إستثمار السير الى المراقد المقدسة

شبكة النبأ: يشهد العراق اقبالا متزايدا على ظاهرة السير على الاقدام الى المراقد المقدسة، التي تنتشر في مدنه ومعظم أراضيه، لاسيما في مدينتيّ كربلاء والنجف المقدستين، بالاضافة الى عشرات المراقد الموزعة في وسط وجنوب وشمال العراق، وقد تزايدت اعدد الزوار الى المدن المقدسة من خارج العراق ايضا حيث بلغت مئات الآلاف مع الملايين التي تتدفق من عموم مدن ومناطق العراق المختلفة.

إن هذه الكثافة التي تصل الى الملايين في اعداد الزوار القادمين الى كربلاء المقدسة والنجف المقدسة والروضة الكاظمية المقدسة، لم نجدها في اي دولة من دول العالم الاسلامية او غيرها، وبهذا تعد ظاهرة عراقية بحتة.. لذا ينبغي استثمارها وفقا لهذا الزخم البشري الذي لن يتحقق في اي ظاهرة او مناسبة اخرى في العالم اجمع، حتى في اكبر المحافل الرياضية او الفنية او الطقوس التي تعتمد الزخم البشري، فقط في العراق تجد الملايين الذين يربو عددهم على 15 مليون يسيرون على اقدامهم وصولا الى المراقد الطاهرة، كما في زيارة اربعينية الامام الحسين عليه السلام التي ستمر علينا ذكرها في غضون الايام القليلة القادمة.

والواقع ان هناك بعض الاصوات التي راحت تعترض على المشي لاسباب مفتعلة وغير حقيقية، وبدلا من النظر الى تفرد العراق بهذه الظاهرة، وامكانية استثمارها للصالح العام، ينظر هؤلاء البعض بأفق ضيق الى هذه الظاهرة ويعدونها حسب رأيهم (غير حضارية) متناسين انها فيما لو تم التعامل الصحيح معها، وتم استثمارها من قبل المعنيين بالصورة الصحيحة، فإنها ستصب في صالح العراقيين والمسلمين عموما.

ومن الخطوات التي يمكن اتخاذها من اجل الاستفادة من ظاهرة المشي نشر الوعي الثقافي والديني والاخلاقي والمجتمعي عموما، بالنظر لوجود الكثافة البشرية في هذه المناسبات وباعداد هائلة، اذ يمكن اقامة المحافل والاماكن الثقافية على الطرق الكثيرة التي يستخدمها السائرين الى المدن المقدسة، وقد يقول قائل يمكن مخاطبة الناس عبر وسائل الاعلام، ولكن هناك نقطة مهمة يجب التنبّه لها وهي انك تواجه عددا كبيرا من الناس وجها لوجه ويمكن تثقيفهم بصورة مباشرة على ما هو صحيح ومطلوب، من خلال اقامة المحافل القرائية المختلفة والتثقيف على المناهج الجيدة لاستمراية الحياة الافضل، ناهيك عن زرع القيم والتقاليد الفاضلة في نفوس الجميع من خلال الخطب والثقافة والادب والأعمال المسرحية وسواها.

لهذا لابد من وضع مناهج وخطط منظمة ودقيقة، وقابلة للتحول من كونها فقرات نظرية الى اجراءات تطبيقية عملية، كذلك لابد من البدء مع النسغ الجديد وفئة الشباب والمراهقين، وتطوير الوعي لديهم، من خلال استثمار وجودهم بشكل كثيف في مثل هذه المناسبات الدينية التي تتكرر اكثر من مرة سنويا، ولابد من تعميق هذه الطقوس في نفوس الشباب بما يجعلهم اكثر ميلا الى الاتقان والتقوى والايمان، خاصة ان الشباب معرضون في عالم اليوم الى الانحراف اكثر من سواهم في ظل العولمة ووسائل الاتصال والتلفزة والانترنيت وغيرها.

لذا لابد من وسائل حماية للشباب، تجعل الايمان والاخلاق والفضيلة تتصدر افكارهم وسلوكهم، وهذا لا يتحقق من دون استثمار الزخم البشري الذي يتوفر بصورة نموذجية في الزيارات والمناسبات الدينية التي يتقاطر فيها الملايين من الزوار الى المراقد المطهرة في المدن المقدسة، ولكن تبقى قضية التخطيط المثالي للاستثمار والتنفيذ الدقيق، فضلا عن قضية الايمان الحقيقي بأن هذه الظاهرة متفردة ولا توجد مثيلتها في عموم دول العالم وانطلاقا من هذه الميزة، ينبغي التعامل الايجابي مع قضية المشي على الاقدام الى المراقد المقدسة، ويذكر لنا التاريخ وليس الحاضر ان هناك أُناسا مشاؤون قديما في احدى الدول يقطعون آلاف الأميال وصولا الى مكان في جبل يعتقدون بأنه مقدس، أما حاليا فليس هناك مشي على الاقدام لمسافات طويلة وبزخم كبير سوى ما يحدث في العراق فقط، لذا ينبغي الاستثمار الامثل لهذه الطقوس الفريدة من نوعها لصالح الامة والمجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/كانون الأول/2012 - 2/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م