مصر... استئثار الاخوان والنزعة الديكتاتورية

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يبدو أن طريق الديمقراطية في مصر اليوم مليء بأشواك الصراعات السياسية، وقد تمثلت بأزمة إعلان الدستور التي تمر بها مصر حاليا، حيث أعلنت معركة الدستور في مصر عن صراع وتحدي جديد يضع جميع اللاعبين الرئيسيين تحت وطأة المؤامرات، مما اثار مخاوف كبيرة داخل الشعب المصري من انزلاق مصر في وحل الفوضى مجددا، خصوصا وانها تمر باضطراب سياسي وانفلات أمني وتراجع اقتصادي منذ إسقاط مبارك، وتكشف أزمة الإعلان الدستوري عن خلاف وانقسام حاد بين الإسلاميين الذين وصلوا الى السلطة بعد مبارك ومعارضيهم الذين يقولون إن الجماعة تريد الاستئثار بالسلطة وإنها تقوم بأخونة الدولة، مما قد يزعزع استقرار مصر بعد نحو عامين من الإطاحة بمبارك، كما يعكس هذا الخلاف بين الإسلاميين والليبراليين، صراعا أوسع بشأن الهوية في البلاد التي ظلت لعقود من بين أكثر الدول علمانية في العالم العربي.

حيث تسبب الإعلان الدستوري  بعاصفة من الانتقادات والاحتجاجات من جانب معارضين، مما أثارت قلق حلفاء مصر الغربيين والأمم المتحدة بشأن قرارات وقوانين مرسي التي تسبب فيها هذا إلاعلان، الذي أدى إلى ثورة كبيرة على الرئيس الجديد وهز الثقة بالاقتصاد المصري الذي يحاول التعافي من آثار اضطرابات الفترة الماضية، وعلى الصعيد نفسه يقول بعض المحللين ان الجيش ما زال له نفوذ كبير من خلال المصالح التجارية والدور الأمني فإنه بعيد عن الساحة السياسية.

وعليه فأن المعطيات آنفة الذكر تطرح عدة تساؤلات هامة، منها هل ستصنع هذه الأزمة الدستورية الحالية فرعون مصري جديد؟، اما انها ستمهد لسقوط اول رئيس اسلامي في المنطقة؟، فيما يرى المحللون آخرون أن انعدام الثقة هو في أساس هذه الأزمة، وقد فاقمه نقص الخبرة في الحكم وإدارة الشأن العام رغم إحاطة الرئيس نفسه بعدد كبير من المستشارين الذين فوجئوا جميعا كسواهم بالإعلان الدستوري ومضمونه، وفي غياب أي حوار أو حلول وسط أو تراجع للرئيس عن قراراته يمكن للأزمة أن تطول مع ما يبدو من تداعياتها الخطيرة على الاقتصاد والأمن وبالأخص على مسار التحول الديمقراطي.

جدال محموم

في سياق متصل الإعلان الدستوري الذي وسع به الرئيس محمد مرسي سلطاته ودفع بمصر إلى أزمة كان بمثابة صدمة لبعض أفراد فريقه الرئاسي وهو خطوة ذات تداعيات قانونية هائلة ويبدو أنها فاجأت حتى وزير العدل، وأججت الخطوة المفاجئة التي اتخذها مرسي في 22 نوفمبر تشرين الثاني جدلا حول مدى نفوذ جماعة الاخوان المسلمين في إملاء السياسة وتجاهل وزراء وآخرين في إدارة يقدمها مرسي باعتبارها ممثلة لكل القوى السياسية في مصر ولا يهيمن عليها حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الاخوان التي ينتمي إليها الرئيس.

