حلم كردستان... الدولة المفترضة وحماية المكتسبات

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: في خضم القتال الدائر في سوريا والتوترات السياسية التي يشهدها العراق، يعمل اكراد الدولتين بالإضافة الى اكراد تركيا بخطى حثيثة لانتزاع ما يعبروه حقا شرعيا في اقامة دولتهم القومية خلال هذه الفسحة المهمة لهم في التاريخ الحديث، بعد عقود طويلة من خيبات الامل في تحقيق ما تربو اليه افئدتهم.

الا ان ذلك الامل يحدوه الكثير من المشاق والتحديات التي قد تجهضه بسهولة، سيما فيما يتعلق بالتباين الملحوظ في التفاصيل، وتقاطع الرؤى حول كيفية تنفيذ المشروع القومي، الى جانب الخطوط الحمراء التي تضعها انقرة الد اعداء الرؤى الكردية.

صراع على القوة

ففي الطرف الشمالي الشرقي من سوريا تظهر بوادر صراع على الثروات النفطية المحتملة في المنطقة الكردية النائية مما يهدد بجر تركيا وأطراف كردية متنافسة ومقاتلين عرب إلى جبهة جديدة في حرب أهلية معقدة بالفعل.

بهدوء وبقليل من الدماء التي تسفك في مناطق أخرى منذ اندلاع القتال في سوريا ضد الرئيس بشار الأسد قبل 19 شهرا تقتنص الأقلية الكردية الفرصة للحصول على حكم ذاتي وحقوق حرمت منها طوال عقود.

وبينما تنخرط القوات السورية ومقاتلون عرب في قتال الى الغرب استغل حزب كردي سوري على صلة بانفصاليين أكراد أتراك فراغا ليفتحوا مدارس ومراكز ثقافية كردية وأقساما للشرطة ويشكلوا ميليشيات مسلحة.

لكن النفوذ المتنامي لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي لا يقلق تركيا وحدها التي تخشى أن تتحول المناطق الحدودية إلى موطيء قدم لمتمردي حزب العمال الكردستاني التركي لكنه يزعج المقاتلين العرب في سوريا الذين يرون في الميليشيات الكردية تهديدا.

وفي مكتب حزب الاتحاد الديمقراطي في مدينة ديريك الكردية السورية حيث تزين الجدران صورة لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان وصور لأعضاء يقول الحزب إنهم قتلوا على يد نظام الأسد تسود نبرة من التحدي.

يقول محمد سعيد الناشط في الحزب "لدينا حقوقنا.. لدينا أرضنا. لسنا لاجئين هنا وسنحمي أنفسنا... لا يمكن أن نقبل أن تأتي أي قوة من الخارج إلى هنا."

على طول الحدود السورية مع العراق يحرس رجال ميليشيات كردية يرتدون الجينز ومسلحين ببنادق كلاشنيكوف نقطة حدودية حيث كانت قوات الأسد ذات يوم تنظم دوريات عند سفوح التلال التي تنتشر عندها مضخات نفطية متوقفة عن العمل.

في فصل دراسي في ديريك المجاورة تقرأ تلميذات دروسهن باللغة الكردية التي كانت ممنوعة في المدارس حتى أشهر قليلة مضت ويعلن زعماء أكراد سوريون ولاءهم الايديولوجي لأوجلان الزعيم الكردي المسجون في تركيا.

تحت حكم الأسد ووالده الراحل من قبله كان الأكراد السوريون ممنوعين من تعلم لغتهم أو الحصول على بطاقة هوية سورية وعادة ما كانت تنزع ملكية أراضيهم أما النشطاء الأكراد فكانوا مستهدفين من عناصر المخابرات السورية.

لكن بعد انسحاب قوات الأسد من المنطقة الكردية للقتال في أماكن أخرى منذ ستة أشهر بدأ حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الشعبية المتحالفة معه اعلان السيطرة على بلدات تقع على الحدود التركية مثل ديريك وعفرين وكوباني وعامودا.

في بلدة ديريك التي يبلغ عدد سكانها 70 ألفا وتحيط بها حقول جافة تبدو الحياة اليومية تسير بصورة طبيعية بصرف النظر عن وقوف الناس في طوابير طويلة في انتظار الحصول على غاز الطهي.

يحرس أفراد ميليشيا كردية نقاط تفتيش صنعوها من الصخور واطارات السيارات. وتدير لجان محكمة كردية وخدمات مثل تسليم امدادات الوقود. وفي المدرسة الوحيدة المفتوحة بالبلدة يتعلم التلاميذ اللهجة الكرمانجية الكردية علنا.

