نقص المراحيض... ازمة صحية في اكثر بلدان العالم

 

شبكة النبأ: يعد التغوط في العراء أخطر ممارسات الصرف الصحي على الإطلاق، حيث تنتشر هذه العادة السيئة في المجتمعات الفقيرة والزراعية، التي تفتقد لأبسط مقومات التوعية الصحية مما ينتج عنها بيئات غير الصحية تسمح بانتشار الجراثيم المسببة للكثير من الأمراض الخطيرة، التي قد تصل حد الوفاة، وتشير التقارير والدارسات بهذا الشأن بانه نحو 2.6 مليار شخص، غالبيتهم من الدول النامية، يعانون عدم امتلاك مراحيض تتوافر فيها أبسط الاشتراطات الصحية، وقد دفعت تلك الأرقام الخطيرة منظمات حقوق الإنسان الدولي إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لإرساء تلك الحقوق في قوانينها المحلية لحماية الصحة العامة لملايين البشر، لكن على الرغم من ذلك، ما زالت هناك تحديات هائلة تعيق القضاء على التغوط في العراء، كونها آفةً منتشرةً شائعة للغاية بسبب الثقافة الرجعية لبعض البلدان النامية والعادات القديمة أدت الى تفشي هذه الظاهرة بشكل كبير، في حين وذكرت بعض المنظمات المعنية بهذا المجال بانه ما زال أزمة المراحيض سبباً رئيسياً في انتشار الأمراض، حيث تقدر بنحو 40 بالمائة من سكان العالم يمارسون التغوط في العراء، ما يؤدي إلى موت حوالي مليوني نسمة في العام الواحد بسبب أمراض يمكن الوقاية منها، علماً أن معظم الضحايا هم من الأطفال الذين يموتون بسبب مجموعة متنوعة من الأمراض المعوية كالزحار، وتنجم عن دخول البراز البشري إلى أجسادهم مع الطعام، في حين تسعى بعض البلدان أطلاق حملات عدة لتحسين معايير الصحة والنظافة في المراحيض العامة.

غياب المراحيض من المنازل

في سياق متصل مراحيض منزل بريانكا بارتي العروس الشابة، الجديد تلمع وهي مزينة بزهور بلاستيكية وببالونات بمناسبة الاحتفال المقام على شرفها، في نيسان/ابريل، هجرت بريانكا البالغة من العمر 19 عاما زوجها بعد اربعة من ايام من زفافها، لان منزلهما الواقع في قرية صغيرة في مقاطعة اوتار براديش شمال الهند كان يخلو من المراحيض، وعلى غرار كثيرات من النساء المقيمات في الريف، كان يتعين عليها الخروج الى الحقل لقضاء الحاجة. ولما لم تكن هذه القضية محل مساومة بالنسبة لها، خرجت من منزل زوجها متحدية ضغوط عائلتها وعائلته.

بعد ذلك، عادت الزوجة الى منزلها، بعدما زود بالمراحيض، وتقول اثناء احتفالها ب"تدشين" الحمام في منزلها "لقد كنت مصممة على عدم البقاء في منزل يضطرني الى قضاء الحاجة في الخارج على مرأى من الناس، ودون أي اعتبار للنظافة"، وقامت بتركيب المراحيض في المنزل مؤسسة سولابه الخيرية. وهي منظمة غير حكومية تعنى بنشر مفاهيم النظافة والعادات الصحية بين السكان، وقد منحت المنظمة هذه الشابة المتمردة عشرين الف روبي (حوالى 2500 دولار) لتحقيق مرادها، وتضيف هذه الشابة "لا اعرف من أين اتتني القوة، لكني عموما اتحدر من عائلة توصف نساؤها بالقوة"، وتروي بريانكا انها ووجهت بغضب من اهلها القلقين بعد قرارها بعدم السكن في منزل دون حمام، وتقول "هم لديهم حمامات داخل البيت، وانا وجدت صعوبة حقا في التكيف مع واقع مختلف"، ويدور نقاش كبير في الهند حول غياب الحمامات من المنازل، ويتصل النقاش هذا بشكل او بآخر بحقوق المرأة، والحق في النظافة، والصراع بين انماط الحياة، القديمة منها والحديثة. بحسب فرانس برس.

