ملف عرفات... مهمة شائكة وغامضة

 

شبكة النبأ: لايزل ملف رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات محط اهتمام وترقب لدى الكثير من الأوساط الشعبية والسياسية في فلسطين والعالم، خصوصا بعد ظهور بعض الأدلة الجديدة التي ترجحت اغتيال عرفات بواسطة مادة مشعة وبحسب ما أعلن عنه احد المختبرات السويسرية وهو ما أثار العديد من التكهنات و الشكوك تجاه إسرائيل او بعض الشخصيات الفلسطينية الأخرى، وهو ما دفع البعض الى المطالبة باجراء فحص رفات الرئيس الراحل ومحاولة اكتشاف ما إذا كان تم تسميمه كما يظن الكثير من الفلسطينيين. وفي هذا الشأن فقد تم اخذ نحو 60 عينة من رفات الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات أرسلت على الأثر الى فرق التحقيق الثلاثة لإخضاعها لتحاليل مخبرية كما اوضح رئيس الفريق السويسري في حديث لصحيفة لوماتان ديمانش. وأوضح البروفيسور باتريك مانجان مدير مركز الطب الشرعي الجامعي في لوزان ان الطبيب الشرعي الفلسطيني الذي كان الوحيد الذي لمس جثمان عرفات تمكن من "اخذ كل العينات المطلوبة. وهي كلها نحو ستين" عينة.

وتتولى ثلاثة فرق هذا التحقيق الرامي الى اكتشاف ما اذا كان الزعيم التاريخي للفلسطينيين الذي توفي قبل ثماني سنوات مات مسموما، وهي فريق فرنسي تشكل اثر الشكوى التي قدمتها في فرنسا ارملته سهى عرفات وفريق سويسري وفريق روسي طلبته السلطة الفلسطينية. وقال مانجان "كل فريق لديه الان نحو 20 عينة مماثلة. وقد تم اخذ ثلاثة انواع من العينات: الاولى لتحديد هوية الجثمان والثانية للتأكد من احتمال وجود كمية مشبوهة من البولونيوم 210 والثالثة لإجراء فحوصات ذات أهداف تقنية".

وقد تجدد الجدل بشأن وفاة عرفات مسموما في الثالث من تموز/يوليو اثر معلومات نقلتها قناة الجزيرة القطرية في فيلم وثائقي أورد ان معهد الإشعاع الفيزيائي في لوزان اكتشف "كمية غير طبيعية من البولونيوم" في اغراض شخصية لعرفات عهدت بها الى الجزيرة أرملته سهى عرفات.

والبولونيوم مادة مشعة على درجة عالية من السمية استخدمت في 2006 في لندن لتسميم الكسندر ليتفيننكو الجاسوس الروسي السابق الذي اصبح معارضا للرئيس فلاديمير بوتين. واحتراما للزعيم الراحل لم ينقل الجثمان من مكانه خلال اخذ العينات ولم تلتقط له سوى صورة واحدة من قبل المصور الرسمي الفلسطيني لوضعها في الملف كما أوضح العالم السويسري.

ويتوقع لوجان ان يستغرق الوصول الى نتيجة من ثلاثة الى اربعة اشهر من العمل. وقال "حتى الان لم تبدا اي عملية تحليل. وسينقل كل فريق نتائجه الى مفوضه السلطة الفلسطينية بالنسبة للروس ولنا والقضاء الفرنسي بالنسبة للفريق الفرنسي. ولن ادهش اذا طلب من السويسريين إجراء تحليل شامل". بحسب فرنس برس.

وردا عما يمكن ان يحدث اذا لم تؤكد هذه التحاليل الجديدة النتائج الاولية لمختبره اكد مانجان ان اجهزته "كانت دائما واضحة. لم نزعم ابدا ان هناك تسمما. لاحظنا فقد عناصر غير طبيعية تتطلب تحريات اخرى. سنستمر في هذا الخط الواضح". واذا اكدت العينات نظرية التسمم سيتوجه القادة الفلسطينيون الى المحكمة الجنائية الدولية كما اعلن رئيس لجنة التحقيق الفلسطينية توفيق الطيراوي.

والكثير من الفلسطينيين مقتنع بأن زعيمهم كان ضحية لعملية اغتيال خسيسة وقد يظلون على اقتناعهم أيا كانت نتيجة تحليل الرفات. لكن البعض في مدينة رام الله حيث يوجد قبر عرفات أعربوا عن أسفهم لاستخراج جثمانه. وقال عامل بناء يدعى أحمد يوسف (31 عاما) "هذا خطأ. فجأة وبعد كل هذا الوقت يريدون اليوم اكتشاف الحقيقة؟..كان يجب ان يفعلوا ذلك قبل ثمانية أعوام."