كانت هناك مؤشرات على أن مرسي لم يستشر من عينهم رسميا مستشارين له في أمر الإعلان الدستوري الذي أشعل احتجاجات وأعمال عنف في أنحاء البلاد، وأعطى ذلك حجة أكبر للمنتقدين الذين يرسمون لمرسي صورة رجل له نوازع استبدادية لا يستمع إلا لصوته أو لصوت أصدقاء قدامى في جماعة الإخوان التي كان يحظرها النظام القديم وما زال ينظر إليها كثيرون بالريبة، هذه تحديدا هي الصورة التي ظل يسعى لإبعادها عنه منذ توليه الرئاسة عندما تعهدت جماعة الاخوان بأن تنأى به عن ضغوط الحزب وعندما وعد هو نفسه بأن يكون رئيسا لكل المصريين وأن يؤسس إدارة تقوم على قاعدة واسعة.. لكن كل هذا تبدد.

قال نبيل عبد الفتاح خبير العلوم السياسية "هناك غموض كبير مرتبط بكيفية اتخاذ القرار في الرئاسة... هناك طرف ما يتخذ القرار... والرد الأكثر ترجيحا هو أنه جماعة الاخوان المسلمين"، واستقال اثنان على الأقل من مستشاري مرسي خلال الأيام التي أعقبت إعلانه الدستوري الذي يراه معارضوه خطرا كبيرا على الديمقراطية الوليدة في البلاد.. أحدهما هو سمير مرقص مستشار الرئيس لشؤون "التحول الديمقراطي"، وقال مرقص لصحيفة الشرق الأوسط التي تتخذ من لندن مقرا إن شأنه شأن الكثير من المصريين لم يعلم مضمون الإعلان الدستوري إلا عندما تلي على شاشات التلفزيون، وقد قال مستشار آخر هو عماد عبد الغفور زعيم حزب النور السلفي إنه لم تتم استشارته. ولايزال عبد الغفور مستشارا للرئيس لشؤون "التواصل المجتمعي" وقال أحد مساعديه إنه على اتصال يومي بمرسي، وعن الإعلان الدستوري قال عبد الغفور إن لديه تحفظات على النص لكنه يؤيده بصفة عامة شأنه شأن الإسلاميين الآخرين، وهذه ثاني مرة يفاجيء فيها مرسي المصريين بتحرك قوي فند صورة انطبعت عنه باعتباره رئيسا بالصدفة نظرا لأنه كان الاختيار الثاني لجماعة الاخوان المسلمين بعد القيادي خيرت الشاطر في انتخابات الرئاسة التي أعلن استبعاده من المرشحين فيها؟، وبقي الشاطر بعيدا عن الأنظار بصورة كبيرة منذ تولي مرسي منصبه.

وقال محمد حبيب النائب السابق لمرشد جماعة الاخوان والذي انسحب من الجماعة في العام الماضي إنه ليس لديه شك في أن مرسي استشار الجماعة قبل اتخاذ مثل هذه الخطوة. وقال إن من الواضح أن البعض استشيروا والبعض لا، ومضى يقول إن مرسي في حاجة كبيرة إلى مساندة جماعة الاخوان المسلمين خاصة في القرارات المتوقع مهاجمته بسببها. وأضاف أن مرسي لم ولن ينفصل عن الإخوان إلا عندما يكون موقفه راسخا في الرئاسة، وأثار مرسي (61 عاما) موجة من الدهشة في أغسطس آب عندما أصدر إعلانا دستوريا أحال فيه أعضاء المجلس العسكري الذين جعلوا من أنفسهم مصدرا منافسا للسلطة للتقاعد. حينها نال مرسي دعما كبيرا لتهميشه المشير حسين طنطاوي الذي كان رئيسا للمجلس العسكري لكنه لم يلق هذا الدعم هذه المرة، ويخشى منتقدو الإعلان الدستوري أن يعرض التحول الديمقراطي برمته للخطر في مصر التي ظلت لعقود تحت حكم شمولي مدعوم من الجيش. ومن البنود الأخرى المثيرة للجدل في الإعلان تحصين قرارات مرسي من الطعن القضائي إلى حين انتخاب برلمان جديد في وقت ما العام القادم، ودافعت إدارة مرسي عن الإعلان الدستوري قائلة إنه خطوة مؤقتة لجعل التحول إلى نظام حكم جديد تحولا سلسا. وتقول إنه يضمن خطوات جديدة للتحقيق في العنف الذي تعرض له محتجون خلال انتفاضة العام الماضي، والمرة الوحيدة التي ظهر فيها مرسي منذ إصداره الإعلان الدستوري كانت أمام حشد من أنصاره من الإسلاميين أمام مكتبه الرئاسي. بحسب رويترز.

