الشقيق للرئيس السابق، القائد
السابق للقوات الجوية والذي وافق على اقالته في 24 نيسان/ابريل.
ويتمتع هادي بدعم دولي كبير، وقد لوح المبعوث الاممي لليمن جمال بن
عمر بفرض مجلس الامن عقوبات على معرقلي المرحلة الانتقالية جدد مبعوث
الامم المتحدة الى اليمن جمال بن عمر التلويح بفرض مجلس الامن عقوبات
على الاطراف التي تعرقل المرحلة الانتقالية في اليمن، وذلك بحسبما
افادت وكالة الانباء اليمنية. ونقلت الوكالة عن بن عمر قوله خلال لقائه
مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ان "الامم المتحدة ومجلس الامن
الدولي يتابعان مجريات الامور في اليمن وكيفية تنفيذ المبادرة الخليجية
واليتها التنفيذية المزمنة وقراري مجلس الامن رقم 2014 و2051 على ارض
الواقع". بحسب فرانس برس.
واكد بن عمر ان "مجلس الامن وهو يرقب الخطوات والاجراءات باتجاه
خروج اليمن من ظروفه الصعبة وازمته الطاحنة يعتبر نجاح التسوية
السياسية في اليمن هو نجاح لمجلس الامن والامم المتحدة وفشلها لا سمح
الله قد يعني فشل مجلس الامن في المضي لإنجاح التسوية السياسية بصورة
كاملة وبكل متطلباتها حتى الوصول الى الاستحقاق الرئاسي في 21 فبراير
2014". واشار بن عمر الى "احتمال اصدار عقوبات فردية او جمعية في حق كل
من يقف حجر عثرة او يحاول تعطيل مسار التسوية مع احتمال تشكيل لجنة
اممية من اجل ذلك او الاصدار المباشر عند الحاجة لذلك". وكان مجلس
الامن اصدر في حزيران/يونيو قرارا هدد فيه بفرض عقوبات على الذين "يمنعون
سير الامور بشكل صحيح واولئك الذين يحاولون التشويش على الانتقال
والحوار الوطني وحكومة الوحدة الوطنية".
نصف المقاعد
الى جانب ذلك قال مسؤول يمني كبير إن حكومة اليمن عرضت على
الانفصاليين الجنوبيين نصف المقاعد في مؤتمر مزمع للمصالحة وذلك في
محاولة لانقاذ اجتماع يعد حاسما لنجاح اتفاق نقل السلطة الذي أُبرم
العام الماضي. وتمثل استعادة الاستقرار في اليمن أولوية دولية بسبب
مخاوف من ان تؤدي الاضطرابات إلى تمزيق دولة تشترك في الحدود مع
السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم وتطل على ممرات ملاحية رئيسية.
ويرفض ساسة يمنيون جنوبيون حضور المؤتمر الذي تقرر في باديء الامر عقده
في منتصف ديسمبر كانون الأول لمناقشة اصلاحات دستورية قبل الانتخابات
العامة المتوقع اجراؤها في 2014. ويسعى الانفصاليون إلى استعادة الدولة
التي اندمجت مع شمال اليمن في 1990 ويطالبون بالحصول على تمثيل مساو في
المؤتمر مع اليمنيين الشماليين.
وقال سلطان العتواني نائب رئيس اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار
الوطني "القضية الجنوبية مفتاح مختلف القضايا لأن حل القضية الجنوبية
سيترتب عليه تحديد شكل الدولة والدستور الجديد وغيرها من متطلبات بناء
الدولة." وقال العتواني ان المنظمين للمؤتمر يعتزمون دعوة نحو 565
مندوبا للمشاركة بحيث يمثل الجنوب بنصف هذا العدد "من جميع التكوينات".
وقال "نحن في اطار اللجنة حاولنا ان نفسح المجال لفصائل الحراك الجنوبي
وأُعطيت لهم نسبة كبيرة من المقاعد من أجل جذبهم للمشاركة في المؤتمر."