وتوفي الرئيس الفلسطيني في مستشفى بفرنسا عن عمر يناهز 75 عاما بعد مرض غامض دام فترة قصيرة. ولم يتم تشريح الجثة في ذلك الوقت نزولا على طلب من أرملته وقال أطباء فرنسيون عالجوه إنهم لم يتمكنوا من تحديد سبب وفاته. لكن ظهرت على الفور مزاعم بتعرض عرفات لمؤامرة ويشير الكثير من الفلسطينيين بأصابع الاتهام إلى إسرائيل التي حاصرت عرفات في مقره في رام الله بالضفة الغربية خلال آخر عامين ونصف العام من حياته بعد اندلاع انتفاضة فلسطينية.

ونفت إسرائيل أن تكون قد قتلته ودعت القيادة الفلسطينية لإعلان كل سجلاته الطبية التي لم تعلن قط بعد وفاته. واتضح أن البولونيوم الذي تناوله عرفات فيما يبدو مع الطعام. لكن بعض الخبراء يتساءلون عن إمكانية أن يكون هذا هو سبب موت عرفات مشيرين إلى تعافيه لفترة قصيرة أثناء مرضه وهم يقولون إنه لا يتوافق مع التسمم بمواد مشعة. كما يقولون إنه لم يفقد شعره. بحسب رويترز.

وتعتبر ثماني سنوات هي الحد الأقصى لاكتشاف أي آثار للبولونيوم سريع التحلل وتساءل مستشفى لوزان في أغسطس آب عما إذا كان السعي لأخذ عينات سيكون له جدوى في حالة تأجيل استخراج رفات عرفات إلى "أكتوبر أو نوفمبر". ولم يوافق كل أفراد أسرة عرفات على استخراج الرفات. وشاهدت سها أرملة عرفات عملية كشف رفات زوجها الراحل عبر شاشات التلفزيون من منزلها في مالطا. وقالت سها وهي تذرف الدمع لموقع تايمز اوف مالطا "هذا الامر سيؤدي إلى إغلاق التكهنات. سنعرف حقيقة وفاته. انا مدينة بهذه الاجابة للشعب الفلسطيني وللجيل الجديد ولابنته."

ووافقت السلطة الفلسطينية التي فاجأتها مبادرة سهى عرفات، على نبش الرفات "شرط موافقة ارملته وابن اخته ناصر القدوة الذي يمثل العائلة". ويطالب القدوة الذي يرأس "مؤسسة ياسر عرفات" ويعرب منذ سنوات عن "اقتناعه بمسؤولية اسرائيل عن تسميم ياسر عرفات"، بتشكيل لجنة تحقيق دولية. لكنه يقر بانتفاء "الدليل الملموس" الذي باتت تؤمنه قناة الجزيرة كما قال. وكرر القدوة "معارضته المبدئية" نبش الرفات "لان اخذ عينات بعد ثماني سنوات يمكن الا تكون مفيدة طبيا".

وأضاف ان "كل فلسطيني مقتنع بأن عرفات قد اغتيل"، "لكن المشككين يقولون انه حتى لو فتح الضريح فلن يتم التوصل الى الحقيقة". وفي استطلاع للرأي قال اكثر من 80% من الفلسطينيين انهم يصدقون الشائعات عن اقدام اسرائيل على تسميم عرفات، واعرب 93% عن املهم في الكشف عن الملف الطبي الذي نشر في 12 تموز/يوليو 2012 لكنه لم يكشف اسباب الوفاة.

وخلافا لناصر القدوة، لم توجه سهى عرفات التهمة الى اي طرف. واكتفت بالقول ان "الحقيقة حول وفاة الشهيد عرفات تهم كل وطني فلسطيني". ولدى ايداع شكوى حول الاغتيال، شدد محاموها الفرنسيون على انها "موجهة ضد مجهول، بحيث لا تتهم سهى وزهوة (ابنتهما) احدا، لا دولة ولا مجموعة ولا فردا". بحسب فرنس برس.

وبينما كان ياسر عرفات يحتضر، فجرت سهى عرفات فضيحة باتهامها ثلاثة من قدامى رفقائه ومنهم محمود عباس "بأنهم كانوا يسعون الى وراثة الحكم" و"يحاولون دفن ابو عمار حيا" من خلال توجههم الى فرنسا لزيارته في المستشفى. وحيال الكشف عن وجود البولونيوم الذي احيا الشكوك ضد اسرائيل، القوة النووية الوحيدة في المنطقة، تؤكد الدولة العبرية ان لا علاقة لها بوفاة عرفات، لكنها لم تستبعد وقوع عملية اغتيال قام بها منافسون فلسطينيون. لكن هذا النفي من جانب اسرائيل التي اغتالت او حاولت اغتيال عدد من القادة الفلسطينيين، لم تبدل يقين الفلسطينيين بعد ثماني سنوات على الوقائع.

