الأردن أزمات جديدة تنذر بعواقب وخيمة

 

شبكة النبأ: شهد الأردن عددا من الاحتجاجات على غرار احتجاجات الربيع العربي المطالبة بإصلاحات ديمقراطية ومواجهة الفساد. لكن التظاهرات اتسمت بالسلمية ولم تستخدم قوات الأمن السلاح، لكن اليوم حدثت اشتباكات بين الأمن ومحتجين، خلفت قتيلا من المحتجين ليكون أول ضحية للعنف، وبعدما أثارت الاحتجاجات الواسعة اثر أزمة سياسي واقتصادي غير مسبوقة، فربما تشهد الاردن الثورة العربية التالية بسبب اشتداد مشاعر الغضب والاستياء من الأزمة الاقتصادية والقمع الحكومي للشعب، وقد أدت تلك ألازمات الى مظاهرات متتالية في معظم انحاء البلاد، احتجاجا على الزيادات الحادة في أسعار المحروقات، حيث تواجه الاردن أزمة اقتصادية طاحنة تهدد عصب الحياة الاقتصادي والسياسي وتنذر بقدوم ثورة الجياع، وقد اثارت حالة الاحتقان السياسي والحراك الشعبي مستمر مؤخرا، ردود فعل ساخطة على مستوى القطاعات الشعبية والتجارية، فقد قامت الحكومة الأردنية برفع أسعار المحروقات لمعالجة وضعها الاقتصادي المتردي وسط توقعات بتجاوز ديون الأردن 24 مليار دولار في خطوة اعتبرت خطيرة جدا تنذر باستمرار الأزمات الاقتصادية وترادفها الأزمات السياسية الممثلة بالتظاهرات والاعتصامات الشعبية، فضلا عن خطر التوازن السياسي، كلها أمور تضع الأردن أمام مأزق سياسي جديد سيكون له عواقب جسيمة على الأصعدة كافة.

احتجاجات غير مسبوقة

في سياق متصل يشهد الاردن احتجاجات واعمال شغب شملت اعتداءات على مباني ومؤسسات حكومية ومراكز امنية واوقعت اصابات بعد قرار الحكومة رفع اسعار المحروقات في بلد قارب عجز موازنته خمسة مليارات دولار، وقررت الحكومة الاردنية رفع اسعار المشتقات النفطية بنسب متفاوتة تراوحت بين 10% و53% لمواجهة عجز الموازنة للعام الحالي في بلد يستورد معظم احتياجاته النفطية ويعتمد اقتصاده على المساعدات الخارجية، وبعد نحو ساعة من القرار، اعتصم نحو الفي شخص في دوار الداخلية وسط عمان وهم يهتفون "اللي بيرفع بالاسعار بدو البلد تولع نار" و"يا نسور ارحل ارحل" في اشارة الى رئيس الوزراء عبد الله النسور، واضطر رجال الامن الى استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق هؤلاء المعتصمين الذين اعتقلت قوات الامن 24 شخصا منهم، بحسب مصدر امني، وسرعان ما امتدت الاحتجاجات واعمال الشغب الى مدن اردنية اخرى مثل اربد والرمثا والمفرق (شمال) والكرك ومعان (جنوب) بمشاركة آلاف الاشخاص قام بعضهم باغلاق الطرق باطارات مشتعلة والاعتداء على مباني ومؤسسات حكومية ومراكز امنية، واضطرت قوات الأمن الى استخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين في عدد من المدن.

وقالت مديرية الأمن العام في بيان ان اعمال الشغب ادت الى اصابة 14 شخصا، بينهم 10 من رجال الأمن بعيارات نارية، اثر اعتداء متظاهرين غاضبين على مراكز امنية في اربد (89 كلم شمال) ومباني رسمية في السلط (30 كلم شمال-غرب)، واستخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق محتجين غاضبين قرب منزل رئيس الوزراء عبدالله النسور بمدينة السلط، وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي ويوتيوب مقاطع فيديو تظهر احراق صورة للعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني في لواء ذيبان (جنوب) وسط هتاف لعشرات الشبان "الشعب يريد اسقاط النظام"، واظهرت بعض المقاطع سيارات تابعة لدوائر رسمية محترقة في الرمثا والسلط.

من جهتها، حذرت الحركة الاسلامية المعارضة من "عصيان مدني" في البلاد بعد قرار الحكومة رفع اسعار المحروقات، وبموجب القرار الحكومي تم رفع سعر بيع اسطوانة الغاز المنزلي الى 10 دنانير (14 دولارا) بدلا من 6,5 دينار (9 دولارات) وسعر ليتر بنزين 90 اوكتان الى ثمانين قرشا (1,12 دولار) بدلا من 71 قرشا (دولار واحد)، وقالت الحكومة انها ستقوم بتعويض الاسر التي لا يتجاوز دخلها السنوي عشرة الاف دينار (حوالى 14 الف دولار) بمبلغ 420 دينار سنويا (حوالى 592 دولار)، ويأتي قرار رفع اسعار المشتقات النفطية قبل نحو شهرين من موعد الانتخابات النيابية المقررة في 23 كانون ثاني/يناير المقبل والتي يأمل الاردن ان تشكل نقطة تحول سياسية تاريخية في المملكة. بحسب فرانس برس.

