الصين وأمريكا... صراع على الهيمنة

 

شبكة النبأ: يحتدم التنافس الجاري بين الولايات المتحدة والصين على الريادة العالم الجديد بصورة معقدة ومبهمة، فعلى الرغم من استمرار التعاون الاقتصادي بين البلدين والاستثمار التجاري العملاق، الا ان التدخلات والتحركات الأمريكية في القارة الصفراء مؤخرا، أججت الصراع بين أقوى اقتصاديين في العالم، فربما تريد امريكا تطويق الصين، خصوصا بعدما بدأ النفوذ الصيني يتسع إلى مناطق مختلفة من العالم، من بينها القارة الأفريقية، وأمريكا اللاتينية، بل امتد أيضاً إلى بعض المناطق في القارة الأوروبية، إلا أن العديد من الخبراء والمحللين السياسيين يرون أنه حتى تصبح الصين قوة عظمى حقيقية، فإن نفوذها الخارجي لا يجب أن يقتصر فقط على القطاعات الاقتصادية، بل ينبغي أن يتضمن أيضاً وجوداً عسكرياً ملموساً يؤثر في الأحداث والتطورات السياسية الجارية، لكن الصين تنتهج اليوم سياسية جديد في إنتاج وتصدير المواد الاقتصادية، فهل تستغل ذلك لصعود على عرش العالم؟، مما اثار غضب الولايات المتحدة، واصبح قُطبا العالم الجديد تحت وطأة الحروب الباردة، كما تشكل حروب الإنترنت إلكترونية بوابة جدية للصراع الأمريكي من خلال الحرب الجاسوسية وسرقة الملكية الفكرية بما فيها الأسرار التجارية باهظ التكاليف، في حين يشكل النزاع البحري في الصين مؤخرا لهجة تصالحية بين الجانين بعد التوتر الاخير، إذ تشير الامور آنفة الذكر الى ان العلاقات بين واشطن وبكين قد تدخل مرحلة الصراع النفس الطويل.

عقلية الحرب الباردة

فقد قال وزير التجارة الصيني ان الولايات المتحدة تبدي "عقلية الحرب الباردة" بمخاوفها من تشكيل شركة هواوي الصينية لمعدات الاتصالات خطرا امنيا بسبب علاقاتها مع الحزب الشيوعي، وحذرت لجنة المخابرات بمجلس النواب الامريكي من ان بكين يمكن ان تستخدم المعدات التي تصنعها هواوي ثاني اكبر شركة في العالم لصناعة اجهزة الراوتر ومعدات الاتصالات في التجسس بالاضافة الى شركة زد تي ئي الصينية المنافسة لصناعة اجهزة الاتصال، واشار التقرير الى وجود خلية في الحزب الشيوعي في هيكل ادارة الشركتين كجزء من سبب هذا القلق، ودفع دور الدولة في قطاع الاعمال لجنة استشارية بالكونجرس الامريكي الى الشكوى من ان الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة انشأت "حصان طروادة محتملا"، وقال وزير التجارة الصيني تشين ديمينج وهو نفسه عضو في الحزب الشيوعي الصيني للصحفيين على هامش المؤتمر الثامن عشر للحزب والذي سيسلم القيادة لجيل جديد "هل لكم ان تتخيلوا اذا بدأت الصين تسأل الشركات الامريكية القادمة للصين ماهي علاقتها بالحزبين الديمقراطي او الجمهوري؟ ستكون فوضى. بحسب رويترز.

"اذا كنتم تنظرون الى على انني حصان طروادة فكيف يجب ان انظر اليكم؟ بهذا المنطق اذا حول الامريكيون الامر فسيرون انه ليس في مصلحهم التفكير على هذا النحو"، ويوجد بكل الشركات الصينية المملوكة للدولة وبعدد متزايد من الشركات الصينية الخاصة امينا من الحزب الشيوعي على رأس هيكلها الاداري . وفي معظم الاحوال فان الادارة العليا نفسها من اعضاء الحزب الشيوعي الصيني.