وقال السياسي الليبرالي محمد البرادعي إن مرسي لم يعطه أي مؤشر على أنه يفكر في أي من هذه الأمور عندما التقيا في الأيام التي سبقت الإعلان الدستوري، وأضاف "يفترض إذا كان الرئيس سوف يقوم باتخاذ قرارات شاملة مثل هذه أن يناقش أو يتشاور مع جميع القوى على الأقل ولكن لم يكن هناك أي تشاور على الإطلاق وهذا لا يظهر حسن النوايا"، وذكر عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية في حديث مع رويترز أيضا أن مرسي لم يذكر شيئا من هذا القبيل، وعادة ما يحيل المتحدثون باسم جماعة الاخوان الأسئلة المتعلقة بمرسي إلى العاملين في الرئاسة قائلين إنه لا يمكنهم التحدث بلسانه، ونفى محمود غزلان المتحدث باسم جامعة الاخوان أن تكون الجماعة هي التي تشكل سياسة الرئيس ويصف هذا الكلام بأنه ضمن قائمة طويلة من الافتراءات التي تلصق بالجماعة.

وقال في إشارة إلى الإعلان الدستوري إن الرئيس لديه الكثير من الخبراء القانونيين وإنه يعتقد أنهم هم الذين صاغوه، وتجنب وزير العدل احمد مكي وهو قاض يلقى احتراما على نطاق واسع بسبب دعوته لاستقلال القضاء خلال عهد مبارك عن عمد الرد على أسئلة الصحفيين حول ما إذا كان قد علم بأمر الإعلان الدستوري سلفا. وهو يعبر منذ ذلك الحين عن "تحفظاته".

العودة الى الميدان

فقد احتشد عشرات الألوف من المصريين في ميدان التحرير بوسط القاهرة وميادين وشوارع في مدن أخرى تصعيدا لضغوط تطالب بإسقاط إعلان دستوري أصدره الرئيس الإسلامي محمد مرسي قائلين إنه يؤذن بحقبة استبدادية جديدة بعد أقل من عامين من إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك في انتفاضة شعبية، وينظم المعارضون للرئيس المصري مظاهرات -وهي من بين أكبر المظاهرات منذ إقصاء مبارك- تحت عنوان "للثورة شعب يحميها" قائلين إن الانتفاضة التي أسقطت مبارك طالبت بالحرية بينما وسع الإعلان الدستوري سلطات مرسي، وأطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع على شبان يلقون الحجارة عليها في شوارع قرب التحرير بؤرة الانتفاضة التي أسقطت مبارك، واندلعت اشتباكات عنيفة سقط فيها مئات المصابين بين مؤيدي مرسي ومعارضيه في مدينتي المحلة الكبرى والمنصورة في دلتا النيل ومدينة المنيا جنوبي القاهرة، لكن العنف لم يغط على المظاهرات التي تمثل استعراضا للقوة من قبل معارضي مرسي المنقسمين في العادة والذي يمثل أكبر تحد له منذ ولايته التي بدأت قبل نحو خمسة أشهر، وهتف المحتجون في التحرير "الشعب يريد إسقاط النظام" وهو الهتاف الذي تردد خلال الانتفاضة التي أسقطت مبارك، وتظاهر معارضون في مدن أخرى بينها الإسكندرية على البحر المتوسط والسويس على البحر الأحمر.

