الترشيد من أكثر ثقافات العالم المتحضر أهمية، فمعها يتم توفير
الكثير من المستلزمات المادية والحياتية، وفيها تمكن العالم أجمعه من
الحصول على حياة أفضل ففي مجال التغذية يتم الاعتماد على اسلوب تغذية
محدد يوفر الكثير من الإيرادات المالية مع صحة متوازنة وفق نظام غذائي
متوازن، وفي مجال صرف المياه يتعامل العالم مع أهميتها وفقاً لما يكلفه
توفير المياه الصالحة للشرب وبصورة مستمرة تزيد من الدخل القومي للبلد،
وفي مجال الكهرباء، وهذا هو الأهم، فترشيد إستهلاكها وتقنينه وفر
الخدمة لمدن أخرى، فالمواطن خارج العراق يمتلك الشعور بأخيه الآخر ممن
يسكن على بعد مئات الكيلومترات ومع ذلك فأن ترشيدها يخفض بشكل كبير من
فواتير إستهلاكها.
اليوم أين نحن من ثقافة ترشيد الاستهلاك ويومياتنا قد ملئت بمئات
الحالات الشاذة التي نرى التبذير واضحاً فيها ناهيك عن إبخاس لحقوق
الآخرين فيها.. ففي مجال التغذية نرى أن الإنسان العربي ينفق 50-80% من
إيرادته على التغذية بينما ينفق الإنسان الغربي فقط 20% عليها.. وفي
مجال المياه نرى أن بيوتنا قد تسربت من تحت ابوابها الخارجية ملايين
الكيلومترات المكعبة من المياه الصالحة للشرب بفعل التبذير المتعمد
فيها ولأسباب واهية وغير مكلفة كأعطال أجهزة التبريد، كذلك فأن غسل
السيارات الكبيرة جداً داخل المحلات والأزقة والتي يصرف على غسلها
كميات كبيرة من المياه ناهيك على الربط الغير قانوني على شبكات المياه
والذي سبب تلفاً بها أدى الى ضياع موارد مائية كبيرة..
وفي مجال الكهرباء ونحن اليوم نعيش "ربيع الكهرباء" فما أجمل أن يتم
الاعتماد على مصادر التدفئة الأخرى غير الكهربائية في تدفئة بيوتنا
سيما وأن شتاءنا ليس بالبارد جداً والمثلج والذي لا تنفع معه إلا
المدافئ الكهربائية، والهيترات، التي تستهلك الكثير من القدرة
الكهربائية ونحن بلد نفطي فمن الأفضل أن يتم الإعتماد على المدافئ
النفطية ووسائل التدفئة التي لا تسبب استهلاكاً كبيراً ومبذراً في
الطاقة الكهربائية وقد نحرم، باستهلاكنا العالي للطاقة، مناطق أخرى من
وطننا.. الجميع يلاحظ النشرة الكهربائية اليومية لمستوى الكهرباء في
محافظات العراق حيث أن أقل عدد ساعات تجهيز كانت 20 ساعة..
فماذا لو حافظنا على ذات المستوى من الاستهلاك كالذي يجري الآن.. كم
سنوفر من مبالغ كانت تدفع للمولدات الأهلية ؟ ولماذا لانجرب الترشيد في
استهلاكها إذا كان ذلك سيوفر لنا كهرباء مستقرة على مدار اليوم تقريباً
وتوفر لنا مبالغ نقدية مع ما توفره الأنارة من إحساس بالأمان وأنت ترى
بيتك منيراً في عز ظلمة الشتاء.
إن ترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية بحاجة لعمل دؤوب ومشترك تدخل
فيه كل من الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والمرجعيات الدينية لدينا
فالحكومة عليها أن تضع ضوابط صادمة لاستيفاء أجور الكهرباء وأن تحدد
تسعيرتها حسب مستوى الصرف كما حصل بأحد التطبيقات السابقة في ذلك والتي
ألغيت وترك الحبل على الغارب.
نحن نرى أن جميع الشعارات التي نشاهدها معلقة هنا وهناك عن ترشيد
الاستهلاك غير مجدية بالمرة، فمنذ فترة طويلة جرى الحديث عنها وأسهب في
ذلك والسبب هو عدم توفر ثقافة الترشيد لدينا لذلك فنحن قادرين على أن
ندفع المواطن الى ذلك ووحدها الفواتير العالية، حسب الإستخدام، هي من
ستكون الحازمة في دفع مواطنينا الى ترشيد وتقنين إستخدام الكهرباء
والمياه وعلى الرغم من أن البداية ستكون صعبه عليهم ولكن النهاية ستكون
سعيدة وسنتلافى أي أثر سلبي لإطلاق نظام الفواتير الجديد.
علينا أن نستكشف، بتبصر، كيف وصل العالم الى تلك الدرجات العالية من
ثقافة الترشيد والتي انسحبت الى أشياء كثيرة في حياته شملت الورق
والملابس والمأكل والمشرب وهو في تقدم مستمر في إكتشافه لأهمية تلك
الثقافة ويعمل على اشاعتها بين ابناءه وداخل اسرته وتتناقل تلك الأسر
تلك الثقافة لتوفر على مدى واسع طاقات مختلفة تكون جاهزة للاستخدامات
الأخرى.
zzubaidi@gmail.com |