وقال العتواني إن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي سيحدد موعدا جديدا
للاجتماع.
ويشكو الكثير من الجنوبيين من ان الشماليين المتمركزين في العاصمة
صنعاء يمارسون التمييز ضدهم ويسلبونهم مواردهم. ومعظم احتياطات النفط
المتناقصة بسرعة في اليمن موجودة في الجنوب. لكن الحكومة المركزية تنفي
اتباع سياسة تمييزية. ويعقد مبعوث الامم المتحدة إلى اليمن جمال بن عمر
اجتماعات مع الزعماء الانفصاليين الجنوبيين في محاولة لاقناعهم بحضور
المؤتمر. وتعهد الأمين العام للامم المتحدة بان جي مون في أول زيارة له
لليمن في 19 نوفمبر تشرين الثاني بالمساعدة في انقاذ الجهود المتعثرة
لتنفيذ اتفاق نقل السلطة الذي أبعد اليمن عن شفا حرب أهلية العام
الماضي. بحسب رويترز.
وقال العتواني "أعتقد ان اي طرف لن يشارك في مؤتمر الحوار الوطني
فانه سيخسر لان هذا هو الوقت المناسب وهذا هو المكان المناسب لطرح كل
القضايا حتى تناقش مناقشة ويخرج الجميع بحلول وطنية. وهذه الحلول قد لا
تلبي رغبات هذا الطرف او ذاك لكننا يجب ان نصل الى قاسم مشترك لبناء
يمن جديد."
الشيوخ والمال
على صعيد متصل قال علي المنيفي، شيخ قبيلة في مأرب ورئيس منظمة دار
السلام (منظمة لحل النزاعات القبلية) أنه "ربما تكون ثورات الربيع
العربي في العام الماضي قد جلبت رئيساً جديداً، ولكن الفساد المتفشي من
عصر صالح لا يزال موجوداً". وقد شرح كيف كان يعمل مشروع التنمية
المعهود في صنعاء قائلاً: "تقوم الحكومة بمنح العقد لشيخ قبيلة معين.
ويتسلم المقاولون الأموال لتنفيذ المشروع، ولكن الأموال تختفي بفضل
العلاقة الوثيقة بين المقاولين وزعماء القبائل". وعلى الرغم من تلك
الأمثلة، يقول المنيفي إنه "من الممكن للحكومة أن تأتي إلى مأرب وتنفذ
المشاريع، إذا كانت جادة. ولكن طالما أن المهندسين، على سبيل المثال،
مستمرون في الحصول على الرشاوي ليقولوا أن المشروع يسير على ما يرام،
ما من فرصة نهائياً للتنمية".
وقد امتدت المحسوبية أيضاً إلى ما وراء حدود اليمن. فلطالما وزعت
المملكة العربية السعودية العديد من الهدايا على الشيوخ اليمنيين في
محاولة لشراء الأمن ومنع انتشار الفوضى شمالاً في أفقر بلد في العالم
العربي. فقد كان للسخاء السعودي أثره في إثراء فئة صغيرة من زعماء
القبائل وتعزيز النزاع القبلي في المناطق التي لا توجد فيها سلطة
للقانون. ولذلك، لم يكن مفاجئاً ألاّ يشارك العديد من المراقبين أمل بن
عبقر في أن يتمكن الرئيس الجديد، عبد ربه منصور هادي من إقامة نظام
إدارة مسؤول في المناطق القبلية.
وقال فيرناندو كارفاجال، الخبير في العلاقات السعودية اليمنية
بجامعة إكستر في المملكة المتحدة، أنه يعتقد أن تلك العطايا المقدمة
للشيوخ ستستمر، مضيفاً أن "المملكة العربية السعودية تقوم برفع الرواتب
أو منعها كما تشاء. فطبقاً لأوامر صدرت عن الأميرين سلطان ونايف (أولياء
العهد السعودي السابقين اللذين توفيا في أكتوبر 2011 ويونيو 2012)
اختفى بعض الشيوخ من كشف الرواتب بينما تمت إضافة شيوخ آخرين. وهذه هي
السياسة".