سرقة الأسرار

فيما قال مسؤولون أمريكيون في قطاع الصناعة إن سرقة الصين للأسرار التجارية الأمريكية القيمة التي يتم الحصول عليها في كثير من الأحيان من خلال هجمات إلكترونية متطورة باتت مشكلة أكثر خطورة، وقال جيريمي ووترمان رئيس الشعبة الصينية بغرفة التجارة الأمريكية للجنة حكومية أمريكية استضافها مكتب الممثل التجاري الأمريكي "هذا الأمر يتطلب مزيدا من الاهتمام"، وقال ووترمان في جلسة استماع سنوية بشأن امتثال الصين لقواعد منظمة التجارة العالمية إن الأمر "زادت أهميته زيادة كبيرة خلال عام ونصف مضت"، وفي قضية طرحت في الآونة الأخيرة اتهم مواطنان صينيان في كانساس سيتي بولاية ميزوري بمحاولة دفع 100 ألف دولار مقابل أسرار تجارية مسروقة من شركة بطسبرج كورنينج كورب التابعة لشركة بي.بي.جي اندستريز في مصنعها في سيداليا بميزوري، وقالت وزارة العدل إن الاثنين حاولا شراء الأسرار التجارية لفتح مصنع منافس في الصين، وتخوض شركة دوبونت عملاق الكيماويات الأمريكية أيضا معركة قضائية بسبب مزاعم أن مجموعة بانقانغ الصينية للصلب تآمرت لسرقة أسرارها التجارية.

وفي وقت سابق من هذا العام ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن موظفا في النمسا من شركة امريكان سوبر كوندكتور لطاقة الرياح في ماساتشوستس سرق ملكية فكرية من الشركة وباعها لشركة سينوفل الصينية لتصنيع توربينات الرياح مقابل 1.5 مليون دولار، وقال بيتر دنت نائب رئيس شركة إلكترون للطاقة للجنة الحكومية إن الشركات الأمريكية الكبيرة والصغيرة تواجه "هجمات إلكترونية مستمرة وتزداد تعقيدا (من الصين) في محاولة لسرقة الملكية الفكرية من شبكات الكمبيوتر الخاصة بالشركات". بحسب رويترز.

وقال إن الدفاع عن الأسرار التجارية من الهجمات "صعب للغاية" واستنزاف باهظ التكاليف للموارد، وقال دنت إن الشركات تحتاج أن تتخذ الحكومة الأمريكية الإجراءات اللازمة التي قد تشمل تعطيل "المزايا التجارية للبلدان الراعية لهذه الأعمال"، وزادت الصادرات الأمريكية إلى الصين منذ انضمام الثانية إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001 وهي الآن ثالث أكبر سوق خارجي للبضائع الأمريكية. لكن الجماعات التجارية قالت للجنة التي يقودها الممثل التجاري الأمريكي إن الصين تتبع شبكة واسعة من السياسات التمييزية التي تمنع الشركات الأمريكية من القيام بمبيعات واستثمارات إضافية في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ودعت غرفة التجارة الأمريكية ومجلس الأعمال الأمريكي الصيني إلى "معاهدة استثمار ثنائية" من شأنها أن تفتح مجالات في الاقتصاد الصيني لاستثمارات الشركات الأمريكية.

انقسام ونزاع

في سياق متصل ظهر الانقسام بين الصين والولايات المتحدة بشأن كيفية إنهاء اراقة الدماء في سوريا ونزع فتيل التوتر في بحر الصين الجنوبي ومناطق مضطربة أخرى في العالم لكنهما اكدتا على الأمل في إقامة علاقات متوازنة بينما تقتربان من تغييرات سياسية في الداخل، وتعهدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ووزير الخارجية الصيني يانغ جيه تشي بحسن النوايا بعد محادثات سبقتها انتقادات من بكين لدعوة كلينتون للتوصل إلى حل متعدد الأطراف للنزاعات على الأراضي في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي، وقالت كلينتون للصحفيين إن مثل تلك الخلافات لن تعوق بالضرورة التعاون بين البلدين.

وقالت بعد محادثات مع يانغ في صالة الشعب الكبرى ببكين "أنا فخورة جدا بقوة وصمود ما بنيناه معا في علاقتنا"، وأضافت كلينتون "هذا يجعل من الممكن بالنسبة لنا الحديث عن أي شئ والتوصل إلى سبل لبحث القضايا بشكل صريح ومباشر" وتابعت أن الجانبين لن تتطابق رؤاهما بشأن كل القضايا التي تمثل جزءا من علاقتهما الكبيرة.

