مصر بعد التعديلات الدستورية... من سرق الثورة؟

متابعة: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ربما تعود الضجة التي صاحبت الاعلان الدستوري للرئيس المصري محمد مرسي الى التاسع عشر من اذار من العام 2011 حين تم الاستفتاء على ستة تعديلات دستورية وقتها.

حيث تم عقد الاستفتاء الدستوري في أعقاب الثورة المصرية 2011، حين عُلق دستور 1971 من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 13 فبراير، بعد يومين من تنحي حسني مبارك، وقد نظم المجلس لجنة من القانونيين لصياغة التعديلات المقترحة لتمهيد الطريق لاجراء انتخابات جديدة. وقد تم تأجيل قضية الحد من الصلاحيات الرئاسية إلى ما بعد الانتخابات كجزء من عملية صياغة الدستور الجديد.

وقد انقسمت مصر وقتها الى مؤيد او معارض لهذه التعديلات:

فالجمعية الوطنية للتغيير، والبرلمان الشعبي، وجبهة دعم الثورة، دعت المصريين إلى التظاهر في الميادين العامة، وفي مقدمتها ميدان التحرير، لإعلان رفض تعديلات بعض مواد الدستور القديم (دستور 1971)، مطالبة بمجلس رئاسي انتقالي يمهد لتغيير شامل لدستور يتناسب مع أهداف الثورة الجذرية.

وحذر وقتها مرشح الرئاسة المصرية عمرو موسى، من عودة الحزب الوطني مرة أخرى. وقال إن الموافقة على التعديلات الدستورية بشكلها الحالي، يمكن ان تمهد لعودة مجموعات رجال الأعمال المرتبطين بقيادات الحزب وأصحاب المصالح، وتمكنهم من الفوز بعضوية عدد كبير من مقاعد البرلمان. وقال موسى إن «التعديلات تكرس لصلاحيات الرئيس المطلقة في الدستور القديم، وهو ما يعني عودة النظام القديم بأسماء مختلفة».

من جهته، قال القيادي في جماعة «الإخوان المسلمين» محمد البلتاجي، إن «جماعته ستقول (نعم) للتعديلات، لخلق حالة من الاستقرار في البلاد». وأضاف أن «الموافقة على التعديلات الدستورية هي الخطوة الأولى، لتحقيق مطالب الثورة من دستور جديد، وانتخابات رئاسية وبرلمانية بإشراف قضائي شامل وفقا لهذه التعديلات». وأشار البلتاجي إلى أن «التعديلات لا تلغي ضرورة وضع دستور جديد، من خلال جمعية تأسيسية، يتم اختيارها عقب الانتخابات البرلمانية».

من جهته، قال الخبير في الحالة الاسلامية ضياء رشوان، إن «جماعة (الإخوان) ترتكب خطأ كبيرا بتأييد بقاء الدستور القديم، بمواده التي تمنح سلطات موسعة للرئيس المقبل». وأضاف رشوان أن «هناك إجماعاً شعبياً على عدم الاعتراف بالدستور القديم، ولا يوجد من يؤيد التعديلات غير (الإخوان) وفلول الحزب الوطني الحاكم سابقا». وقال مرشح الرئاسة أيمن نور إن التعديلات الدستورية تمثل انتكاسة كبرى لأهداف ثورة 25 يناير»،

كما ندد حزب الجبهة الديمقراطية بالاستفتاء وقال انه يهدد طموحات الشعب في وضع دستور جديد ويبدد اماله في نظام ديمقراطي تسوده مباديء الحرية والعدل الاجتماعي. وقال الحزب ان الدستور الجديد يجب أن يعكس المضمون الاجتماعي والثقافي والسياسي الذي افرزته الثورة.

كما عارض حزب الوفد أيضا التعديلات الدستورية. وقال ياسين تاج الدين نائب رئيس حزب الوفد أن التعديلات المقترحة لا تحد من سلطات الرئيس وهو أمر يثير مخاوف الوفد بشكل كبير. واضاف ان الحزب لا يريد أن يحكم مصر مبارك اخر، ومضى يقول ان التعديلات أجريت على دستور سقط بالفعل مع سقوط الرئيس السابق. وتابع ان التعديلات ليست كافية ولابد من وضع دستور جديد يمهد الطريق أمام دولة مدنية ديمقراطية.

لكن الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يراسه مبارك أيد التعديلات، وقال محمد رجب الامين العام للحزب انه أصدر توجيهات الى قادة وأعضاء الحزب في مختلف المحافظات لتأييد التعديلات الدستورية من أجل تأكيد الشرعية الدستورية وقيادة البلاد نحو مرحلة جديدة من العمل الوطني.

