شبكة النبأ: يواصل العلماء أبحاثهم
ودراساتهم المستمرة في سبيل التعرف على بعض الإسرار الجديدة التي تخص
عالم الإنسان هذا العالم الفريد والمميز، ويرى بعض المتخصصين ان
الدرسات والأبحاث الأخيرة قد مكنت العلماء من الوصول الى نتائج جديدة
أحدثت تغير نوعي وعلمي مهم، وفي هذا الشأن يقول خبير الخلايا والأنسجة
العصبية الفرنسي جان بيار شانجو ان "الانسان هو جنس فريد بين الكائنات
الحية كان يمضي نصف حياته في بناء دماغه" في بدايات الانسان العاقل.
ويشدد العالم وهو استاذ شرف في معهد فرنسا "في الحقبة التي ظهر فيها
الانسان العاقل كان يمضي 10 الى 15 سنة في تركيب دماغه" ومن ثم "كان
يعيش 10 الى 15 عاما اضافيا مع هذا النتاج الدماغي".
ويشكل هذا المفهوم "فكرة مركزية" لفهم العلاقة بين المكونات
الاساسية للدماغ البشري ووظائفه العليا مثل الوعي على ما يشدد هذا
الاخصائي الذي كانت مساهمته منذ العام 1970 اساسية في معرفة الية
انتقال النبض العصبي. ويوضح العالم ان الانسان لا يزال يمضي "15 عاما
من حياته في بناء الدماغ الذي بات الان يعمل لفترة اطول بكثير".
فالمئة مليار خلية عصبية في الدماغ البشري مترابطة بواسطة عدة وصلات
تعرف باسم نقطة الاشتباك العصبي. وفي الدماغ حوالى مليون مليار نقطة
اشتباك عصبي مع حوالى عشرة الاف وصلة كمعدل وسطي لكل خلية عصبية بالغة.
وفي الدماغ ايضا عدة مستويات من التنظيم تراوح بين الجزئية الكيميائية
المسؤولة عن تأمين الاتصال بين الخلايا العصبية والهندسة الكاملة
للدماغ التي يمكن الاطلاع عليها عبر تصوير الدماغ.
ويقول العالم صاحب كتاب "الانسان العصبي" الذي صدر العام 1983 ان
فترة "الاشباعات الجوهرية" هي تلك التي تشهد تشكل وازالة نقاط الاشتباك
العصبي ويسميها "التخلق المتعاقب". وكتب بعد عشرين عاما على هذا الكتاب
في عمل بعنوان "انسان الحقيقة"، "لا يتصور المرء ان في كل دقيقة من
حياة الطفل الرضيع تتكون اكثر من مليوني نقطة اشتباك عصبي". وقال ان
الولادة تأتي في خضم "مرحلة سريعة من تكوين الوصلات. وهي تتكاثر على
موجات متتالية وبعضها يتم اختيارها وتثبيتها والاخرى تلغى خلال عملية "تشذيب".
ويوضح العالم ان "هذا التخلق المتعاقب يدوم 10 الى 15 عاما. وما يهم
في تلك الفترة هو التفاعل مع العالم الخارجي وخصوصا العيش ضمن المجموعة
الاجتماعية التي تجد نفسها مدمجة في التواصل الدماغي". ويشير البروفسور
شانجو الى ان دماغ المولود الجديد في اولى ايام حياته وحتى قبل ولادته
"يطبع بالعالم الخارجي" فالجنين يتأثر مثلا بصوت والدته ويمكن ايضا ان
يدرك الموسيقى. ويقول شانجو ان "هذه الاشباعات التخلقية المتعاقبة
تتطور بشكل كبير جدا بعد الولادة".
ويضيف "انها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالبيئة الثقافية التي ينمو فيها
الطفل من علاقته بوالدته والعائلة الى اللغة المحكية وصولا الى الطريقة
التي يتم فيها الاهتمام به". ويؤكد شانجو ان الانسان في سن الستين "يبقى
يتأثر في خياراته، بالتربية والتعليم والخبرة" التي تلقاها عندما كان
دماغه يتشكل. ومن هنا يقول العالم البالغ 75 عاما احتمال حصول "عدم
انسجام" بين ما تم اكتسابه خلال مرحلتي الطفولة والمراهقة و"ما آل اليه
الشخص في سن الستين". بحسب فرنس برس.
