كلمة العام 2012

زاهر الزبيدي

كل عام يختار اللغويون في العالم إحدى الكلمات التي دأب ابناء شعوبهم على تردديها ويصوتون عليها لاختيارها كلمة العالم.. وعلى ما أذكر أن أمريكا كانت قد اختارت لعام 2011، كلمة "احتلو" و كلمة "فومو" وفي اليابان إختاروا كلمة " كيزونا" وتعني التضامن أو روابط الصداقة حيث كانت تدعوا الى التضامن والتكاتف بين ابناء الشعب الياباني ابان كارثة التسونامي التي حلت بهم حينها.

فماذا سيختار العراقيون من كلمات تناسب ما هم فيه من محن وويلات لهذا العام.. للعام الماضي لم يجمع العراقيون على كل كلمة العام لكونهم غير أبهين بما يجري في العالم.. كل ما يجري في العالم لم يعد يعنينا بشيء وكأننا نعيش في كوكب أخر غير الأرض ومشاريعنا وفسادنا في كوكب أخر غير العراق، ولكننا نرى أن كلمة الفساد لازالت الطاغية على الأحداث وهي تصلح ولفترة طويلة أن تكون كلمة العام لكوننا غير قادرين، وبكل إجراءتنا، على مكافحته والقضاء عليه لنهنأ بالإمكانيات الاقتصادية الكبيرة لبلدنا.

ففي أخر تقييم للعراق نشرته منظمة الشفافية العالمية أتضح أن العراق لازال غير قادر على تجاوز قعر قائمة دول العالم في الفساد.. على الرغم من كل الهيئات المختصة ومكاتب المفتشين العامين في الوزارات.. فملفات الفساد تفتح وتغلق كل يوم.. تفتح ولا تحسم أو أن يصدر بها تحقيقاً كاملاً.. تدور تلك الملفات بين أيدي سياسيين فاسدين يراهنوا عليها ويبتزوا منها من يستطيعوا ابتزازه وليهرب الآخرون الى خارج الوطن متمتعين بالامتيازات التي توفرها جنسياتهم الثانية غير العراقية.

محنة كبيرة هذا الفساد مع التخصيصات الكبيرة التي تصرف للنزاهة والرقابة البرلمانية ومكاتب المفتشين العامين ولم نكن قادرين معها على إضافة أعشار الدرجات لما يحصله العراق من تقييم سنوي لا زالت غير كافية لانتشاله من قعر قائمة العالم، المركز 169 من 174، حيث سبقته الكثير من الدول التي لا تتمتع بإمكانياته وإمكانيات شعبه.

وعليه فـ "الفساد" هي كلمة العام لدينا وستضل كذلك ما لم ننتهي منه أو أن ينتهي هو منا ويرسلنا الى اقبح هاوية سوف لن نصحوا منها حتى قيام الساعة.

أن لا تنجز.. خير من أن يأكلها الفساد !

انه شرٌ أهون من شرّ، ذلك صرحت به السيدة ماجدة التميمي، عضو اللجنة المالية النيابية، من أن 35% هو معدل إنجاز المحافظات من موازناتها الإستثمارية لعام 2012 تقدمتها محافظة صلاح الدين بنسبة 65%، بينما كانت محافظة نينوى هي الأخيرة في ذلك بنسبة 4%!، أما معدل إنجاز الوزارات فبلغ 38%، يتقدمها مجلس القضاء الأعلى بنسبة 83% بينما كان وزارة العمل والشؤون الإجتماعية هي الأخيرة وبنسبة 4% فقط.

