المرجع الشيرازي: الغدير ثقافة تربّي الإنسان والثقافة المضادة تربّي سلاطين ظالمين

 

شبكة النبأ: دعا المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله المؤمنين في كل نقطة من نقاط العالم، أن يخصّصوا (عشرة أيام) لتبليغ (الغدير) وأن يبيّنوا في هذه (العشرة المباركة) النتائج والثمرات الإنسانية النورانية للـ(غدير) للعالمين أجمع.

وقال البيان ان الغدير هو (عيد الله الأفضل) وهكذا سمّاه مولانا النبي الأعظم صلى الله عليه وآله بقوله: (يوم غدير خم أفضل أعياد امّتي)، والغدير تاريخ قال فيه القرآن الكريم: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)، والغدير ثقافة تربّي الإنسان، وتقدّمه للمجتمع (إنساناً) مطيعاً لله عزّ وجلّ والرسول صلى الله عليه وآله وأهل البيت صلوات الله عليهم. والثقافة المضادة للـ(غدير) تربّي سلاطين ظالمين.

واضاف البيان: يجدر بالمؤمنين الكرام في كل نقطة من نقاط العالم، أن يخصّصوا (عشرة أيام) لتبليغ (الغدير) الذي بدأ بالأمر الإلهي إلى أشرف الأنبياء صلى الله عليه وآله، بقوله عزّ من قائل: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، وأن يبيّنوا في هذه (العشرة المباركة) النتائج والثمرات الإنسانية النورانية للـ(غدير) للعالمين أجمع.

لو عُمل بالغدير لساد الحق والعدل كل زمان وفي كل مكان

وقال بيان آخر صدر عن مكتب سماحته في مدينة قم المقدسة: إنّ عيد الله الأكبر عيد الغدير الأغرّ، وهو أبرز واقعة من وقائع تاريخ الإسلام والأكثر أهمية، فبها أكمل الله تبارك وتعالى الدين، وأتمّ النعمة، وهي مسألة الإمامة والوصاية والخلافة لمولانا الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه. وتعدّ أيام ذكرى هذا العيد الأعظم، فرصة مناسبة للشيعة والمحبّين لآل الرسول الأطهار صلوات الله عليهم، في العمل على إحيائها، وتعريف الغدير وثقافته للعالمين، وأن يسيروا على خطى مراجع وعلماء الشيعة الأعلام في إكرام هذه الذكرى وتعظيمها على أحسن نحو.

يقول المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله حول أهمية وضرورة إحياء وتعظيم وتبليغ الأيام العشرة الغديرية المباركة:

في الروايات الشريفة أن عيد الغدير هو عيد الله الأكبر، ويعني أن الله تعالى هو الذي عيّن هذا اليوم عيداً. وما بعث الله عزّ وجلّ نبيّاً إلاّ وتعيّد في هذا اليوم وعرف حرمته (1). وهذه خصيصة لم توجد لعيد الأضحى وباقي أعياد الإسلام. وقد سمّي هذا اليوم بالعيد، كما صرّحت بذلك الكثير من الروايات الشريفة المتواترة، بالمعنى أو إجمالاً، بل إن بعض الروايات عبّرت عن هذا اليوم العظيم بأنه: أعظم الأعياد.

إن العيد الإسلامي ليس كسائر الأعياد، إذ لا يمكن عدّ أي يوم عيداً إسلامياً مهماً بلغ من العظمة ما لم يكن مشرّعاً، أي سمّاه الشرع عيداً، فهناك أيام عظيمة في الإسلام مثل يوم النصف من رجب وليلة النصف من شعبان ويوم دحو الأرض ويوم المباهلة وغيرها، ووردت في فضلها روايات كثيرة، إلاّ أن الأعياد في الإسلام أربعة فقط، وهي: الجمعة والفطر والأضحى والغدير وهو أعظمهما.