وبحسب بنديشوار باتاك الذي أسس منظمة سولابه في العام 1973، فان "النساء اللواتي لا يردن الخروج امام الناس في النهار، يخرجن الى الحقل في الفجر لقضاء الحاجة، ومن ثم يتعين عليهن الانتظار حتى الليل"، ويضيف "السير على الاقدام في هذه المناطق سيء جدا، يمكن ان يلتقط المرء الديدان والبكتيريا والكثير من الامراض..كما ان الامر ليس صحيا للاطفال الذين يلعبون هنا"، ويتابع "كان الناس يحجمون عن الحديث في هذه المسألة، اليوم أصبح هذا النقاش علنيا"، وقررت منطمة سولابه تمويل ثلاث شابات تزوجن في الاشهر القليلة الماضية، على امل ان "يشكلن النموذج لتشجيع غيرهن على اسلوب حياة اكثر نظافة"، وكان وزير التنمية الريفية جيرام رامش اعتبر ان الهند يجب ان "تشعر بالخجل" من واقع ان 60 الى 70 بالمائة من مواطنيها مضطرون الى قضاء حاجتهم في الهواء الطلق، وبحسب ارقام الامم المتحدة، فان ما يقارب 600 مليون هندي، اي ما يشكل 55 % من السكان، ليس لديهم مراحيض، وتزيد نسبة من يملكون هواتف محمولة عن اولئك الذي يملكون حماما.

ووعد الوزير برصد اموال جديدة لهذه الغاية، لكن البرامج التنموية في الهند غالبا ما تقع ضحية الفساد، ففي مقاطعة اوتار براديش مثلا، كان يفترض ان تبني السلطات ملايين المراحيض، لكن ذلك لم يتم، خلال الحفل الذي اقامته بريانكا على مدى يوم كامل بحضور المئات من سكان القرية، نظرت كاملة واتي شرما البالغة من العمر 45 عاما الى المراحيض باعجاب، وقالت "ليس لدينا شيء في منزلنا...الذهاب لقضاء الحاجة في الليل مشكلة، لكن هذا الشيء مكلف جدا"، بحسب منظمة سولابه التي انفقت 1,2 مليون دولار لاقامة مراحيض في البيوت الاشد فقرا، فان حمام منزل بريانكا كانت كلفته الف دولار، لكن يمكن انشاء تمديدات اكثر بساطة ولا تتجاوز التكلفة ثلاثين دولارا، يبدي امارجيت (20 عاما)، زوج بريانكا، سعادته من عودة زوجته الى المنزل، ويقر ايضا انه فخور ومندهش بها، ويقول "انزعجت عندما سألتني +اين المرحاض+ واجبتها ان تذهب الى الخارج".

مكافحة التغوط

فقد أعلنت الحكومة البورمية أن ظاهرة التغوط في العراء قد توقفت كلياً في ثلاث قرى في مقاطعة باغو الغربية (كيوي تا باونغ، ومياوك ليت جيي، وهنغيت بياو تاو)، وذلك للمرة الأولى في ميانمار، وبعد سنة على بدء مشروع الصرف الصحي الشامل بقيادة المجتمع المحلي الذي أطلقه صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) ووزارة الصحة. فقد قال راميش شريستا، ممثل اليونيسيف في ميانمار أن "هذه خطوة كبيرة إلى الأمام، وهي تثبت أنه يمكن للمجتمعات التوقف عن ممارسة التبرز في العراء، وبناء المراحيض بمبادرة منهم".

