كاميرون في السعودية والامارات... عن دخان البنادق الصدأة

تقرير: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ما الذي يفعله رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في السعودية والامارات؟، بعد فتور ساد العلاقات البريطانية – السعودية، والبريطانية – الاماراتية، بسبب تقارير بريطانية تتعلق بحقوق الانسان اعتبرت مهينة بحق السعودية والامارات، وكذلك التخوف البريطاني من التأييد المفتوح لثورات الربيع العربي تحسبا لصعود اسلاميين متطرفين الى السلطة، ويمكن ادراج المخاوف البريطانية والاوربية والامريكية من التسلح النووي الايراني، وايضا التخوف من التهديدات الاسرائيلية باحتمال توجيه ضربة الى ايران وكيفية الرد الايراني الذي سيهدد تلك المصالح للدول المتعددة.

صحيفة الغارديان عنونت تغطيتها لهذه الزيارة في صفحتها الاولى (كاميرون يتوجه الى الخليج في عرض لبيع طائرات تايفون المقاتلة)، وتقول الصحيفة في تقريرها إن كاميرون يسعى عبر هذه الزيارة الى اقناع القوى الاقليمية في الخليج المحبطة من الاستجابة البريطانية للربيع العربي بشراء اكثر من 100 طائرة مقاتلة من نوع تايفون، المقاتلة الاوروبية الصنع، في صفقات ستجلب لبريطانيا نحو 6 مليارات دولار.

ويشير تقرير الصحيفة إلى أن المواجهة التي تلوح في الافق بين ايران ومنافسيها الاقليميين ستحضر بقوة في المحادثات التي سيجريها كاميرون مع قادة دول الخليج، حيث يمكن لبريطانيا أن تضع مقاتلات تايفون التي يصنعها تجمع صناعي اوروبي يضم شركة بي أيه إي سيستمز في الامارات المتحدة اذا تدهورت العلاقات مع طهران، ويقول التقرير إن كاميرون يسعى إلى اقناع الامارات العربية المتحدة باستبدال اسطولها من طائرات الميراج الفرنسية القديمة، وان الامارات قد ابدت اهتماما بابتياع 60 طائرة، كما ابدت عمان اهتماما بشراء 12 طائرة اخرى، وتنظر المملكة العربية السعودية بطلب وجبة جديدة من هذه الطائرات الى جانب الـ 72 طائرة التي سبق ان اشترتها، وكتب محرر شؤون الشرق الاوسط في صحيفة الغارديان أيان بلاك مقالا تفصيليا يرى فيه ان المشكلات المدرجة على جدول اعمال رئيس الوزراء تشمل الصعوبات المفاجئة التي اكتنفت تجديد الامتياز النفطي الممنوح لشركة بي بي في ابو ظبي، أكبر امارات دولة الامارات المتحدة، والمخاوف في شأن صفقة الطائرات المقاتلة مع السعودية البالغة قيمتها 7 مليارات دولار. هذه الصفقات الجديدة اذا تمت فانها ستفتح ملف التسلح العربي من جديد في ظل هذه التطورات المتسارعة، في مجالات السياسة والاقتصاد.

ففي المجال السياسي تعيش البلدان العربية اوضاعا مضطربة وتهديدات داخلية عديدة، اكثر مما تعيشه من تهديدات خارجية، وهي في المجال الاقتصادي ستعيد التوازن الى الكثير من الاقتصادات الاوربية المتدهورة، وستكون بمثابة انعاش لتلك الاقتصاديات، يضاف الى ذلك ان تلك الاسلحة والمبالغ الهائلة التي دفعت فيها لم تستخدم ضد اعداء خارجيين بل اكثر ما تم استخدامها ضد مواطني الدول المشترية لها، كما في حالة السعودية في قمعها للحراك الشعبي في البحرين عبر جيش درع الجزيرة، وفي اليمن بدخولها في نزاع مع الحوثيين، وكذلك الاسلحة التي استخدمت ضد الليبيين من قبل قوات العقيد القذافي، والاسلحة التي استخدمت ضد المتظاهرين المصريين من قبل شرطة مبارك، وما يتم استخدامه الان في سوريا من قبل قوات الطرفين، الحكومة والجماعات المسلحة.

