السودان وقصف المصنع... برقية إسرائيلية لإيران

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: ازدادت المخاوف الإسرائيلية بشأن نشوب الحرب في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن زادت حدة التوتر كثيراً في المنطقة خاصةَ بينها وبين إيران في الآونة الأخيرة، مما دفع بها للشعور بخطر نفيها من المنطقة مستقبلا، كونها محاطة بالدول التي لا ترغب بها من جميع الجهات، وبالتالي دعاها هذا الشعور الى اتخاذ عدة إجراءات احترازية تعتمد على سياسة الغموض الاستراتجي في العمليات العسكرية، حيث يرى اغلب المحللين بأن قصف إسرائيل لمجمع اليرموك للصناعات العسكرية في السودان، بهدف توجيه رسائل تحذير لإيران، وإبراز قدرتها على ضرب المنشآت النووية الإيرانية، باستخدامها تقنية عسكرية عالية المستوى، مثل التقنية التي استخدمت في هذه الهجوم، حيث ان هذه الأسلحة المتطورة لا تمتلكها اي دولة في المنطقة غير إسرائيل، فقد قامت الطائرات الإسرائيلية بقطع مسافة تقارب 4000 كم، فوق البحر الأحمر حتى اخترقت السودان من الساحل الشرقي، متفادية منظومة الدفاع الجوي المصرية والسعودية، ويرى الخبراء بأن اسرائيل تنظر منذ زمن طويل الى السودان الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع إيران والجهاديين على أنه قناة لنقل الأسلحة المهربة عبر مصر إلى قطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس، من جهتها قالت السلطات السودانية انه ليس هناك اي عداوة تستدعي هذا الهجوم بين السودان وبين اي دولة اخرى في المنطقة سوى اسرائيل، واكدت من خلال فحص مخلفات الاسلحة التي استخدمت في الهجوم عن وجود ادلة دامغة بانها أسلحة إسرائيلية.

وعليه فإن تزايد التحشيد العسكري من خلال الهجمات العسكرية بالشرق الأوسط وبيع الأسلحة وصنعها بين الأطراف المتخاصمة، يبرز عدة معطيات تطرح عدة تساؤلات حول موازين تلك الحرب، مثل هل ستكون هناك ضحية جديدة لأسرائيل محالفة لايران؟، وهل ستهيئ هذه الهجمات الظروف الملائمة للتعجيل بحدوث الحرب القادمة؟، وهل ستصبح السودان جبهة حرب إسرائيلية غير مباشرة على أعدائها؟!.

جبهة حرب غير مباشرة

في سياق متصل إذا كانت اسرائيل قصفت مصنع الاسلحة السوداني كما تزعم الخرطوم تكون هذه الغارة جزءا من حربها غير المباشرة ضد المتشددين الاسلاميين في مصر التي لا ترغب اسرائيل في مواجهة مباشرة معها.  ودمر انفجار ضخم المصنع بالقرب من العاصمة السودانية الخرطوم مما أسفر عن مقتل شخصين ووجه السودان بسرعة اصابع الاتهام لإسرائيل بإرسال أربع طائرات عسكرية لتدمير المجمع.

 وفي الوقت الذي تتحول فيه سيناء نفسها الى حاضنة لتفريخ كوادر تستلهم نهج القاعدة خلال الاضطرابات السياسية في مصر يخشى الإسرائيليون الآن من امكانية استخدام مثل هذه الأسلحة ضدهم من داخل الأراضي المصرية، ووضع هذا إسرائيل في مأزق استراتيجي كشفت عنه بوضوح نحو خمس هجمات تعرضت لها عبر الحدود في الأشهر الأخيرة.

ويمنع اتفاق السلام التاريخي بين البلدين في عام 1979 العمل العسكري سواء كان وقائيا أو انتقاميا في سيناء ومن المستبعد جدا ان تخاطر اسرائيل بالخروج عن هذا ولو لمرة واحدة في ظل وجود حكومة جديدة غير متعاطفة في مصر يقودها اسلاميون، وقالت مصادر في الحكومة والجيش ان رد إسرائيل هو ان توجه اولا ضربات على محيط حدود مصر ضد من يشتبه في ان لهم علاقات بالمتشددين في سيناء.، ويعني هذا شن غارات جوية مكثفة على سكان غزة المتهمين بالتخطيط لعمليات في سيناء والقيام بتصعيد مماثل في السودان إلى الجنوب من مصر وفقا للتقارير الواردة من الخرطوم.، ولم تنف إسرائيل او تؤكد شن هجمات على أهداف سودانية. لكن مسؤولي دفاع اسرائيليين يعترفون بوضع أولوية قصوى لتتبع ومراقبة تجارة الأسلحة عبر البلاد.