وقال كارفاجال أن التخفيضات الأخيرة في مدفوعات الحكومة اليمنية إلى
زعماء القبائل "لها علاقة أكثر بعجز الموازنة الضخم الذي استخدمته
أحزاب اللقاء المشترك (حزب المعارضة الإسلامية والقبلية اليمنية) كحجة
لانتقاء واختيار الشيوخ الذين سيدعمونهم من خلال لجنة شؤون القبائل".
وتكمن إحدى نتائج استراتيجية النفوذ القبلي للحكومة اليمنية في تزايد
عدد حوادث التخريب. فالأجيال الشابة لرجال القبائل، الذين يشعرون
بالغربة بسبب فساد زعمائهم، يقومون بمهاجمة البنية التحتية للكهرباء
والنفط "لخلق مشاكل لشيخهم لاعتقادهم بأنه فاسد وأنه يحصل على أموال من
الحكومة بأسمائهم".
وقالت ندوة الدوسري، الرئيسة السابقة لمنظمة شركاء اليمن- مؤسسة
بحوث في صنعاء- أن التركيبة الاجتماعية تتعرض لضغط متزايد كنتيجة
للفساد. وقالت ندوة: "عندما تتحدث إلى الناس في المناطق القبلية،
يقولون أن التركيبة القبلية باتت تضعف في السنوات الأخيرة بسبب زيادة
الفقر ونقص الفرص وزيادة البطالة وتضاؤل الموارد. كل تلك العوامل وضعت
الكثير من الضغوط على نظام الضمان الاجتماعي في المناطق القبلية". بحسب
شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.
وذكرت ندوة أن "جزء من السبب يكمن في أن "القيادات القبلية غير
قادرة على أداء دورها المتوقع في المناطق القبلية كما اعتادت من قبل"،
مضيفةً أن الشيوخ يحصلون على الشرعية من خلال القدرة على حل النزاعات
وحماية مصالح القبيلة بدون اللجوء إلى العنف. وأفادت أيضاً أن "نظام
المحسوبية الموجود يخلق تنافساً سلبياً ونزاعات بين زعماء القبائل"،
الأمر الذي قد يزعزع استقرار المناطق القبلية ويعرقل جهود التنمية".
أموال المعونة المخصصة
من المنتظر أن تنهال مليارات الدولارات على اليمن في صورة معونات،
لذا تدعو الوكالات الإنسانية إلى مزيد من الشفافية في تخصيص تلك
الأموال، محذرةً من أن الأموال المخصصة للوضع الإنساني المزري في
البلاد لا تبدو كافية. وفي اجتماع لما يسمى تجمع أصدقاء اليمن في
نيويورك ، تعهد المانحون بتقديم 1.5 مليار دولار لليمن، بالإضافة إلى
6.4 مليار دولار تم التبرع بها خلال مؤتمر عقد في المملكة العربية
السعودية في وقت سابق. ولكن على الرغم من كل هذه الأموال المتاحة، لا
تزال نسبة تمويل نداء الأمم المتحدة لجمع الأموال لتلبية الاحتياجات
الإنسانية العاجلة في اليمن أقل من 50 بالمائة. ويساوي النقص في تمويل
النداء - أقل من 300 مليون دولار بقليل - أقل من 4 بالمائة من إجمالي
الأموال التي تم تخصيصها في الاجتماعين، ولكن الجهات المانحة تركز على
الاحتياجات السياسية والأمنية والتنموية الكلية أكثر منها على القضايا
الإنسانية، كما يقول عمال الإغاثة.
