احتجاجات المسلمين في إثيوبيا... صراع ديني متجدد

 

شبكة النبأ: تصاعدت التوترات بين المسلمين والحكومة الإثيوبية على مدى عدة أشهر إذ يتظاهر الآلاف منهم احتجاجاً على مزاعم تدخل الحكومة في شؤونهم الدينية. غير أن الحكومة ألقت باللائمة في تلك الاحتجاجات على مجموعة صغيرة من المتطرفين.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن حوالي 60 بالمائة من سكان إثيوبيا البالغ عددهم 84 مليون نسمة هم من المسيحيين بينما يشكل المسلمون حوالي الثلث. وكانت المصادمات الدينية نادرة الحدوث في البلاد، لكن الاضطرابات التي وقعت خلال الأشهر العديدة الماضية أدت إلى سقوط العديد من القتلى واعتقال عشرات الأشخاص.

ما الذي أثار الاحتجاجات؟

يتهم قادة الاحتجاجات التي بدأت في ديسمبر 2011 الحكومة الإثيوبية بمحاولة فرض طائفة الأحباش الإسلامية على المجتمع المسلم في البلاد الذي يمارس تقليدياً المذهب الصوفي للإسلام. ومعتقدات الأحباش هي تفسير للإسلام يجمع بين عناصر الإسلام السني والصوفية، وتعاليمها منتشرة في لبنان. ويقال أن أول من قام بتدريس تعاليم الأحباش هو عالم الدين الإثيوبي عبد الله الهراري. وتعتبر تعاليم الأحباش الإثيوبيين معتدلة وتدعو إلى التعددية الإسلامية بينما تعارض النشاط السياسي.

وفي ديسمبر 2011، قامت الدولة بإقالة إدارة المدرسة الأولية، وهي مدرسة لتعليم الدين الإسلامي في أديس بابا. وفي يوليو قامت الشرطة بتفريق اجتماع ليلي عقد في المدرسة عشية انعقاد مؤتمر قمة الاتحاد الإفريقي واعتقلت العديد من المحتجين والمنظمين للاجتماع الذي لم يكن حاصلاً على تصريح، على حد قول الشرطة.

وتتكون "لجنة التحكيم" التي قامت بتنظيم الاجتماع من 17 عضواً بقيادة علماء دين بارزين قيل أنهم أرادوا إجراء حوار مع الحكومة لكنهم أصروا على مواصلة احتجاجاتهم المشروعة لمعارضة تدخل الحكومة المستمر في إدارة المدرسة الدينية وانتخاب أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى في البلاد.

كما اتهموا الحكومة بإملاء الانتخابات- التي عقدت في 5 نوفمبر- على المجلس ومحاباة طائفة الأحباش المسلمة. ويقول تمام أبابولجا، وهو محامي يمثل النشطاء الذين قادوا الاحتجاجات- ويوجد بعضهم حالياً خلف القضبان- أنهم قدموا استئنافاً إلى محكمة اتحادية لإلغاء الانتخابات ونتائجها على أساس أن الانتخابات لم تجرى وفقاً للوائح المجلس.

وقال جوار محمد المحلل الاثيوبي الذي يدرس الآن في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية أن "معارضة الأحباش في هذا الوقت ليست عقائدية... فالمتظاهرون يعارضون أن يتبنى النظام حركة الأحباش ويوفر لها التمويل والدعم اللوجيستي ويسمح لها باستخدام المجلس الإسلامي ومؤسسات الدولة للتبشير بها.

وأضاف أن "حركة الأحباش موجودة في إثيوبيا منذ التسعينيات وقد تعايشت بسلام مع بقية حركات الإحياء الإسلامية. لكن المواجهة حدثت بعد أن دعت الحكومة القيادات البارزة للأحباش من لبنان وبدأت بحملة شرسة لإعادة تلقين مذهب الأحباش".

ما هو رد الحكومة؟

لكن الحكومة تنفي أنها تنتهك دستور البلاد بالتدخل في الشؤون الدينية. وفي خطابه أمام البرلمان يوم 16 أكتوبر قال رئيس الوزراء هيلي مريام ديسالين أن "الحكومة لم ولن تتدخل في شؤون أي دين في البلاد".