يقول بالاشين عمر (18 عاما) وهو يجلس في الفصل يجري تدريبات على النحو "لم نكن نستطيع أبدا أن نقول أننا أكراد في وقت سابق...لم نكن نحظى بالاحترام من قبل."

لكن مع ذلك هناك تعايش واضح مع الدولة السورية. ويحتفظ الجيش السوري بنقطة التفتيش الخاصة به دون تدخل. ويقع مكتب حزب الاتحاد الديمقراطي على مسافة 100 متر من مكتب للمخابرات السورية ومقر لحزب البعث السوري الحاكم حيث لا تزال صور الأسد معلقة على الجدران.

يقول نشطون في حزب الاتحاد إنهم يسمحون بتواجد حكومي محدود في الوقت الحالي حتي يمكنهم الحصول على البنزين من دمشق وإن القوات الحكومية تقبع حيث هي غير قادرة على التحرك. بحسب رويترز.

لكن الشكوك أذكت انقسامات خطيرة مع أحزاب كردية أخرى تعتقد أن الأسد سمح لحزب الاتحاد بتعزيز نفوذه مستهينا باتفاق مع المجلس الوطني الكردي وهو تحالف أصغر. يقول عبد الحكيم بشار رئيس المجلس الوطني الكردي "يمكننا القول إن المنطقة الكردية أصبحت محررة حين لا تتمكن القوات السورية من الوصول إليها." وأضاف "في الوقت الراهن ليس هناك مكان واحد لا يمكنهم الوصول إليه إن أرادوا."

وسيكون مصير المنطقة الكردية قضية هامة في سوريا ما بعد الأسد. ويساور القلق معظم أكراد سوريا -أكبر أقلية عرقية في البلاد- من معارضة عربية سورية يهيمن عليها الاسلاميون الذين يرفضون منح الحكم الذاتي للأكراد.

وحتى الخصوم من الأكراد السوريين منقسمون بشأن نوع الحكومة التي يريدونها في حال سقوط الأسد وهل يتبعون نموذج الحكم الذاتي في اقليم كردستان العراق أو يطلبون ببساطة مجرد إدارة ذاتية لمناطقهم باشراف الحكومة السورية الجديدة.

ومن سيسيطر على السهول الكردية قبالة تركيا سيهيمن على جزء كبير من احتياطيات سوريا من النفط التي تقدر بنحو 2.5 مليار برميل يوميا ومنها حقول كانت تديرها شركة جلف ساندز ومقرها بريطانيا الى ان منعتها العقوبات الدولية على الأسد من الاستمرار في عملياتها هناك.

وسيكون لأي حكم ذاتي يحصل عليه الأكراد في نهاية المطاف في سوريا تداعيات أيضا على الأقليات الكردية في تركيا وايران المجاورتين وسيعزز موقف حكومة كردستان العراق في صراعها مع الحكومة المركزية في بغداد حول آبار النفط في المنطقة الكردية.

لكن الوضع القوي الذي يتمتع به حزب الاتحاد الديمقراطي يسبب ورطة لمسعود البرزاني رئيس اقليم كردستان العراق تتمثل في كيف يوازن بين مساندة طموحات الأكراد عموما وبين التحالف السياسي والتجاري المتنامي بين اقليم كردستان العراق وتركيا؟

وعمل البرزاني الذي يعتبره الكثير من الأكراد قائدهم الطبيعي على توحيد الأحزاب الكردية السورية. فقد ساعد في تشكيل المجلس الوطني الكردي ودرب اللاجئين الأكراد على العودة وحماية المناطق الكردية في تحد لنفوذ حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني.

وبالنسبة لأنقرة يكشف وجود الميليشيات الكردية عند حدودها أن الأسد سمح لحزب الاتحاد بالسيطرة كوسيلة لتقوية شوكة حزب العمال الكردستاني ومساعدته في شن هجمات داخل تركيا ثأرا من الدعم التركي للمسلحين المعارضين الذين يحاربون دمشق.

ووفر حافظ الأسد والد الرئيس السوري المأوى لأوجلان حتى دفعت تركيا بدباباتها إلى الحدود السورية عام 1998 مما حمله على طرد زعيم حزب العمال الكردستاني الذي اعتقله ضباط مخابرات أتراك في وقت لاحق في كينيا.

