لبنان... استقرار غائب يمهد لانقسام الدولة

 

شبكة النبأ: تصاعدت السخونة السياسية في أتون الاشتباكات الطائفية شمال لبنان بشدة مفرطة، مما زاد من الإحباط الشعبي على مستوى الشارع لبناني في الاونة الاخيرة، وعلى الرغم من أن لبنان نأت عن مخلفات الربيع العربي الذي حدث في بعض الدول المجاورة لها، إلا أنها تشهد اليوم صراعات وتحديدات جديدة تلوح بأفاق سياسية ممزقة، حيث شكل صراع أثبات الوجود تهديدات واضطرابات كبيرة، قد تفاقم من هشاشة الوضع السياسي في لبنان، خصوصا بعد الأحداث الأخيرة اثر الاشتباكات الطائفية في طرابلس اللبنانية، مما اثار مخاوف كبيرة داخل الشعب اللبناني من انزلاق لبنان في وحل الفوضى وعودة العنف الداخلي مجددا، فيما يرى بعض  المحللين بأن هذا الحدث يسعى لتحقيق أجندة إقليمية من خلال نقل وتداول أزمات تلك البلدان، لتمرير الأزمة السورية الى لبنان وان هناك توافقات محلية وإقليمية لإشاعة التصعيد السياسي من اجل توسيع رقعة الصراع وابعاد الازمة عن سوريا، وتثير الأزمة السورية انقساما حادا بين اللبنانيين، فقد يعلن الاقتتال الطائفي الذي حدث مؤخرا في شمال لبنان عن تحدي وصراع جديد يضع جميع اللاعبين الرئيسيين تحت وطأة المؤامرات في السنوات المقبلة، ويرى بعض المراقبين بان سياسة النأي بالنفس ستمنع الخلافات السياسية من الانزلاق بالبلاد الى صراع طائفي، وكما يبدو بأن لبنان تحتاج الى أيديولوجيا سياسية جديدة توحد جميع الكيانات، لكي تستوعب ما ترتب على الصراع الطائفي الذي حدث مؤخراً في هذه البلاد.

طرابلس تكتسب ملامح سوريا

في سياق متصل ترفرف أعلام المعارضين السوريين بالألوان الأحمر والأخضر والأسود وسط رياح وأمطار ديسمبر كانون الأول في حين يدوي انفجار قذيفة مورتر قرب مبان سكنية عليها آثار الرصاص، لكن هذه ليست سوريا.. إنها مدينة طرابلس الساحلية في لبنان المجاور الذي مزقته الحرب الأهلية، وقتل رجلان وأصيب عشرات آخرون بجروح فيما وصفها سكان ومصادر أمنية بأنها أعنف اشتباكات هذا العام بين مسلحين لبنانين مؤيدين لطرفي الصراع في سوريا، وتقطن طرابلس أغلبية سنية ويؤيد معظم سكانها التمرد الذي تقوده السنة في سوريا لكنها تضم أيضا أقلية علوية وهي الطائفة التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد وأصبحت الاشتباكات في الشوارع بين السنة والعلويين أمرا معتادا في كل مرة ينجرف فيها لبنان نحو الأزمة السورية، وكان سبب الاشتباكات هذه المرة مقتل ما لا يقل عن 14 مسلحا فلسطينيا ولبنانيا سنيا من شمال لبنان على يد قوات الحكومة السورية في بلدة سورية واقعة على الحدود، ويبدو أن هؤلاء القتلى كانوا قد انضموا إلى المتمردين الذين بدأوا انتفاضة ضد الأسد قبل 20 شهرا ويقول سكان في طرابلس إن العديد منهم جاءوا من حي باب التبانة السني في طرابلس، وأظهر التلفزيون الرسمي السوري لقطة لجثث القتلى اللبنانيين عليها آثار جروح ناجمة عن إطلاق نار، وقال مصدر أمني في طرابلس طلب عدم ذكر اسمه "كان لابد وأن يدفع أحد ثمن الدماء التي أريقت"، وأضاف "المسلحون السنة هاجموا بعض العلويين في السوق ثم تمركز القناصة في مواقعهم."

