العدم العراقي... ثلاث وجبات طعام ونوم وشتائم

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في برنامج تلفزيوني حواري علي شاشة احدى من الفضائيات، كان الحديث عن الديمقراطية في العراق، وكيف انها ديمقراطية لاعلاقة لها بالممارسات  الديمقراطية الحقيقية علي صناديق الاقتراع واقتصارها فقط، وقد ارجع السادة الحضور الذين يمثلون توجهات ثقافية وسياسية متعددة، سبب ذلك عدم تجذر آلي الفهم والممارسة الديمقراطية في المجتمع العراقي، طرح احد الحاضرين مثلا للدلالة علي تاييد هذا الاستنتاج وهو عدم خروج تظاهرات العراقيين في قيامهم باعتصامات، or علي نقص الخدمات، or الكهرباء، or البطالة وغيرها من بلايا ورزايا يعيشونها، ما قيل في البرنامج ليس كل الاسباب التي تختفي وراء هذا الموقف السلبي من الاحداث التي تحيط بحياة العراقيين، هناك اسباب اخرى سنتعرض لها لاحقا.

المصريون بخير، رغم التشابه في فهم عانيت الكثير من الامور السياسية مع باقي البلدان العربية من نظام دكتاتوري كان يسير آلي التوريث واغلاق الابواب امام التبادل الأ انهم تفوقوا للسلطة علي بقية البلدان العربية في هذا الحراك المجتمعي الذي شاهدناه منذ الاحتجاجات ضد والاعتصامات والتظاهرات الاعلان الدستوري ثم الاستفتاء علي الدستور، كسبوا جولة وخسروا بالمقابل اخرى، الأ ان هذا لم يجعل اللعبة بين المعارضة والحكم تنتهي بل هي مرشحة لمزيد من الجولات والاوقات الاضافية.

في تونس الحراك المجتمعي بخير ايضا، وفي ليبيا الى حد ما، واليمن كذلك، الا في العراق، رغم اتساع الاستخدام الواسع للتقنيات الحديثة من بث فضائي واصدار للصحف واستعمال للانترنت، وكثرة المنظمات المدنية التي ترفع شعارات الدفاع عن حقوق الانسان وغيرها من شعارات. ما السبب خلف ذلك؟

سناخذ بعض الامثلة علي انواع متعددة من الاحتجاجات التي العراقيه هي في محصلتها النهائية بعد التدقيق تمثل وجهة نظر سياسية معينة لجهة، ولا تمثل حراكا اجتماعيا واسعا يمكن ان تنبني عليه ونتائج وتفاعلات مستقبلية.

اعادت قناة البغدادية بث حلقة استضافت فيها النائب بهاء الاعرجي من تيار الاحرار، وهو يقود احد اليخوت، لم تخرج تظاهرات التيار الصدري ضد لاتباع هذا النائب الذي يملأ الفضائيات صراخا ضد الفساد الحكومي، وخرج الاتباع باشارة من رؤساء المكاتب احتجاجا علي كلام لرئيس الوزراء ضد استفتاءات السيد مقتدى الصدر حين وصفها بالمتناقضة، في قضية تعذيب السجينات واغتصابهن التي اثارها نواب القائمة العراقية، بغض النظر عن حجم القضية او مصداقياتها المطلقة، لم تشكل الوقائع التي تم طرحها دافعا لخروج التظاهرات ضد التعذيب في السجون الذي يتعرض لة السجين ذكرا كان ام انثى.

الاحزاب السياسية العراقية احتجت على موقف الحكومة من انشاء قوات دجلة واعترض الجميع علي ذلك بصخب ولم يحتجوا وضجيج علي مسعود برزاني قرارات الأ بصورة خجولة وتحركاته خوفا من فقدان حليف مستقبلي لهم.

المجتمع لعراقي، مجتمع اللاموقف، في كل مكان تجد التذمر والاحتجاج، في الشارع في المقاهي في سيارات النقل العام لل، وعند الانتخابات تجد نفس المتذمرين يعيدون انتخاب من يتذمرون منهم، راى الكاتب في ان السبب الذي يقف وراء هذه السلبية وعدم الاحساس بالمسؤولية المشتركة العامه، هو مايمكن تسميته ب (العدم العراقي).

ما هي العدمية؟ انها موقف فلسفي يقول أن العالم كله بما في ذلك وجود الانسان، عديم القيمة و خال من اي مضمون أو معنى حقيقي .. وإن الانسان خلق وإمكانات محدودة وله وعليه لكي يثبت وجوده، أن يتصرف في حدود هذه الإمكانات، بحيث لا يتحول إلى يائس متقاعس أو حالم مجنون.