ويحتفظ دماغ البالغ بالقدرة على اعادة تنظيم ذاته "الا ان هذه
الطواعية لها حدودها". ويشدد شانجو على جانب اخر يتمثل في التفاوت في
تطور الدماغ من فرد الى اخر حتى لدى التوائم الذين لا يملكون الدماغ
ذاته، وعلى صعيد الوظائف الدماغية بحد ذاتها. ويذكر هنا حالة الشخص
الذي يعاني عسرا في القراءة والكتابة موضحا "ان الطفل سيواجه صعوبات في
تعلم القراءة والكتابة وفي الاملاء الا ان قدراته الادراكية بحد ذاتها
قد تكون فوق المعدل بكثير".
انقراض الإنسان البدائي
على صعيد متصل تقول دراسة حديثة إن الإنسان البدائي كان موجودا
بالفعل وأوشك على الإنقراض في أوروبا قبل أن يظهر الإنسان المعاصر في
المشهد. ويشير تحليل الحامض النووي (دي إن إيه) إلى أن معظم البشر
البدائيين في أوروبا الغربية قد انقرضوا منذ نحو 50 ألف عام مضت، أي
قبل أن يظهر الإنسان المعاصر بآلاف السنين، وحينها أقامت مجموعة صغيرة
من هذا النوع من البشر في أجزاء مختلفة من أوروبا، وقد عاش هؤلاء لمدة
عشر آلاف عام قبل أن ينقرضوا.
وقد نشرت هذه الدراسة في مجلة علوم الأحياء الجزيئية والتطور. وقام
فريق دولي من الباحثين بدراسة التعدد والتنوع في الحمض النووي من نوع
ميتوكوندريا والمستخرج من عظام 13 إنسان بدائي. ويتم انتقال هذا النوع
من البيانات الجينية إلى السلالة التي تليه عن طريق الأم، لأن الخلايا
تحتوي على نسخ متعددة من جينوم الميتوكوندريا، وهذا النوع من الحمض
النووي أسهل في استخراجه من البقايا القديمة من استخراجه من الحمض
النووي الموجود في نواة الخلايا.
وتم جمع العينات الحفرية من أوروبا وآسيا، وتعددت الفترة الزمنية
بينها من نحو 100 ألف سنة مضت إلى 35 ألف سنة تقريبا. ووجد العلماء أن
الحفريات التي تم جمعها من غرب أوروبا والتي ترجع أعمارها إلى فترات
أقدم من 48 ألف سنة، وكذلك الحفريات من الإنسان البدائي التي جمعت من
آسيا، قد أظهرت جميعها اختلافا جينيا كبيرا.
لكن العينات التي جمعت من أوروبا الغربية من حفريات تقل أعمارها عن
48 ألف سنة قد أظهرت تنوعا جينيا أقل بكثير، حيث انخفض التنوع بنحو ستة
أضعاف مقارنة بالعينات الأقدم عمرا، والعينات التي جمعت للإنسان
البدائي من قارة أسيا. وافترض العلماء في دراستهم أن بعض الأحداث،
والتي قد تكون التغييرات في المناخ، قد تسببت في القضاء على الإنسان
البدائي في الغرب منذ نحو 50 ألف سنة، لكن بعض السكان من هؤلاء البشر
البدائيين ربما يكونوا قد نجوا في ملاجئ أكثر دفئا في المناطق
الجنوبية، وهو ما سمح لهم بإعادة الانتشار مرة أخرى في وقت لاحق.