- وأيد حزب الوسط الذي يتألف من أعضاء سابقين في جماعة الاخوان المسلمين واسلاميين سابقين التعديلات الدستورية والاستفتاء. وقال أبو العلا ماضي مؤسس الحزب ان الحزب مع فكرة تغيير الدستور بالكامل ومع ذلك فانه يوافق على التعديلات المقترحة لرغبته في الانتقال السريع لدولة ديمقراطية يقودها مدنيون لا حاكم عسكري.

ووصفت صحيفة الواشنطن بوست وقتها تلك التعديلات الدستورية بأنها بمثابة وضع رقعة من الجلد الحي على جثة متعفنة.. وتشير الصحيفة أن الوحيدين الذين أختاروا التصويت بنعم هم الإخوان وبقايا حزب مبارك بما يعكس سعيهم لتحقيق استفادة سياسية مما يحدث فيما عارضه مرشحان للرئاسة وكل قوى الثورة والمعارضة التقليدية القديمة.. وتضيف الصحيفة إذا كان صحيحا أن مصر تغيرت فى ما يسمى بثورة الفيس بوك، فالأمة الان على وشك مواجهة تغير الوضع في علاقتها مع الديمقراطية: و"الامر معقد جدا".

كانت تلك مقدمات ومؤشرات تفتح الطريق امام محمد مرسي لاعلانه الدستوري الجديد والتي قضت بتمديد عمل الجمعية الدستورية لمدة شهرين وإعادة التحقيقات والمحاكمات في جرائم قتل الثوار، كما اصدر قرارا بتعيين طلعت ابراهيم عبدالله نائبا عاما جديدا بدلا من عبد المجيد محمود الذي أحيل الى التقاعد اضافة الى اربعة مواد اخرى.

وقد اثارت المادة الثانية فيه والمادة السادسة ايضا احتجاجات واسعة في صفوف الكثير من المصريين المعارضين لهذه التعديلات الجديدة.

فالمادة الثانية منه تصادر اي سلطة قضائية يمكن ان تطعن بقرارات الرئيس، وتجعل تلك القرارات نافذة المفعول دون قيد او شرط، لانها حسب تعبير البيان،(تكون نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة كما لا يجوز التعرض لقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء وتنقضي جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية).

والمادة السادسة نصت على ان (لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد ثورة 25 يناير أو حياة الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها أن يتخذ الإجراءات والتدابير الواجبة لمواجهة هذا الخطر على النحو الذي ينظمه القانون).

وفضلاً عن ذلك، فإن التعديلات التي أصدرها الرئيس مرسي تمنع القضاء من حل الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى.

وكان من المقرر أن تصدر المحكمة الدستورية العليا في مصر حكمها بشأن تشكيل الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى في مطلع ديسمبر 2012، وكان الكثيرون يتوقعون أن تقضي المحكمة بحلهما كما فعلت مع مجلس الشعب في يونيو 2012.

منظمة العفو الدولية قالت في بيان لها إن السلطات الجديدة التي اكتسبها الرئيس محمد مرسي تقوِّض حكم القانون وتنذر بمرحلة جديدة من القمع، وأهابت المنظمة بالرئيس مرسي أن يحترم المبدأ المتمثل في أنه لا أحد فوق القانون، بما في ذلك الرئيس نفسه، وذلك بإلغاء التعديلات الأخيرة التي تمنح قراراته حصانةً من الطعن أمام القضاء.

وأشارت المنظمة في بيانها إن ''التعديلات على الإعلان الدستوري في مصر، تمنح الرئيس من الناحية الفعلية سلطات غير محدودة وتحول دون أي طعن قانوني في قراراته لحين انتخاب مجلس الشعب الجديد في العام القادم. كما تجيز التعديلات للرئيس إصدار أية قرارات أو اتخاذ أية إجراءات يراها ضرورية ''لمواجهة خطر يهدد الثورة او سلامة الوطن''.

وأضافت المنظمة إن ''قانون حماية الثورة''، الذي أُعلن يوم الجمعة أيضاً، من شأنه أن يمنح النائب العام الجديد، الذي عُين حديثاً، صلاحية حبس الأشخاص لفترة تصل إلى ستة أشهر بدعوى ''حماية الثورة''، وذلك بينما يجري التحقيق معهم بتهم تتعلق بأحكام في قانون العقوبات عن جرائم مرتبطة بالنشاط الصحفي والإعلامي، وتنظيم احتجاجات، و الاضرابات العمالية والاشتراك في أعمال ''البلطجة''.

