عالم الصحافة... بين التقدم التكنولوجي والتراجع الاقتصادي

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: باتت الصحافة اليوم أقوى سلاح فكري ومعلوماتي في العالم، نظرا لدورها في تغطية وصناعة الاحداث على الأصعدة كافة، وذلك من خلال اداء وظائفها مثل تشكيل الرأي العام والتعليم والتثقيف، باعتبارها الفسحة الأمثل للتعبير عن الرأي أيضا، فضلا عن نقل الإحداث والمعلومات وتبادل الآراء، مما أسهم بشكل كبير في تطوير المجتمعات بمختلف المجالات، فقد شكلت الثورة التكنولوجية الكبيرة في وسائل الاتصالات والإنترنت الفترة الأخيرة، تهديداً جدياً لمهنة الصحافة التقليدية (الورقية)، التي بدأت تفقد جزءا من بريقها لصالح الوسائل الجديدة، ويبدو أن التطور الهائل الذي يشهده القطاع التكنولوجي، وابتكار وسائل الكترونية أكثر ذكاء، قد يشكل ضربة قاصمة للصحافة المكتوبة، حيث اختارت صحف مكتوبة عريقة التحول إلى صحف الكترونية، واعتماد الشبكة العنكبوتية في طرح موادها الإخبارية، الى جانب طبعاتها الورقية مؤخرا، في حين أصبحت التنمية الاقتصادية للصحافة العالمية من ابرز العوامل التي أسهمت بإشعال صراع من نوع جديد حول اقتصاديات الصحافة البعيد عن النزاع والتنافس في اداء وظائفها الاساسية وأخلاقياتها، فربما هناك دوافع أخرى لبعض المستثمرين بهذا المجال تتعدى مجرد لعبة الارباح، وكذلك يمكن ان تكون الصحافة عنصر اساسي في تجنيد الجمهور لغايات خاصة مجهولة النوايا، ويرى الخبراء بهذا الشأن ان الثورة الرقمية الجديدة قد غيرت من معالم الصحافة التقليدية، وربما ستؤدي إلى الاستغناء عن الصحافة الورقية في المستقبل.

انترناشونال هيرالد تريبيون

في سياق متصل تحتفل صحيفة "انترناشونال هيرالد تريبيون" التي كانت في بداياتها تسلم الى اكشاك بيع الصحف والفنادق في عربة تجرها جياد، بمرور 125 عاما على تأسيسها محافظة على ثقتها بالمستقبل رغم الثورة الرقمية التي تغير معالم الصحافة، وشددت اليسون سمايل مديرة التحرير في الصحيفة ومقرها في حي لا ديفانس في ضاحية باريس الغربية والتي توزع في اكثر من 160 بلدا "كما الجميع نحاول نحن ايضا ان نجد الحل السحري"، واكدت ان الصحيفة "قابلة للاستمرار اقتصاديا" مع ان ثمة شائعات داخل فريق التحرير مفادها ان الصحيفة تسجل خسائر وقد تنقل مقرها الى بلد اقل كلفة من فرنسا، وادى بروز مجموعة كبيرة من مواقع الانترنت والمحطات التلفزيونة الاخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر الى تغيير بالعمق في طريقة انتاج الاخبار وبثها واستهلاكها الا ان صحيفة "انترناشونال هيرالد تريبيون" لا تزال تؤمن بان تقالديها هي ضمانة لمستقبلها على ما اوضحت اليسون سمايل.

واضافت "يمكنكم بطبيعة الحال كما نفعل جميعا يوميا الابحار عبر الانترنت والحصول على المعلومات والاخبار. لكن لا تحصلون بذلك على عنصر المفاجأة الذي توفره الصحيفة حيث يقوم صحافيون اذكياء وموهوبون بخيارات حول ما +تحتاجون الى معرفته في عالم اليوم+"، واسس جيمس غوردن بينيت جونيور ناشر صحيفة "نيويورك هيرالد"، في الرابع من تشرين الاول/اكتوبر 1887 في باريس الصحيفة الصادرة بالانكليزية التي كانت تهدف في البداية الى اطلاع الاميركيين في فرنسا على معلومات حول بلدهم الام من اسعار الاسهم في البورصة الى اخر النتائج المسجلة في رياضة البيسبول. بحسب فرانس برس.