ويمكن للتنوع الجيني الأقل أن يجعل بعض الأنواع البشرية أقل قدرة
على مواكبة التغيرات في بيئتها، ويزيد من مخاطر انقراضها. وقال كاتب
الدراسة الرئيسي لوف دالين من المتحف السويدي للتاريخ الطبيعي في
استوكهولم: " كان مفاجئا أن نكتشف أن الإنسان البدائي في أوروبا كان قد
أوشك على الانقراض، ثم عاد لينتشر مرة أخرى، وأن كل هذا قد جرى قبل أن
يتصل بالانسان المعاصر." وأضاف دالين: "هذا يدل على أن الإنسان البدائي
ربما كان أكثر حساسية للتغيرات المناخية الجذرية التي حدثت في العصر
الجليدي الأخير مما كان يعتقد سابقا."
وكان الإنسان البدائي قريبا من الإنسان المعاصر من ناحية التطور،
كأبناء عمومة، وقد أقام في بعض الأوقات في أوروبا والشرق الأوسط وأسيا
الوسطى. وتبقى أسباب زوال هذه الأنواع موضوعا للنقاش. ويقدم لنا ظهور
الإنسان الحديث في أوروبا في وقت قريب من انقراض الإنسان البدائي أدلة
كافية لمعرفة السياق الذي قام فيه "الإنسان العاقل" بلعب دور في
الحياة. ولكن ربما كانت التغيرات في المناخ وغيرها من العوامل الأخرى
قد ساهمت بشكل مهم في هذا الأمر.
وقال أندريز غوثرستورم من جامعة أبسالا وهو أحد المشاركين في كتابة
الدراسة: "إن حجم التنوع الجيني في البشر البدائيين الأقدم جيولوجيا،ً
وكذلك في الإنسان البدائي الأسيوي، كان كبيرا كما هو في الإنسان
المعاصر." وأضاف: "ولم يكن التنوع بين البشر البدائيين في أوروبا في
وقت لاحق عاليا كما كان في الإنسان المعاصر في أيسلندا."
وقد لاحظ الباحثون أن فقد التنوع الجيني في البشر البدائيين في
أوروبا الغربية تزامن مع فترة مناخية كانت تعرف باسم "مرحلة مارين
أيسوتوب الثالثة" والتي كانت تتميز بفترات عديدة وقصيرة من درجات
الحرارة التي تبلغ درجة التجمد. ويعتقد أن هذه الفترات الباردة قد حدثت
بسبب وجود اضطرابات في تيارات المحيط في الشمال الأطلسي، ومن الممكن أن
تكون قد أثرت بشكل قوى على البيئة في أوروبا الغربية، وذلك وفقا
لملاحظات الباحثين.
وعلى مدى العقود القليلة الماضية، أظهرت الأبحاث أن الإنسان البدائي
لا يستحق السمعة الوحشية التي ألصقت به. وقد أعلن الباحثون مؤخرا أن
رسومات خاصة على شكل أختام قد وجدت في الكهوف في مدينة نيرجا بجنوب
إسبانيا، والتي قد تعود إلى 42 ألف عام خلا، وأن هذه الرسومات ربما
تكون هي الفن الوحيد المعروف الذي صنعه الإنسان البدائي، إلا أن هذا
التفسير أيضا لا يزال موضع خلاف.
انسان النياندرتال
من جانب اخر تمكن فريق من العلماء من اعادة رسم ملامح ما يعتقد في
انه اول تصور دقيق حقيقي لانسان النياندرتال Neanderthal من خلال
الاستعانة بهيكل عظمي اكتشف في فرنسا قبل ما يزيد على قرن. وفي عام
1909 اسفرت حفريات اجريت في كهف (لا فيراسي La Ferrassie) عن العثور
على بقايا مجموعة من انسان النياندرتال، حيث عثر على هياكل عظمية ضمن
بقايا هذه المجموعة لرجل بالغ اطلق عليه اسم (لا فيراسي 1).
وساعد العثور على هذه البقايا العلماء في اعادة رسم ملامح تصور
تفصيلي لاقرب فصيل لنا من اسلافنا قبل التاريخ لسلسلة وثائقية جديدة
لبي بي سي تحمل عنوان "تشريح ما قبل التاريخ".