والجدير بالذكر أن اليونيسيف والحكومة تعملان في 20 قريةً تابعة لثلاث بلدات، هي تاي كوني وبياي وبواك خاونغ، من أجل تعبئة العمل المجتمعي ضد التغوط في العراء. كما تم وضع خطط لتوسيع نطاق العمل ليشمل 15 بلدةً خلال العام المقبل، وذلك باستخدام التدريب العملي البصري والتجارب التوضيحية، لا سيما وأن توعية المجتمع جزء مهم من هذا البرنامج. كذلك، قام ياي أوو، أحد المجتمعات الزراعية الصغيرة حيث يقيم 300 شخص، بإحراز تقدم كبير أيضاً بعدما كان ما يقرب من ثلث السكان يتبرزون في العراء ويستخدمون بساتين الموز المحيطة بالقرية كمكان للتغوط. فوفقاً لثيت ناينغ، وهو أب لطفلين، لم يكن من السهل التأكد من أن هذا المجتمع خالٍ من التغوط في العراء. وأضاف أنه "حتى ولو بقيت أسرة واحدة فقط لا تستخدم المرحاض، ستظل قريتنا عرضة لخطر الإصابة بالإسهال". وحتى الآن أسرتان فقط من أصل 92 لم تقوما ببناء المراحيض. ويضيف ثيت ناينغ أنه لطالما كان الذباب آفةً منتشرةً وكان السكان يعانون من مشكلة الدوس على البراز وجلبه إلى ديارهم، مشيراً إلى أن نوبات الإسهال، أحد الأمراض القاتلة الرئيسية للأطفال دون سن الخامسة، كانت شائعة للغاية.

تتم تعبئة المجتمعات المحلية، في إطار مشروع الصرف الصحي الشامل بقيادة المجتمع المحلي، وتجري مساعدتها على إجراء تقييمات وتحاليل في ما يتعلّق بالتغوط في العراء، والشروع في استراتيجيات خاصة بها لتصبح خالية من التغوط في العراء. وقال شريستا: "إن منهج مشروع الصرف الصحي الشامل بقيادة المجتمع المحلي من شأنه أن يمكن ميانمار من تسريع وتيرة التقدم نحو تغطية أفضل لخدمات الصرف الصحي، ما يؤدي بشكل واضح إلى وضع صحي أفضل". كذلك يدرك هذا المنهج أن مجرد توفير مراحيض للمستفيدين لا يضمن استخدامها بالضرورة، أو يؤدي إلى تحسين الصرف الصحي والنظافة الصحية. وكانت المناهج السابقة قد وضعت معايير عالية، وقدمت الدعم المالي كحافز. وفي الثمانينات، ركزت معظم جهود الحكومة البورمية على تشجيع المراحيض البئرية المهواة، بدلاً من القضاء على التغوط في العراء، ولكن الدراسات الحديثة تكشف عن تفاوت في تبني هذه الفكرة، ومشاكل الاستدامة على المدى الطويل، واستخدام المستفيدين لها بشكل جزئي فقط. كما خلق هذا المنهج ثقافة الاعتماد على الدعم المالي، في حين استمر التغوط في العراء ودورة انتقال التلوث من البراز إلى الفم في نشر الأمراض. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

وبالرغم من الإعلان الصادر مؤخراً، ما زالت هناك تحديات هائلة تعيق القضاء على التغوط في العراء. فقد أشار تقرير مشترك تم تحديثه بواسطة منظمة الصحة العالمية واليونيسيف في عام 2012 إلى أن حوالى 8 بالمائة من سكان المناطق الريفية في ميانمار ما زالوا يمارسون التبرز في العراء، مقابل 1 بالمائة في المناطق الحضرية. من جهة أخرى، وجد مسح منفصل أجرته اليونيسيف مع وزارة الصحة، وغطى 6,000 أسرة في 24 بلدةً عبر تسع ولايات ومناطق في ميانمار، أن أكثر من 7 بالمائة من العائلات تتبرز في العراء، سواء في الحقول أو في مجمّعاتهم الخاصة بالعائلات. هذا وقد ذكر 62 بالمائة من هؤلاء، أن واحداً من أفراد الأسرة على الأقل يعمل في الحقل، وقال 85 بالمائة أنه لا توجد مراحيض في الحقول، بينما أشار 6 بالمائة إلى عدم قدرتهم على استخدام المراحيض الكائنة في المنازل لمدة أربعة أسابيع تقريباً من كل عام، بسبب الفيضانات في أغلب الأحيان. ونتيجةً لذلك، يتبرز حوالى 42 بالمائة في العراء خلال تلك الفترة، وفقاً للدراسة الاستقصائية.