إن البشر يتصارعون، وهم يدركون جيدا أن العدم في انتظارهم وهذا الصراع فوق طاقتهم البشرية، لذلك يتحول صراعهم إلى عبث لا معنى له، وللفيلسوف الالماني نيتشة راى في العدمية يمكن اسقاطه علي واقعنا العراقي الذي نعيشه، وبالخصوص من ذلك الواقع النخبة السياسية الحاكمة. يقول نيتشة في كتابه هكذا تكلم زرادشت، (إن حياة الجري وراء الربح، تدفع الانسان آلي استنفاد كل طاقاته الذهنية، إذ أصبح شغله الشاغل هو السعي آلي المواربة والفوز بالسبق: إن الفضيلة هي الان الأساسية إنجاز شيء أنظمة ما في وقت أقل مما يتطلبه ذلك عند الغير).

وحسب هيدغر تتشكل العدمية من عدة لحظات وتمر بعدة أطوار: تبتدئ بلحظة تأسيس القيم العليا رقم، ثم لحظة تبخسيها وسخوفها، مرورا بلحظة الوجود الفارغ من المعنى والفاقد للقيمة، وانتهاء بالدعوة إلى تأسيس قيم جديدة تحل محل القيم البالية.

وهو مايمكن ملاحظته في الاداء السياسى المستمر كل يوم، ومحاولة تاسيس قيم جديدة غطاء العمل في السياسى، لم تتشكل محل قيم الفكر السياسى يوما في العراقي، بل امتداد للقيم التي عمل علي القائد الضرورة تسخيفها في فترة حكمة.

تتشكل اعمدة العدم العراقي من ثلاثة اركان: الطعام بوجباته الثلاث التي يحرص عليها العراقي ، وكذلك النوم وفعالياته المتعددة، وايضا الشتيمة التي ل اتتوقف.

احتج العراقيون على قرار الغاء البطاقة التموينية الذي تم التراجع عنه، رغم صوابية هذا القرار من الناحية الاقتصادية وايضا من الناحية الزراعية، وتفننت الكتل السياسية في تقديم التبريرات لاعتراضها على الالغاء، وغابت الجدوى الإقتصادية والزراعية عن اذهان المتكلمين او انها غيبت، كل ذلك مكاسب انتخابية هي لاجل علي الابواب بعد شهور قليلة.

يذكر الصحفي ناصر الدين النشاشيبي في حادثه لقائه مع عبد الكريم قاسم حيث طال بهما الحديث ما بعد التاسعة آلي مساء فنظر عبدالكريم قاسم آلي ساعته وقال للنشاشيبي إننا أخرناك فلا بد أن تتناول العشاء معنا ... اتصل عبد الكريم قاسم في شارع بمطعم تاجران الرشيد القريب من الدفاع زارة، طالبا منهم (نفرين) كباب مع شربت (السكنجبيل) البغدادي الذي يذيب دهون الطعام يصنع من خل والذي التمر والسكر والنعنع.

اما عبد السلام عارف الذي تولى الحكم بعد عبد الكريم قاسم فكان فطوره هو صحن من (الباميا البايتة)، أي الباميا المطبوخة قبل يوم. حول تاثيرات الاكل ونوعيته عند العراقيين كتب احد الكتاب العراقيين ان هناك تأثيرات خطيره تسببها نوعية طعام العراقيين علي مستويات أداء عقولهم.

ففي الصباح عادة يتناول العراقي: الكباب والتكه والمعلاك، والكيمر، والباكله والدهن، والباجه. ومن الناحية الصحية خطرة جدا هذه الأطعمة ومضرة وتسبب تراكم الدهون في الشرايين الدم بكميات وتمنع وصول كافيه آلي الدماغ.

أما في وجبة الغداء .. فيتناول العراقي التمن والمرق واللحوم، وكذلك في العشاء، كذلك الأطعمة تسبب وهذه تجمع الدهون داخل الشرايين وتعرقل تدفق الدم آلي الدماغ. وأيضا تناول الحلويات المليئة بالدهون هي الأخرى تسبب إنسداد الشرايين. ونضيف آلي هذه الأطعمة هو الاخر الذي التدخين يسبب غلق الشرايين ويمنع جريان الدم آلي الدماغ.