ويحصن الإعلان الدستوري الذي فجر الأزمة التي أثارت قلق حلفاء مصر الغربيين والأمم المتحدة قرارات وقوانين أصدرها مرسي أو يمكن أن يصدرها من رقابة القضاء، وحصن الاعلان من أحكام القضاء جمعية تأسيسية تكتب دستورا جديدا لمصر يغلب الإسلاميون على تشكيلها ومجلس الشورى الذي يهيمن عليه حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي، وقال رفاعة الطهطاوي رئيس ديوان رئيس الجمهورية إن مؤيدي الرئيس محمد مرسى أضعاف الموجودين فى ميدان التحرير، وأضاف الطهطاوى لبرنامج حواري على شاشة قناة الحياة التلفزيونية أن "الرئيس يسعد ويرحب باجتماع وحوار مع كل الفصائل والقوى السياسية لحل الأزمة الحالية بشأن الإعلان الدستوري"، واستدرك رئيس ديوان رئيس الجمهورية بقوله "إلا أن عملية التفاوض المشروطة بتراجع الرئيس هى عملية "لي ذراع" وكل كلمة محسوبة وسيتم التعامل مع الأزمة ودعوات العصيان المدنى بالحسم والقانون ولا عودة عن الإعلان الدستورى ومع احترامنا لحرية الرأي إلا أن ذلك لن يعنى العنف وأعمال البلطجة"، ووصل مرسي للحكم في أول انتخابات رئاسة نزيهة في تاريخ البلاد.

ويقول المعارضون إن الإعلان الدستوري استهدف هيمنة الإسلاميين على مصر من خلال دستور جديد اعترض على مسودته ليبراليون ويساريون انسحبوا من الجمعية التأسيسية، وقال مرسي إنه أصدر الإعلان الدستوري الذي مكنه من عزل النائب العام المستشار عبد المجيد محمود المعين من قبل مبارك لحماية الثورة. لكن ألوف القضاة رفضوا الإعلان وعلقوا العمل في أغلب المحاكم وكثير من النيابات قائلين إن الإعلان قوض السلطة القضائية.

وفي مسيرة إلى التحرير من أمام مسجد مصطفى محمود بمدينة الجيزة على الضفة الأخرى لنيل القاهرة هتف ألوف المعارضين "يا إخواني يا إخواني انت الحزب الوطني التاني" في إشارة إلى الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يحكم مصر ويتزعمه مبارك والذي حل بحكم محكمة بعد فترة قصيرة من إسقاط الرئيس السابق، وهتفوا أيضا "شلنا مبارك اب وابن باقي الشاطر والاستبن" في إشارة إلى جمال نجل الرئيس السابق الذي قال محللون ومعارضون إن أباه أعده لخلافته وخيرت الشاطر النائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين ومرسي الذي رشحته الجماعة للرئاسة احتياطيا في وقت لم تضمن فيه أن تقبل لجنة الانتخابات الرئاسية ترشح الشاطر.

وعلى حافة التحرير اشتبك عشرات النشطاء مع قوات الأمن. وقال شاهد من روبترز إن دخانا أسود انبعث من سيارة أمسكت بها النار وإن زجاج بنكين ومتاجر في المكان تحطم وسط تبادل الرشق بالحجارة، وبين وقت وآخر ألقت القوات قنابل الغاز المسيل للدموع صوب النشطاء، وتوفي محتج في الثانية والخمسين من العمر مختنقا بعدما استنشق الغاز المسيل للدموع على حافة التحرير ليكون ثاني شخص يلقى حتفه في الاحتجاجات منذ الاعلان الدستوري، وقال شاهد عيان ومسؤول ومصدر طبي إن أكثر من 305 أشخاص أصيبوا في اشتباكات بين أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين ومعارضين بمدينة المحلة الكبرى، وقال الشاهد إن طلقات خرطوش وقنابل مولوتوف وحجارة استخدمت في الاستباكات بميدان الشون الذي يطل عليه مكتب حزب الحرية والعدالة في المدينة العمالية التي تقع في دلتا النيل.

وتجمع مئات المعارضين لمرسي في التحرير ظهرا ثم دخلت الميدان مسيرات حاشدة متتالية من أحياء مختلفة بالمدينة، وكان ليبراليون ويساريون انتخبوا لمجلس الشعب على قوائم حزب الحرية والعدالة لكنهم فضوا التحالف مع الحزب مع ظهور الخلافات حول تشكيل جمعية كتابة الدستور في ابريل نيسان، وقتل فتى عمره 15 عاما في مدينة دمنهور يوم الأحد قالت جماعة الإخوان المسلمين إنه ينتمي إليها.

