اكتظاظ النزلاء والعقوبات البديلة المغيبة

رياض هاني بهار

اعلن وزير العدل ان عدد المحكومين والموقوفين بلغ اكثر من (27) الف وبإحصائية اخرى بلغ عدد (النزلاء عشرون الف) أوضحت تقارير لمنظمات حقوق الانسان أن الاصلاح العراقية تعاني من اكتظاظا كبيرا، ويتجاوز عدد السجناء الطاقة الاستيعابية للزنزانة على مستوى عدد السجناء التي قال أنها تتجاوز ضعفي الطاقة الاستيعابية المقررة لها.

 وتكشف إحصائيات رسمية حجم الاكتظاظ داخل المؤسسات الاصلاحية، علما أن تقارير سابقة أشارت إلى أن 40 في المائة من مجموع (النزلاء والمودعين) في المؤسسات، لم يكن ضروريا إيداعهم هذه، وهو مؤشر على غياب تفعيل العقوبات البديلة، ما يشجع على اختناقها ومع الاسف (ان اداره الاصلاح لا تمتلك احصاءات عن المحكومين حسب نوع الجريمة او حسب مده الحكم)… الخ من البيانات المهمة، وإذا كانت الجهات الرسمية تشيد بما تحقق من إصلاح أوضاع المؤسسات الاصلاحية، وتشير إلى أن الاهداف المتوخاة من العقوبة بمثابة فضاء نموذجي للإصلاح والتأهيل، تحترم فيه حقوق الانسان ويحظى السجين فيه بكل حقوقه، فإن الاكتظاظ يؤرق كل المتتبعين لما له من انعكاسات على توفير شروط الحياة الإنسانية واحترام الحقوق المتعارف عليها دوليا، وبمعادلة بسيطة لو احتسبنا الكلفة المالية للمحكومين (نزلاء ومودعين فقط) عدا (الموقوفين الذي يبلغ تعدادهم عشرة الاف حيث صرح وزير العدل ان كلفة المحكوم الواحد (عشرة الاف دينار للطعام) عدا النفقات الاخرى فتظهر لنا ارقام فلكية.

1ـ كلفة طعام المحكومين لليوم الوحد (مائتين مليون دينار).

2ـ والكلفة السنوية (سبعه الاف وماتتي ترليون) اي مايعادل (سبعمائة مليون دولار سنويا فقط لإطعام النزلاء).

3ـ أنها تكلف الخزينة أموالاً باهظة في الوقت التي بالإمكان صرف هذه الأموال في تحسين أوضاع فئات كثيرة مهمشه بالمجتمع العراقي.

ماهو البديل ضرورة ارتفاع الاصوات للمطالبة بعقوبات بديلة عن (السجن والحبس)، سيما أن هدفها ليس التخفيف على المؤسسات الاصلاحية فقط، ولكن لما لذلك من آثار إيجابية متعددة، منها منع سيادة (ثقافة السجن) الذي غالبا ما يضم مجرمين يقضون عقوبة، كما أن لها انعكاسا على المجتمع، لأن المدان ينفذ عقوبة اجتماعية، وخلف مشاكل المؤسسات السجنية تبرز أسباب كثيرة وراء ارتفاع عدد السجناء، فطبيعة السياسة المعتمدة ساهمت في اكتظاظ السجون منذ سنوات، مع ما يترتب عنه من «انحراف» وأمراض، وعدم احترام جملة من الشروط الدنيا لحقوق السجناء، إلى درجة أن بعض المدانين اتخذوا من المؤسسات السجنية خلايا تنظيميه، الأمر الذي قد يؤدي إلى انتقال عدوى الإجرام إلى هؤلاء خاصة الصغار أو النساء، فيتعلمون فنوناً جديدة من الإجرام خاصة وأن هؤلاء لا يمثلون أية خطورة بأشخاصهم وأفعالهم، بدليل أنهم ارتكبوا جرائم غير جسيمه استحقت عقوبات قصيرة الأمد، مما يؤدي في النهاية إلى تعميق السلوك الإجرامي لديهم.

في معظم بلدان العالم يصار الى الاخذ بنظام العقوبات البديلة وقد دأبت الامم المتحدة منذ بداية تأسيسها على عقد العديد من المؤتمرات حول منع الجريمة. وفي وقت اتخذت فيه الكثير من المشاكل المعاصرة، بما في ذلك الجريمة، بعدا عالميا، أصبحت هذه المؤتمرات تكتسي أهمية خاصة، وهو ما جعل من التعاون الدولي يعطيها أولوية عاجلة.

فوائد العقوبات البديلة

ومن الأمور التي يمكن الاستناد عليها في مشروعيتها، وهي الأسباب التي دعت المختصين للمطالبة بها أو تفعيلها هي بحث القضاة على تفعيل العقوبات البديلة التي تنعكس إيجاباً على الفرد والمجتمع معالجة الاكتظاظ الموجود في السجون، والذي يسبب سوءاً للأحوال الصحية والنفسية والاجتماعية وفق قاعدة "لا يدخل السجن إلا من يستحق ذلك.