من جهته، أكد بيتر رايس، منسق منتدى المنظمات الدولية غير الحكومية،
الذي يمثل أكثر من 50 منظمة غير حكومية دولية في اليمن، أن "هناك حاجة
إلى تحقيق التوازن الصحيح. لقد تغير الوضع الإنساني كثيراً خلال عام
2011، وإذا لم يتم التصدي للاحتياجات الإنسانية الكبيرة، فستتأثر مسيرة
التنمية في اليمن بشدة على المدى الطويل". فلا يعرف أكثر من نصف سكان
اليمن - 12 مليون شخص - من أين ستأتي وجبة طعامهم التالية.
ويعاني مليون طفل من سوء التغذية الشديد، وقد نزح أكثر من نصف مليون
شخص بسبب صراعات منفصلة في شمال وجنوب البلاد. ارتفعت نسبة الفقر،
وعادت الحصبة وشلل الأطفال إلى الظهور، وأكثر من 12 مليون شخص لا
يحصلون على مياه الشرب الآمنة. كما أن اليمن موطن لربع مليون لاجئ. وفي
بيان مشترك صدر مؤخراً، قالت ثماني منظمات غير حكومية تعمل في اليمن:
"لا يوجد أي سبب لتنفيذ استجابة إنسانية تعاني من نقص في التمويل".
ويشير البعض إلى عدم جدوى برامج التنمية الطويلة الأمد في خضم الأزمات.
فوفقاً لأوسان كمال، مسؤول المناصرة في المنتدى اليمني للإغاثة
والتنمية (YRDF)، وهي مؤسسة خيرية مظلة، أنشأها اليمنيون المقيمون في
المملكة المتحدة: "لن تستطيع أبداً أن تطور أو تثقف شخصاً عندما يكون
جائعاً."
ويقول البعض الآخر أن الأزمة قد تعرض العملية الانتقالية برمتها
للخطر. فقد أكد إسماعيل ولد شيخ أحمد، منسق الأمم المتحدة للشؤون
الانسانية في اليمن، "إذا لم نعالج ونواجه الأزمة الإنسانية
والاقتصادية اليوم، لن يكون هناك استقرار سياسي." في عام 2011، أدى
انعدام الأمن إلى الحد من عمل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير
الحكومية الدولية، ولكنها وسعت نطاق عملها في جميع أنحاء البلاد هذا
العام، وها هي تشكو الآن من نقص الأموال الذي يحد من نشاطها.
ويقال أن دولة قطر تعهدت بتقديم 500 مليون دولار للعمل الإنساني
خلال الاجتماع الذي عقد في نيويورك. وبالمثل، تعهدت الجهات المانحة في
مؤتمر الرياض بتقديم 647 مليون دولار لتلبية "الاحتياجات الإنسانية
العاجلة وإعادة الإعمار"، ولكن لم يحدد أي من الاجتماعين كيفية تخصيص
هذه الأموال،
وأشارت كوليت فيرون، مديرة منظمة أوكسفام في اليمن: "الواضح هو من
تعهد بتقديم ماذا، ولكن ما هو غير واضح هو أين سيذهب هذا المال على وجه
التحديد." وأضافت: "نود بشدة أن نرى تحويل هذه الأموال بشفافية حتى
نعرف الغرض الذي ستخصص له ... ما هو المخصص للعمل الإنساني؟ ماذا سينفق
على المدى الطويل؟ من الذين ستخصص لهم الأموال؟ من الذي سيدير المشاريع؟"
قد تكون بعض هذه الأموال موجهة للمنظمات غير الحكومية في دول الخليج،
مثل مؤسسة قطر الخيرية ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان الإنسانية،
اللتين تعملان في اليمن دون التنسيق مع الأمم المتحدة.
ولكن عمال الإغاثة يسارعون بالإشارة إلى أن الجهات المانحة وعدت
بتقديم 5 مليارات دولار لليمن في عام 2006، ولكنها لم تدفع سوى أقل من
10 بالمائة من هذا المبلغ حتى عام 2010. وقال كمال: "يبدو الوضع في
الوقت الراهن وكأنه تخطيط إطاري. هذا هو شغلنا الشاغل. لدينا هذا
المبلغ الهائل من المال - 7.9 مليار دولار - ولا أحد يعرف حقاً أين
سيذهب. فقد اعتبر مؤتمر الرياض ناجحاً بسبب التعهدات، ولكن المهم هو
الوفاء بهذه الوعود".