وعلق اصدارها مرة فقط تحت الاحتلال النازي لباريس من 1940 الى 1944. وعرفت الصحيفة عدة مالكين وعدة اسماء وقد اصبح اسمها "انترناشونال هيرالد تريبيون" في العام 1967. وهي ملك لمجموعة "نيويورك تايمز" منذ العام 2003 وتوظف راهنا نحو مئة صحافي وهي تطبع في 38 موقعا. ومحتواها مستقى من مقالات نشرت في نيويورك تايمز واخبار الوكالات وصحافييها الخاصين، وبمناسبة ذكرى تأسيسها تكرس الصحيفة صفحات خاصة بالمناسبة وتنظم نقاشا حول التنافسية في اوروبا ومعرضا يضم 120 صورة من ارشيفها.

ذي ايكونوميست

فقد باعت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية أكثر من 1,5 مليون نسخة مطبوعة ورقمية، بحسب ما أظهرت أرقام جمعت للمرة الأولى على الصعيد العالمي، وأوضحت المجلة أن مبيعات النسخ المطبوعة والرقمية في العالم بلغت 1,555 مليون نسخة في الفصل الاول من العام 2012، وقد أجرى هذه الدراسة التي تفصل الأرقام في سبع مناطق من العالم مكتب المحاسبة البريطاني "أوديت بيورو أوف سيركوليشنز"، علما أن نصف القراء هم أميركيون، وكل أسبوع، يدخل 630969 جهازا (هواتف ذكية وأجهزة لوحية) إلى تطبيق "ذي إيكونوميست" ويبلغ معدل الصفحات التي يزورها القراء 31,8 ملايين صفحة. أما متوسط مدة زيارة موقع المجلة الالكتروني فيبلع تسع دقائق، وقد فرضت المجلة التي تعتبر مرجعا لمؤيدي الاقتصاد الحر منذ انشائها سنة 1843، نفسها على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ إن 2,6 ملايين شخص يتتبعها على "تويتر" وأكثر من مليون "معجب" على "فيسبوك" ومليون شخص على "غوغل بلاس". بحسب فرانس برس.

وفي منطقة أوروبا والشرق الأوسط وافريقيا وحدها، تبيع المجلة ما معدله 260105 نسخة مطبوعة وتضم 11233 منتسبا إلى نسختها الرقمية ويقرأها كل أسبوع 128948 شخصا عبر التطبيق الالكتروني المخصص لها فيما يزور 3,2 مليون شخص موقعها الالكتروني كل شهر.

مجلة فوغ

على الصهيد نفسه أعلنت مجلة "فوغ" المتخصصة في الموضة أن عددها الذي سيصدر في أيلول/سبتمبر سيضم 916 صفحة، محطما بذلك الرقم القياسي بمناسبة الذكرى 120 لتأسيس المجلة، وأوضح متحدث باسم "فوغ" أن المجلة ستخصص غلاف هذا العدد لنجمة البوب ليدي غاغا وستطرح في الأسواق في الولايات المتحدة في 21 آب/أغسطس، يذكر أن عروض الأزياء تنطلق في أيلول/سبتمبر في نيويورك وتنتقل بعد ذلك إلى ميلانو وباريس، ويعتبر عدد أيلول/سبتمبر 2007 الذي يزن 2,27 كيلوغراما ويضم 840 صفحة أكبر مجلة تنشر حتى اليوم. بحسب فرانس برس.

