متمردو سوريا والانتصار الموهوم

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: منذ اندلاع اعمال العنف في سوريا، وزج عربان الخليج برعاعهم واموالهم بتواطؤ تركي وغربي أملا في الاطاحة بنظام الاسد، عملت الماكينة الاعلامية العربية والاجنبية على صناعة وتوثيق بعض الانتصارات الموهومة لجماعات العنف في بعض الاراضي السورية، حتى بات الكثيرون من متابعي تلك الفضائيات مقتنعين بتلك السيناريوهات السينمائية المفبركة، فيما كان للتصريحات السياسية التي يطلقها بعض الزعماء العرب والاجانب مساهمة في تعزيز الشعور بنهاية النظام في سوريا، وهو ما يشكل مفارقة تعكس حقيقة ما يحصل ميدانيا.

فعلى الرغم من استيلاء الجماعات المسلحة على بعض الحواجز الامنية والعسكرية بسبب ما تتبعه تلك الجماعات اساليب قتالية تتمثل بحرب العصابات الذي استنزف عدد كبير من الوحدات العسكرية الماسكة للأرض مما دفعها الى الانسحاب جزئيا من بعض المواقع، الا ان كفة النظام لا تزال هي الارجح بتفاوت لا يقبل القياس، فضلا عن تمتع النظام باستقرار نسبي في اغلب المدن السورية الكبرى، والجزء الاغلب من مدينة حلب، مما يدحض بعض التصريحات السياسية الكاذبة التي تراهن على سقوط الحكومة السورية او انفلات عقالها قريبا.

ويشعر عرابان الخليج والغرب على حد سواء بحراجة موقفهما، بعد مضي ما يقرب من عامين على انطلاق مشروع الاطاحة بالأسد دون جدوى، دفاعا بهم الى تبني المزيد من القرارات السياسية والدعم العسكري واللوجستي للمنظمات الموالية لها في سوريا، املا ان يخفف ذلك من الخسائر والضربات المتوالية التي تلقتها من الجيش العربي السوري.

تحالف غربي عربي!

فقد اعلنت ما تسمى مجموعة اصدقاء الشعب السوري المعارضة لنظام بشار الاسد خلال اجتماعها في مدينة مراكش المغربية، اعترافها بائتلاف المعارضة السوري "كممثل وحيد" للشعب السوري.

وقال سعد الدين العثماني وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي خلال ندوة صحافية في ختام اللقاء الذي حضره ممثلون عن 130 بلدا، تم الاعتراف الكامل بالائتلاف الوطني كممثل وحيد" للشعب السوري.

وتضم مجموعة أصدقاء الشعب السوري التي تجتمع للمرة الرابعة على المستوى الوزاري، أكثر من مائة دولة عربية وغربية ومنظمة دولية، اضافة الى ممثلي المعارضة. ولقاء مراكش هو الاول منذ الاجتماع الذي اعلن خلاله عن توحيد المعارضة السورية، تحت ضغط اميركي خصوصا.

وبعد دول مثل فرنسا وبريطانيا، اعترفت الولايات المتحدة بدورها الثلاثاء بالائتلاف الجديد للمعارضة السورية. وأعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما في مقابلة تلفزيونية على قناة ايه بي سي "قررنا ان الائتلاف (...) جمع ما يكفي من الفصائل التي تعكس وتمثل بشكل كاف الشعب السوري، بحيث نعتبره الممثل الشرعي للسوريين".

من جهته، قال وليام هيغ وزير الخارجية البريطاني في مراكش، ان الاعتراف الجماعي الذي حصل عليه ائتلاف معارضي النظام في دمشق يشكل "تقدما حقيقيا". واضاف ان "النقطة الاساسية الآن هي الحصول على مزيد من المساعدة". وتابع هيغ "في حالتنا، سيكون دعمنا غير مسلح بل سيركز على المساعدات الانسانية".

وقبل فترة وجيزة من هذا الاعتراف الاميركي ادرجت واشنطن متمردي ومقاتلي جبهة النصرة على قائمة المنظمات الارهابية الاجنبية، باعتبارها احدى المجموعات الجهادية المتفرعة عن القاعدة في العراق، حسب واشنطن.

وكانت واشنطن تتخوف منذ اشهر من "خطف الثورة السورية" من قبل اسلاميين متطرفين مسلحين. ويشدد الاميركيون على ان الجهاديين في جبهة النصرة، لا يمثلون في اي حال من الاحوال "ارادة الشعب السوري" المعارض لنظام الاسد.

وبرزت مجموعة جبهة النصرة، التي كانت غير معروفة بداية 2011، بشكل سريع في الفترة الأخيرة بسبب نشاطها الميداني المكثف. وقد دعا زعيم لائتلاف السوري المعارض احمد معاذ الخطيب الولايات المتحدة الى اعادة النظر في قرارها ادراج جبهة النصرة على لائحة الارهاب.

