دفة الاقتصاد الدولي... النفط موارد جديدة وطلب متزايد

 

شبكة النبأ: على الرغم من البدائل المتوفرة للنفط، لا يزال هذا المنتج يسير مختلف شؤون الحياتية الاساسية منها والثانوية، مما يجعل منه حتى هذا الوقت رافدا محوريا لاقتصاديات الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.

الا ان ابرز ما تفضي اليه الانباء حول مصادر النفط في العالم هي اكتشافات منابع جديدة ونضوب أخرى في اكثر من مكان، الامر الذي قد يتسبب في تقلبات جوهرية على اكثر من صعيد، اقتصادي وسياسي.

اذ تشير بعض التوقعات الى ظهور موارد نفطية في العالم لم تكن في الحسبان، وفي مناطق كانت حتى عهد قريب مستبعدة من احتمال احتوائها للنفط في الوقت الذي يتزايد الطلب على هذا المصدر من الطاقة.

وكالة الطاقة الدولية

فقد اعلنت وكالة الطاقة الدولية التي تضم كبرى الدول المستهلكة للطاقة رفع توقعاتها للطلب العالمي على النفط ل2012 و2013 بشكل طفيف، ولو ان النمو العالمي سيظل "محدودا" العام المقبل.

وفي تقريرها الشهري الصادر في كانون الاول/ديسمبر، تتوقع الوكالة استهلاكا للنفط ب89,7 مليون برميل في اليوم في 2012 وب90,5 مليون برميل في اليوم في 2013 اي بزيادة 70 الف برميل و110 الاف برميل تباعا عما كانت تتوقعه في تشرين الثاني/نوفمبر.

وجاء في تقرير الوكالة ان "الطلب العالمي من المتوقع ان يظل ضعيفا نسبيا خلال 2013، وذلك على اساس التوقعات المتجددة بان النمو العالمي سيكون محدودا ودون تجاهل الاشارات بان الاجواء الاقتصادية في الصين عادت ايجابية بشكل طفيف".

وصدرت هذه التوقعات الحذرة رغم النهوض المتوقع للطلب في الفصل الرابع من العام 2012 (اكثر من 400 الف برميل اضافية في اليوم لتصل الى 90,5 ملايين)، بحسب الوكالة.

وتابعت الوكالة ان الفصلين الاولين من العام 2013 سيتراجعان الى 90,0 مليون برميل في اليوم و89,5 ملايين برميل في اليوم قبل ان يسجل الطلب تحسنا في الفصلين الثالث والرابع (91,1 مليون برميل في اليوم و91,6 ملايين برميل في اليوم).

وكانت الوكالة التي تضم دولا ثرية وتتخذ من باريس مقرا لها خفضت الى حد كبير توقعاتها للطلب على النفط في اواخر 2011 ومطلع 2012. وتوقعاتها لا تزال متشابهة الى حد كبير منذ بضعة اشهر رغم بعد التعديلات الشهرية بالزيادة او الخفض.

أمريكا ستصبح أكبر منتج

الى ذلك قالت وكالة الطاقة الدولية إن الولايات المتحدة ستتخطى السعودية وروسيا كأكبر منتج للنفط في العالم في 2017 متوقعة أن تقترب واشنطن للغاية من تحقيق الاكتفاء الذاتي.

وتتناقض تقديرات الوكالة التي تقدم المشورة بشأن سياسات الطاقة للدول الصناعية الكبري بشكل صارخ مع تقارير سابقة توقعت فيها أن تظل السعودية أكبر منتج للنفط في العالم حتى 2035.

وقالت الوكالة في تقريرها السنوي عن التوقعات طويلة الأجل "التطورات في قطاع الطاقة في الولايات المتحدة عميقة وسيمتد أثرها خارج أمريكا الشمالية وقطاع الطاقة" وذلك في أكثر التوقعات تفاؤلا لنمو انتاج الطاقة الأمريكي حتى الان.

وأضاف التقرير "الزيادة الأخيرة في انتاج الغاز والنفط في الولايات المتحدة بفضل تكنولوجيات المنبع تتيح استغلال مصادر للغاز والنفط الصخري ما يحفز النشاط الاقتصادي.. إذ تمنح أسعار الغاز والكهرباء الأرخص الصناعة ميزة تنافسية."