وعبرت الولايات المتحدة التي تقدم مساعدات ضخمة للجيش المصري عن قلقها خشية وقوع مزيد من الاضطرابات في دولة تربطها باسرائيل معاهدة سلام، وحث جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض المحتجين على التظاهر السلمي. وقال "الأزمة الدستورية الحالية وضع داخلي مصري لا يمكن أن يحسمه غير الشعب المصري عبر حوار ديمقراطي سلمي"، وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان والتي تتخذ من نيويورك مقرا إن الإعلان يعطي مرسي سلطة أكبر من السلطة التي كان يتمتع بها المجلس الاعلى للقوات المسلحة.

وأشار بان جي مون الأمين العام للامم المتحدة إلى تحدي القضاة للاعلان الدستوري في تصريحات لصحيفة دي بريسه النمساوية. واستطرد "لكني لاحظت أيضا ان مرسي يريد أن يحسم المشكلة من خلال الحوار. سأشجعه على المضي في ذلك"، وفي خطوة لتفادي مزيد من المواجهة قرر الإخوان المسلمون إلغاء مظاهرة حاشدة تؤيد مرسي اعتزموا تنظيمها أمام جامعة القاهرة على مسافة بضعة كيلومترات من التحرير، ونظام الحكم الذي سيحدده الدستور هو من القضايا التي في لب الازمة. بحسب رويترز.

وقال أحمد الحسيني (32 عاما) متحدثا من التحرير بؤرة الانتفاضة التي أسقطت مبارك "لا نريد دكتاتورية جديدة. نظام مبارك كان دكتاتوريا. قمنا بثورة لنحظى بالعدالة والحرية"، ويعتصم نشطون في ميدان التحرير ويغلقون الميدان في وجه حركة المرور ويشتبكون بشكل متقطع مع قوات الأمن في شوارع قريبة"، ويلزم نفاذ دستور جديد لإجراء انتخابات تشريعية في وقت لا يوجد فيه مجلس تشريعي ويتولى مرسي سلطة التشريع، وكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي أدار البلاد لفترة انتقالية بعد مبارك حل مجلس الشعب الذي هيمن عليه الإسلاميون بعد صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا في ابريل نيسان بعدم دستورية قانون انتخاب المجلس النيابي، وقال مرسي إنه أصدر الإعلان الدستوري لأن مجلس الشورى كان مهددا بالحل بحكم من المحكمة الدستورية العليا وكذلك الجمعية التأسيسية التي أقيمت عشرات الدعاوى القضائية تطالب بحلها، وحل القضاء الإداري جمعية تأسيسية سابقة قائلا إن تشكيلها خالف إعلانا دستوريا أصدره المجلس العسكري بعد وقف العمل بالدستور الذي مكن مبارك من حكم البلاد لمدة 30 عاما، وكتب النشط والمعلق الليبرالي عمرو حمزاوي في صحيفة الوطن يقول "على رئيس الجمهورية ترك الأوهام جانبا والقيام بالخطوة الوحيدة القادرة على نزع فتيل الازمة.. إلغاء إعلان الاستبداد"، وعطلت السلطة القضائية محاولة لمرسي لإعادة مجلس الشعب بعد فوزه بالرئاسة، ووقفت أمام محاولته في اكتوبر تشرين الأول لإقصاء النائب العام المعزول وفق الإعلان الدستوري، وذكر مرسي مرارا أن الاعلان الدستوري سيطبق بشكل مؤقت إلى حين انتخاب برلمان جديد وهو شيء لن يحدث إلا بعد كتابة دستور جديد وإجراء استفتاء شعبي عليه لكن المعارضين يخشون من سريان دستور يجحف بالديمقراطية وحقوق النساء والأقليات.