ورأى زكي بني ارشيد، نائب المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين في الاردن ان قرار رفع الاسعار "شكل ضربة قاسية جدا للانتخابات التي باتت على كف عفريت"، وتقاطع الحركة الاسلامية الانتخابات المقبلة احتجاجا على قانون الانتخاب وتطالب بحكومات منتخبة، فيما ينص الدستور حاليا على ان يعين الملك رئيس الوزراء، واعلنت نقابة المعلمين في بيان اضرابا عاما شمل قرابة 120 الف معلم ومعلمة في مدارس المملكة ردا على "قرار الحكومة الجائر وغير المسؤول برفع الأسعار والاعتداء على جيوب المواطنين وانتهاج سياسة افقار الشعب وتجويعه"، وقال حسن المومني، عضو في النقابة، ان "نحو 50% من مدارس المملكة اي حوالى 2000 مدرسة التزمت بالقرار"، واضاف "انه اضراب عام مفتوح لحين تراجع الحكومة عن قرار رفع الأسعار"، كما اعلنت نقابة المحاميين التوقف عن المرافعات امام المحاكم.

وتستعد نقابات عمالية اخرى لاتخاذ خطوات مشابهة، فيما اعلن عدد من المجموعات الشبابية والحركة الاسلامية النية في تنظيم تظاهرات تصعيدية في مختلف مناطق المملكة، واعتبر بني ارشيد ان "قرار رفع الاسعار مؤلم بلا شك وتداعياته (ستكون) قاسية وحادة جدا"، مشيرا الى انها "ربما تتطور لحد الوصول الى عصيان مدني"، واكد ان "الاردن دخل في ازمة قاسية وحادة وصعبة جدا نتيجة غياب التفاهم والحوار الوطني والتوافق الوطني وازمة الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة جميعها"، الا انه رأى ان "هذه الازمة قد تكون مفتاح او بوابة للعودة الى الحوار الوطني والاصلاحي ومدخل ذلك تأجيل الانتخابات والعودة الى التفاهم حول الحالة السياسية وقانون الانتخابات"، واعتبر بني ارشيد ان "الأزمة وضعت النظام السياسي في ممر اجباري: اما ان يصلح او سيدفع كلفة عالية ربما تكون مفاجئة للجميع".

من جانبه، رأى الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية، ان "رفع الاسعار سيلقي بظلال كئيبة وكثيفة على المشهد الانتخابي الاردني هذا ان جرت الانتخابات في موعدها المحدد"، مشيرا الى ان هناك "ثمة احتمالات لمفاجئات"، وقال "ما جدوى اجراء انتخابات ان كانت الحكومات لا تصغي لنبض الشارع ولاحتياجات الناس ومعاناتهم"، واضاف "ما الحاجة للانتخابات ان لم يكن الشعب هو من يصنع حكوماته في نهاية المطاف ويحاسبها ويحملها المسؤولية".

قنبلة موقوتة

فقد تفجرت احتجاجات في العاصمة الأردنية عمان ومدن الأقاليم بعد ان خفضت الحكومة دعم الوقود في خطوة لضمان الحصول على قرض بقيمة ملياري دولار من صندوق النقد الدولي لكنها أدت إلى ارتفاع أسعار الوقود، ونزل أكثر من ألف شخص إلى الشوارع في العاصمة عمان في واندلعت احتجاجات أصغر في عدة مدن بالأقاليم بعد ان قالت جماعات إسلامية وعشائرية معارضة إنها ستقوم بتظاهرات، وهتف مئات المحتجين بهتافات مناهضة للملك عبد الله وأجهزة الاستخبارات القوية مرددين شعارات تستهدف شخصيا الملك ولم يسمع بها قبل موجة من الاحتجاجات تستلهم ثورات الربيع العربي وأصابت المملكة أوائل العام الماضي، وهتف شبان في ساحة دوار الداخلية الرئيسية في قلب عمان "حرية حرية فليسقط عبد الله." بينما نددت حشود غاضبة بزيادات الأسعار التي كانت متوقعة على نطاق واسع، وعززت السلطات تدابير الأمن في شتى انحاء البلاد التي تقع في مفترق طرق في الشرق الأوسط وتتاخم السعودية والعراق وسوريا والضفة الغربية واسرائيل. بحسب رويترز.