من هنا ابارك للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، ذكرى وحلول أعظم الأعياد وأكبرها، وهو عيد الغدير الأغرّ. وابارك أيضاً هذا العيد الأغرّ للبشرية كافّة، التي لو انها اتّخذت هذا اليوم عيداً، قولاً وعملاً، وكما أراد النبي الأكرم والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، فإنها سترفل بالرفاه والسعادة في الدنيا، وبالنعيم بالآخرة.

إذا أردنا معرفة سبب وصف الروايات الشريفة هذا العيد بأعظم الأعياد وأكبرها، لتبيّن لنا جليّاً أنه لو عُمل بالغدير لساد الحق والعدل كل زمان وفي كل مكان. وهذ أمر في غنى عن الاستدلال، فأبرز دليل عليه وأوضحه هي الفترة الزمنية القصيرة لحكومة مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، التي أحيا فيها الإمام، بقوله وعمله، الحق والفضيلة. وفي المقابل، نرى أن الذين تربّعوا على كرسي الحكم بلباس الإسلام كمعاوية ويزيد وهارون ومأمون وأمثالهم، تصّرفوا عكس سيرة الإمام عليّ سلام الله عليه وطريقة حكمه.

لقد اعتبرت الروايات الشريفة الغدير أعظم عيد لأنه يرتبط بجذور وأساس الإسلام، وأن إقصاءه يؤدّي إلى نتائج سيّئة، ومنها تسلّط الحكّام المستبديّن الذين امتلأ بهم التاريخ الإسلامي أمثال معاوية ومأمون ومن على شاكلتهم.

بعد استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله، فرّق الناس بين القرآن والعترة الطاهرة، أي أهل البيت صلوات الله عليهم، ولم يعملوا بما أمر وأوصى به النبي صلى الله عليه وآله وهو التمسّك بالقرآن والعترة. فترك الناس أهل البيت صلوات الله عليهم، وكان هذا العمل منشأ كل المصائب الدنيوية والاخروية التي حلّت ولا زالت تحلّ بالبشرية كافّة، وليس بالمسلمين فقط.

إذن مسؤوليتنا اليوم تجاه الصور السلبية التي تُنسب إلى الإسلام هو أن نعرّف الناس سيرة مولانا الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه التي تمثّل الإسلام الحقيقي، فقد قال مولانا الإمام الرضا صلوات الله عليه: «فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا» (2).

إن الغدير يعني الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسيرته وحكومته، ويعني الأئمة الأطهار واُمّهم السيدة العظيمة مولاتنا فاطمة الزهراء، ويعني المعصومين الأربعة عشر، صلوات الله عليهم أجمعين، بدءاً من مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله إلى مولانا بقية الله الأعظم الإمام المهديّ المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

إن أهل البيت صلوات الله عليهم هم أهل بيت الرحمة. وبالمقابل هناك اناس هم أهل بيت الضلالة وسفك الدماء، ومنهم معاوية ابن أبي سفيان. فراجعوا التاريخ وانظروا إلى سيرة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وانظروا إلى أفعال وتصرّفات غيره، كمعاوية، لتعرفوا الفارق والبون الشاسعين بين أهل البيت صلوات الله عليهم وبين من تركهم وانحرف وابتعد عنهم.

إن أصحاب الخط المضاد للغدير ولأهل البيت صلوات الله عليهم، كمعاوية ويزيد وأعوانهما كانوا يتظاهرون بالإسلام وبالصلاة والصيام والحجّ، وفي الوقت نفسه كانوا يعملون القتل بحق كل من يعترض عليهم، فكان جواب أصحاب هذا الخط على من يعترض عليهم باللسان فقط وسلمياً هو القتل، وعلى من يُشكل عليهم منطقياً سفك دمه وحرق بيته.

إنه لمن المخجل حقّاً أن تؤرّخ مثل تلك الأفعال والتصرّفات التي ارتكبها أصحاب البيت المضاد لأهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم.