1- ضمان عدم مخالطة المقترفين لبعض الجرائم البسيطة أو المذنبين مع المجرمين المعتادون، حتى لا تصبح السجون مدارس لتعليم الإجرام و تكوين العصابات الإجرامية.

2- حماية الشخص وسلامته من النواحي الجسدية و النفسية والاجتماعية.

3- تقليل النفقات عن كاهل الحكومة كما سنوردها بالمقال.

4- زيادة فرصة تطبيق البرامج الإصلاحية في السجون على المجرمين الخطرين.

5- جلب الفائدة على المجتمع من خلال الخدمات الاجتماعية التي تقوم بها الأشخاص المطبق عليهم العقوبات البديلة.

6-المحافظة على الروابط الاجتماعية والأسرية و ضمان توفير الإعالة للأسرة.

(استبدال المدة المتبقية من العقوبة بالغرامة) الحل العراقي العاجل

ان المشرع العراقي سبق واصدر قانون استبدال العقوبة للمدة المتبقية من العقوبة او التدبير بالغرامة بموجب قرار مجلس قياده الثورة المنحل (20لسنة 2000) ويعتبر من ارقى القوانين التي تخص بدائل العقوبات التي عالجت الاكتظاظ وبذات الوقت كانت تستثمر الاموال المتحصلة من الغرامات للنفع العام مع العرض ان هذا القانون ساري ولم يعمل به بعد 2003 ولي الشرف كنت من ضمن اللجنة المنفذة للقانون (وقد اطلق سراح 1800 نزيل في حينها) ويمكن اجراء بعض التعديلات اوراعادة صياغته بالاتي:

1ـ بدل ان تكون اللجنة الرئيسية من ثلاث وزراء تناط المسؤولية للقضاء العراقي وتشكل لجنة برئاسة قاضي من الصنف الاول ونائب مدعي عام وممثلين من العدل.

2ـ يكون مبلغ الغرامة (اربعة ملايين للسنة السجنية بدلا من المليونين) وتوزع الى الصناديق التالية (10%لصندوق المسنين) و(10%لصندوق الايتام) و(10%لصندوق الارامل) و(10%لصندوق المتقاعدين) و(15%لصندوق ذوي الاحتياجات الخاصة) و(5%للعاملين بالمؤسسات الاصلاحية) و(20% لتطوير المؤسسات الاصلاحية) و(20%ايرادا نهائيا لخزينة الدولة).

3ـ لو افترضنا ان المشمولين بهذا القرار (ثلاثة الاف نزيل ومودع) وان الاستبدال عن (سنه سجنية واحدة كحد ادنى فتكون ايرادا للصناديق المقترحة (12 ترليون دينار عراقي) واذا تم توزيعا على النسب المشار اليها انفا نكون قد ساهمنا بشكل فاعل بتطبيق سياسة جنائية بحدودها الدنيا وكافحنا الفقر من جانب اخر.

مقترحات للحل المستقبلي:

من كل ما تقدم نخلص إلى القول بأن العقوبة البديلة تتفق والسياسة الجنائية الحديثة خاصة، فالعقاب أمر استثنائي لا يجوز اللجوء إليه إلاّ إذا انعدمت الوسائل الأخرى غير العقابية، ان كل الملاحظات والخلاصات المتعلقة بأوضاع السجون والسجناء تحيل على ضرورة وضع استراتيجية تعتمد على مقاربات مندمجة تعتمد أساسا على سياسة جنائية واضحة وسياسة تدبيرية فعالة.

1ـ ضرورة ان يكون هناك ملتقى العقوبات البديلة او ملتقى الاتجاهات الحديثة في العقوبات البديلة(تنظمه ايا من السلطات الثلاث او اية منظمه مختصه بالمجتمع المدني او حقوق الانسان لمناقشة الإطار التشريعي و طرق التطبيق دواعي و منطلقات العقوبات البديلة الآليات المتاحة بين متطلبات التفعيل و اتجاهات الإصلاح والجهود لدعم مسار إقرار عقوبات بديلة للعقوبات السالبة للحرية وفق معايير حقوق الإنسان.

2ـ حث الجهات المختصة على سرعة إصدار نظام العقوبات البديلة لان العراق البلد الوحيد المتخلف في هذا المضمار وفي محيطه الاقليمي فان تجربة (الاردن وتركيا وايران والسعودية) تجارب تستحق الدراسة ونحن(نايمين) متجهين الى العنف حتى بالأحكام القضائية، ومع الاسف بان معظم حواراتنا تنصب على(العملية السياسية واخواتها) ولا تنصب على مصيبتنا (بتخلف النظام الجزائي) الذي اوصلنا الى هذه الحالة من التردي.

3ـ اناشد الأخوة في نقابة المحامين واتحاد الحقوقيين ومنظمات حقوق الانسان بعقد حلقات نقاشيه والضغط على السلطتين التنفيذية والتشريعية لاتخاذ تدابير من شانها مواكبه محيطنا على الاقل، كما اتمنى من الأخوة المختصين بتسليط الاضواء بوسائل الاعلام والاخوة اساتذة الجامعات في اختصاصات علم الاجرام وعلم الاجتماع عقد حلقات حوارية وعلى المستويات الاكاديمية.

* عمان

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 7/تشرين الثاني/2012 - 22/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م