ولفتت المنظمة في بيانها إنه ''عادةً ما كانت هذه الأحكام المقيِّدة تُستخدم لمعاقبة أشخاص على الممارسة السلمية للحق في حرية التعبير وحرية التجمع وحرية تكوين الجمعيات. وبموجب هذا المرسوم الجديد، الذي يُعيد إلى الأذهان قانون الطوارئ سيء السمعة، يمكن حبس أشخاص لمدة تصل إلى ستة أشهر بتهم ملفقة لحين تقديمهم للمحاكمة في نهاية المطاف''.

ووصفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، «قرارات 22 نوفمبر»، التي أصدرها الرئيس محمد مرسي بأنها «انقلاب إسلامي»، محذرةً من أن تكون تلك القرارات مقدمة لنظام حكم الفرد في مصر.

وقالت الصحيفة في تقرير مطول لها عن تلك القرارات وتداعياتها إن «الرئيس الإسلامي محمد مرسي أعطى لنفسه مجموعةً من (السلطات الديكتاتورية)، التي حولت المشهد السياسي في البلاد إلى نقطة تحول في غاية السوء».

 

وأضافت أنه «على الرغم من أن الهدف الأول للجيش هو أداء دوره في حماية مصالح الحكومة الاقتصادية، وما نصت عليه مسودة الدستور الجديدة (الذي تسيطر على صياغته جماعة الإخوان المسلمين) من إبعاد الجيش عن التحكم في الحياة المدنية، غير أن قوات الجيش والداخلية ربما تغض طرفها عن الرئيس محمد مرسي في أن يُحكم قبضته على الإعلام والسلطة القضائية».

وقالت الصحيفة إن «إحكام مرسي قبضته على تلك السلطتين (الإعلام والقضاء) ربما يكرر نموذج إسلام آباد في القاهرة، على أن يكون الجيش والمخابرات جهازين مستقلين»، مؤكدة أن «الخاسر الحالي في السياسة بمصر هم الليبراليون»، واستدركت الصحيفة بقولها: «لكنَّ مرسي يعلم جيدًا أن النموذج الباكستاني غير مناسب للحالة المصرية».

واعتبرت «وول ستريت جورنال» أعمال العنف التي اندلعت في عدد من محافظات مصر بين مؤيدي الرئيس مرسي ومعارضيه بـ«التي يؤسف لها وغير المقبولة»، مستدركةً: «لكن التظاهرات ربما تكون الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها المصريون إثناء الإخوان المسلمين من أن يكوّنوا طاغيتهم الجديد».

النتيجة السياسية المباشرة لهذا الإعلان الدستوري، كما يرى احد الكتاب المصريين، تضع الرئيس المصري على طريق الديكتاتورية من خلال تحصين نفسه تحصينا كاملا ومصادرة صلاحيات المؤسسة القضائية وتحصينه سلفا لمخرجات مشروع الدستور المصري الذي يكتبه الان الإسلاميون فقط، أما حجة أو تبرير إصدار الإعلان الدستوري من اجل حماية الثورة ومكتسباتها فتعيدنا إلى عصر عبد الناصر وبعده السادات وبعده مبارك فكل واحد منهم برر إمساكه بكل الصلاحيات إما بحماية الثورة أو مكافحة الفساد، وهكذا كان الأمر في العراق وفي سوريا وفي كل النظم الجمهورية ذات الراس الواحد.

يقول المستشار طارق البشري الذي أشرف على وضع التعديلات الدستورية في فبراير من العام الماضي والذي يعد من ابرز الخبراء في الفقه الدستوري بمصر يقول عن الإعلان الدستوري المثير للجدل:... فليس من سلطات رئيس الجمهورية وفقا للإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس إصدار أي إعلانات دستورية جديدة، والحقيقة أن هذا الأمر لا يتعلق برئيس الجمهورية المنتخب فقط، بل كان ينطبق أيضا على المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد إجراء انتخابات مجلسي الشعب والشورى.

ويرى البشري أن إصدار إعلان جديد يعني أن الرئيس يقوم بثورة جديدة على الثورة، لأنه لا يملك هذه السلطة، وسلطته التشريعية تقتصر فقط على إصدار مراسيم بقوانين تعرض على مجلس الشعب الجديد بعد انتخابه لمراجعتها وإعادة النظر فيها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/تشرين الثاني/2012 - 13/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م