نحن أهل العلم نعرف جيّداً وأكثر من غيرنا، معنى الحديث النبوي الشريف: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). فالكل مسؤولون، ولكن المسؤولية علينا نحن أهل العلم أكبر من مسؤولية غيرنا، ففي الحديث الشريف عن الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه قال: (ما أخذ الله على الجهّال أن يتعلّموا حتى أخذ على العلماء أن يعلّموا). والمسؤولية هي أن نبيّن للناس كافّة وليس للمسلمين فقط، أن القرأن وأهل البيت صلوات الله عليهم عدلان ولايقوم أحدهما إلاّ بصاحبه كما أوصى النبي الكريم صلى الله عليه وآله، والأدلة على ذلك الموجودة بين أيدينا هي بالآلاف.

إن هذه المسؤولية هي واجب شرعي على الجميع، بالأخصّ في مجال تعريف الغدير ومبادئه للبشرية قاطبة. فيجب على كل فرد أن ينهض بهذه المسؤولية قدر ما يستطيع، وقدر ما يتمكّن، وقدر طاقاته، سواء كان ذلك بالمال، أو بالقلم، أو باللسان، وغيرها.

يقول الله عزّ وجلّ: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً» (3) ويستفاد من هذه الآية الكريمة أن الإسلام من دون الغدير ليس إسلاماً أصلاً، لا أنه ناقص أو غير تام؛ لأن الله تعالى عندما تحدّث في الآية المباركة عن الدين ـ أي الشريعة والطريقة ـ قال: «أكملت لكم دينكم» أي أكمله بالغدير، وعندما تحدّث عن النعم قال: «وأتممت عليكم نعمتي» أي أتمّها به، ولكنه عندما وصلت النوبة إلى الإسلام قال سبحانه: «ورضيت لكم الإسلام ديناً» أي عادله بالغدير، وبالتالي فإن الإسلام من دون الغدير ليس إسلاماً، كما أن الإسلام من دون الرسالة والنبي صلى الله عليه وآله لا يعدّ إسلاماً، لا كما قال عمر :حسبنا كتاب الله، لأن القرآن من دون الرسول ليس قرآناً، كيف والله تعالى يقول في القرآن نفسه: «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» (4)، فعدم الأخذ بما آتاه الرسول يعدّ رفضاً للقرآن.

إن الغدير ثقافة ومظهرها يوم الثامن عشر من ذي الحجّة في السنة العاشرة للهجرة الشريفة عند غدير خم. فعندما كان النبي صلى الله عليه وآله يدعو الناس إلى الإسلام في مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة، كان يقول أدعوكم لما فيه سعادتكم في الدنيا والآخرة، فهل المسلمون اليوم سعداء؟ وهل الإسلام الحقيقي موجود؟ بل ما معنى السعادة؟

ألا تعني السعادة أن يعيش الإنسان في رغد سواء من الناحية المادية أو المعنوية، فهل المسلمون اليوم كذلك؟

إنّ الأحاديث المرويّة عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل بيته سلام الله عليهم تؤكّد أنه لو طبّق الناس ما دعا إليه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله في غدير خم لأكل الناس من فوقهم ومن تحت أرجلهم رغداً إلى يوم القيامة. فالعالم يغطّ اليوم في الظلام، وأنّ كل ما يعانيه فإنّما هو في سبب حرمانه من الغدير ومنهجه وثقافته.

إذن فالمسؤولية الملقاة على عاتقنا اليوم هي نشر ثقافة الغدير في العالم وتعريف الشعوب والمسلمين بالغدير وترسيخ مبادئه في أوساط المؤمنين، عبر مختلف الوسائل كالكتاب ووسائل الإعلام الحديثة بإسلوب جذّاب وعصري، وهو عمل يتطلّب جهوداً كبيرة ويتحمّل الشباب مسؤولية مضاعفة في هذا المجال، فعلى المؤمنين جميعاً أن يجدّوا ويجتهدوا من أجل تبليغ رسالة الله تعالى والنبي الأكرم وأهل البيت للعالم. وهنا أذكّر المؤمنين بخصلتين من الضروري أن يتحلّوا بهما على هذا الطريق، وهما:

1. التذكير المتواصل والتواصي بالحق الذي هو الغدير.