وقال أحد المسؤولين المتقاعدين ان المراقبة تعود إلى حكومة رئيس الوزراء السابق ايهود اولمرت الذي شن حربا على غزة في اواخر عام 2008 واوائل 2009 لوقف نيران الصواريخ الفلسطينية ووجدت نفسها في مواجهة لوم شديد في الخارج بسبب القتلى المدنيين، ومنذ أوائل عام 2009 -قبل قليل من تولي بنيامين نتنياهو اليميني رئاسة الوزراء خلفا لاولمرت المنتمي الى الوسط- يتهم السودان إسرائيل بتنفيذ عدة ضربات على أراضيه.

وزادت المزاعم بشان اغتيال خبير صنع اسلحة بارز من حماس في دبي عام 2010 وخطف خبير صواريخ فلسطيني مشتبه به من أوكرانيا في العام التالي لمحاكمته الشعور بان هناك حملة واسعة سرية يقوم بها الإسرائيليون.  وفي تعليق مقتضب على الاستراتيجية الإسرائيلية قال المسؤول السابق انها تهدف الى "وقف تدفق الأسلحة (إلى سيناء وقطاع غزة( دون إثارة مواجهات كبيرة ".

وقالت مصادر مخابرات أجنبية ان إسرائيل نفذت هجوما بطائرة دون طيار على قافلة الى الجنوب من الخرطوم في الشهر الماضي دمرت 200 طن من الذخائر بينها صواريخ كانت متجهة الى غزة، وكان تدمير مصنع الاسلحة السوداني مختلفا عن الحوادث السابقة حيث استهدف منشأة حكومية. وفي اشارة أخرى على التصعيد من جانب إسرائيل قال شهود ان الغارة الجوية نفذتها طائرات حربية يقودها طيارون، واوضح عاموس جلعاد وهو مسؤول كبير في وزارة الدفاع الاسرائيلية انه ينبغي النظر الى السودان على انه عدو مثل حماس وإيران وان مصالح القاهرة أيضا في خطر.

واضاف جلعاد لراديو الجيش "من الواضح أنه (السودان) يدعم تهريب الذخيرة أو أنه يساعد غزة. وتمر هذه الذخائر في الواقع عبر مصر لذلك فهو يعرض جارته الكبرى مصر للخطر. إنه يضر الأمن القومي لان هذه الأسلحة يمكن أن تستخدم غدا ايضا ضد المصريين"، ورفض وزير الإعلام السوداني أن يكشف عما إذا كانت أي أسلحة من مصنع اليرموك أرسلت إلى غزة قائلا إن المصنع ينتج أسلحة عادية لا تنتهك قواعد القانون الدولي، وتوصلت دراسة نشرت في سويسرا عن الأسلحة الصغيرة في عام 2009 برعاية العديد من الحكومات الأوروبية الى أن إيران مورد رئيسي للذخائر الخفيفة للسودان. بحسب رويترز.

ولم تقل الخرطوم ما اذا كانت ايران مشاركة بأي شكل من الأشكال في المصنع الذي تعرض للقصف. وقال مصدر غير إسرائيلي مطلع على الحادث ان الضربة الجوية ركزت على المنطقة المفتوحة بين المباني الرئيسية في المنشاة مما يثير احتمال ان يكون الهجوم يستهدف اشخاصا بعينهم أو خطوط إنتاج وليس المجمع بالكامل.

ونظرا لان المسافة بين إسرائيل والسودان حوالي 1900 كيلومتر يرى بعض المعلقين الإسرائيليين في الغارة المزعومة تحذيرا لايران التي اشارت حكومة نتنياهو الى انها قد تهاجم منشآتها النووية في حالة اخفاق الجهود الدبلوماسية في اغلاق منشآتها النووية.