وفي ذروة الاحتجاجات في منتصف أبريل، أخبر رئيس الوزراء في ذلك الحين ميليس زيناوي -الذي توفي في أغسطس الماضي - البرلمان بأن "قلة من المتطرفين يعملون على تقويض تقاليد التسامح العتيقة بين المسيحيين والمسلمين أتباع الصوفية التقليدية في إثيوبيا"، مؤكداً على أن الحكومة تتسامح معهم.

وقالت الحكومة في بيان لها رداً على ادعاءات منظمة العفو الدولية أن "الحكومة قامت بكل ما تستطيع لدعم مسألة انتخابات المجلس الإسلامي". وأضاف البيان: "صحيح أنه قد تم القبض على بعض أعضاء لجنة المحتجين بعد الاحتجاجات العنيفة، ولكنه من المضلل تماماً أن يتم الايحاء بأن هذه اللجنة قد تم اختيارها لتمثيل شكاوى ومظالم المجتمع المسلم أمام الحكومة. فهذه اللجنة لم يتم اختيارها ولا انتخابها من قبل أي شخص...ولكنها باختصار لجنة صغيرة من المحتجين قامت بتنصيب نفسها وتحظى بدعم محدود من المجتمع ككل وهو ما أظهرته بوضوح الانتخابات الأخيرة".

ويشكل تزايد التشدد الإسلامي في المنطقة- حيث شهدت كينيا والصومال وتنزانيا زيادة في الأنشطة الإسلامية- مصدر قلق للسلطات الإثيوبية التي تقول أنها تواجه تهديدات متزايدة مع اكتشاف أول خلية للقاعدة في البلاد. ويمثل 11 شخصاً أمام المحاكمة للاشتباه في انتمائهم لخلية القاعدة هذه واتهامهم بالتخطيط لهجمات إرهابية.

ماذا تقول جماعات حقوق الإنسان؟

وقد ضمت الولايات المتحدة صوتها إلى الاتهامات الموجهة لإثيوبيا بالتدخل في الشؤون الدينية لسكانها المسلمين واعتقال الناس بصورة غير مشروعة. وقد رفضت أديس أبابا هذه الاتهامات في عدة مناسبات.

وقال بيان صادر يوم 8 نوفمبر عن لجنة الحريات الدينية الأمريكية- وهي هيئة حكومية من الحزبين الديمقراطي والجمهوري- أنه "منذ يوليو 2011 سعت الحكومة الإثيوبية إلى فرض التغيير في المذهب الإسلامي الذي تتم ممارسته في جميع أنحاء البلاد وقامت بمعاقبة رجال الدين والعلمانيين الذين قاوموا هذا التغيير"، مضيفاً أنه "قد جرى اعتقال المسلمين في جميع أنحاء إثيوبيا أثناء تلك الاحتجاجات السلمية".

وقد اتهمت منظمة العفو الدولية أيضاً السلطات الإثيوبية "بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان رداً على حركة المسلمين الاحتجاجية المستمرة في البلاد". وقالت المنظمة أن الشرطة كانت تستخدم "القوة المفرطة" ضد المتظاهرين السلميين.

وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش أنها تشعر بقلق عميق من استخدام الحكومة الإثيوبية بصورة متكررة المحاكمات المتعلقة بالإرهاب لتضييق الخناق على حرية التعبير وحرية التجمع المشروعتين. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية.

وقالت ليتيشيا بدر، الباحثة المختصة في إثيوبيا لدى منظمة هيومان رايتس ووتش أن "العديد من تلك المحاكمات تمت بدوافع سياسية وشابتها انتهاكات خطيرة لإجراءات التقاضي السليمة". وأضافت أنه "ينبغي الإفراج الفوري عن القادة المسلمين وغيرهم ما لم تستطع الحكومة تقديم أدلة ذات مصداقية على نشاطهم غير المشروع. ولكن حقيقة أن العديد من المعتقلين ظلوا رهن الاعتقال لأكثر من ثلاثة أشهر دون تهمة يثير بالفعل تساؤلات حول وجود مثل تلك الأدلة".