وقد قتل 12 شخصا في طرابلس وأصيب أكثر من مئة بسبب الاشتباكات التي استخدمت فيها القذائف الصاروخية والأسلحة الآلية وقذائف المورتر، وقال أحد السكان طالبا عدم ذكر اسمه "هناك قتال في عدد من الشوارع أكبر من أي وقت مضى"، وطوق الجيش المنطقة بأكملها ولم يتسن لرويترز الاتصال بمقاتلين من الجانبين أدلوا لها بتصريحات في السابق، وصدرت أوامر للجيش بالرد على إطلاق النار لوقف العنف المتصاعد. غير أن سكانا قالوا إنه لا جدوى من ذلك وإن عدة جنود أصيبوا، وقال أبو عمار وهو سني يقيم في حي التبانة "الجيش موجود هنا لكنه وجود رمزي فقط"، وأضاف أبو عمار وهو في منتصف العمر "أفضل شيء للجيش هو أن يتراجع ويدع الجانبين ينهيان الأمر بنفسيهما". بحسب رويترز.

وكان أبو يزن وهو سوري من مدينة حمص في وسط سوريا يقاتل مع المتمردين ضد القوات السورية لكنه فر إلى طرابلس آملا في أن توفر الأغلبية السنية بالمدينة بعض الحماية لأسرته"، وقال أبو يزن (26 عاما) "ثمة الكثير من السوريين هنا ونحن نتساءل لماذا يتقاتلون ... كانت أصوات الانفجارات الليلة الماضية لا تقل شدة عن تلك التي تقع في حمص"، ويقول أبو يزن الذي يطلق لحيته إنه قاتل مع لبنانيين سنة في حمص ضد قوات الأسد لكن هذا القتال الطائفي في طرابلس لا معنى له، وأضاف "لا أريد أن يتصاعد القتال هنا"، وامتلأت شوارع طرابلس بجنود في عربات مدرعة رغم أن معظم سكان المدينة واصلوا ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، وقال بعض السكان إنه بعد القتال الذي استمر طوال الليل تحت الأمطار الغزيرة بدأ معظم المسلحين في الاستراحة، لكنهم لن يستريحوا لفترة طويلة حيث يطالب محتجون باستعادة جثث المسلحين اللبنانيين الذين قتلوا في سوريا وتقول مصادر أمنية إن من المرجح تشييعهم وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من القتال.

مخاطر العنف الطائفي

على الصعيد نفسه الاشتباكات القاتلة بين مسلحين سُنة وشيعة بسبب لافتات دينية قد تكون الشرارة التي تشعل حريقا أوسع يشمل لبنان مع ذكرى إحياء يوم عاشوراء، بدأ النزاع عندما حاول أنصار الشيخ السُني احمد الاسير انزال رايات وضعت تمهيدا لاحياء ذكرى عاشوراء، وتحول الامر الى تبادل لاطلاق نار اسفر عن مقتل ثلاثة اشخاص اثنان منهم من أتباع الاسير، ويسلط الحادث الضوء على التوتر المتزايد بين الشيعة والسُنة في لبنان لاسيما مع تفاقم الازمة السورية التي بدأت منذ العام الماضي بين الاغلبية السنية والعلويين الذي ينتمي اليهم الاسد، وكان جنود الجيش اللبناني المسلحين بالرشاشات قد اقاموا المزيد من نقاط التفتيش على طول الطرق الرئيسية للتدقيق في اوراق السيارات وفحص بطاقات الهوية، المنطقة التي وقع فيها اطلاق النار هي دوار في منطقة تسمى حارة صيدا حيث توجد مكاتب الاسير، وخرج المئات من أنصار الأسير وقد حمل بعضهم إعلاما لتشييع اثنين من زملائهم. وجاب موكب من المسلحين ببنادق كلاشنيكوف والقاذفات الصاروخية والقنابل الشارع وسط بكاء الرجال فيما كان يجري دفن القتيلين. وارتدى البعض أقنعة على وجوههم وكانوا يرفعون البنادق فوق اكتافهم، وقال مقاتلون انهم تلقوا الاوامر بشأن ما ينبغي عمله لاحقا. وردد المتظاهرون شعارات "لا لحزب الله ولا لبري (رئيس مجلس النواب الشيعي نبيه بري)."

