عن التناقض في تصنيف جرائم الحرب... سوريا نموذجا

متابعة: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كل نزاع مسلح يقود الى نتائج كارثية على الاطراف المشتركة فيه، وهي نتائج قد لا تكون بالضرورة، عبارة عن خسائر مادية او معنوية، بل هي ايضا نتائج اخلاقية مدمرة على المدى البعيد، ففي النزاعات المسلحة بين الدول، وكما شهدنا الكثير منها، هناك عدة تناقضات حادة يميل اليها القانون الدولي في اصدار احكامه على اطراف النزاع، ومنشأ هذا التناقض يعود بالاساس الى سيطرة قوة عظمى واحدة، تفضل ان تكون احكام القوانين مراعية للطرف القريب منها، اما اذا كانت تلك القوة العظمى طرف في النزاع فلا شيء من القانون الدولي يمكن ان يحترم، لان اول الشروط هو عدم محاكمة جنود تلك القوة او رفع دعاوى عليهم في اي بلد يكون طرفا ثانيا في النزاع المسلح.

ارتكبت امريكا الكثير مما يمكن توصيفه بجرائم حرب في خلال عملية احتلال العراق، ومثلها فعلت الكثير من فصائل (المعارضة العراقية الوطنية الشريفة) مع العراقيين، وكثيرا ما سمعنا عن محاكمات لجنود امريكيين حول بعض الجرائم المرتكبة، وتصدر الاحكام ضدهم في امريكا بصورة لا تتناسب مع جرائمهم، ولم نسمع عن محاكمات دولية لجرائم حرب ارتكبتها قوى المقاومة، بل نسمع دفاعا مستميتا عن تلك الجرائم من قبل الداعمين لها.

هذه المقدمة ضرورية للحديث عن التقرير الذي اصدرته منظمة العفو الدولية مؤخرا واعتبرت فيه أن قيام مقاتلين معارضين سوريين بتصفية جنود نظاميين بعد أسرهم ونشر شريط مصور على شبكة الإنترنت يعد "جريمة حرب محتملة". وقد ظهر في الشريط المصور الذي بثه ناشطون على موقع «يوتيوب» الإلكتروني، عدد من المقاتلين المعارضين بعدما قاموا بأسر عناصر من قوات النظام على حاجز حميشو في غرب إدلب، وبدا عدد من المقاتلين متحلقين حول نحو عشرة جنود نظاميين مستلقين على الأرض جنبا إلى جنب، ويسمع المصور يقول: "هؤلاء هم كلاب (الرئيس السوري بشار) الأسد"، ويسأل أحد المقاتلين المعارضين جنديا أسيرا: "ألا تعرف أننا من أهل هذا البلد؟". ليرد عليه الجندي: "والله العظيم ما ضربت (لم أطلق النار)". في وقت وجه فيه عدد من المقاتلين ركلات إلى الجنود المرميين أرضا. في حين حض المجلس الوطني السوري مقاتلي المعارضة على "محاسبة" كل من ينتهك حقوق الإنسان، وقال رئيس لجنة حقوق الإنسان في المجلس رديف مصطفى لوكالة الصحافة الفرنسية: "نحض الجيش السوري الحر والحراك الثوري على الأرض على محاسبة كل من ينتهك حقوق الإنسان".

فيما قالت نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة آن هاريسون، إن "الشريط الصادم يصور (جريمة حرب محتملة)، ويظهر تجاهلا تاما للقانون الإنساني الدولي من قبل الجماعات المسلحة المعنية". وفي حين أشارت هاريسون إلى أن المنظمة لم تتمكن من تحديد "المجموعة المسلحة التي قامت بهذه التصفيات، وأن أي مجموعة لم تتبن مسؤولية ما جرى"، أكدت الاستمرار في التحقيق في الحادث.