ووصف أليكس فيشمان المحلل الدفاعي بصحيفة يديعوت أحرونوت الاكثر توزيعا في اسرائيل غارة السودان بانها "تدريب بالذخيرة الحية" استعدادا لايران،لكن المسؤول الإسرائيلي الأسبق الذي لديه خبرة عسكرية واسعة ابدى شكوكه ازاء المقارنة بين مصنع الخرطوم المقام في منطقة مكشوفة والمنشآت النووية المحصنة جيدا في ايران. وأشار المسؤول السابق أيضا الى الفرق بين تحليق الطائرات الاسرائيلية على طول البحر الأحمر عبر ممر الطيران الدولي للوصول الى السودان وبين الوصول إلى إيران عبر سماوات دول عربية غير صديقة مثل العراق والسعودية.

صلة إيران

من جهة أخرى نفى السودان ان تكون لايران علاقة بمصنع اليرموك للاسلحة الذي تعرض الاسبوع الماضي لانفجارات وحريق نسبتها الخرطوم الى هجوم اسرائيلي، ونفت وزارة الخارجية السودانية في بيان "اي صلة لانتاج التصنيع العسكري السوداني باي طرف خارجي"، مؤكدة ان "ايران ليست بحاجة لسلاح تصنعه في السودان سواء لها او لحلفائها"، وليل 23-24 تشرين الاول/اكتوبر، شهد مجمع اليرموك العسكري سلسلة انفجارات اعقبها حريق، واتهم السودان اسرائيل بالوقوف وراء قصف المجمع في هجوم ادى الى سقوط قتيلين، وهدد بالرد في المكان والزمان اللذين يراهما مناسبين.

واكدت الخارجية السودانية ان اسرائيل "تحاول جاهدة ان تسرب معلومات مضللة عبر مصادر مختلفة ذات ارتباط معروف بها، تحاول من خلالها ايجاد مبررات وذرائع لفعلتها الشنيعة، من بينها الحديث عن علاقة مزعومة بين انتاج مجمع اليرموك وكل من دولتي ايران وسوريا وحركة حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان". بحسب فرانس برس.

وفي الوقت نفسه، ذكرت قناة برس تي في الايرانية الناطقة بالانكليزية على موقعها الالكتروني ان العديد من السفن الحربية الايرانية وصلت الاثنين الى ميناء سوداني، تنفيذا "لاستراتيجية جمهورية ايران الاسلامية بتوسيع انتشارها البحري في المياه الدولية"، وخلال هذه الزيارة، سيلتقي القادة الايرانيون في الاسطول الثاني والعشرين نظراءهم السودانيين، وفق المصدر نفسه.

سفن حربية

الى ذلك قالت وكالة أنباء الجمهورية الاسلامية الايرانية إن سفينتين حربيتين إيرانيتين رستا في السودان وهو ما يأتي بعد اتهام الخرطوم لاسرائيل بمهاجمة مصنع للسلاح في العاصمة السودانية، وسئل وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك بشأن الاتهامات السودانية في نشرة أخبار القناة الثانية للتلفزيون الاسرائيلي فقال "ليس ثمة ما يمكنني قوله بخصوص هذا الموضوع."

وقالت الوكالة الايرانية ان حاملة طائرات الهليكوبتر خارك والمدمرة الشهيد نقدي تحملان "رسالة سلام وصداقة الى الدول المجاورة وتضمنان أمن خطوط الملاحة في مواجهة الارهاب البحري والقرصنة"، وقالت وكالة أنباء فارس الايرانية شبه الرسمية ان السفينتين رستا في ميناء بورسودان المطل على البحر الاحمر ومن المقرر ان يلتقي قادة الاسطول مع قادة القوات البحرية السودانية. بحسب رويترز.

وقالت ايران في يونيو حزيران ان لديها خططا لبناء مزيد من السفن الحربية وزيادة وجودها في المياه الدولية وخصوصا لحماية سفن الشحن التابعة لها في شتى انحاء العالم، وخطف قراصنة في خليج عدن سفينة ايرانية تحمل 30 ألف طن من البتروكيماويات الى دولة في شمال افريقيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 31/تشرين الأول/2012 - 15/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م