قدرة الحكومة
يأتي جزء من حملة تخصيص أموال المساعدات للأمم المتحدة والجهات
الفاعلة غير الحكومية رداً على ضعف قدرة الحكومة الجديدة التي تشكلت في
فبراير الماضي، بعد الاتفاق على نقل السلطة واستبدال الرئيس السابق علي
عبد الله صالح. تقلص الإنفاق الحكومي بشكل كبير في عام 2011، بسبب
الاحتجاجات المناهضة للحكومة والاشتباكات العنيفة التي دامت عاماً
كاملاً. والآن، تملك وزارة التخطيط والتعاون الدولي رؤية واضحة حول
كيفية إنفاق أموال المساعدات، على النحو المبين في البرنامج الانتقالي
لتحقيق الاستقرار والتنمية خلال الفترة ما بين 2012 و 2014، والذي
يحتوي على قسم إنساني واضح، وبرنامج استثمار المشروع.
وتقول الحكومة اليمنية أن لديها فجوة تمويلية إجمالية تبلغ نحو 11.9
مليار دولار من أصل 14.9 مليار دولار تحتاجها لتنفيذ هذه البرامج، بما
في ذلك 4.7 مليار دولار مطلوبة فوراً على المدى القصير. وفي نفس الوقت،
ساعدت تعهدات على مدى سنوات عديدة من جهات مانحة مختلفة في تخفيف الضغط
المتمثل في الإنفاق السريع، وتعترف الحكومة بعدم قدرتها تاريخياً على
استيعاب وإنفاق هذا الحجم من التمويل. ووفقاً لوثيقة أصدرتها وزارة
التخطيط والتعاون الدولي لتحليل قدرتها الاستيعابية، فإنه "على الرغم
من التدفق الكبير للموارد الخارجية لدعم جهود التنمية في اليمن خلال
السنوات القادمة، لم يتمكن هذا البلد من الاستفادة التامة من مكاسب
التعاون الإنمائي."
وتسلط الوثيقة الضوء على عدة أسباب وراء هذا الوضع: ضعف النظم
الإدارية والشرائية والمالية؛ عدم القدرة على اجتذاب واستبقاء الموظفين
الأكفاء؛ عدم التنسيق داخل الحكومة اليمنية؛ عدم القدرة على توقع
تدفقات المعونة؛ عدم توافق الجهات المانحة مع أولويات الحكومة. وما
يزيد الطين بلة هي الأضرار الهيكلية التي تم تكبّدها خلال انتفاضة
العام. وقالت أبريل آلي، إحدى كبار المحللين في الفريق الدولي المعني
بالأزمات: "هذا سيكون تحدياً هائلاً، فالحكومة منقسمة بشدة، والقدرات
البيروقراطية البسيطة التي تملكها تعطلت لأن بعض الوزارات في حالة من
الفوضى - فعلاً في حالة من الفوضى بسبب القتال السابق الذي دمر العديد
من المباني، كما سرقت الحواسيب ونهبت المكاتب. ويجري حالياً تغيير
وتبديل موظفي الخدمة المدنية، غالباً لأسباب سياسية. وفي ظل البيئة
السياسية الحالية، من المحتمل أن تتفاقم مشاكل القدرة الاستيعابية التي
كانت موجودة تحت نظام صالح ".
ووفقاً لوائل زقوت، مدير البنك الدولي في اليمن، حققت الحكومة
نجاحاً معقولاً في إدارة برامج الإغاثة على نطاق ضيق، مثل الصندوق
الاجتماعي للتنمية وبرنامج تحسين الوصول إلى المناطق الريفية. وأضاف
أنها تعاني عند تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبيرة، مثل الطرق الكبرى
أو محطات الطاقة. ويحاول البنك الدولي مساعدة الحكومة على "ترتيب البيت
من الداخل،" على حد قول زقوت، من خلال تطوير الآليات التي من شأنها
الإسراع في مرحلة التصميم والعطاءات وإزالة العقبات التي تعيق التنفيذ.