وقال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان إن بلاده ستتحرك إذا ما شن حزب العمال الكردستاني هجمات من الأراضي السورية وأجرى تدريبات عسكرية على طول الحدود في تحذير واضح لدمشق. لكن اردوغان لا يملك الكثير من الخيارات في الوقت الراهن.

يقول هيو بوب من المجموعة الدولية للأزمات "ستتريث تركيا وتراقب هذه التطورات...حزب العمال الكردستاني يشن هجمات داخل تركيا وهي لا تريد فتح جبهة جديدة."

وينفي حزب الاتحاد الديمقراطي مزاعم عن صلاته بمسلحي حزب العمال الكردستاني ويؤكد أنها لا تتعدى الصلات السياسية. لكن تأثير أوجلان جلي. يردد الأكراد السوريون خلال الاحتجاجات "يعيش آبو" وهو لقب أوجلان ويحي حرس الحدود الأكراد الزوار وهم يرتدون شارات تحمل صورة أوجلان على ستراتهم. ويحدق وجهه من راية منتصبة فوق نقطة حدودية من أكياس رملية قرب الحدود مع العراق.

يقول أحمد برخدان قائد الميليشيا وهو يجلس في منزل بديريك "لا نريد أن نقيم دولة خاصة بنا نريد فقط سوريا ديمقراطية والحق في إدارة مناطقنا." ومما يزيد من بواعث القلق حيال المنطقة الكردية السورية اشتباكات وقعت في الآونة الأخيرة مع مسلحين عرب يقاتلون ضد الأسد.

وقتل عشرات من رجال الميليشيات الكردية في معارك مع مقاتلي الجيش السوري الحر هذا الشهر للسيطرة على الأحياء الكردية في حلب. ويعتبر مقاتلو المعارضة حزب الاتحاد الديمقراطي حليفا للأسد. يقول الناشط محمد سعيد من حزب الاتحاد "انه مؤشر على ما سيحدث في المستقبل."

ويزعم مقاتلو الجيش السوري الحر بالفعل سيطرتهم على أصول نفطية في مواقع أخرى. وذكر لواء جعفر الطيار وهو وحدة للمقاتلين العرب في دير الزور أن مقاتليه سيطروا على حقل الورد النفطي قرب الحدود العراقية.

لكن حتى الآن ليس هناك دليل على سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على أي بنية أساسية لانتاج النفط. فالكثير من مضخات انتاج النفط المتناثرة على طول سفوح التلال المحيطة بديريك متوقف عن العمل وتنتظر صفوف من السيارات وصول شحنات البنزين من حكومة الأسد.

وقبل اندلاع الأزمة كانت سوريا تصدر النفط لأوروبا. لكن موقعها الاستراتيجي على طريق العبور من العراق وايران وتركيا المجاورة يفوق في أهميته انتاجها المتواضع الذي بلغ 400 ألف برميل يوميا قبل الاضطرابات.

وكانت جلف ساندز تدير عقدا لاقتسام الانتاج مع سينوكيم الصينية في منطقة امتياز 26 التي تمتد في وسط المنطقة الكردية وبلغ انتاجها النفطي 24 ألف برميل يوميا قبل تطبيق العقوبات.

لكن أكراد سوريا لا يملكون سوى القاء نظرة ثاقبة عبر الحدود إلى اقليم كردستان العراق المجاور ليروا كيف يختلط النفط مع الصراع الطائفي والعرقي في المنطقة. فبعد عشر سنوات من الغزو الذي اطاح بالرئيس الراحل صدام حسين لا يزال النفط بؤرة خلاف محتدم بين حكومة بغداد المركزية وكردستان العراق.

وتقع في قلب الخلاف مدينة كركوك التي ترقد فوق بعض أكبر احتياطيات للنفط في العالم والتي يطالب كل من الأكراد والحكومة المركزية بالسيطرة عليها. ويقول أحد النشطين السوريين في ديريك "هذه المنطقة ستكون مثل كركوك تماما" مشيرا إلى رافعات النفط خارج المدينة. وأضاف "سيأتي الجميع للقتال على هذا."

الفتنة

من جهته دعا مسعود البرزاني الاكراد في سوريا إلى "عدم فسح المجال أمام اشعال الفتنة" وحثهم على وحدة الصف. ويرى الاكراد السوريون ان المعارك المحتدمة في بلادهم فرصة غير مسبوقة لكسب حريات كتلك التي ينعم بها اكراد العراق في منطقة شبه مستقلة.