وقال الخطيب ان "القرار باعتبار احدى الجهات التي تقاتل النظام جهة ارهابية تلزم اعادة النظر فيه"، مؤكدا ان "كل بنادق الثوار هدفها اسقاط النظام المجرم" في سوريا.

وقد دانت جماعة الاخوان المسلمين الاجراء الاميركي واعتبرته "متعجلا وخاطئا ومستنكرا". كما دان رئيس المجلس العسكري في محافظة حلب التابع للجيش السوري الحر العقيد عبد الجبار العكيدي القرار، مؤكدا ان "جبهة النصرة لم تقم باي عمل مدان او غير قانوني ضد اي دولة اجنبية وعناصرها يحاربون حاليا الى جانبنا".

من جهته، صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان الولايات المتحدة "تعول على انتصار بواسطة السلاح" للائتلاف الوطني السوري المعارض بعد ان اعترفت به ممثلا شرعيا للمعارضة السورية. وقال "استغربت الى حد ما" اعلان الولايات المتحدة. واضاف "نستنتج بالتالي ان الولايات المتحدة قررت ان تراهن على انتصار بواسطة السلاح لهذا الائتلاف".

من جانب آخر، اصدر القضاء السوري مذكرتي توقيف في حق رئيس الحكومة اللبناني السابق سعد الحريري والنائب عقاب صقر المنتمي الى كتلة الحريري النيابية بتهمة ارسال اسلحة الى سوريا، بحسب ما ذكر مصدر امني.

وقال المصدر ان القضاء السوري اودع امس المكتب الاقليمي لمجلس وزراء الداخلية العرب الموجود في دمشق مذكرتي توقيف في حق الحريري، ابرز زعماء المعارضة اللبنانية المناهضة للنظام السوري، والنائب صقر المنتمي الى تيار المستقبل بزعامة الحريري، لتعميمهما على الدول العربية.

قطر تدعو لدعم مقاتلي المعارضة

من جهتها قالت قطر إن مقاتلي المعارضة السورية يقتربون من النصر وإنه يجب على العالم دعمهم. وقال وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني في اجتماع لمجموعة "أصدقاء سوريا" في المغرب إن حكم الأسد انتهى بعد الانتفاضة المستمرة منذ 20 شهرا والتي تقدمت خلالها المعارضة إلى أطراف دمشق.

وقال "اجتماعنا هذا له طابع وأهمية استثنائية لأنه ينعقد في وقت أوشك فيه شعب سوريا الشقيق على استكمال نصره وتحقيق تطلعاته المشروعة والتي بذل من أجلها الدماء والأرواح وقدم في سبيلها أغلى التضحيات." وأضاف الشيخ حمد "واجبنا الإنساني والأخلاقي يدعونا كذلك لأن نقدم الدعم والمساندة وبكل الوسائل المشروعة لمن يقاتلون ضد الظلم والقهر ومن أجل الحرية والكرامة الانسانية."

ودعا أيضا إلى مساعدة السوريين العاديين بمن فيهم اللاجئون الذين قال إنهم يعيشون في ظروف مأساوية مع حلول الشتاء واقترح عقد مؤتمر دولي للمانحين. بحسب رويترز.

وقال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفصيل في نفس الجلسة الافتتاحية للاجتماع إن بلاده تبرعت بمساعدات إنسانية بقيمة مئة مليون دولار. وقال الشيخ حمد إن النظام الحاكم في سوريا "قد انتهى بالفعل". وأضاف "قوى المعارضة تفرض سيطرتها على أجزاء واسعة من البلاد وسلطة النظام وسطوته تتهاوى وتتلاشى ولم يعد له إلا الطائرات ليروع بها المواطنين الأبرياء والدبابات ليقصف بها المساكن والمدارس وحتى المستشفيات."

وحث الشيخ حمد مجلس الأمن الدولي على فرض وقف لإطلاق النار وتأمين انتقال السلطة. وقال "لم يعد هناك مجال أو إمكانية لأي حوار مع نظام فقد شرعيته ومقومات بقائه واصبح جزءا من الماضي.

فرنسا غير مستعدة

من جانبها قالت فرنسا إنها ليست مُستعدة لتزويد مقاتلي المعارضة السورية بالسلاح وستدرس دور جماعة إسلامية مُسلحة ضمن المعارضة أدرجتها واشنطن على قائمة المنظمات الإرهابية. وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس للصحفيين قبل اجتماع مجموعة "أصدقاء سوريا"، "في الوقت الراهن قررنا عدم التحرك بشأن هذا. سنرى خلال الأشهر القليلة القادمة."