وتعهدت الحكومة الجديدة أيضاً بالقضاء على الفساد والرشوة اللذين
كانا شائعين في ظل النظام القديم. وللمرة الأولى، وقّعت على إطار
المساءلة المتبادلة مع الجهات المانحة، الذي يضع خطة لمراقبة تنفيذ
التمويل. كما التزمت بإنشاء محكمة لمكافحة الفساد ونظام لفحص التعيينات
في المناصب العليا. وأضاف زقوت أن "لديهم استعداد للقيام بذلك، ولكنني
غير متأكد مما إذا كانت لديهم القدرة على القيام بذلك. ولكن بدعم من
المجتمع الدولي، والمشاركة المستمرة معهم، من المحتمل تحقيق هذا
الهدف".
ويبقى البعض الآخر أكثر سخرية. ففي حديثها إلى مجموعة أشخاص في
العاصمة اليمنية صنعاء لمناقشة ما إذا كانت المساعدات الخارجية مفيدة
لليمن، أفادت أطياف الوزير، وهي مدونة يمنية ومستشارة تنمية: "لدينا
حكومة فاسدة تفتقر إلى القدرة على التعامل مع قدر كبير من المساعدات.
فقبل أن نواصل ضخ المعونة، ينبغي أن نبني قدرات الحكومة ونتأكد من أنها
أكثر شفافية بحيث يصل المال فعلاً إلى الشعب الذي خصص من أجله".
وكان أحد الاقتراحات المطروحة بعد مؤتمر الرياض، والذي رحبت به
القيادة اليمنية، هو إنشاء صندوق دولي يمكن من خلاله توجيه أموال
المساعدات لمنع الفساد. وقال النشطاء أنه على المجتمع المدني اليمني أن
يكون له دور أيضاً في تطوير ورصد آليات المساءلة. وهم يرغبون أيضاً في
لعب دور في إيصال المعونات.
وقال هاني البنا، رئيس المنتدى الإنساني، في مؤتمر عقد في الكويت أن
الجهات المانحة تتباطأ حتى الآن في تمويل المنظمات غير الحكومية
اليمنية لأنها "لا تملك القدرة على إنفاق هذه الأموال". ويهدف المنتدى
الإنساني إلى تحسين الحوار بين وكالات المعونة في العالم الإسلامي
ونظرائها في النظام المتعدد الأطراف. وطالب العديد من مؤيدي المجتمع
المدني بتوجيه المزيد من المساعدات المتدفقة الحالية نحو تقوية حوالى
6,000 منظمة غير حكومية يمنية مسجلة، عن طريق تدريبها على المبادئ
الإنسانية وقواعد السلوك وإدارة المشاريع والمحاسبة المالية والرصد
والتقييم. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.
وهذا من شأنه أن يسمح لهم بلعب دور أكبر في إيصال المساعدات، خاصة
في المناطق النائية غير الآمنة التي تخضع للسيطرة القبلية، أو التي لا
يمكن للجهات الحكومية أو وكالات الإغاثة الوصول إليها. وقال كمال أنه
سيساهم أيضاً في تحقيق المصالحة الوطنية من خلال تمكين الناس العاديين
من أن يكونوا جزءاً من عملية التحول في اليمن. وأفاد قائلاً: "نعم،
هناك قلق بشأن القدرات، ولكن لدينا بعض المنظمات التي لديها بعض
القدرات، ومع قدر ضئيل من التدريب، يمكن تقديم برامج رائعة،" مضيفاً أن
"كيفية المضي قدماً هامة جداً. فقد حان الوقت الآن لتمكين اليمنيين من
تقديم الاستجابة الإنسانية". |