صفقة الاسلحة الروسية والنمر المحبوس! الاغراض المكشوفة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تسمع عن الفاسدين ولا تراهم، ذلك ما يختصر ملفات الفساد التي يثار الغبار حولها بين يوم واخر. قد يكون مرد عدم الرؤية هو كتل الغبار الكثيفة التي تحيط بالجميع تصريحا وردودا عليها وحولها.

ذلك الغبار يبقى ملتفا حول الاشخاص الحقيقيين ابطال الفساد، ولا ينقشع الا عن صغارهم، الذين تعودوا ان يدفعوا اثمان فساد الكبار... هذا الكلام من حيث المبدأ العام، في التفاصيل يكمن الشيطان.

والشيطان، وهو ابليس في المعتقد الاسلامي، ليس ما تعودنا في الرسوم الكارتونية او الشخوص السينمائية في افلام الرعب وغيرها من فنطازيات وميثولوجيات، بتلك الهيئة الشهيرة، عينان حمراوان يشع منهما الشرر، وقرنان بارزان.

الشيطان اخذ اشكالا وهيئات جديدة، انيقة ورشيقة ترتدي القاط السياسي، من محلات منطقة الكرادة في بغداد، باسعار لا تقبل الا الدولار صاحب الصخب والضجيج.

والشيطان بحلته الجديدة، لا يخجل من شيطنته، او من افعاله، وهو يحاول دائما ان يكون صاحب الصوت الاعلى، في كل نزاع قد يحدث حول قضية ما يكون هو احد اطرافها.

تقول احدى النكات العراقية، ان الشيطان وجدوه على الحدود العراقية وهو يريد المغادرة سألوه عن السبب، هل هو قلة الاعمال ام الاتباع؟ اجاب: كل شيء فعلته، ما تتصوروه ومالم تتصوروه، الا اني لم استطع ان اكون مثل هذا الشخص الذي بنى قصرا من الاموال الحرام ثم كتب عليه (هذا من فضل ربي).

في الجدل الدائر حول صفقة التسلح الروسية، نتذكر تصريح وزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي والذي قال فيه ان الصفقة لم تتم ولم ندفع دولارا واحدا حتى يكون هناك شبهة فساد فيها ولو صحت الاتهامات فاني اتحمل المسؤولية كاملة.

هذا التصريح يعتبر اول بادرة من نوعها لسياسي عراقي منذ العام 2003 فلم نعهد من سياسي سابق ان يتطوع لحمل المسؤولية في قضية فساد او غيرها اذا ثبتت عليه، تلك نقطة اولى.

يصدف، وكثيرا ما يحدث ذلك، ان الحديث عن فساد صفقة السلاح الروسي قد جاء بعد احداث كثيرة ولغط احاط بالبنك المركزي العراقي حول عمليات بيع الدولار بالمزاد العلني الذي يقوم به البنك، وما يعني ذلك من تهريب للعملة او على حد تعبير احمد الجلبي في تكييفه للمسالة من الناحية المصرفية (غسل الاموال) وليس تهريبها، وايضا تبادل الجميع الاتهامات والدفوعات ضدها. تلك نقطة ثانية.

جميع اللجان البرلمانية التي يتم تشكيلها تخضع لاشتراطات النسب المئوية للكتل السياسية الممثلة بالبرلمان والحكومة، وتلك اللجان وحسب ما حدث طيلة السنوات الماضية لم تكن صوت ناخبيها، بل هي صوت احزابها وتياراتها وكتلها. وحتى النائب خارج اللجان يبقى صوته مرهونا بما تريده الكتلة التي ينتمي اليها، حقا كان ذلك ام باطلا، وهو باطل في اغلب الاحيان كما دلت عليه التجارب السابقة. ونتذكر مثالا صارخا على ذلك، وهو موضوع الغاء البطاقة التموينية التي وافق عليها جميع الوزراء في الكابينة الوزارية، لكن نواب البرلمان صبوا جام غضبهم على شخص واحد هو رئيس مجلس الوزراء مبرئين كتلهم من تلك الموافقة.

الاغراض مكشوفة لا يسترها غربال، رغم كثرة الغبار الذي تثيره بعض الكتل والنواب التابعين لها والمتحدثين باسمها.

في صفقة السلاح الروسية لم يكتف الصارخون بتصريح الدليمي واستعداده لتحمل المسؤولية بل رفعوا من حجم صراخهم للتعتيم على فضيحة سابقة قد يلامسهم لفحها.

في احدث لقاء لوزير الدفاع وكالة مع عدد من الصحف العراقية، حدد اربع جهات يمكن ان تستفيد من الغاء تلك الصفقة، وقد حققوا ما ارادوا على حد تعبيره، وانا هنا اشير الى صحيفة كل الاخبار الصادرة يوم الاثنين 10 / كانون الاول / 2012 وفي صفحتها الثالثة، يقول الدليمي:

 الذي كان يريد للعراق ان لا يتسلح قد حقق ماربه..