ذبابتان كحد أقصى

على الصعيد نفسه سمحت معايير جديدة اصدرتها الهيئة البلدية المكلفة تحسين صورة المدينة، بوجود ذبابتين كحد اقصى في المراحيض العامة للعاصمة الصينية على ما ذكرت الصحف، وهذه التعليمات تطبق على المراحيض في المتنزهات العامة والمحطات والمطارات والمستشفيات والمراكز التجارية والسوبرماركت على ما اوضحت صحيفة "شين جنغباو"، ومن المعايير الاخرى التي اعتمدتها الهيئة عدم تراكم البول او المياه في المراحيض وافراغ سلال المهملات بانتظام، من جهة اخرى يجب ان تزال النفايات التي تقع على الارض في غضون نصف ساعة كحد اقصى في حين ان الاعطال في هذه المنشآت يجب ان تعالج في غضون نصف ساعة. اما الاعطال الكبيرة فامامها مهلة 12 ساعة.

مراحيض المستقبل

من جهة أخرى  يسعى بيل غيتس مؤسس شركة "مايكروسوفت" إلى تصميم مراحيض المستقبل التي هي في نظره ضرورية "للصحة العامة وكرامة الإنسان"، وقد كرمت مؤسسة "بيل وميليندا غيتس" عدة ابتكارات عرضت خلال معرض كبير تمحور على هذا الموضوع في مدينة سياتل الواقعة في ولاية واشنطن (شمال غرب الولايات المتحدة).

وكتب الملياردير على موقعه إن" المراحيض جد مهمة للصحة العامة، وعندما تفكرون في الأمر، ترون أنها مهمة لكرامة الإنسان أيضا"، وأضاف أنه "يتعذر استخدام المراحيض المزودة بمضخات طاردة والمعتمدة في بلادنا الغنية على 40% من سكان العالم الذين لا نفاذ لهم إلى المياه وشبكات المجارير وشبكات الكهرباء وأنظمة معالجة النفايات"، وتابع بيل غيتس "بغض النظر عن مسألة الكرامة الإنسانية، يهدد نقص المراحيض حياة الأشخاص، ويشكل عبئا اقتصاديا على الصحة العامة والمجتمعات الفقيرة ويلوث البيئة". بحسب السي ان ان.

وأشارت مؤسسة "بيل وميليندا غيتس" إلى أن الجائزة الأولى في معرض سياتل قد منحت إلى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا الذي تخيل مراحيض تعمل بالطاقة الشمسية وتنتج الهيدروجين والكهرباء، وكانت الجائزة الثانية من نصيب جامعة لفبرا الإنكليزية التي صممت مراحيض تحول الروث إلى كاربون ومعادن ومياه. اما الجائزة الثالثة، فهي سلمت إلى جامعة تورنتو الكندية لابتكار مماثل.

ظاهرة التبول في الشارع

على صعيد مختلف قررت السلطات الهندية في مقاطعة راجاستان السماح لمجموعات من الشباب الطواف في الاحياء بالطبول لقرعها عندما يشاهدون شخصا يتبول في الشوارع، واكد مسؤول محلي في راجاستان ان القرار تم تفعيلة في 34 قرية في المنطقة، وقال المسؤول إن " مجموعات تتكون من اربعة الى خمسة اشخاص ستتجول في القرى لتقوم بقرع الطبول او النفخ في الابواق اذا وجدوا شخصا يقضي حاجته في العراء" موضحا ان بعضهم قد يضطر الى دفع غرامة اذا كرر الامر، ويذكر ان نصف سكان الهند البالغ عددهم نحو مليار و200 مليون شخص ليس لديهم مرحاض في منزلهم ويضطرون الى قضاء حاجتهم في العراء. بحسب البي بي سي.

يذكر أن البصق او قضاء الحاجة في العراء امور شائعة في الهند وتعتبر عادية خاصة في المناطق النائية حتى ان بعض السكان في مناطق معينة يقضون حاجتهم في العراء رغم وجود مراحيض في منازلهم لانهم يعتبرونه امرا اكثر راحة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 10/تشرين الثاني/2012 - 25/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م