تتوالى ملفات فساد العيار الثقيل في اقل من شهرين ؛ لتشمل سياسيين
وعسكريين ومثقفين في حرب لا هوادة فيها.. فمن فساد جهاز توزيع البطاقة
التموينية الضخم باكمله والاقرار الحكومي بالعجز عن علاجه او ايجاد سبل
كفيلة بالحد من فساده والاستعاضة عنه بالبدل النقدي ثم العودة عن
القرار تحت الضغط الشعبي، الى عمولات صفقة الاسلحة الروسية والاوكرانية
وصفقة روتانا لمهرجان بغداد عاصمة للثقافة وملف البنك المركزي ومزاد
العملة الصعبة والسلسلة مستمرة ذهب ضحيتها لحد الآن الناطق الرسمي باسم
الحكومة ومحافظ البنك المركزي وتلوثت فيها اسماء كبيرة وكثيرة لم تحسم
قضاياهم بعد..
واذا كان الامر برمته ظاهرة صحية في ان تتكشف الحقائق ويكشف
الفاسدين او المقصرين امام الرأي العام والجمهور؛ مع تثبيت حقيقة ان
الفساد ليس وليد اليوم او اللحظة حتى يظهر بهذا الشكل المفاجيء؛ فان ما
يؤشر على هذه الظاهرة، ما يلي:
1. غياب هيئة النزاهة والقضاء وهم الجهتين المخولتين بالنظر في حسم
هذه القضايا.. ورغم ذلك فان الجميع يتحدث الا هاتين الجهتين؛ اصحاب
المسؤولية؛ لم نشاهد لهما أي ظهور او نسمع لهما اية تصريحات.
2. انفراط عقد التعاون المطلوب بين لجنة النزاهة البرلمانية والجهاز
التنفيذي (الحكومة)؛ في سير التحقيق بهذه القضايا وهو ما تتطلبه آلية
النظام البرلماني.. وتقصير الاخيرة أي الحكومة في اخذ زمام المبادرة
قبل غيرها بكشف موظفيها الفاسدين واحالتهم الى القضاء؛ واتجاه كلا
الفريقين الى تبادل وتراشق الاتهامات واستخدام الاعلام منبرا لفضح
الآخرين قبل ان يقول التحقيق او القضاء كلمته الفصل، ما سيجعل من
الملفات المتبادلة مادة دسمة للصفقات السياسية على حساب الصالح والمال
العام.
3. تداعيات كشف ملفات الفساد على هذه الشاكلة خطيرة تؤدي الى انهيار
جدار الثقة بين المواطن والسياسة والسياسيين وتضر بالعملية السياسية،
لانها تؤثر في جانبين:
• تشكل نموذج سيء يفقد القدوة المطلوبة للقيادة لان الجميع مرشح
للاتهام دون دليل بما يؤدي الى سيادة اليأس من التغيير مع الوجوه
الحالية وعزوف المواطن عن المشاركة في الانتخابات.
• يمنع بث دماء جديدة الى الميدان السياسي ان لم يؤدي اصلا الى
انعزال سياسيين عن العمل؛ خوفا من التلوث بشبهة الفساد التي التصقت
بالسياسيين عموما، فاسدين خصوصا وغير فاسدين.
ان اتجاه السياسيين الى استخدام قضايا الفساد مادة للتسقيط السياسي
للشركاء وساحة للصفقات المشبوهة وغير الشرعية مع اقتراب موعد انتخابات
مجالس المحافظات، بدلا من الابتعاد عن تسييس هذه الظاهرة الخطيرة
وايجاد علاج لتداعياتها الكبيرة، وترك القضية للنزاهة والقضاء، سيؤدي
الى ضياع المال العام والمساس بالمصلحة الوطنية العليا.. لان جريمة
الفساد ستمر حتما.. بلا عقاب. |