وعلى الرغم من ان الاسلاميين ومعارضيهم متفقون بشكل عام على أن السلطة القضائية بحاجة للإصلاح يعارض خصوم مرسي أساليبه، وقال إليجا زروان من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "هناك دلائل على أن مرسي وجماعة الإخوان أدركوا خطأهم خلال اليومين الماضيين"، وأضاف أن الاحتجاجات هي "بيان واضح لمدى ما انطوى عليه سوء حسابهم السياسي"، وشارك في الاحتجاج بعض علماء الأزهر الأمر الذي يبين أن مرسي وجماعة الإخوان أثاروا غضب بعض الإسلاميين الأكثر اعتدالا إلى جانب الكثيرين من الأقلية المسيحية الكبيرة، وترك مرسي جماعة الإخوان المسلمين بعد تنصيبه قائلا إنه رئيس لكل المصريين لكنه لا يزال عضوا في حزب الحرية والعدالة الذي كان يرأسه.

نزع فتيل الأزمة

على الصعيد نفسه اجتمع الرئيس المصري محمد مرسي مع أعضاء مجلس القضاء الأعلى محاولا نزع فتيل أزمة أعقبت إعلانا دستوريا عزز سلطاته وتسبب في احتجاجات انطوت على عنف أعاد إلى الأذهان انتفاضة العام الماضي التي جاءت بجماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي إلى الحكم، وقال المتحدث الرئاسي المصري ياسر على بعد الاجتماع إنه لا تعديلات على الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي وأثار أزمة بين السلطتين التنفيذية والقضائية وفجر احتجاجات واسعة، وقال علي إن مرسي أوضح للحضور أن المقصود بالتحصين الخاص بالقرارات والقوانين التي أصدرها أو يصدرها الرئيس من القضاء يقتصر على ما يتصل منها بأعمال السيادة، وكان مجلس القضاء الأعلى أصدر بيانا طالب فيه بقصر التحصين على القرارات والقوانين التي يصدرها الرئيس المصري خاصة بالأعمال السيادية.

لكن المحتجين الذين يعتصم بعضهم في ميدان التحرير بالقاهرة يرون أن سحب الإعلان الدستوري هو الحل الوحيد المقبول في نظرهم، وكان مرسي تشجع بالإشادات الدولية بدور مصر في اتفاق وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين في غزة وإسرائيل، ودافعت حكومة مرسي عن الإعلان الدستوري قائلة إنه محاولة للإسراع بالإصلاحات وإتمام عملية التحول الديمقراطي. ويقول يساريون وليبراليون واشتراكيون وآخرون إنها كشفت النوازع الاستبدادية لرجل سجن خلال عهد مبارك. بحسب رويترز.

ويشعر المحتجون بالقلق من أن يكون هدف جماعة الإخوان المسلمين الهيمنة على مصر منذ إسقاط مبارك بعد الفوز في أول انتخابات ديمقراطية برلمانية ورئاسية العام الجاري، وقبيل إصدار بيان الرئاسة قال السياسي اليساري حمدين صباحي ان الاحتجاجات سوف تستمر حتى يتم إلغاء الإعلان الدستوري وان التحرير سيكون "نموذجا لمصر التي لن تقبل دكتاتورا جديدا لأنها اسقطت الدكتاتور السابق"، وطعنت مجموعة من النشطاء والمحامين في الإعلان الدستوري أمام القضاء الإداري الذي سينظر دعاوى أقاموها في الرابع من ديسمبر. وكان معارضون أقاموا دعاوى قضائية للطعن في قرارات أخرى لمرسي، وعقب صياغة دستور جديد يمكن إجراء انتخابات برلمانية جديدة. وحتى ذلك الحين تظل السلطات التشريعية والتنفيذية في يد مرسي ويحصن الإعلان الدستوري قراراته من الطعون القضائية.