ويخشى من تفاقم الخلافات بين المجلس الوطني الكردي وجماعة كردية سورية أخرى هي حزب الوحدة الديمقراطي وتحولها لنزاع داخلي بين الاكراد مما يزيد تأجيج الموقف في سوريا.

وفي وقت سابق من العام جمع البرزاني بين الفصيلين وشكلا مجلسا مشتركا يمثل جبهة موحدة لمصالح الاكراد ولكن الاتفاق لم يحقق نجاحا على الارض في سوريا حيث الوجود الاقوي لحزب الوحدة الديمقراطي.

وفي الاونة الاخيرة اتهم المجلس الوطني الكردي ميليشيا حزب الوحدة المعروفة بوحدات الحماية الشعبية بخطف عضو بالمكتب السياسي بالمجلس وهو ما نفاه حزب الوحدة.

ونقل عن البرزاني قوله في بيان نشر على موقع حكومة كردستان على الانترنت باللغة العربية "نطالبهم باطلاق سراح الموقوفين والمعتقلين لدى جميع الاطراف والحفاظ على وحدة الصف وعدم فسح المجال أمام اشعال الفتنة."

وحث البرزاني الاكراد السوريين على التعاون و"الاخذ بعين الاعتبار الاهداف والمصالح العليا للشعب".

وشكل المجلس الوطني اكثر من 12 حزبا كرديا صغيرا بمباركة البرزاني وهو يلقى قبولا عاما من التيار السياسي الاساسي على عكس حزب الوحدة الديمقراطي الذي ترى تركيا انه مرتبط بحزب العمال الكردستاني.

وثمة انقسام بين الاحزاب الكردية السورية بشأن شكل الحكم الذاتي الذي تريده بعد سقوط الأسد.

ووجود دولة كردية على ارض الواقع في سوريا يقوي شوكة الاقلية الكردية في تركيا وإيران كما يعزز موقف كردستان العراق في خلافاتها مع الحكومة المركزية في بغداد بشأن حقوق النفط.

تركيا تسمح باللغة الكردية

من جانبها قالت الحكومة التركية إنها ستقدم قريبا إلى البرلمان اقتراحا اصلاحيا يسمح للمتهمين باستخدام لغة أخرى غير التركية في المحكمة وهو مطلب رئيسي لمتشددين أكراد سجناء دخل اضرابهم عن الطعام.

وكان رفض المحاكم السماح للمتهمين الذين يتحدثون التركية باستخدام اللغة الكردية في دفاعهم مصدر جدل في قضايا تنظرها المحاكم ضد مئات الاشخاص المتهمين بأن لهم صلات بحزب العمال الكردستاني.

ويرفض نحو 700 سجين كردي في عشرات السجون تناول الاغذية الصلبة في محاولة لممارسة ضغوط على حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان منح الاقلية الكردية مزيدا من الحقوق وتوفير أحوال أفضل لزعيم كردي مسجون.

ويستخدم النزلاء المياه المضاف لها السكر والفيتامينات التي يمكن ان تبقيهم على قيد الحياة ومواصلة الاحتجاج لمدة أسابيع لكن الرابطة الطبية الرئيسية في تركيا حذرت من أن الوفاة محتملة ابتداء من اليوم الستين تقريبا من الاضراب عن الطعام.

وقال نائب رئيس الوزراء بولنت أرينج إن التعديل القانوني سيقدم. واكد أرينج ان حزب العدالة والتنمية الحاكم وعد بالفعل بسن الاصلاح في كتيب وزع في مؤتمره في سبتمبر ايلول سعيا لتبديد فكرة أن هذا الاصلاح جاء نتيجة للاضراب عن الطعام.

وعززت حكومة أردوغان الحقوق الثقافية واللغوية للاكراد منذ توليها السلطة قبل عقد لكن السياسيين الاكراد يسعون إلى اصلاح سياسي أكبر يشمل خطوات نحو حكم ذاتي كردي في جنوب شرق تركيا.

ودعا أرينج السجناء إلى انهاء اضرابهم. وقال لهم "لا تغضبونا وتغضبوا أمتنا ... الرجاء انهاء هذه الاضرابات مع العلم بأن هناك مناخا ديمقراطيا في تركيا يمكن ان تبحث فيه مطالبكم."

وإتخذ أردوغان خطا متشددا بشأن الاحتجاج ووصفه بأنه ابتزاز و"استعراض". وحذر رئيس الرابطة الطبية التركية من أن مثل هذه التعليقات تحمل مخاطر أن يشدد السجناء مواقفهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15/تشرين الثاني/2012 - 30/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م