ويعد (لا فيراسي 1) أهم اكتشاف في مجال البحوث الخاصة بانسان
النياندرتال. ويتميز الهيكل بجمجمة اكبر حجما واكثر اكتمالا، كما يمثل
اكتشاف عظام الساق والقدم اهمية بالغة حيث تفضي الى معرفة العلماء
الطريقة التي كان يسير بها انسان النياندرتال بشكل قائم، وهو ما يغاير
ما كانت توصلت اليه البحوث السابقة.
واصبحنا الان نعرف ان انسان النياندرتال كان قوي البنية الجسدية
ولديه ذراعان قويان الى جانب جمجمة كبيرة – أطول مقارنة بجمجمتنا –
وجبهة منحدرة فضلا عن عدم بروز ذقن. ويمكن لطرق البحث العلمي الحديثة
ان تتعمق في اجراءات البحث على نحو يساعدنا في بناء صورة اكثر دقة
لملامح انسان النياندرتال واسلوب حياته. لكن كيف يمكن اجراء اعادة بناء
بنية جسدية كاملة من مجموعة عظام يعود عمرها الى نحو 70 ألف عام؟
واستطاع فيكتور ديك، عالم الحفريات البشرية الامريكي والاختصاصي في
ترميم ورسم ملامح الانسان القديم، استكمال اوجه العجز عن طريق نسخ من
عظام انسان النياندرتال المكتشفة في كهف كيبارا في اسرائيل عام 1982.
واستطاعت هذه الحفائر اماطة اللثام عن هيكل اقرب الى الكمال لانسان
النياندرتال، لكنها كانت تفتقد للجمجمة والساق الايمن وجزء من الساق
الايسر.
وارسلت نسخة من (لا فيراسي 1) الى فريق من صناع النماذج في
باكينغهام حيث تمكن الفريق من تجميع العظام واستكمال بنية الهيكل
العظمي على نحو صحيح في وضع قائم. وكانت المرحلة الثانية معنية بإضافة
عضلات لإنسان النياندرتال، لكن كيف يتسنى لفريق العمل ان يعيد التجسيد
بدون اي دليل مرشد للعمل؟ حينئذ اقتضى العمل اجراء بعض التحريات.
يمثل هيكل (لا فيراسي 1) عاملا مساعدا في اظهار دلائل تفضي الى
مساعدة فريق صناع النماذج بقيادة جيز غيبسون-هاريس الذي قال ان حجم
وبنية العظام يشير الى نوع من العضلات كان يتميز بها الجنس البشري
القديم. واضاف "يمكنكم رؤية نقطة تلاقى الاوتار هناك نقاط التقاء كبيرة
ويمكنكم رؤية عضلات كبيرة هناك". ووصف غيبسون-هاريس (لا فيراسي 1)
"بهيئة وبنية قوية للغاية، لكنه قصير الى حد ما".
وتتيح العظام ايضا معرفة اسلوب حياة انسان النياندرتال، فعظام ذراع
(لا فيراسي 1) غير متناظرة، حيث ان الذراع الايمن اكبر مقارنة بالذراع
الأيسر. كما ان العظام تتغير ملامحها بمرور الوقت، فكان ذلك مساعدا
للعلماء في بحث نوع الانشطة التي ربما كان ينهض بها انسان النياندرتال.
كذلك درس فريق العلماء الطرق التي كان يقتنص بها انسان النياندرتال
فريسته والقيام باعباء يومية، في اشارة الى تأثير هذه الاعمال على
بنيتها الجسدية.
وتوصل العلماء الى ان انسان النياندرتال دأب على طعن فريسته حيوان
الماموث كثيف الفراء بالرماح، غير ان انشطة اخرى كانت تستلزم بذل
المزيد من الوقت من اجل صناعة ملابس تقيه من برد الشتاء. وكان انسان
النياندرتال يحتاج الى كسوة جديدة كل عام والتي كانت تتكون من خمس الى
ست طبقات من جلود الحيوانات تقريبا. وكان ايضا يدأب على كشط كل طبقة من
الجلد لمدة ثماني ساعات على نحو يجعلها صالحة للارتداء. واستنادا على
هذه الادلة، اعيد تهيئة عضلات (لا فيراسي 1)، بما في ذلك عظام الذراع
الايمن القوي.