وتوقعت الوكالة استمرار تراجع الواردات الأمريكية من النفط وأن تتجاوز صادرات أمريكا الشمالية وراداتها بحلول 2030.

وقال فاتح بيرول كبير اقتصاديي الوكالة في مؤتمر صحفي في لندن إن الولايات المتحدة ستتخطى روسيا كأكبر منتج للغاز بفارق كبير بحلول عام 2015 وبعد ذلك بوقت قصير أي في عام 2017 ستصبح الولايات المتحدة أكبر دولة منتجة للنفط في العالم.

وقد يكون لذلك تداعيات سياسية كبيرة إذا شعرت واشنطن أن مصالحها الاستراتيجية لم تعد مرتبطة بالشرق الأوسط أو غيره من المناطق المنتجة للنفط التي تشهد تقلبات.

ويتساءل محللون عما إذ كانت الولايات المتحدة ستظل مستعدة لحماية طرق التجارة الرئيسية في أنحاء العالم مثل مضيق هرمز في الشرق الأوسط إذا حققت الاكتفاء الذاتي من الطاقة.

وقالت الوكالة إن الولايات المتحدة ستعتمد على الغاز الطبيعي أكثر من اعتمادها على النفط أو لفحم بحلول 2035 إذ تعزز الامدادات المحلية الرخيصة الطلب من المصانع ومحطات الكهرباء.

وقال بيرول إنه يدرك ان توقعات الوكالة متفائلة في ضوء أن طفرة النفط الصخري مازالت ظاهرة حديثة نسبيا. وقال "مصادر النفط الخفيف المحكم غير معروفة بشكل جيد ... لو لم يتم اكتشاف مصادر جديدة (بعد 2020) وما لم تكن الأسعار بنفس مستواها المرتفع الحالي فقد نشهد عودة السعودية للمركز الأول بين المنتجين مجددا."

وقالت الوكالة إنها تتوقع ارتفاع انتاج الولايات المتحدة من النفط إلى عشرة ملايين برميل يوميا بحلول 2015 و11.1 مليون برميل يوميا بحلول 2020 قبل ان يتراجع إلى 9.2 مليون برميل يوميا بحلول 2035. وأضافت أن انتاج السعودية سيكون 10.9 مليون برميل يوميا بحلول 2015 و10.6 مليون برميل يوميا في 2020 لكنه سيرتفع إلى 12.3 مليون برميل يوميا بحلول 2035.

وسيجعل ذلك العالم يعتمد بصورة متزايدة على اوبك بعد 2020 إذ أنه إلى جانب زيادة الانتاج السعودي فإن العراق سيشكل نحو 45 بالمئة من النمو في انتاج النفط العالمي حتى 2035 ويصبح ثاني أكبر بلد مصدر متجاوزا روسيا. وسترتفع حصة أوبك من انتاج النفط العالمي إلى 48 بالمئة من 42 بالمئة حاليا.

ومن المتوقع أن يستقر انتاج روسيا من النفط - الذي ظل اكبر من الانتاج السعودي على مدى العقد المنصرم - عند اكثر من عشرة ملايين برميل يوميا بحلول 2020 حينما يبدأ في الانخفاض لاكثر قليلا من تسعة ملايين برميل يوميا بحلول 2035.

وقالت الوكالة "ستشهد روسيا التي ظلت اكبر بلد مصدر للطاقة عبر تلك الفترة ارتفاعا في ايراداتها من صادرات النفط والغاز الطبيعي والفحم من 380 مليار دولار في 2011 إلى 410 مليارات في 2035."

واضافت أن طفرة النفط الامريكي ستؤدي لتسارع تحول اتجاه تجارة النفط العالمية متوقعة انه بحلول 2035 سيتم توجيه نحو 90 بالمئة من نفط الشرق الاوسط إلى اسيا.

أوبك لا تخشى تراكم المخزونات

من جهته قال الأمين العام لأوبك عبد الله البدري إن أوبك ليست قلقة من ارتفاع المخزونات في النصف الأول من العام المقبل ما دامت أسعار النفط تتجنب التحركات المبالغ فيها من مستوياتها الحالية المقبولة.