ورحب فابيوس الذي كانت حكومته أول من اعترف بالمعارضة السورية بتشكيل مجلس عسكري للمعارضة يهدف للمساعدة في تنسيق العمليات العسكرية لفصائل المقاتلين. لكنه قال إن الشكوك بشأن جبهة النصرة التي اعتبرتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية تمثل "مشكلة" لا تعتزم فرنسا وبريطانيا بسببها إعادة النظر على الفور في حظر السلاح المفروض على سوريا والذي مدد آحر لمرة لثلاثة أشهر.

ومضى يقول "في الوقت الراهن نحن لا نتحرك... لا مجال لإشراك الجهاديين في هذه الآلية وسيحتاج هذا إلى مزيد من النقاش الآن بعد إضافة جبهة النصرة إلى القائمة."

وقال فابيوس إن الاجتماع كشف الخلافات في الآراء بشأن كيفية التعامل مع جبهة النصرة حيث تتساءل دول عربية عن سبب تهميش جماعة أثبتت كفاءتها ضد قوات الأسد. بحسب فرانس برس.

وقال فابيوس إن فرنسا ستدرس القضية. واضاف "اعتبرت الولايات المتحدة أنه ينبغي وضع هذه الجماعة على قائمة المنظمات الإرهابية ... فيما يتعلق بفرنسا سندرس (دور جبهة النصرة) بالتفصيل لأنها قضية لا يمكن تجنبها."

وكانت فرنسا قالت من قبل إنه يجب بحث مسألة تسليح المعارضة لكن بعد تشكيل حكومة شرعية معارضة تتمتع بدعم واسع. وقال فابيوس "الصعوبة الأساسية تكمن في زيادة جرأة المقاومة وتسريع سقوط الأسد دون تدمير المؤسسات القائمة. لا نريد أن نمضي في الطريق الذي سلكه العراق." وأضاف أن الائتلاف ينضج بسرعة لكنه لا يزال بحاجة إلى إحراز تقدم بشأن حماية الأقليات ومواصلة جهود تخفيف معاناة المدنيين على الأرض.

روسيا تنفي

الى ذلك نفت وزارة الخارجية الروسية أن يكون نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، قد أدلى بتصريحات خاصة بالشأن السوري مؤخراً، وذلك بعدما نقلت تقارير روسية عن المبعوث الخاص للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى الشرق الأوسط، قوله إن نظام الرئيس بشار الأسد "يفقد السيطرة بشكل تدريجي" على سوريا.

وأصدر المتحدث باسم وزارة الخارجية، ألكسندر لوكاشيفيتش، بياناً قال فيه: "إزاء ما نشرته وسائل إعلام روسية وأجنبية، من تصريحات تنسب إلى المبعوث الخاص لرئيس روسيا إلى الشرق الأوسط، نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، حول تطور الوضع في سوريا، نود أن نشير إلى أنه (بوغدانوف) لم يدل بأي تصريح خاص للصحفيين في الأيام القليلة الماضية."

إلا أن البيان، الذي أوردته وكالة "نوفوستي" الروسية للأنباء، أشار إلى أنه "تم خلال مناقشة مواضيع تتعلق بالشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية، في 13 ديسمبر (كانون الأول الجاري) في المجلس الاجتماعي لروسيا الاتحادية، التطرق إلى الموضوع السوري، من جملة مواضيع أخرى، وتم سرد مزاعم ممثلي المعارضة السورية المتشددة، ومموّليها الأجانب، الذين يتوقعون انتصاراً سريعاً على النظام في دمشق."

ولفت البيان إلى أنه "في هذا السياق، أكد ميخائيل بوغدانوف تمسك روسيا بموقفها الذي لا يرى بديلاً للتسوية السياسية في الجمهورية العربية السورية، والتي تستند إلى البيان الختامي لـ(مجموعة العمل)، الذي تمت الموافقة عليه بإجماع المشاركين في الاجتماع الوزاري في 30 يونيو/ حزيران من العام الجاري في جنيف." بحسب السي ان ان.

وكانت وكالات أنباء قد نقلت عن نائب وزير الخارجية الروسي قوله إنه "لا يستطيع، مع الأسف، أن يستبعد انتصار المعارضة في الحرب الأهلية في سوريا.. ولكنه لا يظن أن المعارضة تستطيع أن تُسقط الحكومة قريباً، مرجحاً أن يتصاعد القتال في سوريا"، وهو ما فسره مراقبون بأنه "تغيير كبير في الموقف الروسي"، بحسب ما نقلت نوفوستي.

كما أشار المسؤول الروسي إلى أن بلاده لديها خطط طارئة لإجلاء المواطنين الروس من سوريا، والذين يُقدر عددهم بالآلاف، لافتاً إلى أن نحو نصف الرعايا الروس يدعمون المعارضة"، إلا أنه أكد أن موسكو لا تنوي إجلاء العاملين بسفارتها في سوريا حالياً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/كانون الأول/2012 - 3/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م