ويساعد دراسة الاسنان بالاستعانة بالتكنولوجية على كشف المزيد من
الاسرار التي كانت غير معلومة في السابق عن انسان النياندرتال، حيث
بإمكان اشعة اكس القوية التى تفوق مئة مليار مرة اشعة اكس العادية في
المستشفيات في الكشف عن معدل النمو اليومي للاسنان. وتشير الدراسات
المقارنة لعمر الاسنان وعمر بقية الهيكل العظمي ان طفل النياندرتال
ينمو بمعدل اسرع من الانسان الحديث، وهذا قد يسلط الضوء على اسباب بقاء
انواعنا وانقراضهم.
وتأتي المرحلة الاخيرة في بناء النموذج التجسيدي المتعلق باضافة
الرأس وشعر الجسد. وهنا لجأ العلماء الى بحوث سابقة كشفت ان العديد من
اشخاص النياندرتال كانت حمراء الشعر، حيث جرى تركيب شعر احمر ل(لا
فيراسي1) مع درجة لون شاحبة توحي بالحياة في طقس الشمال.
وبعد شهرين ونصف من العمل الدقيق، اكتمل بناء (لا فيراسي 1)
وقال جون هوكس، خبير الانثروبولوجي لدى جامعة ويسكونسين، الذي اعرب
عن اعجاب بالنتائج النهائية "اصبح لديه طابعا انسانيا مع كسوته باللحم،
لكن التركيز على العظم قد لا يتيح لنا الصورة الكاملة". ويعد انسان
النياندرتال، (لا فيراسي 1)، احد ثلاثة نماذج اعيد بناؤها، فعلى مدى
ستة اشهر استطاع الفريق ايضا بناء نموذج لصبي "ناريوكوتومي"، احد اعضاء
فصيل "هومو اريكتاس Homo Erectus"، وهو احد اقدم اسلافنا قبل التاريخ.
اول انسان عاقل
في السياق ذاته وخلال عقود من الزمن ظن العلماء ان عظمة الفك هذه
ليست سوى احفورة تعود الى فترة ما قبل التاريخ مثلها مثل غيرها، الا ان
بعد التدقيق تبين لهم ان صاحب هذا الفك هو اقدم انسان عاقل عاش في
اوروبا الغربية. وبحسب دراسة نشرت نتائجها فان الفك عائد الى ما قبل 41
الى 44 الف سنة وهو لاحد اجدادنا من الانسان العاقل الذي قد يكون عايش
احد اقارب البشر البعيدين وهو انسان النييردنتال في الحقبة ذاتها. وهذه
فكرة لا تزال موضوع جدل ونقاش كبيرين بين الاختصاصيين.
وكان قد عثر على جزء من عظمة الفك و3 اسنان كانت لا تزال معلقة بها
في كهف يعود الى حقبة ما قبل التاريخ في جنوب انكلترا العام 1927. وبعد
حوالى ستين عاما على الاكتشاف اعاد علماء في جامعة اكسفورد هذه
الاحفورة الى حوالى 35 الف سنة. وهي مدة لا بأس بها لكنها ليس
استثنائية على ضوء المعارف المتوافرة حول تاريخ عيش الانسان العاقل في
اوروبا.
لكن بعض الباحثين راحوا يشككون بصحة التأريخ بعدما اكتشفوا على هذا
الفك الاعلى اثار صمغ وضع للمحافظة على الفك بعد اكتشافه وقد يكون ادى
الى خطأ في التحليل. وتوضح بيث شابيرو الاستاذة في "بن ستايت يونيفرستي"
في الولايات المتحدة واحدى المشرفات على الدراسة التي نشرت في مجلة "نيتشر"
العلمية "تبين لنا ان علينا إجراء فحوصات اضافية للتوصل الى تأريخ جديد".