واتفقت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على الابقاء على المستوى المستهدف للإنتاج عند 30 مليون برميل يوميا خلال اجتماعها الاخير وهو مستوى تجاوزته أوبك في نوفمبر تشرين الثاني بنحو 800 ألف برميل يوميا.

وتظهر توقعات أوبك أن متوسط الطلب على نفطها سيبلغ 29.25 مليون برميل يوميا في النصف الأول من 2013 ما يعني احتمال تراكم مخزونات إذا استمرت أوبك في ضخ النفط بمستويات نوفمبر وهو ما قد يضغط على الأسعار.

وأبلغ البدري -الذي مددت أوبك خلال اجتماعها بقاءه في المنصب لعام آخر- الصحفيين في إفادة بأن هذه المسألة لا تبعث على القلق. وقال البدري "هناك مخزون يتشكل.. هذا أمر طبيعي." وأضاف أنه خلال الربعين الثالث والرابع هذا العام اتجهت المخزونات للتراجع "أوبك لا تقلق إلا إذا رأت... سعرا أعلى من اللازم أو سعرا أدنى من اللازم.. حينئذ يساورنا القلق."

وأضاف عن السعر الحالي للنفط الذي يبلغ نحو 109 دولارات للبرميل "أعتقد أن السعر مقبول للمنتجين والمستهلكين."

ولم تدع أوبك صراحة في بيانها الدول الأعضاء إلى الالتزام بصورة أكبر بمستوى الانتاج المستهدف 30 مليون برميل يوميا لكن البدري ذكر أنه تمت مطالبة الأعضاء بخفض إنتاجهم.

وتابع "قررنا العودة لمستوى 30 مليون برميل يوميا وطلبنا من الدول الأعضاء الالتزام بالأرقام المحددة."

وضخت أوبك أكثر من 30 مليون برميل يوميا خلال جميع شهور العام الحالي لكن البدري قال إن النفط الذي تنتجه أوبك فوق مستوى الطلب المتوقع لخاماتها قد يتحول إلى مخزونات خارج دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

برنت في طريقه للتفوق

من جانب آخر، بعد أعوام من السير بخطى ثابتة يبدو أن مزيج برنت بات أخيرا على وشك التفوق على الخام الأمريكي الخفيف ليصبح خام النفط القياسي العام المقبل في الوقت الذي بدأ فيه أحد أبرز مؤشرات الأسواق المالية تغيير وزن كلا الخامين.

وصار برنت اختيارا لكبار المستثمرين بل ولبعض الشركات الأمريكية. وقد ارتفع حجم تداول العقود الآجلة وعقود الخيارات لمزيج برنت مما عزز السيولة على حساب الخام الأمريكي الذي يعرف بأيضا بخام غرب تكساس الوسيط.

ومن المتوقع أن يظهر ذلك على مؤشر ستاندرد آند بورز جي.إس.سي.آي الذي يحظى باهتمام واسع النطاق بدءا من أول يناير كانون الثاني المقبل إذ سيزيد وزن برنت في المؤشر وينخفض وزن الخام الأمريكي بعد ابتعاد عدد من كبار منتجي ومستهلكي النفط عنه.

وابتعدت السعودية وبعض الدول الأخرى المنتجة للنفط عن الخام الأمريكي بينما انجذبت شركات تكرير ومستخدمون نهائيون وصناديق تحوط إلى مزيج برنت خام بحر الشمال الذي يعتقدون أنه يعكس المخاطر العالمية بشكل أكثر دقة.

وقال إيان تيلور رئيس شركة فيتول أكبر شركة لتجارة النفط في العالم خلال مؤتمر للصناعة في لندن الشهر الجاري "هل يمكننا جميعا أن ننسى أمر خام غرب تكساس الوسيط؟... لم يعد عملة دولية ذات أي قيمة على الإطلاق."

وأظهرت بيانات من البورصات أن متوسط حجم تداول العقود الآجلة لمزيج برنت العام الجاري في بورصة انتركونتيننتال زاد على متوسط حجم عقود الخام الأمريكي التي جرى تداولها في بورصة نيويورك التجارية (نايمكس) بأكثر من 30 ألف عقد يوميا حيث تجاوز متوسط عدد عقود برنت 600 ألف عقد مقابل حوالي 570 ألف عقد لخام غرب تكساس الوسيط.