وتعليقا على هذا الموضوع، شدد العقيد مالك الكردي، نائب قائد الجيش الحر، على أن الجيش الحر يدين مثل هذه الأفعال، وتعليماته إلى عناصره تؤكد على الابتعاد عنها وعدم تطبيق سياسة النظام الإجرامية. وقال: "لغاية الآن لم نتأكد من هوية الجهة التي قامت بإعدام هؤلاء الجنود، لكننا نقوم بالتحقيقات اللازمة لمعرفة الحقيقة، وإذا ثبت لدينا أنهم من عناصرنا فستتم محاكمتهم ومعاقبتهم". وعما إذا كان هناك جهة غير الجيش الحر الذي يقاتل ويقوم في العمليات العسكرية في سراقب، قال الكردي: "في سراقب كما معظم المناطق السورية تشترك فصائل عدة في القتال، بعض منها مستقل، إنما يتم التوافق فيما بينها على العمليات العسكرية، لكن مثل هذه الأعمال هي بالتأكيد أعمال فردية".

في الإطار نفسه، اعتبر بوريس دولغوف الخبير الروسي في الشؤون العربية في مركز الدراسات العربية لدى معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أن موقف منظمة العفو الدولية من حادثة تصفية الجنود السوريين دليل على "بداية تغير موقف المجتمع الدولي من الأزمة السورية، أو على كل حال تغير موقف الدول الأوروبية" من الوضع في سوريا.

التقرير يصف ما حدث بانه (جريمة حرب محتملة) لم يتم التاكد منها ومن الجهة التي قامت بها كما يؤكد القائد الميداني للجيش الحر، لكن في مواقف سابقة كانت اصابع الاتهامات تتوجه الى النظام السوري بارتكاب مجازر، حتى لو تم ذلك بتوثيق وادعاءات الجيش الحر، وكانت الادانات لا تتوقف حول تلك الجرائم المفترضة، وكثير مما حدث في سوريا قد خضع لمثل هذه الترتيبات، بيان للجيش الحر حول مجزرة معينة يتهم فيها النظام، ثم تغطية اعلامية مستمرة من قبل فضائية الجزيرة واخواتها، واصدار الاحكام، حتى دون طرح اي سؤال.

هناك الكثير مما كتب حول العنف، وكثيرا ما جادل المنظرون في الفكر السياسي حول من يمتلك القدرة على العنف المشروع او القانوني، وكثيرا ما كانت الاجابات تقول ان الدولة هي وحدها تمتلك الحق في العنف وممارسته، عبر الشرطة والجيش او اي قوى زجرية اخرى، وهي لا تبيح استعمال العنف من قبل الجماعات المسلحة داخل الدولة، وتعتبره عنفا غير شرعي، الحراك السلمي في سوريا تحول بعد اشهر الى نزاع مسلح بين الدولة وبين مجموعات من المقاتلين ترتفع كل يوم سقوف مطاليبهم، هل يكفي ان نصف السوريين ضد نظام بشار الاسد لتبرير القتال باسم النصف الاخر؟، وهل يعطي حمل السلاح بوجه الدولة مشروعية استخدامه في القتل؟هل وافق سكان المدن السورية ان تكون شوارعهم وازقتهم ومنازلهم متاريس للمقاتلين؟ اسئلة كثيرة يمكن ان تطرح من المنظور القانوني او الاخلاقي.

اذا كان المنظور الاول وحسب لهجة التقرير الصادر قد تبنى وجهة نظر غير حاسمة من النزاع الدائر في سوريا ، فان المنظور الثاني يبدوا اكثر ارباكا في الواقع، في الحلقة الاخيرة من برنامج الاتجاه المعاكس، كان احد الثوار السوريين مستميتا في الدفاع عن العمليات التي يقوم بها الجيش الحر، وقد اتهم الضيف المقابل بعدم اخلاقيته في ما افترضه انه دفاع عن النظام السوري. وفي حقيقة الامر ان ذلك الضيف لم يقم بعملية الدفاع المتوهمة بل ذكر جملة من الحقائق التي عادة ما تغيب عن الجميع اثناء النزاعات وكل طرف يدعي امتلاكه للحقيقة وحدها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/تشرين الثاني/2012 - 20/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م