الاقتصاد المعرفي

حاجة أم ضرورة للبلد

علي إسماعيل الجاف

دخل اقتصاد المعرفة والتي بشرت به ثورة المعلومات مرحلة جديدة من النضج في العقد الماضي. ويشهد العام اليوم تحولا" الى الاقتصاد المبني على المعرفة، ويركز اقتصاد المعلومات على سرعة الاتصال والتقنيات، فأن اقتصاد المعرفة يركز على قيمة القدرات الفكرية لدى الفرد، وينظر الى الإنسان بوصفه منتجا" للمعرفة وهي صورة تعتبره الشركات والدول على حد سواء مصدر قوة.

يعرف الكثيرون عن ان الاقتصاد عبارة عن ثلاثة عناصر رئيسية هي: الأرض، العمالة والمال. لكن ما جاء به الاقتصاد المعرفي عدة عناصر تختلف عن ما ذكر أعلاه وهي: الابتكار، التعليم، البنى الأساسية، الحوافز وهذه هي خصائص الاقتصاد المعرفي، أما القوى الخاصة بالاقتصاد المعرفي هي: العولمة، ثورة المعلومات، انتشار الشبكات، تحرير السياسات، التفكير التكنولوجي والمنافسة.

 فاقتصاد المعرفة يعتبر وسيلة حديثة يهدف الى تنمية القدرات الفكرية والعقلية لدى الفرد من ناحية تعزيز وتمتين واغناء وتمكين الذكاء والإبداع لديه. فلا يمكن ان يكون هناك مجتمعا" متطورا" ما لم يستطيع أفراده اعتماد الاقتصاد المعرفي والقيام بثورة في المعلومات، وتقديم إبداعاتهم الفكرية والعقلية التي ستكون في النهاية كمخرجات لخدمة البلد.

من ما جاء أعلاه نقول: ان البلدان النامية بحاجة الى الاهتمام بالفرد، الموارد البشرية حديثا"، وتنمية قدراتهم وتشجيعهم من خلال دعم الإبداع والمبدعين والأذكياء بتوفير مراكز رعاية لهم؛ وتوفير بنى تحتية لتقوية العلم والتعليم والثقافة. فنرى تطور البلدان المتطورة جاء نتيجة لتوفر الاقتصاد المعرفي لديهم والبنى التحتية من مراكز وهيئات ومنظمات وجمعيات تابعة للدولة تقوم باحتضان المبدع، المبتكر، الباحث، المترجم، المؤلف، الكاتب، المتميز في القطاع الاجتماعي (المجتمع)، الوظيفي (دوائر ومديريات ووزارات) والتربوي (المدارس والاعداديات) الأكاديمي (المعاهد والكليات والجامعات).

فنحن نعرف ان الغرب طور الريف قبل المدينة من ناحية الثقافة والتعليم. فنرى مبدعين ومبتكرين بلدنا يقومون بتقديم إبداعهم للآخرين، اشخصا" ام شركات ام حكومات، ويستفاد منها ونحن نعود ونطلب ذلك الإبداع او التميز او الفكر او المعرفة لننقله الى بلداننا او التقنيات لنطبقها، ونعي وندرك ونفهم جيدا" ان أولئك الأشخاص هم من بلداننا ولا نحاول دعمهم للاستفادة منهم عندما كانوا في البلد!

فيبدأ الاقتصاد المعرفي بتنمية القدرات لدى الفرد والجماعة في المجتمع، والبحث عن ما ينتجوه ويقدموه من فكر ومعرفة وعلم ومحاولة أعادة تنظيم رأس المال الفكري لدى الإنسان. فالعالم المتحضر والمتقدم يسعى الان لاستثمار البشر وليس المال، كونه يدرك جيدا" بأنهم من سيجلب المال والمنفعة لبلادهم. كذلك، ان الفرد اذا كان مبدعا" وذكيا" ومتميزا" يقدم الخطط والبرامج للنهوض بواقعه وكلا" يعمل من موقعه، فسنجد تحولا" سريعا" في بيئة الإنسان والمجتمع نحو الأفضل، وتغيرا" ملموسا" في سلوكه. اما اذا كان العكس فسيكون عالة على المجتمع ويصبح انسانا "معتمدا" لا منتجا" يستفاد منه البلد.

بالإضافة الى الحاجة الملحة والضرورية للقيام بالتحول في التركيز من خلال جعل الإنسان حجر الزاوية في الاقتصاد، وليس إقصائه وإبعاده بحجج وذرائع غير علمية ومنطقية. وعلى الحكومات ان توفر البنى التحتية الأساسية وصياغة أساسيات العمل والتعليم والثقافة. نحن نملك عقولا" وأفكارا" نستطيع بها تغيير الوضع الحالي نحو الأفضل. فيجب ان نتخلى عن مفهوم: "...ان الدولة النامية لا تحاول صياغة سياسات تنمية وتطوير مستمرة تهدف الى تحقيق التعليم، وإنما تجلب قوالب خارجية جاهزة..." ان الموارد البشرية هي عامل انتاج يحتاج الى استثمار مسبق شكله الأساسي التعليم. يعني ان الممارسة أفضل من القضايا النظرية والسردية والتنظيرية، وأصبح التنظير لا ينفع مجتمعاتنا التي كانت بأمس الحاجة الى ثورة فكرية وتحررية وتطويرية وتعليمية كون ان الإنسان المثقف يبني والمتخلف يدمر ويحطم ويعيق ويعرقل ويخرب، ولا يكون نافعا" في المجتمع! وبحاجة الى رؤية المتميز والمبدع والمبتكر يكرم ويكافأ أمام الآخرين ليكون حافزا لهم، وليس ان يكون الجميع سواسية في التقييم والتكريم على المستوى المؤسساتي والتربوي والأكاديمي والمجتمعي!

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 11/تشرين الثاني/2012 - 26/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م