وكانت مظاهرات احتجاج مناهضة للاستبداد والفساد وسوء إدارة الأموال قد أدت إلى الإطاحة ببعض الزعماء العرب ومنهم زعماء تونس ومصر وليبيا واليمن، ولكن على خلاف المظاهرات المطالبة بالديمقراطية التي تستلهم الربيع العربي في البلدان المجاورة والتي تحولت إلى العنف فإن الأردن لم يسجل حالة وفاة واحدة في نحو عامين من الاحتجاجات السلمية، وكانت الحكومة اضطرت الى الاعتماد بشدة على الاقتراض الداخلي من البنوك. وقفز الدين العام 19 في المائة منذ العام الماضي إلى 22 مليار دولار ويبلغ الآن 72 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وهبطت بشدة احتياطات النقد الأجنبي بنسبة 34 في المئة الى 6.85 مليار دولار منذ نهاية العام الماضي.

ثورة الجياع

في حين رفعت الحكومة الأردنية أسعار المشتقات النفطية، بنسبة تتراوح بين 14 و54 في المائة، بحسب مراقبين، وسط أجواء من الاحتقان الشعبي والتوتر، ساد الأوساط الشعبية والسياسية منذ أسابيع، في انتظار قرار أثار، في السابق، موجة احتجاجات عارمة.

جاء القرار، الذي اتخذه مجلس الوزراء الأردني، عقب أسابيع من التمهيد والتحركات الماراثونية، التي قادها رئيس الحكومة عبد الله النسور، لامتصاص غضب الشارع والقوى السياسية والشعبية والإعلامية، تزامناً مع التحضير لانتخابات نيابية مفصلية مطلع العام المقبل.

وحذر خبراء اقتصاد ومراقبين من قرار رفع أسعار المحروقات، الذي شغل أحاديث وسائل الإعلام المحلية، وسط توقعات بحدوث ردود فعل احتجاجية عنيفة، على غرار احتجاجات جنوب الأردن أواخر 1989، واشتمل قرار الرفع على جميع المشتقات النفطية ذات الاستهلاك واسع النطاق، بما فيها البنزين العادي، وكذلك مواد السولار، والكاز (الكيروسين)، والغاز، ويعتبر القرار تنفيذاً لاتفاق وقعته الحكومة السابقة مع صندوق النقد الدولي، حيث ستشهد البلاد بموجب هذا الاتفاق، وعلى مدى العامين المقبلين، سلسلة أخرى من القرارات، لتحرير الأسعار، التزاماً بشروط صندوق النقد، للحصول على مليار دولار كتسهيلات، ورجح الكلالدة "حدوث انفجارات شعبية" نتيجة القرارات، قائلاً إن وعود الحكومة بتعويض الأسر التي لا يزيد دخلها السنوي عن 10 آلاف دينار أردني، أي نحو 7 آلاف دولار، هي "وعود زائفة"، في الوقت الذي يتقاضى فيه نحو 83 في المائة من الأردنيين، ما لا يتجاوز 300 دينار شهرياً. بحسب السي ان ان.

فيما قلل الصحفي يوسف ضمرة، من تلك الأرقام، مرجحاً أن لا تتجاوز حاجز ملياري دينار، على أبعد تقدير، بحسب قوله، وأوضح ضمرة أن دفعة قرارات الرفع هذه، هي الأعلى، حث تراوحت بين 14 و54 في المائة، فما أشار إلى أن قرار رفع أسعار الكهرباء، سيتخذ مطلع العام الجاري، إلى ذلك، حذر الخبير والمحلل الاقتصادي، الدكتور يوسف منصور، من مغبة حزمة القرارات، قائلاً إن صناع القرار لم يستجيبوا لدعوات الاقتصاديين وتحذيراتهم، مشيراً إلى أن "غلاءً فاحشا سيضرب جميع القطاعات"، خاصةً قطاع النقل، يُذكر أن العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، كان قد أوعز للحكومة بتجميد قرارات رفع الأسعار مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد موجة احتجاجات غير مسبوقة، وهو القرار الذي تراجعت عنه حكومة الطراونة آنذاك.

سقوط قتيل

الى ذلك قال شهود عيان ومصادر أمنية إن أحداث الشغب التي تفجرت بالأردن عقب رفع الحكومة أسعار الوقود خلفت قتيلا من المحتجين ليكون أول ضحية للعنف الذي امتد إلى عدة بلدات فقيرة بالمملكة، وقال الشهود إن محتجا لقي حتفه وأصيب عشرات خلال هجوم على مركز للشرطة في إربد ثاني أكبر مدن البلاد، وطاردت قوات الأمن خلال الليل عشرات الشبان ممن كانوا يلقون بالحجارة في الحي التجاري الرئيسي بالعاصمة عمان بعد أن أحبطت الشرطة محاولة من جانب شخصيات معارضة إسلامية وعشائرية للقيام بمظاهرة مناهضة للحكومة. بحسب رويترز.

وأكد مسؤولون أمنيون حدوث الاشتباكات وقالوا إن الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق المئات من الشبان الملثمين ومثيري الشغب الذين هاجموا ممتلكات حكومية وأشعلوا النار في سيارات، ودارت معظم الاضطرابات في مناطق نائية تقطنها عشائر قوية تزود قوات الجيش والأمن بالمتطوعين وتمثل عماد الدعم للأسرة الهاشمية الحاكمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/تشرين الثاني/2012 - 2/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م