منذ منتصف القرن الماضي خضعت سياسات التسليح في الشرق الأوسط لمقتضيات الصراع العربي - الإسرائيلي، بشكل أساسي لكن حرب الخليج 1991 شكلت نقطة تحول تاريخية في نوعية الأسلحة المستخدمة في الشرق الأوسط، وبعضها كان يخدم في الميدان لأول مرة.

فقد تركز التحول الذي نجم عن حرب الخليج في حجم ودور (المعلومات) في الحرب بما أضافته إلي خصائص السلاح من دقة وتأثير، وأيضا بما قدمته من انقلاب في أسلوب إدارة المعركة والحرب بعموم مراحلها. فبدأ الحديث يتردد عن منظومة "القيادة" و"السيطرة" و"الاتصال" في حزمة واحدة، ساعد عليها دور الحاسب الآلي وقدرته علي التعامل مع كم هائل من المعلومات. وبرز مفهوم ثوري آخر، جوهره العمل في "الزمن الحقيقي"، فكل المشاركين في العملية العسكرية يرون ويسمعون ويفكرون في الزمن نفسه، بدون انتظار لتقارير استطلاع، أو وصول مندوب من القيادة، أو انتظار لمكالمة هاتفية مشفرة. ومن بين نجوم أسلحة حرب الخليج 1991 التي استخدمت لأول مرة في مسرح العمليات: الصواريخ الكروز، والطائرات الشبح، والصواريخ جو-أرض الموجهة بالليزر والأشعة تحت الحمراء.

وبرغم التوتر الحالي المنتشر في أكثر من دولة عربية والمخاوف الناتجة من ذلك، أعلن وزير الدفاع الروسي أن سوريا سوف تحصل علي الصاروخ الكروز "ياخونت" Yakhont، ويتميز بمداه الذي يصل إلي 300 كيلومتر، كما أن مساره مستقيم ومنخفض في الارتفاع إلي مستوي سطح الماء الذي يطير فوقه، مما يجعل اعتراضه ورصده وكشفه بالرادار صعبا للغاية. وقد أعلن ميخائيل دميترييف، رئيس إدارة التعاون الفني والعسكري في الحكومة الروسية، أن حجم صفقات الأسلحة التي أبرمت في 2011 قد وصلت إلي نحو 48 مليار دولار بزيادة 9.5 مليار دولار عن العام 2010.

كندا أيضا، وفي مجال تصدير السلاح، قد باعت إلي دول الشرق الأوسط خلال الفترة من 2006 إلي 2010 صفقات سلاح وصلت قيمتها إلي 21.3 مليون دولار، ويمثل ذلك 1.6% فقط من مجمل تصدير كندا للسلاح خلال تلك الفترة الزمنية، ونسبة كبيرة من هذه الأسلحة قد بيعت إلي ليبيا. ومن زاوية كمية السلاح المصدر ومجمل تكلفته، تأتي المملكة العربية السعودية علي قمة مجموعة الدول التي استوردت من كندا بما قيمته 9 ملايين دولار خلال الفترة من 2006 إلي 2010 وتأتي بعدها عمان، والإمارات، وإسرائيل، ومصر، والكويت، والعراق، والأردن، ولبنان، وقطر، وتركيا، وتونس، والبحرين، وإيران، وليبيا، واليمن، وإثيوبيا بإجمالي قدره 21 مليون دولار خلال تلك الفترة. ويبدو من طبيعة المواد المصدرة أنها تستخدم لأغراض الدفاع الداخلية والتعامل مع القوي المعارضة للدولة.

