على هامش الستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم

زاهر الزبيدي

يوم الأربعاء 28/11، ستطلق وزارة التعليم العالي والبحث العلمي "الستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم"، حيث من المؤمل أن يعلن عنها دولة رئيس الوزراء غداة مؤتمر دولي علمي مشترك يتم بمشاركة خبراء من 21 دولة و6 دور نشر عالمية، المؤتمر سيبدأ اليوم بالتعاون بين دائرة البحث والتطوير في الوزارة مع شبكة العلماء العراقيين في الخارج (ناسا) تحت شعار التعليم نحو مجتمع المعرفة، ممولاً من البنك الدولي.

في العراق نحن بحاجة الى ستراتيجية واضحة المعالم والرؤى للمستقبل المنشود في الوصول الى مجتمع معرفي يقدر العلم ويقيم العلماء ممن ساهموا ببناء الأثر الواضح للمؤسسات العلمية الكبيرة في العراق والتي كان لها دوراً مميزاً الكبير في تخريج الدفعات المتواصلة من الخريجين في مختلف الاختصاصات العلمية والإنسانية وهم الآن في بلاد الغربة يحاولون بشكل جاد رد جميل وطنهم.

ولا يخفى على أحد بأن هناك تغييراً واضحاً في مفهوم تكنولوجيا التعليم في العالم المتحضر لدرجة أصبحت معه تقنياتنا اليوم تقليدية جداً، أو حتى دون ذلك، وسنظل بحاجة الى رفد تقنياتنا الحالية بأحدث ما يطفوا على سطح العالم من تقنيات علمية جديدة مادياً وبشرياً وما تلك المؤتمرات والتوأمة والتلاقح إلا مسميات ستسهم بشكل كبير، يوماً ما، في إعادة الحياة الى المسيرة العلمية التي طالتها التأثيرات السلبية للحياة السياسية والاجتماعية ما بعد 2003.

وجل ما نرنو اليه هنا بأن طرفي المعادلة العلمية في العراق، الطالب والأستاذ، بحاجة الى تقييم موضوعي متوازن، فكيف تقوم وزارة التعليم العالي بتقييم مستوى إداء الكادر التدريسي في الجامعات العراقية؟ هل يتم ذلك على أساس المتحقق من نسب النجاح؟ أو أن هناك مقاييس أخرى يتم إعتمادها؟

الكثير من طلبة الجامعات يتحدثون اليوم عن نوع من الجفاء بين الطالب والإستاذ ومع علمنا بأن هذا الجفاء هو ناتج طبيعي للظروف التي يمر بها كليهما ولكن أهمها ما يدور حول امكانية أيصال الأستاذ الجامعي لمادته العلمية.. والاختلاف بينهم، الأساتذة، طبيعي جداً فلكل واحد منهم طريقته الخاصة والتي قد تفلح وقد تفشل والمشكلة إذا فشلت فذلك معناه أن لا مادة علمية قد وصلت، وغير ايصال المادة العلمية هو كيفية تناول العلاقة بين الأستاذ الجامعي والطالب الجامعي فعلى سبيل المثال في الكليات الهندسية العلمية هناك طلبة حصلوا على معدل 86% أي أنهم يمتلكون القابلية على تلقي المعلومة بانسيابية أكثر من أقرانهم من طلبة الكليات الأهلية ممن أهلتهم معدلاتهم 70% في الحصول على مقاعد في كلياتها الهندسية ومع ذلك يفشل الأستاذ في إدارة الحصة العلمية المقررة في المنهج والأسباب كثيرة وعديدة ولكننا اليوم نحاول أن نفسر الأسباب التي أدت الى تفاقم تلك الحالة والتي زاد منها إستغلال الكليات الهندسية، على سبيل المثال، لحصص المناقشة التي تدرج غالباً في الجداول اليومية والتي تعتبر بمثابة " متنفس " مهم للطلبة لإجراء مناقشات مفتوحة مع أساتذتهم أو مع المعيدين في تلك الجامعات مما يقلل من تلك الفجوة في العلاقة بين الطالب واستاذه وتزيد من حجم المعلومات التي تصل الى عقول الطلبة والتي قد تلغى احياناً بسبب ضيق الوقت وطول المنهج الجامعي المقرر إلا إن ذلك يأتي على حساب قابلية الإستيعاب الكمي للمعلومات لدى الطلبة على إختلافهم.

فما السبيل الى إستقصاء الحقائق عن نجاح طرق التدريس في الوقت الحاضر ومستوى الأستاذ، فليس كل من حصل على شهادة الدكتوراه أو مرتبة الأستاذية قادر على أن يصل بمادته الى مستوى مثالي يتناسب وطبيعة المادة.. في السابق كانت هناك قنوات كثيرة يتم من خلالها إيصال رأي الطالب للهيئة التدريسية أما اليوم فمؤشرات طلابية كثيرة تدل على فقدان تلك العلاقة وضعف إستجابة الهيئة التدريسية لممثلي الشعب في المراحل الدراسية في الجامعات.

المهم من موضوعنا أن نحاول بصورة شهرية أو فصلية إجراء " إستبيان" طلابي يبين لنا رأي الطلبة، وفق طريقة علمية، عن مستوى الأستاذ من حيث قابليته على إيصال مادته وعلى الرغم إننا مقتنعون، بصورة جزئية، في أن الطالب لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقيم أستاذه إلا إن الطالب هو الطرف الآخر المهم في المعادلة العلمية ورأيه مؤثراً جداً.. فالإستبيان، إذا ما أعد بطريقة دقيقة، سيفرز لنا حقائق كثيرة أقلها أن يعلم الطالب بأهميته في محيطه الجامعي وأهمها أنه سيسهم، على مستوى ما يكتبه، في إعادة هيكلة النظام التعليمي في الجامعة وحتى في قيام الجامعات بوضع خططها العلمية الفصلية أو السنوية.

الاستبيان هنا يمثل حلقة الوصل المهمة التي ستضعنا أمام المسؤولية الكبيرة في مناقشه المعوقات التي تتسبب في عدم فهم الطلبة الجامعون للمواد العلمية، وقد يكون السبب في الطالب ذاته أو في الأستاذ.

ولكوننا لم نصل لمرحلة وضع الكاميرات الرقمية الحديثة في قاعات المحاضرات العلمية والتي قد تساعد لجنة علمية عاليا مختصة في كل كلية أو جامعة من تقييم مستوى التدريس ومدى التجاوب بين طرفي معادلة العلم والتعلم فأننا نرى انها من ضرورات تجاوز الكثير من مبادي التعليم التقليدي وقد يضن البعض، خاطئين، بأنها نوع من التجسس على أساتذة الجامعات إلا إن أغلب جامعات العالم تستخدم تلك الطريقة لتعرض المحاضرات على تلك اللجان التقييمية في رئاسة الجامعات ولتعاد بعدها صياغة أمور كثيرها منها ترقية الأستاذ الجامعي.

خطوات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجديدة، واضحة ومتطورة ولها أهداف مهمة على صعيد رفع المستوى العلمي لجامعات العراق، نبارك جهودها وأملنا كبير أن تكون على قدر المسؤولية الجسيمة المناطة بها، فعظم المسؤولية متأتي من أن العلم هو المسرح الأساسي لتكنولجيات العصر الحديث وبخلافه سنظل نرزح تحت وطأة تخلفنا المقيت.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/تشرين الثاني/2012 - 13/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م