لكن عينة عظمة الفك المتوافرة بعد ازالة الصمغ عنها كانت صغيرة جدا
للسماح بتأريخ جديد عبر تقنية الكاربون 14. فقررت شابيرو وزملاؤها ان
يعالجوا المشكلة من جانب اخر. ففي تربة الكهف اكتشف العلماء ايضا عظام
حيوانات تقع فوق الطبقة التي عثر عليها الفك البشري وتحتها. وقاموا
بعدها بتأريخ هذه العظام العائدة الى عصور ما قبل التاريخ وهي لذئاب
وايائل ودببة فتصولوا الى فترة تراوح بين 50 و26 الف سنة. ومن خلال
تقينات محاكاة احصائية لتحديد الفك في هذا التسلسل الزمني، تمكنوا من
تقديره الان بين 41 و44 الف سنة.
ويشدد توم هايهام المسؤول عن وحدة التأريخ بالكربون في جامعة
اكسفورد البريطانية "نظن ان هذا الجزء من عظمة الفك هو اقدم دليل مباشر
على وجود الانسان العصري في شمال غرب اوروبا". ويؤكد "هذا يعني ان
البشر العاقلين الاوائل عايشوا النييردنتال في هذا الجزء من العالم وهو
امر يشكك فيه بعض الباحثين". بحسب فرنس برس.
وثمة عنصر اخر يدعم هذا التعايش بين الجنسين على مدى الاف عدة من
السنين هو ان ضرسين اكتشفا في جنوب ايطاليا وكانا ينسبان حتى الان الى
انسان النييردنتال تبين انهما عائدان الى انسان عاقل. وبفضل تحليل جديد
بالكربون 14 اجراه ستيفانو بيناتزي من جامعة فيينا ونشرته مجلة "نيتشر"
في دراسة منفصلة، فان هذه الاسنان عائدة الى 43 او 45 الف سنة اي عمرها
على الاقل من عمر الفك الانكليزي. وظهر انسان النييردنتال قبل 300 الف
سنة تقريبا وعاش في اوروبا واسيا الوسطى والشرق الوسط قبل ان يختفي قبل
اقل من 40 الف سنة لاسباب مجهولة.
من جانب اخر كشفت أحفورات بشرية، وجدت في كهوف بجنوب غرب الصين، عن
سلالة جديدة من البشر، لم تعرف سابقاً تعود للعصر الحجري. وقال فريق
بحث مؤلف من علماء صينيين وأستراليين، إن الأحافير تظهر سلالة جديدة
تعتبر مزيجاً من المخلوقات البدائية والعصرية. وعثر العلماء الصينيون
على بقايا 3 أشخاص على الأقل في كهف "رد دير"، بالقرب من مدينة منغزي
في إقليم يونان، في العام 1989.
وبقيت الأحفوريات من دون أن تخضع للدراسة، حتى العام 2008، حين بدأ
6 علماء صينيون و5 أستراليون دراستها. وتردد العلماء في تصنيف
الأحفوريات بسبب مزيجها غير العادي. وقالت الباحثة دارين كورنو، من
جامعة "نيو ساوث ويلز"، التي ينتمي لها الباحثون الأستراليون، إن "هذه
الأحفوريات الجديدة، قد تكون عائدة لنوع غير معروف سابقاً، عاش إلى
نهاية العصر الجليدي قبل قرابة 11 ألف عام".
قبل مليون سنة
في السياق ذاته يقول علماء إن لديهم أدلة جديدة على أن اجداد
الانسان قد استخدموا النار في وقت أبكر عن ما هو معروف وقبل نحو مليون
سنة. وتتمثل الادلة الجديدة في اجزاء من رماد وعظام وجدت في كهف
ونديرويرك في جنوب افريقيا. وقال فريق التنقيب العلمي لمجلة (PNAS) إن
البقايا تشير إلى نيران منظمة ومتكررة قد اشعلت في الموقع.
وتعد امكانية استخدام النار خطوة اساسية في التطور الانساني لأنها
اعطته مدخلا لطبخ الطعام والحصول على تكنولوجيات جديدة. وتؤشر الادوات
الحجرية التي وجدت في الكهف الى أن من كانوا في الكهف قد يكونوا من نوع
"هومو اريكتوس"، وهو نوع من اجداد الانسان يرجع وجوده الى مرحلة سحيقة
في القدم تصل الى ما قبل 1.8 مليون سنة. وتشير بدقة إلى أن اكتساب
البشر قدرة السيطرة على النار كانت عملية صعبة جدا.