الحمد كل الحمد لله، في أن الموازنات التي أقرت لعام 2012 لم يتم إنجازها لكوننا على يقين تام، ومع ما تموج به كل محافظات العراق من نقص بالخدمات المقدمة يخالطها الفساد بموجاته التي تفوق موجات التسونامي المدمر، فأن الحفاظ على تلك المبالغ وتدويرها الى العام القادم أهون من أن يتم إنفاقها بلا كفاءة وبعشوائية بالغة لتضيع موازناتنا المليارية تحت ضربات المشاريع الوهمية وتلك التي لا نفع ولا دفع منها سوى الإنفاق الغير مبرمج واللامحسوب، وتلك مثلبة كبيرة بحق كفاءته الإنفاق الحكومي وعلى الجميع أن ينظر بعين إقتصادية الى تلك المحنة المتمثلة في أننا لدينا الأموال اللازمة لتطوير كفاءة الخدمات المقدمة ولكن ليس لدينا القابلية على صرفها.

كل ذلك له أسباب فما المبرر من إقرار موازنات كبيرة وعملاقة، ندخل معها في عجز مالي، ولايمكن التصرف بمبالغها ولماذا يتم الإصرار على زيادة الموازنات سنوياً ولاتوفر لدينا إدارات فعاّلة قادرة على إستثمارها بما يحقق العوائد اللازمة منها أو حتى لها القابلية على إستقطاب الإستثمار لمحافظاتهم ووزاراتهم أنه أمر على رئاسة مجلس الوزراء أن تضعه في الحسبان فعدم تحقيق الموازنات الاستثمارية له مدلولات سلبية كبيرة، وعلى سبيل المثال ما فائدة الموازنة الاستثمارية لوزارة الصحة، أليس ذلك ينصب في بناء المستشفيات والمراكز الصحية ومصانع الأدوية، إذا كانت تابعة لهم، وتحقيقها بنسبة 40% من موازنتها معناه أن هناك خلل في ذلك وبالتالي فأن الخلل يعود بالضرر على عدم تقديم الخدمات الصحية للمواطنين ونشير هنا الى أن هناك تصريح سابق بأن ما نسبته 27% من العراقيين خارج التغطية الصحية.. ألم ينعكس عدم تحقيق الموازنة والتي نعتقد بأنها هدفها مد شبكة كبيرة من المراكز الصحية لتغطية المناطق النائية من البلد على توفير الخدمات الصحية لأبنائنا.

وفي مثال آخر، لماذا لم تحقق وزارة الرياضة والشباب إلا 32% من موازناتها، ماهي المشاريع الرياضية من ملاعب وقاعات وخلافه كانت في خطتها ولم تنجز، ولماذا أقرت ولماذا ستقر لهم موازنة للعام القادم إذا كانوا بالأساس هم غير قادرين على توجيه الصرف بما يحقق الفائدة الوطنية منها، ونتسائل لماذا لاتوجد لدينا مرافق رياضية كبقية دول العالم ولماذا نرى أن رياضيونا يتدربون في قاعات غير قياسية وغير عالمية، عفا عليها الدهر من زمان تآكلت أرضياتها وتدمرت مرافقها.

وفي مجال أخر، وزارة الثقافة، أنجزت 12% فقط، لماذا؟ ونتسائل أيضاً عن ما تضمنته خططها الاستثمارية من مشاريع لهذا العام لم تحقق منها إلا 18% فقط وهذا أمر عجيب حقاً.. في كل وزارة من وزاراتنا هناك دائرة مشاريع تختص بدراسة مشاريع الخطة الاستثمارية وتضع لها توقيتات انجازها ونسب انجازها وهي مشفوعة بدراسات سوق وحاجة، فكيف أقرت الوزرات موازناتها مع كل تلك الدوائر المختصة، على كل وزير أن يرجع تلك الدوائر في وزارته ويقف على حقيقة المشكلة ويعيد هيكلة دراسات المشاريع الإستثمارية لديه، وعلى مجلس الوزراء من جانبه أن يؤشر أن عدم تحقيق الموازنة الاستثمارية، هو خلل كبير جداً يعود سلباً على تقديم الخدمات لموطنينا، وأن يتدارس مستوى كفاءة الإنفاق الحكومي.. وإلا فلا داعي لموازنات استثمارية، إذا لم تحقق، واتركونا مع التشغيلية فقط لكوننا نأكلها كالإرضة ونحققها بنسبة 100% وبإمتياز.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/كانون الأول/2012 - 6/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م