دبلوماسية لم تكتمل

 من جهة أخرى لاتزال عبارة كتبها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مرحبا في اي وقت ترونه مناسبا لكم، على ورقة مؤرخة في 8 تشرين الاول/اكتوبر 2004، لكنها ما على مكتبه حتى اليوم. ومكتب عرفات المغلق منذ وفاته، كان شاهدا على دبلوماسية مارسها الزعيم الفلسطيني الراحل من رام الله خلال لقاءاته مع قادة عرب واجانب وممثلين لدول عديدة طوال عمله فيه بعد عودته الى الاراضي الفلسطينية في 1994 بعد توقيع اتفاقية اوسلو مع اسرائيل. وخلف كرسي المكتب الذي اعتاد عرفات الجلوس عليه، علقت صورة عملاقة لقبة الصخرة. وعلقت داخل خزانة كتبه صورة مشهورة للطفل الفلسطيني فارس عودة، وهو يرشق دبابة اسرائيلية بالحجارة. وطالما ردد عرفات اسمه في العديد من المناسبات.

ولف الكرسي الذي كان يجلس عليه عرفات عند القراءة او الكتابه بالكوفية الفلسطينية، في حين اغلقت ابواب مكتبته بشرائط صغيرة. ووضعت لافتة على مدخل المكتب كتب عليها "مكتب الرئيس الراحل". ومقابلها لافتة اخرى على مدخل اخر كتب عليها "صالون الرئيس الراحل". لكن غرفة نومه الرئيسية اغلقت ولم يكتب عليها شيء على بابها المغلق. وسيكون هذا المكتب جزءا من متحف يجسد حياة عرفات التي امضاها في قيادة الشعب الفلسطيني، وتشرف على بنائه مؤسسة ياسر عرفات.

وقال مسؤول في مؤسسة عرفات ان الازمة المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية ابطأت في تجهيز المتحف، خاصة وان المتحف برمته سيكون على نفقة السلطة بالكامل. وتوقع ان يتم الانتهاء من بناء المتحف في ربيع العام المقبل. وحسب مخطط انشاء المتحف الخاص، سيربط جسر بين ضريح عرفات والصالون ثم مكتبه وغرفة نومه اللذين سيكونان جزءا من هذه المتحف.

وقال حسام الدباس الذي عمل مديرا للعلاقات العامة للرئيس عرفات ويعمل الان مديرا للاتصالات والتواصل في مكتب الرئيس محمود عباس، انه يتوجه بين الفينة والاخرى الى مكتب عرفات ويجلس فيه لفترات يتذكر سنوات عمله في ترتيب لقاءات عرفات في ذلك المكتب.

واضاف ان "كل زاوية في المكتب لها ذكرى خاصة مع الرئيس عرفات، والمكتب بقي كما هو ولم يتغير فيه اي شيء لغاية اليوم". ويذكر الدباس عندما كان عرفات مجتمعا مع ممثل اللجنة الرباعية لعملية السلام ميغيل انخيل موراتينوس في مكتبه الرئيسي وقصف الجيش الاسرائيلي المبنى واهتز المكتب بقوة. وحسب الدباس فان غالبية مقتنيات عرفات ستكون في المتحف الرئيسي المحاذي، مشيرا الى ان كثير من المقتنيات التي كانت موجودة في مكتبه في غزة فقدت عقب سيطرة حماس على قطاع غزة، لكن تم تجميع بعضها. وفرض الجيش الاسرائيلي حصارا مشددا على عرفات في مكتبه منذ العام 2002، بعد اندلاع الانتفاضة المسلحة الفلسطينية في 2000، حتى وفاته في 2004 نتيجة اصابته بمرض نقل اثره الى مستشفى في فرنسا، واعلن عن وفاته هناك.

ويروي الدباس بداية تدهور صحة الرئيس عرفات قبل وفاته بعام، حينما كان يخطب امام وفد فلسطيني كبير قدم من بلدة سلفيت الفلسطينية للتضامن معه. وقال الدباس "اثناء القائه الخطاب توقف ثم توجه لدورة المياه تقيأ ثم عاد واكمل خطابه". ويتابع ان "صحة الرئيس عرفات تحسنت بعد ذلك لكنه بدا غير طبيعي بدا عصبيا واخذ ينسى بعض الامور العادية، لكن صحته بشكل عام كانت عادية". بحسب فرنس برس.