نيويورك تايمز

على الصعيد ذاته توفي ارثر سالزبغر رئيس تحرير صحيفة نيويورك تايمز السابق ورئيس مجلس ادارتها الذي يقف وراء تغيرات عميقة في احدى اعرق الصحف الاميركية والمدافع الكبير عن استقلاليتها، عن 86 عاما، واعلنت الصحيفة ان ارثر سالزبرغر توفي في منزله في ساوثمبتون ي ولاية نيويورك (شمال شرق الولايات المتحدة) بعد مرض عضال، وتسلم منصب رئيس تحرير "نيويورك تايمز" في العام 1963 في الوقت الذي كانت فيه الصحيفة النافذة والمحترمة في وضع مالي سيء، وقد تخلى تدريجا عن مهامه في الصحيفة في التسعينات من خلال تخليه عن منصب رئيس التحرير ومديرها العام لصالح نجله ارثر سازلبرغر جونيور العام 1992 ومن ثم رئيس مجلس ادارة المجموعة العام 1997، واعلنت الصحيفة في 14 آب/اغسطس الماضي تعيين مارك تومسون مدير "بي بي سي" سابقا، رئيس جديدا لمجلس ادارتها، واشاد الرئيس باراك اوباما وزوجته ميشال في بيان برجل الاعلام "الذي كان يؤمن بشغف باهمية حرية الصحافة واستقلاليتها ولم يكن يخشى السعي الى الحقيقية ومواجهة المسؤولين في السلطة وقول ما ينبغي قوله". بحسب فرانس برس.       

هآرتس

على صعيد آخر صوت صحافيو صحيفة هآرتس الاسرائيلية لصالح تنفيذ اضراب احتجاجي على عمليات صرف حوالى ثلثهم، كما ستحتجب الصحيفة عن الصدور، على ما افاد صحافي في هآرتس، وقال ادار بريمور رئيس قسم الاخبار الدولية في هآرتس ان "الاضراب تم التصويت عليه بأكثرية 120 صحافيا مؤيدا مقابل 70 معارضا. الصحيفة لن تصدر غدا لكن عدد نهاية الاسبوع سيكون جاهزا للصدور"، واضاف "نعلم ان ثلث الصحافيين سيستغنى عن خدماتهم، اي ما يعادل 70 الى 100 صحافي من اصل 300". بحسب فرانس برس.

وصحيفة هآرتس التي تأسست عام 1919 وتنشر باللغتين العبرية والانكليزية، تخضع لخطة تقليص نفقات، وتواجه شأنها شأن وسائل اعلام اسرائيلية اخرى صعوبات اقتصادية كبيرة، واشار بريمور الى ان خطورة الازمة التي تمر بها الصحيفة "غير مسبوقة" وان الصحافيين سيقررون الاسبوع المقبل مصير تحركهم، كذلك تظاهر حوالى 200 موظف من صحيفة معاريف امام مقر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو مطالبين اياه بالتدخل لانقاذ الصحافة المكتوبة، وكانت صحيفة معاريف، الثالثة في البلاد من حيث سعة الانتشار، قد اشتراها شلومو بن زفي صاحب ورئيس تحرير صحيفة ماكور ريشون القومية اليمينية. ومن المتوقع ان تفضي هذه العملية الى صرف مئات موظفي معاريف.

دياريو دو بوفو

من جهة أخرى صدرت الصحيفة البرازيلية "دياريو دو بوفو" في كامبيناس (ولاية ساو باولو) للمرة الاخيرة بعد مئة عام على تأسيسها على ما قالت ناطقة باسم "راك" اكبر مجموعة للصحافة الاقليمية المكتوبة في البرازيل، واوضحت الناطقة "النسخة الورقية الاخيرة صدرت وقد تم ابلاغ المشتركين"، وكانت صحيفة "دياريو دو بوفو" (صحيفة الشعب) توزع في 24 مدينة وبلدة من منطقة كامبيناس الكبيرة الواقعة على بعد مئة كيلومتر من ساو باولو الا انها لم تكن سجل الارباح، وستستثمر المجموعة الان في نسخة الكترونية لان صحيفة "دياريو دو بوفو" لا تزال تجذب الاعلانات، وقد صدرت صحيفة اخرى في ساو باولو "جورنال دا تاردي" للمرة الاخيرة بعد 47 عاما على تأسيسها. بحسب فرانس برس.