وتقول جماعات حقوق الإنسان أيضاً أن الصحفيين الذين يقومون بتغطية الاحتجاجات يتعرضون لمضايقات متزايدة. ففي شهر أكتوبر قامت الشرطة باحتجاز مارثي فان دير وولف، مراسلة إذاعة صوت أمريكا بينما كانت تقوم بتغطية إحدى الاحتجاجات في مسجد أنور. وطبقاً لما ذكرته لجنة حماية الصحفيين فقد طلب منها مسح المقابلات التي قامت بتسجيلها.

وقالت لجنة حماية الصحفيين في بيان لها في أكتوبر أنه "ينبغي على السلطات الإثيوبية أن توقف مضايقاتها للصحفيين الذين يقومون بتغطية احتجاجات المجتمع الإسلامي في البلاد وأن توقف ترهيبها للمواطنين الذين يحاولون الحديث مع المراسلين بشأن القضايا السياسية والعرقية والدينية الحساسة".

وتنفي الحكومة قيامها بقمع الاحتجاجات باستخدام العنف وتقول أن "واحداً أو اثنين من تلك الاحتجاجات كان عنيفاً للغاية (وأدت إلى مقتل أفراد الشرطة)".

ويشعر النشطاء وجماعات حقوق الإنسان بالقلق بشأن الإشارات إلى "الإرهاب" في التهم الموجهة للمحتجين. وقال جوار محمد أن "التهم تشمل ادعاءات مشابهة استخدمت لمحاكمة صحفيين معارضين وقيادات معارضة في السنوات القليلة الماضية... وقيادات الاحتجاجات الإسلامية هم فقط آخر ضحايا حرب النظام على الأصوات المعارضة".

وأضاف جوار محمد قائلاً: "في الواقع أن العديد من علماء الدين المسلمين والقيادات الروحية الذين يتم اتهامهم بالتآمر لإنشاء دولة إسلامية قد كتبوا وتحدثوا علناً عن معارضتهم لأي شكل من أشكال التطرف، مؤكدين على أن إثيوبيا بلد متعدد الأديان تكون فيها الدولة العلمانية أمراً لا غنى عنه من أجل التعايش السلمي".

وقال جوار محمد أن "المفارقة هي أن العديد من هؤلاء القادة المسلمين هم من أتباع الطريقة الصوفية ولهم سجل حافل في أنشطة مكافحة تسلل العناصر المتطرفة إلى المجتمع".

ما مدى الاحتجاجات والعنف؟

وقد استمرت المظاهرات لما يقارب العام ولم تظهر أية علامات على التراجع. وأثناء احتفالات عيد الأضحى في نهاية أكتوبر الماضي خرج عشرات الآلاف من المسلمين إلى الشوارع للاحتفال بالعيد وبعد الصلاة قاموا بتنظيم احتجاجات. وقد كُتب على أحد اللافتات التي حملها بعض المحتجين عبارة "ليس لدينا شيء نقتل من أجله...ولكن لدينا الإسلام لنموت من أجله".

وأدى القبض على أحد الأئمة في منطقة أوروميا في أبريل الماضي إلى مصادمات خلفت أربعة قتلى، في حين قامت الشرطة الاتحادية بالاشتباك مع المحتجين في مسجد أنور الكبير في أديس أبابا يوم 21 يوليو.

وقال شيميليس كيمال وزير الدولة لشؤون الاتصالات أن ثلاثة مدنيين وضابط شرطة لقوا مصرعهم في شهر أكتوبر في منطقة أمهارا عندما أقتحم محتجون مركزاً للشرطة حيث كان أحد القيادات الدينية مسجوناً. وفي 29 أكتوبر اتهمت النيابة العامة الاتحادية النشطاء المسجونين وآخرين بالإرهاب كما تم اتهام مجموعة مكونة من 29 شخصاً بالسعي لإقامة دولة إسلامية وهو ما يقوض الدستور العلماني للبلاد.

وقد حذرت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير صدر مؤخراً بعد وفاة ميليس من أن الحكومة الجديدة ستجد صعوبة في التعامل مع الشكاوى في غياب "أي معارضة سياسية داخلية جادة".

وقال واضعو التقرير أنه "من المرجح أن تستمر حالة الاستياء في اتخاذ طابع ديني وعرقي، وهو ما يقوض الاستقرار ويؤدي في أسوأ الحالات إلى حرب أهلية تهدد التمتع بدولة متعددة الأديان والأعراق".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/كانون الأول/2012 - 27/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م