كما صور يانغ العلاقة بين البلدين بشكل إيجابي قائلا إن التعاون بينهما ممكن ما دام هناك "احترام متبادل للمصالح والمخاوف الرئيسية" للآخر، وقال يانغ "أثبت التاريخ والحقائق مرارا أن الصين والولايات المتحدة بينهما مصالح متداخلة"، وأبرزت تلك التصريحات الجهود التي بذلها الجانبان لاحتواء النزاعات خاصة بينما يركز كل منهما على السياسة المحلية، والغى مسؤولون امريكيون بيانا بعد اعلان وسائل اعلام رسمية صينية ان مسؤولا صينيا كان قد فر الى قنصلية امريكية في فبراير شباط اتهم بالانشقاق وتلقي الرشى، وكان وانغ ليجون القائد السابق للشرطة في مدينة تشونجتشينغ عندما اسقطت اكبر فضيحة سياسية تشهدها الصين منذ عشرات السنين سكرتير الحزب في المدينة في ذلك الوقت بو تشيلاي بعدما تم الربط بين زوجته ومقتل مواطن بريطاني، وأشادت كلينتون بالصين لمساعدتها في الضغط على إيران بسبب أنشطتها النووية وتحدث يانغ بنبرة معتدلة بشأن سوريا عندما وازن بين المعارضة للتدخل الخارجي والدعم "للتحول السياسي"، وقال موقع وزارة الخارجية الصينية على الانترنت إن الرئيس هو جين تاو قال لكلينتون "الصين مستعدة للحفاظ على الحوار وتعزيزه والتنسيق مع الولايات المتحدة"، وأضاف "الحفاظ على التنمية المتواصلة للروابط الاقتصادية والتجارية الصينية الأمريكية له أثر مهم على البلدين وكذلك على إنعاش ونمو الاقتصاد العالمي."

ولم يقدم أي من الجانبين تنازلات في النزاع ببحر الصين الجنوبي والذي أصبح قضية مثيرة للتوتر مما يظهر الريبة في بكين من أن إدارة أوباما تسعى للحد من النفوذ الصيني بالمنطقة، وثار غضب الصين على وجه الخصوص من دعم الولايات المتحدة اقتراحات بالتوصل إلى حل متعدد الأطراف للنزاع في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي إذ تفضل بكين أن تتفاوض بشكل فردي مع كل دولة تخوض نزاعا مع الصين بالمنطقة، وقال وزير الخارجية يانغ للصحفيين "فيما يتعلق ببحر الصين الجنوبي فإن موقف الحكومة الصينية متسق وواضح. للصين سيادة على الجزر في بحر الصين الجنوبي والمياه المتاخمة"، وأضاف "ليس هناك منطقة تتقاسم فيها الصين والولايات المتحدة مصالح مشتركة ... مثل منطقة آسيا والمحيط الهادي"، وأكدت كلينتون أكثر من مرة أن الولايات المتحدة لم تتخذ موقفا بشأن النزاع بالمنطقة لكنها تريد من الصين ودول جنوب شرق اسيا التوصل إلى ميثاق شرف لتجنب الاضطرابات، وقال مسؤول أمريكي للصحفيين إن نائب الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي من المرجح بشدة أن يخلف هو في الرئاسة اضطر لالغاء اجتماعه مع كلينتون، وألغى شي اجتماعا سابقا مع رئيس وزراء سنغافورة في علامة على أن غيابه ليس ازدراء لكلينتون. وقال يانغ بشأن الغاء الاجتماع "نأمل ألا يلجأ الناس إلى تكهنات غير ضرورية"، وقال وزير الخارجية الصيني يانغ إن الصين تؤيد "التحول السياسي" في سوريا لإنهاء الصراع وأكد على معارضة بكين للتدخل الخارجي في هذه الأزمة. بحسب رويترز.

وقالت كلينتون إنه "لا يخفى على أحد" أن الحكومة الأمريكية شعرت بخيبة أمل من موقف كل من الصين وروسيا بخصوص سوريا وأكدت أن أفضل مسار ما زال قيام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإجراء صارم، وقال يانغ أيضا إن حكومته تعارض سعي أي بلد بما في ذلك إيران لصنع أسلحة نووية، ومضى يقول "نعتقد أن على الأطراف أن تستمر في التحلي بالهدوء ومواصلة الالتزام بالمفاوضات الدبلوماسية."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 19/تشرين الثاني/2012 - 4/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م