ابتعاد الجيش المصري

الى ذلك عاد المحتجون المصريون إلى ميدان التحرير وفي مرمى نيرانهم الرئيس محمد مرسي لكن الجيش الذي كان في قلب الاضطراب السياسي في البلاد حتى أوائل العام الحالي ابتعد عن الأزمة ويرجح أن يظل بعيدا، ولم يقم الجيش بدور ملحوظ على الساحة السياسية منذ أحال مرسي كبار القادة العسكريين للتقاعد في أغسطس آب أبرزهم المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي أدار شؤون مصر بعد إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك في انتفاضة في فبراير شباط العام الماضي حتى تنصيب مرسي في يونيو حزيران هذا العام، وقال عسكري كبير طالبا ألا ينشر اسمه لأن الجيش يفضل ألا يصدر أي بيانات سياسية "المجلس العسكري والقوات المسلحة تركا الساحة السياسية بعد تسليم السلطة للرئيس المنتخب"، وأضاف "القوات المسلحة عادت الآن إلى دورها الطبيعي وهو حماية الدولة" مضيفا أن الجيش لن يتدخل إلا "إذا دعي لحماية الشعب" في حالة نشوب أزمة.

ويعكس ذلك خطا انتهجه الجيش يتمثل في حماية الدولة وأنه لن يتدخل إلا بطلب وهو خط يقول محللون ودبلوماسيون إن المرجح أن يتمسك به العسكريون خشية وقوع مزيد من الأضرار لسمعتهم التي تلقت ضربة خلال الفترة الانتقالية المضطربة التي كانوا مسؤولين فيها عن إدارة شؤون البلاد، ويقول محللون ودبلوماسيون إن كثيرا من الضباط شعروا بالقلق من المعارضة المتزايدة لدور الجيش في السياسة وهي أمر يقوض سمعتهم ويهدد القطاع الضخم من من الاقتصاد الذي يديره الجيش.

وربما يكون هذا ما شجع ضباط الصف الثاني في قيادة الجيش على مساندة قرار مرسي بإحالة قادة الجيش إلى التقاعد في أغسطس آب وأبرزهم المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ونائبه الفريق سامي عنان، ويدين القادة الجدد بترقيهم لمرسي وهم يوالونه، وقال محمد قدري سعيد وهو عسكري سابق يرأس وحدة الدراسات العسكرية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية "الجيش خارج الصورة الآن"، وأضاف أن الأمور تغيرت عندما أبعد طنطاوي وعنان، وشغل طنطاوي منصب وزير الدفاع لمدة 20 عاما في عهد مبارك، وقال وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي خلف طنطاوي في حفل تخرج عسكري قبل أيام إن ولاء القوات المسلحة للشعب والدولة، وأضاف في تصريحاته التي نشرتها وكالة أنباء الشرق الأوسط أن مهمة القوات المسلحة هي حماية البلاد في الداخل والخارج، ويعتقد الدبلوماسيون والمحللون أن الجيش لن يتدخل إلا في أزمة تصل لمستوى الانتفاضة التي أطاحت بمبارك. وإلى الآن لم يصل مستوى الاحتجاجات والعنف إلى المستوى الذي سبق إسقاط الرئيس السابق. بحسب رويترز.

وقال إليجا زروان وهو زميل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "الانطباع القوي الذي لدي هو أن الجيش صار فعلا خارج السياسة الداخلية والطريقة الوحيدة التي أتوقع بها أن يتدخلوا هي أن يكون هناك اضطراب خطير وأ يكون تدخلهم بطلب من مرسي"، وربما يكون بيان صدر عن الجيش بشأن تحليق طائرات حربية يوم الأحد في سماء القاهرة دالا على المدى الذي يريد به العسكريون الابتعاد عن السياسة.

ولا يزال الجيش محتفظا بنفوذ على شؤون البلاد. وكان من ذلك دوره في ملاحقة متشددين إسلاميين في سيناء التي ضعفت فيها قبضة الشرطة بالقرب من الحدود الحساسة مع إسرائيل، ويملك الجيش أيضا إمبراطورية اقتصادية تمتد من صناعة الأسلحة إلى تعبئة زجاجات المياه.

ويقول المحللون إن هناك إمكانية أن تكون هذه المصالح عرضة للتساؤل من جانب مدنيين إذا أصر العسكريون على التعلق بالسلطة السياسية أكثر مما تعلقوا بها، وفي الوقت الحالي لا يوجد دور واضح للجيش في وقت لا يوجد فيه رئيس للدولة من القوات المسلحة مثل مبارك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 29/تشرين الثاني/2012 - 14/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م