والذي يريد ان تبقى الدولة المركزية ضعيفة حقق ماربه..

والذي يريد الارهاب ان يصبح اقوى من الامن حقق ماربه..

والذي يريد للميليشيات ان تبقى تصول وتجول حقق ماربه..

هذه الارادات الاربعة كيف يمكن قراءتها وفقا للشواهد العديدة التي مر بها العراق منذ العام 2003 وحتى الان؟

هل تذكرون تورغوت اوزال الذي عاد الحديث عنه مجددا بعد نبش جثته لاتهامات بتسميمه، والذي ترأس الوزارة التركية، من 13 ديسمبر 1983، حتى 31 أكتوبر 1989، ثم اصبح رئيسا لتركيا من 9 نوفمبر 1989 – 17 أبريل 1993، تورغوت اوزال له قول شهير جدا هو (العراق نمر يجب ان يحبس في قفص) تلك المقولة عمل بها ساسة تركيا الذين تعاقبوا بعده وحتى اليوم، والذين لا يريدون رؤية عراق قوي معافى يمكن ان يضع حدا لعربدتهم وسلوكهم المتكرر في انتهاك الحدود العراقية والتوغل فيها وقصف القرى الحدودية داخل الاراضي العراقية.

تركيا العثمانية بزعامة اردوغان لا تستطيع ان تحتمل وجود جار قوي على حدودها. تركيا ليست وحدها في ذلك، فهناك ايضا امارات ومحميات الخليج باختلاف تسمياتها التي لا تستطيع ان تحتمل وجود عراق قوي يمكن ان تتمدد عضلاته الى بلدانها كما تتصور هي ذلك، فتكون بين كماشتين ايران من جهة والعراق من جهة اخرى، ولا يجب ان يغيب عن اذهاننا البعد المذهبي في المسالة.

الارادة الثانية هي نفسها التي وضعت تلك المادة الدستورية الملغومة، وهي اسقاط الدستور اذا اعترضت عليه ثلاث محافظات، وهي مادة لا تخدم غير الاكراد، والاكراد بقواهم السياسية وحدهم ومن مصلحتهم ان تبقى الدولة المركزية ضعيفة لانها تتوهم ان قوة المركز ستسحب من رصيدها على حساب الاراضي التي تتمدد عليها او التي تريد ابتلاعها بعد تغيير ديموغرافيتها السكانية اقتداءا بالقائد الضرورة والذي كثير من ساسة الكرد تلاميذ اوفياء لنهجه..

الارادة الثالثة، هي ارادة الارهاب بكل تلويناته الذي شهدته الساحة العراقية، وهو ارهاب مدعوم من دول محيطة بالعراق، ترفض ان يكون هذا البلد منافسا لها على صعيد الحضور السياسي او الاقتصادي، وكل الاعمال الارهابية تؤدي في المحصلة النهائية الى شل حركة البناء والاعمار، وصرف الجهود والاموال لمحاربته.

وهي كثيرا ما تضع سياساتها الاقتصادية على ضوء صادراتها النفطية التي تستبعد ان يكون العراق منافسا لها في الاسواق العالمية لتلك السلعة.

الارادة الرابعة، وهي التي تحتفظ في ذاكرتها بتلك الحملات التي شنتها الحكومة عليها لاسئصالها وتخليص الناس من شرور سلاحها، وهي ذاكرة لا تنسى ابدا احقادها رغم دخولها في العمل السياسي مع ادعاءات تجميد نشاطها المسلح، والذي تستعيض عنه كثيرا بالتهديد بالنزول الى الشوارع مستغلة جهل الكثيرين من قاعدتها واتباعهم لتلك القيادات اتباعا اعمى، في صورة معكوسة لقول سيد البلغاء والمتكلمين الامام علي عليه السلام (اعرف الحق تعرف رجاله)، وليس العكس كما هو الحاصل، حيث اتباع الرجال لوراثة او نسب دون التدقيق في ما يمثلونه من اتباع للحق او بعدا عنه.

الوزير سعدون الدليمي لا يكتفي بتحديد هذه الارادات التي كانت وراء الضجيج حول صفقة الاسلحة الروسية بل يذهب بعيدا حين يقول: ليس سرا ان يذاع ان يكون الاخوة الكرد والكويتيين وراء كل ما حصل.

والاثنان كما لا يخفى يحتفظان بذاكرتهما المثقوبة بجميع ما من شانه ان يرسخ الاحقاد على العراق والعراقيين وجعلهم يدفعون ثمن مغامرات القائد الضرورة حتى بعد اجبال طويلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/كانون الأول/2012 - 27/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م