وتصاعد التوتر بين السُنة والشيعة في لبنان منذ اغتيال رئيس وزراء لبنان السُني رفيق الحريري في عام 2005 ووجهت اصابع الاتهام الى حزب الله الشيعي في الاغتيال لاسترضاء الاسد الذي كان على خلاف مع الحريري، وحتى قبل عام لم يكن الاسير معروفا ولكن خطبه النارية ضد الامين العام لحزب الله الشيعي حسن نصر الله والتمرد ضد الاسد جعلته يستحوذ على تأييد العديد من السُنة في لبنان وخاصة بين المتشددين السُنة، ويقع مكتب الاسير على تلة في منطقة صيدا السنية تدعى عبرا. وتتحصن المنطقة بمبنيين حول المسجد الذي يلقي فيه خطبته كل جمعة تحت حراسة مشددة من قبل رجاله الذين يبدو الكثير منهم بانهم من السلفيين السُنة بلحاهم الطويلة ورؤوسهم الحليقة وهم يحملون الاجهزة اللاسلكية، وقال الاسير انه ذهب مع انصاره لانزال بعض الرايات المعلقة بما فيها اعلام حزب الله ولكنهم تعرضوا للهجوم من قبل مسلحين شيعة. بحسب رويترز.

وقال الاسير "نحن ذهبنا سلميا الى تلك المناطق" وقال بعض الشهود والسكان ان انصار الاسير كانوا مسلحين. ورفض حزب الله التعليق على الحادث لكن مصادر أمنية قالت ان مقاتلي حزب الله لم يشاركوا في القتال، ولكن لم يوافق الجميع على موقف الاسير وقال الشيح ماهر حمود إمام مسجد القدس في صيدا وحليف حزب الله الشيعي ان للشيعة في المدينة الحق في الاحتفال بشعائرهم، وقال "من لديه الحق بتمزيق الاعلام في أي منطقة؟ ربع المنطقة كان يقطنها الشيعة. كانوا يعيشون هناك لسنوات. وينبغي ان يُسمح لهم برفع الاعلام"، وقال سامي الزين رئيس بلدية حارة صيدا لرويترز في مكتبه ان المنطقة نادرا ما كان لديها مشاكل حتى ظهور الاسير، وأضاف في مكتبه المطل على الدوار "لدينا سنة وشيعة ودروز وفلسطينيون وماذ يبقى؟ هناك بعض المسيحيين لديهم كنائس على الطريق"، وقال وهو جالس الى مكتبه وقد وضع الى جانبه صورة لنبيه بري رئيس مجلس النواب ورئيس حركة امل الشيعية "بالامس كان عندنا واحد يحاول خلق فتنة. يوم امس كان لدينا هذا الاسير المجنون"، واستهزأ من مطالبة الاسير بنبذ العنف قائلا "كيف يمكنك ان تقول انك سلمي عندما تحملون جميعكم البنادق."

وتتهم المجموعات المناهضة للاسد قوات الامن السورية وحليفهم في لبنان حزب الله بمقتل رئيس فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي اللواء وسام الحسن في انفجار ببيروت في اكتوبر تشرين الاول، الان العديد من المجموعات المناوئة لحزب الله يقولون انهم يخشون من الاغتيالات بعدما خسروا "حاميهم" ضد التدخل السوري، وقال الاسير "قبل ذلك كان هناك وضع مختلف. نصر الله لم يقتل سوريين." وأضاف بعد تشييع اثنين من رجاله انه في الوقت الراهن لن يكن هناك اي رد فعل فوري. لكن كلام الاسير لم يخل من بعض التهديدات قائلا "دمنا غال جدا."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/كانون الأول/2012 - 3/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م