2. الصبر وعدم اليأس حتى تتحقّق النتيجة المطلوبة بإذن الله تعالى.

لم يسلم كل من أسلم منذ أن أطلق الرسول صلى الله عليه وآله دعوته، وربّما أسلم بعض العرب بعد عشرين سنة ولكن مع ذلك حسن إسلامه، ونحن أيضاً لا ينبغي لنا اليأس أو نتوقّع أن يستجيب العالم لنا دفعة واحدة، ولكن لنعلم أن الناس إذا أدركوا حقيقة الغدير سارعوا إليه ووردوا مناهله. فعالم اليوم بحاجة إلى ثقافة الغدير أكثر من السابق. وإن كل ما يقوم به أتباع أهل البيت سلام الله عليهم من فعاليات، وما يبذلونه من جهود في سبيل نشر وتعريف ثقافة الغدير فإنها قليلة، وليست بمستوى وبسعة ممارسات أهل الباطل في دنيا اليوم، كما أنها لا تؤدي مقدار ذرة من الواجب تجاه مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

من المسؤوليات المهمة اليوم لأتباع أهل البيت الأطهار إيصال رسالة الغدير ومبادئه إلى الناس جميعاً. فيجب أن يعرف العالم الفرق بين الإنسان والمجتمع المؤمن بمبادئ الغدير وبين الإنسان والمجتمع غير المؤمن بالغدير. فاستنباطي أنا شخصياً من التاريخ أنه لو أتينا بكل المظالم التي صدرت من كل الحكماء والرؤساء الذين كانوا يتظاهرون أنهم من الشيعة ومن المحبّين لأهل البيت فإنها لا تعادل ظلم ظالم واحد من الظالمين البعيدين والمنحرفين عن أهل البيت أبداً كظلم الحجاج ومعاوية ويزيد والمتوكل وصدام. فالشيعة في السابق تعرّضوا لمظالم كثيرة، حيث في فترة من الزمن كان الظالمون يدفنون الشيعة وهم أحياء في أعمدة بناياتهم وعماراتهم.

إذن يجدر بنا جميعاً أن نتحمّل صعوبات الدنيا في سبيل نشر حقائق الإسلام، وأما المشاكل التي نتعرّض لها ـ وهي العزّة بعينها بالدارين ـ فلنحتسبها عند الله تعالى ورسوله الأكرم صلى الله عليه وآله، وعلينا أن نتعلّم من السلف الصالح ما بذلوه من الجهود والمساعي في سبيل نشر رسالة الغدير.

نحن على أعتاب شهر ذي الحجّة الحرام، وفي هذا الشهر أعظم الأعياد وأكبرها وهو عيد الغدير الأغر، وبعده سيطلّ شهر محرّم الحرام وهو شهر المصيبة والحزن لآل الرسول الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين، فيجدر بالشيعة كافّة أن يبذلوا قصارى جهدهم ويعملوا على إحياء وتعظيم مناسبتي هذين الشهرين بما يليق بشأنهما وبنحو أفضل، حتى يكونوا مصداقاً حقيقياً لقول مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «شيعتنا ... يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا».

إن عيد الغدير الأغرّ من أهم الأعياد وأفضلها وأكبرها، فيجدر إحياء ذكراه في عشرة أيام بأحسن ما يمكن، حتى يعلم الناس جميعاً قدره وشأنه.

....................................

 1/ إقبال الأعمال/ لابن طاوس الحلّي/ فصل فيما ذكر من عمل الغدير/ ص 475.

 2/ وسائل الشيعة/ ج27/ باب8 وجوب العمل بأحاديث النبي صلى الله عليه وآله و.../ ص 92/ ح33297.

 3/ سورة المائدة : الآية 3.

 4/ سورة الحشر: الآية 7.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 1/تشرين الثاني/2012 - 16/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م