والنتيجة الصحية تكون كارثة علي مستوى الأداء العقلي للفرد العراقي الذي تراه متعبا يعيش في حاله إكتئاب نفسي، قليل التركيز يعاني من الشرود الذهني، حياته خالية من الإبداع والإكتشاف والإبتكار... أعصابه متوترة وسلوكه عدواني، غير قادر علي خوض نقاش فكري موضوعي هاديء إذ سرعان ما يلجأ آلي الصراخ والتهجم، وغيرها من الأعراض التي سببها قلة تغذية الدماغ بالدم نتيجة وجود الدهون في الشرايين وضيق مجراها.

هذه النوعية من الاطعمة تصيب الدماغ بالتلبد والتبلد، وثقل المعدة والعيون والاحساس بالنعاس والرغبة العارمة بالنوم، اي علي حد التعبير العراقي تصيب من يتناول تلك الاطعمة ب (الثول). هل من فسحة للتفكير والتامل بعد ثلاث جبات من تلك الاطعمة؟ .

وقد أوضحت دراسة تحليلية اجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء من بيانات مسح الدخل واقع والإنفاق والإستهلاك عام 2011 - 2012 ان الاسر تنفق خمسين العراقيه في المئة من اجمالي دخلها علي الطعام والشراب. والصحة وأشارت الدراسة، ان الإنفاق علي آلي الطعام والشراب جاء في المرتبة الاولي بنسبة 6. 43٪ من اجمالي حجم الانفاق. من جهة اخرى ذكرت الدراسة ان 80٪ من الأكل الذي يتناوله العراقيون غير صحي وبعيد عن قواعد الأمان هذا ما تؤكده الدراسات حول احدث النمط الغذائي للعراقيين وكذلك ارتفاع نسبة أمراض سوء التغذية برغم أن الغذاء ويحتل المركز الأول في حصيلة الإنفاق الشهري للأسرة. ويعلق د. عبد االله صلاح الدين أستاذ التغذية بالمركز القومي للبحوث في تصريحات صحفية أن نحو 70٪ من دخل الاسره يتجه هذا النطاق آلي هذا بخلاف الصحة، التعليم، الملبس، غيرها .. وكذلك يمثل نسبة كبيرة من الخبز هذا الوضع بالحسبان الطعام مع أن متوسط ​​استهلاك الفرد العادي 6 أرغفة خبز. وكذلك وجدنا أن نسبة اللحوم في الاستهلاك برغم ارتفاع أسعارها كبيرة وكذلك باقي العناصر المكلفة محافظة البصرة تعتمد علي مثل الأسماك والدخل فيها أكثر من المتوسط ​​وينفق علي بند الطعام ما لا يقل عن 55٪ من دخل الاسره .. انه خدر ونعاس يكتسح كل شيء، وسلطان النوم اقوى من سلاطين الخدمات واساطين الفساد، فدعهم يسرحون ويمرحون ودعني انام. ماذا عن الشتيمة؟ انها في القاموس العربي تعني: السب. وهي الإهانة، وجمعها: شتائم وانهالوا عليه وبالشتائم / كالوا له الشتائم: أمطروه بوابل من. والإهانة القذف وهي ماتشاهده في كل مكان وتسمعه وزمان في يومك وعدمك العراقي، فالجدران تتوشح بالشتائم، شتيمة من يرمي القمامة في مكان معين،، or يتبول علي واقفا جدار ما، واي حديث في الشارع بين اثنين لايخلو من الشتم والسب، شتم الاب ، or، or الاخت الام، or، or العمة الخالة، وهي تعبير عن مزاح بين هذين الإثنين الصديقين. في الفضائيات تتوزع الشتائم على عدة محاور، ابرزها الشتائم بين السياسيين، وان لم تصل بعد الى مستوياتها الشوارعية بعد، وتقتصر علي عدد من الاوصاف التي ادمن عليها والنعوت الساسة الشاتمون، من خلال، or المسلسلات التي تتناول بعض الاحداث السياسية والتي برعت فيها قناة الشرقية، وبرامج الحوارات المباشرة التي برعت واتصالات المشاهدين فيها قناة الرافدين المملوكة لحارث الضاري. في القنوات العربية السلسلة تطول وتطول، الحوارات الافلام المسابقات عانيت الكثير مما وغيرها لاتفارقنا فيه الشتيمة في اي وقت، or عند اي ضغطة علي الكونترول متقلبا بين القنوات ذات التوجهات المختلفة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/كانون الأول/2012 - 8/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م