الحرية ومستلزمات التطور الثقافي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في البلدان التي تعي دور المثقف وقدرته على تطوير منظومة الفكر والسلوك معا، ستعمل على نحو جاد من اجل توفير متطلبات الابداع للمثقفين، واتاحة الظروف اللازمة لهم لكي تتحول افكارهم الى مناهج عمل تطبيقية في ميادين الحياة من اجل تطوير المجتمع، ومن الملاحظ ان الدول الغربية على سبيل المثال تهتم كثيرا بالحقول والعلوم الانسانية، فيما يهتم الآخرون الاقل تطورا ونحن منهم، بالمناهج العلمية كالطب والهندسة وما شابه، متناسين ان العلوم الانسانية والفكر عموما له قصبا السبق في التطور البشري عموما.

لذا لا بد من اتاحة الفرصة كاملة امام المثقف، واهم الجوانب الحرية، فالمثقف والحرية صنوان متلازمان، أحدهما قريب من الآخر الى درجة التشابه والتداخل التام، وغياب أحدهما يعني ضعفا وتراجعا وربما تدميرا للآخر، أما حضور احدهما الى جانب الآخر فيعني ازدهارا لكليهما، هذا الكلام بديهي، لا أحد يختلف عليه، نعيده هنا من باب التذكير، لأن المثقف هو وسيلة وغاية المؤسسة او المنظمة الثقافية، بمعنى ان التجمع الثقافي أيا كان الاطار الذي يتخذه هو حاصل جمع المثقفين، هنا يُثار التساؤل التالي: هل استثمرت المؤسسة الثقافية هامش الحرية المتاح لها راهنا؟ وهل كان المثقف العراقي فاعلا في سعيه لترسيخ النهج التحرري، وهل تم استثمار المتاح من التحرر كما يجب أن يُستثمَر؟ وهل فكّر المعنيون بالثقافة العراقية، أفراد أو تجمعات، بأن التراجع والنكوص والتردد في استثمار الحرية يؤدي الى نتيجة معاكسة، قد تسمح للآخرين بسلب هامش الحرية، تماما وفرض النهج الاحادي المتطرف على الجميع؟ إن المنطق الصحيح يقول بأنك إذا لم تستثمر المتاح لك في هذا المجال أو ذاك، فإن ذلك سيقودك الى نقيض ما تهدف إليه تماما، بمعنى أوضح إذا لم تستثمر الحرية كما يجب في دعم الثقافة وتطويرها، فإنك تسمح للمستبدين بإعادتك الى مربع القمع الفكري وسواه، ولو أننا سألنا بوضوح ومباشرة، هل كان المثقف العراقي فاعلا ومستثمرا جيدا للحرية؟ سنقول بوضوح، كلا لم يقم المثقف الفرد ولا الجماعة ولا المؤسسة الثقافية بالاستثمار الامثل للحرية المتاحة، إذ هناك خمول بيّن، وكسل لا يقبل الدحض، رافق الحراك الثقافي فردا أو جماعات، لدرجة أننا على سبيل المثال نستطيع أن نؤشر نشاطا شكليا كذلك لمعظم مؤسسات المجتمع المدني في العراق، حيث كثر عددها وتمويلها أضعافا، فيما غاب دورها وتقاعست في استثمار الحرية، بعد أن فشلت في اداء الدور الرقابي على الحكومة، وجُيِّرتْ معظم فعالياتها لاغراض شكلية واضحة وفارغة من المحتوى العميق، وينطبق هذا الكلام على المنظمات الثقافية والنخب ايضا، بمعنى أوضح، لقد تضاعفت هذه المنظمات مقابل ضمور واضح لترسيخ المنهج التحرري، وربما لا نخطئ اذا قلنا أن الثقافة فشلت حتى الآن في الاسهام الصحيح بتطوير المجتمع ودفعه نحو المدنية والمعاصرة، وهو دور فشلت في تحقيقه منظمات المجتمع المدني ايضا، لذلك فإن تقصير المثقف في هذا الحيّز لا يحتاج الى أدلة، لأن فشل المنظمة الثقافية في تعميق الحرية واستثمارها بالصورة المثلى، لا يعود الى قادتها الاداريين او الماليين وما شابه فقط، بل لأن فشل المثقف الفرد، يقود الى فشل المنظمة وكذا المؤسسة الثقافية. أما السبب الاساس فيعود الى الخمول والكسل والتردد، وربما الخوف أيضا، إذ تؤدي كل هذه العوامل مجتمعة، الى فسح المجال للاستبداد بالظهور والتنامي، على حساب الهامش التحرري الذي لم يطوره المثقفون ولا منظماتهم الثقافية المختلفة، لذلك نحتاج الى المثقف الذي يتحلى بروح الاقدام أولا، وبتفضيله للعمل الثقافي الجماعي على الفردي، وبوعيه المكتمل في ضرورة فهم طبيعة المرحلة التي نمر بها، وكل هذا وسواه، يتأتى من خلال تمسك المثقف بمنهج الحرية وترسيخه، بعيدا عن المنافع والمصالح الفردية، التي تقف وراء فصل الثقافة عن المنهج المتحرر وبالعكس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/كانون الأول/2012 - 19/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م