وثمة العديد من الآراء الذي يرجع ظهور هذه القدرة إلى مرحلة ابكر من
اكتشافات كهف ونديرويرك.وبيد أن هذه الاراء تواجه بشكوك في كون بقايا
النيران كانت في اماكن مفتوحة ويمكن أن تكون نتاج حرائق طبيعية تسبب
فيها البرق. وبالمقابل فأن فريق (PNAS) المؤلف من من مجموعة من علماء
من مؤسسات امريكية واسرائيلية والمانية وجنوب افريقية يقول إن خلاصاتهم
التي ذكروها بشأن اكتشافات الكهف الواقع في جنوب افريقيا مضمونة اكثر.
واذا صح ذلك، فأن اكتشاف ونديرويرك سيدفع اقدم تاريخ موثق لسيطرة
الانسان على النار الى نحو 300 الف عام اسبق من التاريخ المعتمد. ووصف
الباحثون في بحثهم بقايا عشب واغصان واوراق وحتى عظام محترقة في رواسب
الكهف على بعد نحو 30 مترا عن مدخل الكهف. ويشيرون إلى ان هذا البعد
يجعل آثار النيران تبدو بعيدة عن احتمال كونها مجرد نيران طبيعية
نقلتها الرياح الى داخل الكهف. كما ان عمق الرواسب يشير الى أن هذه
النيران كانت تشعل في البقعة ذاتها لمرات عديدة.
مركز النطق في الدماغ
من جهة اخرى أظهرت دراسة نشرت في الولايات المتحدة وقد تؤدي إلى
تعديل الكتب الخاصة بعلم الأعصاب، أن مركز النطق في الدماغ لا يقع في
المكان الذي حدده العلم منذ أواخر القرن التاسع عشر. فقد كان علماء
الأعصاب يعتقدون أن مركز النطق يقع في الجهة الخلفية من القشرة
الدماغية بالقرب من القشرة السمعية التي تتلقى الأصوات كلها.
وسمي مركز النطق تيمنا بعالم الأعصاب الألماني كارل فيرنيكي الذي
حدد موقعه في الدماغ في أواخر الثمانينات بعد أبحاث حول الصدمات
الدماغية وتأثيرها على النطق أو الفهم. لكن أبحاثا جديدة استندت إلى
تحليل أكثر من مئة دراسة لصور الدماغ أظهرت أن مركز النطق ليس في
المكان الذي حدده فيرنيكي. وأوضحت أن مركز النطق يقع على مسافة ثلاثة
سنتمترات تقريبا من الجهة الأمامية من الدماغ وفي الجهة المقابلة
للقشرة السمعية أي أنه يقع من ناحية الهندسة والوظائف الدماغية في مكان
بعيد جدا عن ذلك المحدد حتى الان. بحسب فرنس برس.
ويقول الدكتور جوزف روشكر من كلية جورجتاون للطب في العاصمة واشنطن
أن هذا الاكتشاف مهم للغاية لأن مركز النطق لدى البشر يقع في المكان
نفسه الذي تقع فيه منطقة اكتشفت مؤخرا لدى الحيوانات الرئيسة وتلعب
دورا مماثلا في إصدار الأصوات وفهمها. ويوضح أن هذا الاكتشاف يدفعنا
إلى الاعتقاد أن "جذور النطق لدى الانسان والقرد أقرب مما كنا نتصور
وأن الهندسة الدماغية وطريقة معالجة الدماغ للنطق لدى هذين النوعين
متشابهة أكثر مما كان الكثيرون يعتقدون". ويشير العلماء منذ زمن إلى أن
النطق حكر على البشر وأن القردة تتواصل بإصدار الأصوات لكنها لا تملك
لغة متطورة كلغة البشر لأن "الهندسة الدماغية لديها أقل تطورا ولا تسمح
بالتالي بمعالجة النطق". |