أما إجمالي التداول في البورصتين معا فلا يزال يظهر تفوق عقود النفط الأمريكي فيما يتعلق بحجم التداول وعدد العقود المتاحة التي لم تتم تسويتها غير أن برنت يقترب من مستوى منافسه الأمريكي بل ويبدو أنه سيتفوق عليه في أوائل العام الجديد.

ومن الملحوظ أن حجم تداول عقود الخيارات لمزيج برنت زاد بوتيرة متسارعة. وتظهر بيانات من بورصتي انتركونتيننتال ونايمكس أنه بالرغم من أن حجم سوق خيارات برنت لا يزال يعادل ربع نظيره الأمريكي إلا أن عقود خيارات برنت زادت بأكثر من 300 بالمئة منذ بداية العام الجاري.

وقال جاك كيليت رئيس قسم النفط في مجموعة جي.إف.آي "حتى المنتجين الأمريكيين متوسطي الحجم بدأوا في التحول من غرب تكساس الوسيط إلى برنت في برامجهم التحوطية."

وقال جون كيلدوف من صندوق التحوط أجين كابيتال في نيويورك إن المستخدمين النهائيين الأمريكيين أصبحوا يقبلون على برنت نظرا لأنه يعكس حركة أسعار المنتجات النفطية بصورة أكثر دقة.

وأضاف كيلدوف "لا يحظى برنت حتى الآن بقبول تام من الشركات التي يقتصر تعرضها على الولايات المتحدة لكن الفكرة القائلة بأن برنت هو الخام الذي له تعرض دولي حقيقي تلقى قبولا."

واختارت مجموعة من الشركات في الأمريكتين مزيج برنت.

وتحولت شركتا الطيران الأمريكيتان ساوث ويست إيرلاينز ودلتا إلى برنت للتحوط في تعرضهما لوقود الطائرات.

وقالت شركة إيكوبترول الكولومبية الشهر الماضي إنها ستبدأ استخدام برنت كأساس للتسعير بينما قالت شركة بتروترين المملوكة للدولة في ترينيداد وتوباجو وشريكتها بيفيلد إنهما تعتزمان بيع النفط بأسعار مرتبطة بسعر برنت بدلا من الخام الأمريكي.

والانتقاد الرئيسي الموجه إلى خام غرب تكساس الوسيط هو أنه لم يعد يتتبع السوق الفورية الدولية بشكل فعال مثل برنت. وأدى تنامي إنتاج النفط الأمريكي والكندي إلى انخفاض سعر النفط الخام في منطقة الغرب الأوسط بالولايات المتحدة حيث يتم تسعير الخام الأمريكي وتزداد المشكلة سوءا لأن شبكة خطوط الأنابيب غير كافية مما يساهم في تراجع أسعار خام غرب تكساس الوسيط أمام برنت.

وبسبب طبيعة إنتاج خام غرب تكساس الوسيط في منطقة لا تطل على سواحل قررت السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم التخلي عن الخام الأمريكي كأساس للمبيعات الأمريكية لصالح سلة من خامات خليج المكسيك.

والعقود الآجلة للخام الأمريكي أيضا تشهد وضعا سلبيا بسبب هيكل أسعارها. فنظرا لأن عقود أقرب استحقاق للخام تشهد غالبا تراجعا أمام العقود اللاحقة فإن المستثمرين المهتمين بالعقود يواجهون خسارة في العائد.

ففي كل مرة ينتهي فيها تداول عقد أقرب استحقاق للخام الأمريكي يضطر المستثمرون إلى استبداله بعقد شهر لاحق أغلى ثمنا. ويرى السماسرة أن هناك موجة من التداول تتجه صوب برنت ويقولون إن تغيير مؤشر ستاندر آند بورز جي.إس.سي.آي للأوزان سيسرع من هذه العملية. واعتبارا من أول يناير سيخفض المؤشر وزن الخام الأمريكي بنسبة 6.25 بالمئة إلى 24.71 بالمئة بينما يزيد وزن برنت بنسبة 3.99 بالمئة إلى 22.34 بالمئة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/كانون الأول/2012 - 2/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م