واشار الدباس الى ان عرفات وحتى قبل وفاته بشهور قليلة، كان يتمتع بقوة تفوق قوة الشباب الذين يعملون في مكتبه، لدرجة انه كان يتحداهم حينما يصعدون الدرج، ويسبقهم. واضاف "في رمضان العام 2004، اي قبل وفاته بحوالي شهر، اخذ عرفات بالتقيؤ عند موعد الافطار ثم بدأت صحته بالتدهور الى ان نقل الى فرنسا وتوفي هناك".

ما هو البولونيوم؟

شاعت في الآونة الأخيرة الأنباء عن التحقيقات الجارية عن ربط مادة "البولونيوم-210" مع وفاة الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، والجدل الطبي حول طبيعة هذه المادة وقدرتها على قتل الفرد. الخطأ الشائع الذي يقع فيه العديدون هو أن مادة، البولونيوم-210 هي مادة مشعة، أي أنها تطلق جزيئات "غاما" التي يمكن لها أن تعبر الجدران والعوائق وتحافظ على قوتها وتأثيرها المميت، والصحيح هو البولونيوم لا يطلق أشعة "غاما" وإنما يطلق ما هو متعارف عليه بجزيئات "ألفا،" التي لا يمكن لها اختراق حتى قصاصة ورق، إلا أنها تبقى مادة سامة للإنسان.

وتشير تقارير وكالة الطاقة الذرية أن مادة البولونيوم-210 تعتبر خطيرة على صحة الإنسان في حال تمكنت من الدخول داخل الجسم، ويمكن إزالة أثرها إلى حد كبير من خلال الاستحمام أو غسل اليدين على سبيل المثال. وأشارت تقرير صادر عن مختبرات اراغون الوطنية بالولايات المتحدة الأمريكية أنه في حال تناول الفرد كمية من مادة البولونيوم-210 فإن ما نسبته 50-90 في المائة من هذه المادة ستخرج من الجسم طبيعيا من خلال البراز، وأن 10 في المائة فقط من الكمية المستهلكة ستدخل إلى مجرى الدم ومنه إلى الكبد والكلى بالإضافة إلى النخاع العظمي.

أما بالنسبة للأعراض المترتبة على تناول الفرد لمادة البولونيوم-210 فإنها تتنوع بين الغثيان وآلام الرأس والصداع الشديدين بالإضافة إلى الإسهال وتساقط الشعر والقيء، وتكون الوفاة بعد أيام أو أسابيع على أبعد تقدير.

ويأتي ربط عدد من الأخصائيين والأطباء مادة البولونيوم-210 بسبب وفاة عرفات بعد التقارير التي أشارت إلى أن الأيام الأخيرة للرئيس كانت تظهر عليه عدد من العوارض كنزيف في الدماغ الأمر الذي تطور إلى غيبوبة كاملة، بالإضافة إلى ظهور مشاكل هضمية وتشوهات بالدم. وبعد استبعاد إصابة الرئيس بمرض سرطان الدم أو ما يعرف بـ "اللوكيميا،" دفع هذا الأمر العديد منهم إلى إجراء فحوصات وتحاليل لأدوات وملابس كان يرتديها عرفات قبل وفاته لاقتفاء آثار لمادة البولونيوم-210.

وتشير التقارير المخبرية إلى أن ما يجعل التحقيقات بكون البولونيوم-210 هو سبب وفاة عرفات يتمحور حول أن هذه المادة متواجدة في الطبيعة بشكل عام ويتعرض لها الناس بشكل دوري، حيث أن الأرقام تشير إلى تعرض المواطن الأمريكي إلى ما نسبته 6.2 ميليسيفرنت (وحدة لقياس مستوى الإشعاع) خلال العام، في الوقت الذي تعتبر فيه أمورا طبيعية مع الأخذ بالعلم أن الجرعة المميتة من البولونيوم-210 تبلغ 5 ميليسفرنت فقط، وبالنظر إلى أن السجائر التي تنتشر من حولنا تتواجد فيها نسب من هذه المادة ويمثل اكتشافها عند المدخنين خصوصا في عظام الصدر. بحسب CNN.

ونوهت التقارير أيضا إلى أن ما يجعل عملية التأكد من أن ياسر عرفات قد توفي بالفعل من خلال جرعة بولونيوم-210 أمرا صعبا، هو أن هذه العوامل الطبيعية قادرة على أن تخفي أي أثر لهذه المادة في الجسم خصوصا بعد مرور الوقت. وبالنظر إلى قضية عرفات ودفنه قبل نحو تسع سنوات في العام 2004 تجعل التحدي أكبر أمام الساعيين لاقتفاء أثر هذه المادة في رفاته.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6/كانون الأول/2012 - 21/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م