ان الحكمة من وجود مجلس النواب تمثيل الامة في صناعة القرارات
والقوانين التي تمس كينونتها وتنظم العلاقات بين أفرادها، وظهرت أفكار
ونظريات عدة لتأصيل فكرة التمثيل النيابي منها من عدها مهمة يتبرع بعها
بعض من افراد المجتمع دون مقابل وآخرون اعتبروها عقد بين الامة والنائب
يؤدي بمقتضاه عمله كنائب عن الامة ويستحق اجر عن هذه المهمة ويسمى في
فقه القانون الدستوري بالتعويض النيابي.
وحين ينقطع النائب عن اداء مهامه يقطع عنه التعويض وفي اكثر
الاحيان يكون التعويض على شكل مكافأة تمنح للنائب طالما يتمتع بصفته
نائب وتنقطع عند زوالها باستثناء العراق الذي جعل للنائب راتب تقاعدي
عند انتهاء مهمته مع انه نافس الاخرين للحصول عليها بعقد مناطه خدمة
الناخب الذي صوت له.
سوف لن ادخل في نقاش حول الامر لأنه محسوم بالرفض الشعبي والإصرار
النيابي، إلا أني اقف عند سلوك نيابي أخذ يزداد ظهوره في الايام
الاخيرة يسمى مقاطعة الجلسة او الانسحاب منها من اجل اختلال النصاب
القانوني وتعطيل الجلسة حتى لا يمرر مشروع او مقترح قانون لا يتفق
ورؤيا بعض الكتل النيابية، وبما ان ذلك يؤدي الى حرمان المواطن من
الحصول على الخدمة البرلمانية في ايجاد تشريعات تنظم اعماله وعلاقاته
وتعالج مشاكله، فكان من اللازم الوقوف عندها وبيان موقف القانون منها.
يعلم الجميع ان كل أجرة لابد وان تكون مقابل عمل فإذا انقطع العمل
بإرادة المكلف به تحجب عنه الأجرة، وهذه بديهية من بديهيات علم
الاقتصاد والقانون الاداري والمدني، ونجد ان النظام الداخلي لمجلس
النواب العراقي قد قرر جزاء على النائب الغائب بحجب جزء من راتبه على
وفق حكم الفقرة (ثالثا) من المادة (18) التي جاء فيها (تستقطع من
مكافئة عضو مجلس النواب في حلة غيابه نسبة معينة يحددها المجلس) ثم حدد
وصف النائب الغائب على وفق حكم الفقرة (ثانيا) من المادة اعلاه وعلى
وفق الاتي (لهيأة الرئاسة في حالة تكرر الغياب من دون عذر مشروع خمس
مرات متتالية او عشر مرات غير متتالية خلال الدورة السنوية أن توجه
تنبيهًا خطيًا إلى العضو الغائب تدعوه إلى الالتزام بالحضور وفي حالة
عدم امتثاله لهيأة الرئاسة يعرض الموضوع على المجلس بناء على طلب
الهيأة) إلا ان النظام الداخلي سكت عن النائب الذي يدخل قاعة المجلس
ومن ثم ينسحب جماعيا او انفراديا فهل يعد هذا النائب غائب ويتعرض الى
جزاء حجب جزء من راتبه، ام انه يعد حاضراً .
النظام الداخلي سكت عن معالجة الحالة وارى الخروج من قاعة الجلسة
لابد وان يودي الى الحرمان من الأجر، لان النائب اختار بنفسه الابتعاد
والانقطاع عن تقديم الخدمة التي بمقتضاها يتقاضى راتبه، وسكوت النظام
الداخلي يعيدنا الى القواعد العامة، حيث نجد ان حضور النائب هو واجب
عليه وليس حق له على وفق حكم الفقرة (اولا) من المادة (16) من النظام
الداخلي التي جاء فيها (يلتزم عضو المجلس بما يأتي ـ أولا : حضور
اجتماعات المجلس ولجانهِ التي هو عضو فيها ولا يجوز التغيب إلا بعذر
مشروع يقدره الرئيس أو رئيس اللجنة المختصة) ومعنى النص اعلاه الوجوب
بان يلتزم النائب بالحضور فإذا تخلف عنه يكون قد اخل بالتزامه القانوني
فضلا عن الوازع الأخلاقي تجاه الناخبين الذين صوتوا له، وهذا ما استقر
عليه فقه القانون الاداري والدستوري ونجد ان الموظف ملزم بالحضور الى
مقر عمله وبخلافة يتعرض الى عقوبة انضباطية مع حجب راتبه عن ذلك اليوم
الذي انقطع فيه على وفق حكم الفقرة (ثانيا) من المادة (4) من قانون
انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل التي جاء
فيها الاتي (التقيد بمواعيد العمل وعدم التغيب عنه إلا بإذن، وتخصيص
جميع وقت الدوام الرسمي للعمل) كما ان الموظف الذي يتمتع بإجازة ضرورية
مع عدم وجود رصيد في اجازاته فانه يمنح الاجازة وبدون راتب على وفق حكم
الفقرة (4) من المادة (43) من قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960
المعدل وهذا يسري على العاملين في السلطة التنفيذية والموظفين في مجلس
النواب اما على مستوى السلطة القضائية فان من واجبات القاضي الالتزام
بالدوام الرسمي ويخضع لمراقبة وإشراف رئيس الاستئناف ومجلس القضاء
الاعلى وهيئة الاشراف القضائي وفي حال عدم وجود نص قانوني فان قانون
الخدمة المدنية يعد مرجع لسد النقص في القواعد القانونية على وفق حكم
المادة (44) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل.
لذلك ارى بان هيئة رئاسة مجلس النواب ملزمة بتفعيل العمل بحجب ما
يعادل انقطاع النائب عن الجلسة عند عدم حضوره القاعة او الانسحاب اثناء
الانعقاد لان العبرة في حضوره داخل القاعة لتأدية مهامه في مناقشة
مشاريع القوانين ومقترحاتها والتصويت عليها وليس التواجد في أروقة
بناية المجلس، كما ارى من الضروري ان يفعل الجهد الشعبي والإعلامي
لمنظمات المجتمع المدني في تحشيد الضغط الشعبي والرسمي تجاه ذلك المطلب
للحفاظ على المال العام وجعل النائب اكثر حرصا في اداء عمله وعليه ان
يتحمل وزر قراره بالتغيب عن الجلسات لا ان يمنح مكافأة على انقطاعه
وتعطيل مهام عمل المجلس الذي اصبح شبه معطل وعطل معه الحياة العامة في
البلاد. |