معاريف الإسرائيلية

في حين خسرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية معركة المنافسة مع صحيفة "اسرائيل اليوم" المجانية، بعد أن سادت الوسط الإعلامي لمدة 64 عاما، وكانت معاريف الصحيفة الأكثر توزيعا والأكثر شعبية طوال الفترة السابقة، إلى أن ظهرت صحيفة منافسة اسسها ملياردير يهودي أمريكي صديق شخصي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومن أهم المتبرعين لحملة المرشح الأمريكي الجمهوري ميت رومني، يدعى شيلدون أديلسون، وقد كان سقوط معاريف جزئيا بسبب الأزمة العالمية التي طالت الصحافة المطبوعة بشكل عام بفعل منافسة حادة من الصحافة الالكترونية، لكن الضربة القاضية جاءتها من صحيفة "إسرائيل اليوم"، وقد اصبحت "إسرائيل اليوم" التي توزع مجانا في مفارق الطرق المزدحمة الصحيفة الأكثر قراءة في إسرائيل، بينما اضطر مالكو صحيفة "معاريف" الى بيعها لشركة منافسة، مما يهدد الجزء الأكبر من طاقم العاملين البالغ عدده ألفي شخص بالبطالية. بحسب فرانس برس.

ويتهم منتقدو "اسرائيل اليوم" الصحيفة بمحاباة نتنياهو والتضييق على المنافسين من خلال اعلاناتها الرخيصة والدعم المالي القوي الذي يوفره مالكها، وتدور تساؤلات عما اذا كان الملياردير الأمريكي يهدف من ترويج صحيفته الى الترويج لسياسة نتنياهو وزيادة نفوذه، ويقول هاغاي مطر رئيس نقابة الصحفيين العاملين في معاريف ان على الحكومة ان تمد يد المساعدة الى الصحيفة كما فعلت مع المصانع التي وصلت الى شفا الافلاس.

الى ذلك انهى موظفو صحيفة معاريف الاسرائيلية الشهيرة اضرابا هو الاول في تاريخ الصحيفة بعد ان امر قاضي محكمة عمل بعودتهم الى عملهم بعد توقف استمر يوما واحدا، بحسب ما افاد احد صحافيي الصحيفة، وقال المصور يوسي الوني لاذاعة الجيش الاسرائيلي "لقد عدنا الى العمل"، واستانف موقع الصحيفة الالكتروني بثه قبيل الرابعة بعد الظهر، بتقرير حول الانتخابات الاسرائيلية المقبلة بعد توقف استمر نحو 18 ساعة، واختفت النسخة المطبوعة من الصحيفة من محلات بيع الصحف لاول مرة منذ تاسيس الصحيفة في 1948 بسبب اضراب موظفيها احتجاجا على الرواتب وشروط العمل، بعد بيع الصحيفة لمجموعة اعلامية يمينية برئاسة شلومو بن تسفي، واعلنت نقابة صحافيي معاريف انها اضربت عقب رفض بن تسفي اعطاء اجابات عن عدد العمال الذين سيتم تسريحهم عن العمل او عن مستقبل الصحيفة، وقال بيان صادر عن المضربين نقلته وسائل الاعلام الاسرائيلية "يريد موظفو معاريف معرفة كم منهم سيتم توظيفه وما ستكون عليه هيكلية الصحيفة"، وكانت مجموعة دانكنر الاستثمارية اشترت معاريف قبل 17 شهرا بنحو 300 مليون شيكل (58,5 مليون دولار)، ويعد مالك الصحيفة الجديد شلومو بن-تسفي وهو مالك ورئيس تحرير صحيفة ماكور ريشون اليمينية الذي يقيم في مستوطنة افرات في الضفة الغربية المحتلة مقربا من اليمين المتطرف والاوساط الدينية اليهودية. بحسب فرانس برس.

واعرب البعض عن مخاوفهم من قيامه باستغلال نفوذه لتغيير الخط التحريري للصحيفة المصنفة بانها يمين وسط حيث قال صحافيون يعملون هناك بانهم خائفون على مستقبل الصحيفة، واختفى عدد من الصحف في اسرائيل بسبب زيادة تركيز وسائل الاعلام في اطار مجموعات كبيرة مثل مجموعة صحيفة يديعوت احرونوت او حتى ظهور منافسة في السوق كصحيفة اسرائيل هايوم المجانية التي يملكها الملياردير اليهودي شيلدون اديلسون المقرب جدا من رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 13/تشرين الثاني/2012 - 28/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م