وقد أصبحت تركيا من بين الدول المصدرة للسلاح إلي الشرق الأوسط، ومصر من الدولة المستوردة لبعض أنواع السلاح من تركيا، وكذلك ليبيا وتونس. ويتوقع الخبراء أن عقودا كثيرة سوف توقع مع تركيا بعد استقرار الأحوال الداخلية في دول الشرق الأوسط، ولا يوجد تنافس حقيقي بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية في تصدير السلاح إلي المنطقة، فالأخيرة نجحت في إبرام أكبر تعاقد لتوريد السلاح مع دول الخليج، وقد وصلت قيمة الصفقة إلي نحو 60 مليار دولار. خلال الفترة من 2009 إلي 2010، قامت المملكة المتحدة بتصدير مواد ومعدات عسكرية إلي دول الشرق الأوسط بما قيمته 1.8 مليار جنيه إسترليني، وأصدرت 749 رخصة تصدير لمواد ومعدات اشتملت علي طائرات هليكوبتر، وقوارب مراقبة للسواحل، وقطع غيار للطائرات، وأسلحة نارية، وذخيرة، وغازات مسيلة للدموع، وصواريخ، وقطع لهياكل المدرعات، وفلاتر لأجهزة الحماية من هذه الغازات، ودروع حماية للتعامل مع المتظاهرين وغير ذلك من معدات التعامل مع حشود الجماهير وأجهزة تصوير. الخ. وأكثر الدول استيرادا من المملكة المتحدة خلال الفترة المذكورة كانت الجزائر بما قيمته 270 مليون جنيه إسترليني. أما مصر، فقد استوردت بما قيمته نحو 16.8 مليون جنيه إسترليني . وشمل ذلك قنابل وصواريخ وأجزاء هياكل مدرعات. وتشتمل القائمة بجانب الجزائر ومصر علي البحرين (6.3 مليون ج إ)، وإيران (424.2 مليون ج إ)، والعراق (476.5 مليون ج إ)، وإسرائيل (26.7 مليون ج إ)، والأردن (20.9 مليون ج إ)، والكويت (14.5 مليون ج إ)، ولبنان (6.2 مليون ج إ)، وليبيا (214.8 مليون ج إ)، والمغرب (2.1 مليون ج إ)، وعمان (13.9 مليون ج إ)، وقطر (13.1 مليون ج إ)، والسعودية (139.7 مليون ج إ)، وسوريا (2.7 مليون ج إ)، وتونس (4.5 مليون ج إ)، والإمارات (210.4 مليون ج إ)، واليمن (285 ألف ج إ).

أما هولندا، فتنظر إلي الدول العربية علي أنها من الزبائن المهمين في سوق السلاح، وتلاحظ اهتمامها أخيرا بالأسلحة اللازمة للحفاظ علي الأمن الداخلي. ولم يتوقع أحد أن مثل هذه الأسلحة سوف تستخدم علي نطاق واسع في قمع مواطني الدولة والمحتجين والمقاومين فيها ضد نظم الحكم الديكتاتورية، كما جري أخيرا في مصر والبحرين وليبيا واليمن. وخلال السنوات العشر الماضية، باعت هولندا سلاحا بما قيمته 730 مليون يورو إلي كل من المغرب وقطر وعمان والأردن والإمارات. وتتضمن نوعية الأسلحة عربات مصفحة لحمل الجنود ، وفرقاطات بحرية، وطائرات مقاتلة، وصواريخ مضادة للدبابات، ونظم رادار، ومدافع هاوتزر. ويعتقد أن مصر والبحرين قد اشترتا من هولندا 1042 و63 عربة مصفحة بالترتيب.

وتعتمد معظم الدول العربية علي الأسلحة الأمريكية، خاصة الحديثة منها، مع الأخذ في الاعتبار الحفاظ علي توازن القوي بين دول المنطقة ونوعية التهديدات الخارجية المعرضة لها. وطبقا لتقرير ظهر حديثا في صحيفة وول ستريت الشهيرة، بعنوان (الولايات المتحدة تراجع مبيعات إنفاقها علي شراء الأسلحة وتأثيرات ذلك في اقتصادها)، وافقت الولايات المتحدة في 2009 علي إمداد كل من مصر وليبيا والبحرين بصفقة أسلحة قيمتها 40 مليار دولار. واحتوت هذه الصفقة علي نظم صواريخ وذخيرة، ومن بين المواد التي حصلت عليها مصر في هذه الصفقة عبوات لغازات مسيلة للدموع. وهناك تقارير تشير إلي أن الولايات المتحدة أمدت مصر بغازات لتفريق التجمعات . وقد وافقت الولايات المتحدة أيضا علي إمداد مصر بأسلحة نارية وبنادق ذات مدي قصير .وبالنسبة لليبيا، وافقت الولايات المتحدة في 2009 علي تصدير أسلحة لا يكون لها تأثير ضار أو عنيف ضد البشر، واقتصرت علي توريد قطع غيار للطائرات.

وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية المورد الرئيسي للسلاح للمملكة العربية السعودية. وخلال الفترة من 1950 إلي 2006، اشترت السعودية سلاحا ومعدات من الولايات المتحدة بما قيمته 79.8 مليار دولار، بما يساوي تقريبا خمس ما تصدره الولايات المتحدة لباقي دول العالم. ويتبين من ذلك أهمية السعودية لصناعة الدفاع الأمريكية. وبالمقارنة، حصلت إسرائيل علي معونات عسكرية أمريكية بمقدار 53.6 مليار دولار خلال الفترة من 1949 إلي 2007. ويعني ذلك أن إسرائيل تحصل علي معونات عسكرية من الولايات المتحدة تصل إلي خمس ميزانية الدفاع الإسرائيلية. ومن المتوقع أن ترتفع المعونة الأمريكية لإسرائيل من 2.4 مليار دولار في 2008 إلي 3.1 مليار دولار في 2018. (احتلت إسرائيل في 2006 موقع الدولة رقم 9 في قائمة الدول المصدرة للسلاح علي مستوي العالم). وعلي المدي البعيد، تخطط المملكة العربية السعودية لإنفاق ما قيمته 50-60 مليار دولار لرفع كفاءة نظم السلاح الموجودة في الخدمة، وتحسين نظم القيادة والسيطرة، وزيادة حجم وقدرات وتدريب القوات المسلحة السعودية لرفع قدراتها العسكرية في مواجهة الإرهاب، وحماية الداخل والخارج السعودي.

وبداية من يناير 2010، ركزت الإدارة الأمريكية مع كل من المملكة العربية السعودية ودول الخليج علي تقوية دفاعات هذه المنطقة الحساسة عالميا، وتحديث قدراتها الدفاعية من خلال إمدادها بنظم أسلحة حديثة، ومراجعة التخطيط الدفاعي بما يؤدي إلي إعطاء أولوية خاصة لحماية حقول النفط من أي هجوم خارجي، خاصة من إيران. ومن أجل الوفاء بأهمية التخطيط الدفاعي القوي والفعال لتلك المنطقة الحساسة، تقرر زيادة قوة الدفاع البشرية إلي 30 ألف جندي، وتسليحها وحمايتها بنظم دفاع جوي مضاد للصواريخ، متصلة بمنظومة الدفاع الصاروخي الأمريكي داخل المنطقة وخارجها، والاهتمام بالتدريب المشترك بين القوات السعودية والخليجية، مع التركيز علي وسائل التعامل مع القدرات الهجومية الإيرانية.

وهناك شواهد واضحة تعكس حقيقة أن منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج علي وجه الخصوص سوف تدخل سباق تسلح في مجالات جديدة، مثل الغواصات، والصواريخ الكروز بعيدة المدي، وتقوية قدرات الدفاع ليس فقط في البر، ولكن أيضا في البحر. وبداية من 2008، أقدمت دولة الإمارات الخليجية علي شراء نظم دفاعية صاروخية بما مقداره 17 مليار دولار، من بينها بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ، وأخري من نظام "ثاد" بعيد المدي (THAAD). وكانت دولة الإمارات قد أبرمت صفقة طائرات إف-16 أمريكية، كما دعت لأول مرة إلي الاشتراك مع الولايات المتحدة في تدريبات "العلم الأحمر" Red Flagالجوية في منطقة نيفادا.

وفي 20 أكتوبر 2010، أبلغت وكالة التعاون الأمني والدفاعي الأمريكية The Defense) Security Cooperation (DSCA) الكونجرس بعرض من المملكة العربية السعودية لتزويدها بما قيمته 60.5 مليار دولار، يشتمل علي 84 طائرة مقاتلة طراز إف-15، و150 طائرة هليكوبتر هجومية من أنواع مختلفة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 8/تشرين الثاني/2012 - 23/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م